المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(بيان أزواج النبي المصطفي - نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار - جـ ٢

[عبد القادر المجلسي]

فهرس الكتاب

- ‌ سرية عبد الله بن عتيك

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة

- ‌ قصة عكل وعرينة

- ‌ بعث عمرو بن أمية

- ‌وابتاع قيس بن سعد الجواد بن الجواد جزرا

- ‌ ثم بعث خالد سيف الله

- ‌ ثم بعث قيس بن سعد بن عبادة

- ‌ ثم سرية عبد الله بن عوسجة

- ‌ ثم سرية علي بن أبي طالب

- ‌ شكرتك يد افتقرت بعد غنى

- ‌(وقيل في النضير مع واد القرى…قاتل

- ‌ وأما غزوة الغابة

- ‌(بيان أزواج النبي المصطفي

- ‌(وهاجرا فى الدين هجرتين

- ‌ومن مناقبها أنه شهد بدرا سبعة من أهلها:

- ‌ أن أبا سلمة هو أول من هاجر إلى المدينة

- ‌الوصيلة الناقة التى وصلت بين عشرة أبطن

- ‌ الحمد لله الملك القدوس، السلام

- ‌(بيان أولاد النبي أحمدا

- ‌والجمهور على أن مريم لم تكن نبية

- ‌ أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي

- ‌ أما حسن فإن له هيبتى وسؤددي وأما حسين فإن له جودى وجرأتى

- ‌(بيان أعمام النبي المصطفي

- ‌ حمزة أسد الله وأسد رسوله

- ‌وكان عمر يستسقي بالعباس عام الرمادة

- ‌(عماته صفية المبره

- ‌(أخواله الأسود مع عمير

- ‌(بيان ما له من الموالي

- ‌(أما سراريه سوى القبطية…فهي ثلاث

- ‌(بيان حراس النبي المصطفى

- ‌ وقصة اليهودي الذي أظهر الإسلام والتنسك

- ‌(بيان رسل المصطفى لمن ملك: )

- ‌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد

- ‌ إلى المقوقس بعد البسملة من محمد

- ‌ لطيفة وهي إسلام صحابي على يد تابعي

- ‌ إما أن اليمامة سيظهر فيها كذاب

- ‌ وهو أول من بنى مسجدا فى أرض الكفر

- ‌ من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب:

- ‌(بيان من كان من الكتاب له

- ‌ وقتله بعد أن أحرم فى صلاة الصبح أبو لؤلؤة فيروز

- ‌ احذر لئلا تهلك أن تعتقد أن أحدا من الصحابة

- ‌ أمه سمية فكانت أول شهيد في الإسلام

- ‌ وروى إنها القرية التي كانت حاضرة البحر

- ‌(بيان من يقطع بالجنان…لهم

- ‌ وهو أول من أذن للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ جبريل أعان حسان بسبعين بيتا

- ‌(بيان ما له من السلاح)

- ‌ لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي

- ‌ من الأسياف السبعة التي أهدت بلقيس إلى سليمان

- ‌ درع داوود التي لبسها حين قتل جالوت

- ‌ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك

- ‌ فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف

- ‌ كسري وقيصر على الخز والديباج

- ‌ فطلبته الناس يحملون عليه موتاهم

- ‌ لأن صيانة العرض بترك سنة واجب

- ‌ النعل]

- ‌(بيان بعض معجزات المصطفى

- ‌ ولنذكر أولاً حديث مسلم في الإسراء

- ‌ من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين

- ‌ اقتلع قرى قوم لوط وحملها على جناحه

- ‌ لم يكن الوجوب مبرماً

- ‌ وذكره ابن الجوزي في الموضوعات فأخطأ

- ‌ أن فيه لعنكبوتاً أقدم من ميلاد محمد

- ‌ الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز

- ‌ والأصح أنها نعجة بيضاء

- ‌ وأما سجود الجمل له فعن أنس

- ‌ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه

- ‌ لا حاجة لي بهما وجدت الله خيراً لي منهما

- ‌ بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله

- ‌ وكان عتبة أطيب منهن ريحاً مع أنه لا يمس طيباً

- ‌ودعا لمعاوية بالتمكين في البلاد فنال ذلك

- ‌ فجاء الأسد يتشمم وجوههم حتى ضرب عتيبة

- ‌ وهاتان العلامتان لم تكونا منذ خلقت الدنيا

- ‌ ومنها أن آدم وجميع المخلوقات خلقوا لأجله

- ‌(ذكر وفاته صلاة ربه…عليه

- ‌ اللهم في الرفيق الأعلى

- ‌ من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره

- ‌ من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات

- ‌(وجاء الخضر…معزيا لهم

- ‌(يا روضة طاب منها الرق والقلم

- ‌ من رآه بديهة هابه

- ‌ لولا هو عليه السلام ما خلق قمر ولا شمس ولا بر

- ‌تقول فيه بلسان ناعت…أبلج وجه

- ‌ من العباد من ينسى الله حفظته ذنوبه

- ‌ الراحمون يرحمهم الله

الفصل: ‌(بيان أزواج النبي المصطفي

نسي أو شك. وبهذا أجيب عما استشكل من تقديمهم لقول عائشة النافي على قول ابن عمر المثبت وهو خلاف القاعدة –انظر المواهب وشرحها.

قوله:

‌(بيان أزواج النبي المصطفي

صلى عليه ربنا وشرفا)

فالبيان اسم مصدر بينه إذا أظهره وقوله بيان خبر مبتدأ محذوف والمصطفى المخلص من الكدر أي هذا بيان عدد أزواجه عليه الصلاة والسلام، وبعض ما يتعلق بهن من ترتيب تزويجهن وذكر قدر مهورنهن واسنان بعضهن وغير ذلك وصلى عليه أعطاه صلاة أي رحمة، يقارنها تعظيم كما في اللوامع عن الحطاب وشرفه أعلى مرتبه وهذا الدعاء إنما يعود نفعه علينا لا عليه صلى الله تعالى عليه وسلم ونحن مأمورون به تعظيما له عليه السلام لا لينتفع هو به.

(وعدة الأزواج باتفاق أي أتى)

عدة بالكسر: العدد، قال تعالى:{فعدة من أيام أخر} ؛ يعني أن عدد أزواجه صلى الله تعالى عليه وسلم المتفق عليه أي اللاتي دخل بهن إحدى عشرة وإليها أشار بأي فالألف واحدة والياء عشر، ويأتي ذكرهن إن شاء الله تعالى. اثنتان منهن توفيتا في حياته: خديجة وزينب بنت خزيمة، والبواقي توفى صلى الله تعالى عليه وسلم عنهن ونظمها أبو الفضل العقباني كما في التاودي على اللامية بقوله:

(توفى رسول الله عن تسع نسوة

إليهن تعزي المكرمات وتنسب)

(فعائشة ميمونة وصفية

وحفصة تتلوهن هند وزينب)

جويرية مع رملة ثم سودة

ثلاث وست نظمهن مهذب)

قال كاتبه سمح الله تعالى له الظاهر أن قوله أتى خبر عدة وحذف التاء منه، أما باعتبار ان العدة معناه العدد وهو مذكر وأما لأنه مجازي التأنيث: ومع ضمير ذي المجاز في شعر وقع.

وعلى هذا فقوله أي حال فأما أن تكتب بالألف أو تكون محكية اللفظ

ص: 58

وأما كونها خبرا عن عدة فتبقي على تقديره أتى لا فائدة فيها والله أعلم.

(وجاء في البواقي

خلف تركنا ذكره)

يعني أن ما زاد على إحدى عشرة من نسائه صلى الله تعالى عليه وسلم جاء فيه عن العلماء خلف بالضم أي اختلاف وترك الناظم ذكره فلم يتعرض له وها أنا أذكر ما شاء الله أن أذكره من ذلك فأقول قال الحافظ العراقي أزواجه اللاتي بهن قد دخل ثنتا أو إحدى عشرة خلف نقل.

وقوله أو احدى عشرة أي وقيل إحدى عشرة ست قرشيات وأربع عربيات، وإسرائيلية فمن قال هن اثنتا عشرة أدخل فيهن ريحانة ومن قال إحدى عشرة أخرجها واختلف في عدتهن وترتيبهن ومن مات منهن قبله ومن مات عنهن ومن دخل بها ومن لم يدخل بها ومن خطبها ولم ينكحها ومن عرضت نفسها عليه، قاله المناوي وفي المواهب وقد ذكر أنه صلى الله تعالى عليه وسلم تزوج غير من ذكر وجملتهن اثنتا عشر امرأة، الأولى الواهبة نفسها أي التي اشتهرت بذلك واختلف من هي فقيل أم شريك العامرية واسمها غزية، بضم الغين المعجمة وفتح الزاء وشد التحتية بنت جابر بن عوف من بني عامر بن لؤي وقيل غزية بنت دودان بن عوف وطلقها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم واختلف في دخوله بها وقيل الواهبة هي أم شريك غزية الأنصارية من بني النجار، وفي الصفوة هي أم شريك عزية بنت جابر الدوسية وقيل خولة بنت حكيم السلمي أي بضم السين، الثانية خولة بنت الهذيل تزوجها صلى الله تعالى عليه وسلم فماتت قبل أن تصل إليه والثالثة عمرة الكلابية تزوجها فتعوذت منه حين أدخلت عليه فقال لقد عذت بمعاذ، فطلقها، وأمر أسامة فمتعها بثلاثة أثواب وقال قتادة كان ذلك من امرأة من سليم. وقال في عمرة هذه ان أباها وصفها للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ثم قال وأزيدك إنها لم تمرض قط، قال عليه الصلاة والسلام ما لهذه عند الله من خير، فطلقها، الرابعة أسماء بنت النعمان

ص: 59

بن الجون بفتح الجيم ابن الحارث الكندية وكندة بكسر الكاف قبيلة من اليمن، قال أبو عمر أجمعوا أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تزوجها واختلفوا في سبب فراقها فقال قتادة وأبو عبيدة انه صلى الله تعالى عليه وسلم لما دعاها قالت تعال أنت، وأبت أن تجيءن وقال بعضهم قالت أعوذ بالله منك، قال عذت بمعاذ فقد أعاذك الله منى.

وقيل ان نساءه صلى الله تعالى عليه وسلم علمنها ذلك فإنها كانت من أجمل النساء يخفن أن تغلبهن عليه فقلن لها انه يحب إذا دنا منك ان تقولي أعوذ بالله منك، وكانت تسمى نفسها الشقية وقيل المتعوذة غيرها، وقال أبو عبيدة يجوز أن تكونا تعوذتا، الخامسة مليكة بنت كعب الليقية قال بعضهم هي التي استعاذت منه وقيل دخل بها أي وطأها وماتت عنده، والأول أصح. السادسة فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابية تزوجها بعد وفاة بنته زينب وخيرها حين نزلت أيه التخيير واختارت الدنيا وفارقها، فكانت بعد ذلك تلقط بضم القاف البعر، وتقول هي الشقية السابعة عالية بنت ظبيان الكلابية تزوجها عليه السلام وكانت عنده ما شاء الله تعالى ثم طلقها وقال أبو سعد طلقها حين أدخلت عليه. الثامنة قتيلة بنت قيس أخت الأشعث زوجه إيها أخوها في سنة عشر ثم انصرف فحملها فقبض صلى تعالى عليه وسلم قبل قدومها. التاسعة سنا أي بفتح السين وخفة النون بنت أسماء بن الصلت السلمية بضم السين تزوجها وماتت قبل أن يدخل بها وقيل طلقها قبل أن يدخل بها. العاشرة شراف بفتح الشين المعجمة وتخفيف الراء وبالفاء بنت خليفة أخت دحية تزوجها فماتت قبل دخوله بها. الحادية عشر ليلي بنت الخطيم اخت قيس تزوجها صلى الله تعالى عليه وسلم وكانت غيورا فاستقالته فأقالها فأكلها الذئب، الثانية عشر امرأة من بني غفار تزوجها صلى الله تعالى عليه وسلم فرأى بكشحها بياضا فقال ألحقي بأهلم ولم يأخذ مما أتاها شيئا انتهى المراد منه.

وقوله بمعاذ هو بفتح الميم وقوله وقيل المتعوذ غيرها أي غير أسماء

ص: 60

وقيل عمرة كما سبق وقيل أميمة أو مليكة أو سنى أو فاطمة بنت الضحاك أو العالية فهي سبعة أقوال وليلى بنت الخطيم قال ابن سعد هي أول العالية فهي سبعة أقوال وليلى بنت الخطيم قال ابن سعد هي أول من بايع من نساء الأنصار وقوله عالية بنت ظبيان بكسر الظاء ويقال بفتحها، وروى يعقوب بن سفيان عن الزهري أنه بني بها انتهى من الزرقاني.

وذكر نساء أخلا قد تزوجهن عليه السلام منهن سلما بنت نجدة بنون وجيم الليثية نكها فتوفي عنها وأبت أن تتزوج بعده ذكره أبو سعيد ومغلطاي وغيرهما والشنباء بفتح المعجمة فنون ساكنة فموحدة فألف تأنيث بنت عمرو الغفارية أو الكنانية دخل بها ومات ابنه ابراهيم فقالت لو كان نبيا ما مات أحب الناس إليه فطلقها، ذكره جرير وابن عساكر وابن رشد، في آخر المقدمات وعمرة بنت معاوية الكندية ذكرها أبو نعيم ومليكة بنت داوود ذكرها ابن حبيب وأمية بنت النعمان ابن شراحيل ذكرها البخارس بناء على أنها غير أسماء المتقدمة وذكر غير ذلك وقد خطب عليه السلام نساء ولمم يتزوجهن، منهن ضباعة بضم الضاد المعجمة وتخفيف الموحدة وبالعين المهملة بنت عامرو ابن قرط بضم القاف وسكون الراء فطاء مهملتين من بني عامر بن صعصعة أسلمت قديما بمكة وهاجرت وكانت من أجمل نساء العرب وأعظمها خلقا وإذا جلست أخذت كثيرا من الأرض وتغطي جسدها مع عظمها بشعرها كانت تحت هوذة بن على الحنفي فمات عنها فتزوجها عبد الله بن جدعان فلم يلق بخاطرها فسألته طلاقها ففعل بعد أن حلفها أنها ان تزوجت هشام بن المغيرة المخزومي تنحر مائة ناقة سود الحدق وتغزل خيطا يمد بين أخشبي مكة وتطوف عريانة فتزوجها هشام ونحر عنها المائة ناقة وأمر نساء بني المغيرة بغزل خيط ومده بين الأخشبين وأمر قريشا فأخلوا لها البيت.

قال المطلب بن وداعة وكان لدة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فخرجت أنا ومحمد ونحن غلامان واستصغرونا فلم نمنع فنظرنا إليها فخلعت ثوبا ثوبا وهي تقول:

ص: 61

(اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدى منه فلا أحله)

حتى نزعت ثيابها فنشرت شعرها على ظهرها وبطنها فما ظهر من جسدها شيء فطافت وولدت له سلمة وكان من خيار المسلمين وخطبها صلى الله تعالى عليه وسلم إلي ابنها سلمة ابن هشام فقال حتى إني ابتغى أن أحشر مع أزواجه، فقل له نعم قبل أن يبدو له، فقيل له عليه السلام انها قد كبرت، فلما عاد ابنها وقد أذنت سكت عنها عليه السلام فلم يتزوجها - انتهى من المواهب وشرحها.

(. . .) فالمتفق عليه أولاهن ذكرها سبق)

قوله فالمتفق عليه بصيغة اسم المفعول مبتدأ ونائبة المجرور وأولاهن مبتدأ وذكرها مبتدأ وخبره قوله سبق والجملة الأخيرة خبر المبتدأ قبله وهو وخبره خبر للمبتدأ الأول يعني أن أزواجه صلى الله تعالى عليه وسلم المجمع عليهن وعلى دخوله بهن أولاها في التزويج أي التي هي أول من تزوج المصطفي قد تقدم للناظم ذكرها في صدر الكتاب وال موصولة أي اللاتي اتفق عليهن منهن أي على تزويجه عليه السلام بهن ودخوله بهن، الأولى منهن في التزويج تقدم ذكرها في قوله:

(وإذا إلي مكة عاد وافتتح

ستا وعشرين من العمر نكح)

(خديجة من بعد اربعينا

مضت لها من عمرها سنينا)

(خير نساء الناس أجمعينا

وقد أقامت معه عشرينا)

وأربعا ورزق البنينا

منها سوى أحدهم يقينا)

وتقدم الكلام على هذه الأبيات مستوفي، قال خوليد بن أسد بن عبد العزى ابن قصى ويصح أنه منصوب بفعل محذوف تقديره أعني ووصفها بقوله (التي قد صدقت قبل النساء بالنبي فارتقت)، يعني أن أمنا خديجة رضى الله تعالى عنهما صدقت أي آمنت بالنبي صلى الله تعالى عليه

ص: 62

وسلم قبل جميع نسائه بل وقيل كل أحد من الرجال والنساء فارتقت بسبب ذلك إلي أعلى مقام أي علت إليه، قال العلامة الزرقاني في شرح المواهب: أنها أول خلق الله تعالى أسلم بإجماع المسلمين، لم يتقدمها رجل ولا إمرأة، قاله الحافظ أبو الحسن عز الدين بن الأثير، وأقره الإمام الذهبي وسبقهما لحكاية الإجماع الثعالبي وابن عبد البر فسنت أحسن السنن ولها أجرها وأجر من عمل بها إلي يوم القيامة – انتهى كلامه.

(وما تزوج عليها أحدا

حياتها من النساء أبدا)

هذا من مناقبها التي اختصت بها يعني أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يتزوج على خديجة رضى الله تعالى عنها في مدة حياتها بل توفيا في مكة وما في عصمته عليه السلام سواها. وهذا مما لا خلاف فيه.

فائدتان:

الأولى: أزواجه صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل من سائر النساء قال تعالى: {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء اتقيتن} وعبارة القاضي حسين نساؤه أفضل من نساء العالمين وعبارة المتولي خير نساء هذه الأمة ويلزم من كونها خير نساء هذه الأمة أنهن خير نساء الأمم، لأنها أفضل الأمم إلا أنه لا يلزم من تفضيل الجملة على الجملة بتفضيل كل فرد على كل فرد قيل بنبوءة مريم وآسية وأم موسى فإن ثبت خصت من العموم، ذكره السبكي زاد غيره وحواء وسارة وهاجر نقله الزرقاني.

الثانية معنى كون أزواجه عليه السلام أمهات المؤمنين أي في تحريم نكاحهن على التأبيد ووجوب احترامهن، لا في نظر وخلوة بهن فحرام كالأجانب قال تعالى:{وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} أي ستر، قال عياض فلا يجوز إظهار شخوصهن وإن كن متسترات إلا

ص: 63

من ضرورة من براز ورده الحافظ بأنهن كن بعده عليه السلام يحتجبن ويطفن وسمع الصحابة ومن بعدهم الحديث منهن وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص قال الزرقاني ويمكن أن ذلك من جملة الضرورة وأن قوله من براز أي مثلا فلا يرد عليه ذلك – انتهى. وقوله براز هو قضاء الحاجة قال مؤلفه. وللعراقي:

(أزواجه كلا محرمات

هن لذي الإيمان أمهات)

(نكاحهن مع عقوقهنه

مع الوجوب لاحترامهنه)

(لا نظر وخلوة بهنه

ولا بتحريم بناتهنه)

قال المناوي صرح عياض بحرمة كشف وجوههن وأكفهن بشهادة أو غيرها، (ثم) بعد موت خديجة رضي الله تعالى عنها (تزوج) صلى الله تعالى عليه وسلم عائشة الصديقة (ابنت الصديق) سيدنا أبي بكر رضي الله تعالى عنها ابن أبي قحافة واسمه عبد الرحمن ابن عثمان ابن عامر ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، جده عليه السلام وأمها أم رومان بضم الراء وفتحها واسمها زينب وقيل دعد بنت عامر بن عويمر بالتصغير بن عبد شمس من بني غنم بن مالك بن كنانة وكانت عائشة رضي الله تعالى عنها قد خطبها المطعم بن عدي لابنه جبير بن مطعم فخطبها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتزوجها اما لأنه لم يعلم بالخطبة أو كان قبل النهى وروى أحمد بن عاصم والطبراني وغيرهما عن عائشة لما ماتت خدية جاءت خوله بنت حكيم وقالت يا رسول الله ألا تتزوج؟ قال من؟ قالت إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا، فأما البكر فابنت أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر وأما الثيب فسودة بنت زمعة لقد آمنت بك، قال فاذكريهما على، فأتيت أم رومان فقلت ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قالت وما ذلك؟ قلت رسول الله عليه السلام يذكر عائشة، قالت وددت أن تنظري أبا بكر فجاء فذكرت ذلك له، فقال أو تصلح له وهي ابنة اخيه ورجعت وذكرت ذلك للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال قوله له أنت أخي وأنا أخوك في الإسلام وابنتك تصلح لي فرجعت وأخبرته بذلك، فقال أبو

ص: 64

بكر لأم رومان ان المطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه والله ما أخلف أبو بكر وعدا قط فأتى المطعم وعنده امرأته فقال ما تقول في أمر هذه الجارية فأقبل على امرأته فقال ما تقولين؟ فأقبلت على أبي بكر فقالت لعلنا أن نكحنا هذا الصبي إليك تصبئه وتدخله في دينك فقال أبو بكر ما تقول أنت؟ فقال انها تقول ما تسمع فقام أبو بكر ليس في نفسه شيء من الموعد فقال لخولة قولي لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فليأت فدعته فملكها أي تزوجها.

(وعمرها ست على التحقيق)

يعني انه صلى الله تعالى عليه وسلم تزوج عائشة أي عقد عليها، وهي بنت ست سنين، أخرج الشيخان عن عائشة قالت تزوجني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأنا ابنت ست سنين وفي رواية لمسلم والنسائي عنها وانا ابنت سبع سنين وجمع في الإصابة بينهما بأنها أكملت السادسة ودخلت في السابعة – انظر المواهب وشرحها.

(بالبلد الحرام قبل الهجرة

بسنتين عند أهل الخبرة)

يعني أنه عليه السلام تزوجها بالبلد الحرام أي بمكة قبل الهجرة إلي المدينة بسنتين عند اهل الخبرة بهذا الفن أي العلم به، وقوله بسنتين إلخ. الذي في المواهب هو ما نصه وتزوجها بمكة في شوال سنة عشر من النبوءة قبل الهجرة بثلاث سنين ولها ست سنين، وقوله قبل الهجرة بثلاث سنين زيادة إيضاح لما قبله، وقوله ولها ست سنين أي لأنها ولدت في الإسلام سنة أربع من النبوءة كما في العيون والإصابة قاله الزرقاني. وفي المواهب أيضا وماتت خديجة رضي الله تعالى عنها بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين، قال الزرقاني عقبة ما نصه على الصحيح كما في الفتح والإصابة وزاد عن الواقدي لعشر خلون من رمضان انتهى.

وفي المواهب بعد هذا وقيل قبلها يعني الهجرة بأربع وقيل خمس ودفنت بالحجون – انتهى. فانظر هذا الذي اقتصر عليه الناظم من أنه

ص: 65

تزوجها قبل الهجرة بسنتين والله تعالى أعلم.

(ثم بنى بها بعيدما ارتحل

لطيبة وعمرها تسعا وصل)

قوله بعيد تصغير بعد وهو الذى يدل على قرب الزمن، وما مصدرية، وتسعا منصوب بوصل، وعمرها مبتدأ ووصل خبره، والجملة حالية، يعنى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم بنى بعائشة رشي الله تعالى عنها أي دخل بها بعد ارتحاله بها لإلى طيبة وهي المدينة المنورة على ساكنيها أفضل الصلاة والسلام، وكان بناؤه بها فى شوال فى السنة الأولى بعد مقدمه المدينة بتسعة أشهر على الصحيح، والحال أن عمرها بلغ إذ ذاك تسع سنين، وقيل بنى بها فى شوال سنة اثنتين من الهجرة على رأس ثمانية عشر شهرا، وعليه فتكون لها عشر سنين ونصف سنة وكونه عليه السلام بنى بها ولها تسع سنين ثبت عنها فى الصحيحين وغيرهما وهو الذى ياتى عليه أنه بنى بها فى السنة الأولى، وروى ابن سعد وغيره عنها قالت أعرس بي على رأس ثمانية أشهر، وبهذا صدر فى الإصابة والعيون وفى مسلم عنها تزوجنى صلى الله عليه وسلم فى شوال بنى فى شوال، قال فى الفتح وإذا ثبت أنه بنى بها فى شوال من السنة الأولى قوي قول من قال دخل بها بعد الهجرة بسبعة أشهر وقد هاه النووي وليس بواه، إذا عددنا من ربيع وجزمه بأن دخوله بها كان فى الثانية يخالف ما ثبت أنه دخل بها بعد خديجة بثلاث سنين، وقال الدمياطي ماتت خديجة وعقد على سودة فى شوال ثم على عائشة ودخل بسودة قبل عائشة انتهى. ملخصا من الزرقاني وما صدر به فى المواهب من أنه بنى بها فى شوال سنة اثنتين ضعفه الزرقاني، وقال انه لا ياتى على قول المواهب انه بنى بها ولها تسع سنين كما ثبت فى الصحيحين- انتهى.

وهذا ظاهر لأنها إذا كانت فى شوال قبل الهجرة بثلاث سنين قد مضى لها ست سنين وبنى بها فى شوال سنة اثنتين على رأس ثمانية عشر شهرا فقد كانت حين الهجرة لها تسع سنين لأنه عليه السلام عقد عليها ولها ست سنين وكان ذلك قبل الهجرة بثلاث سنين على ما

ص: 66

اقتصر عليه فى المواهب قاله كاتبه والله تعالى أعلم.

وفي الصحيحين عن عائشة انها قالت تزوجنى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأنا بنت ست سنين فقدمنا المدينة فنزلنا فى بنى الحارث بن الخزرج فوكعت بضم الواو والتاء أي حممت فتمزق شعرى بزاي مشددة أي تقطع. وفى رواية فتمرق بالمهملة أي تنتف فوفى جميمه ووفى بتخفيف الفاء أي كثر وفيه حذف تقديره ثم نصلت من الوعك فتربى شعري فكثر جميمه بالجيم مصغرا، مصغر جمة يجمع شعر الناصية فأتتني أم رومان وإني لفي أرجوحة مع صواحب لى والأرجوحة بضم الهمزة وسكون الراء وضم الجيم فواو فمهملة حيبل يشد فى كل من طرفيه خشبة فيجلس واحد علي طرف وآخر على طرف ويحركان فيميل أحدهما بالآخر نوع من اللعب، فصرخت بي فأتيتها ما أدرى ما تريد منى فأخذت بيدى فأوقفتنى على باب الدار وأنا أنهج بنون وجيم مع فتح الهمزة والهاء وضم الهمزة وكسر الهاء أي أتنفس تنفسا عاليا من الاعياء حتى سكن بعض نفسى بفتح الفاء ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار فإذا نساء من الأنصار فى البيت فقلن على الخير والبركة وعلى خير صائر أي على خير حظ ونصيب، فأسلمتنى إليهن فأصلحن من شأنى فلم يرعني بضم الراء أي لم يفزعنى إلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ضحى وكنت بذلك من المفاجأة على غير علم فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين، وفى رواية لمسلم ولعبتها معها.

(ومات عنها وهي بنت حيي

صلى عليه رب كل شي)

يعني أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كانت مدة مقامه مع عائشة تسع سنين ومات عنها عليه السلام ولها ثمان عشرة سنة كما فى مسلم وغيره عنها وإلى هذا أشار الناظم بالحاء والياء فالحاء ثمان، والياء عشر.

ص: 67

وقوله شي بشد الياء لغة فى شيء أي صلى عليه مالك كل شيء دعاء بلفظ الخبر. قال الزرقاني وروي أنها مدحت النبي صلي الله عليه وسلم بقولها:

(فلو سمعوا فى مصر أوصاف خده

لما بذلوا فى سوم يوسف من نقد)

(لواحى زليخا لو رأين جبينه

لئاثرن بالقطع القلوب على الأيدى)

ولواحي جمع لاحية يعنى النسوة اللاتي لمنها فى شأن يوسف؛ وفى الصحيحين من حديتها أنه عليه السلام قال لها: رأيتك وفى رواية أريتك بضم الهمزة فى المنام، ثلاث ليال جاءني بك أي بصورتك الملك، أي جبريل فى سرقة حرير يقول هذه امرأتك، فاكشف عن وجهك، فإذا هي أنت فأقول إن يكن من عند الله يمضه، والسرقة بفتح السين والراء المهملتين فقاف القطعة، ويمضه بضم أوله، قال الطبي هذا الشرط مما يقوله المتحقق لثبوت الشيء المدلى بصحة تحقق وقوع الجزاء ونحوه. قول السلطان لمن يحب قهره، ان كنت أميرا انتقمت منك وقال عياض يحتمل أنه قال ذلك قبل البعثة فلا إشكال، وإن كان بعدها فيحتمل التردد، هل هي زوجته فى الدنيا والآخره؟ أو الآخرة فقط، أو أنه لفظ شك لا يراد به ظاهره وهو نوع من البديع يسمى تجاهل العارف، قال الحافظ والأخير هو المعتمد، ولابن حبان هي زوجتك فى الدنيا والآخرة. وأصل السرقة بفتحات شقة الحرير البيضاء وقيل الحرير عامة، وجمعه سرق بالتحريك والمراد هنا المعنى الثانى، بدليل أنها خضراء، لما رواه الترمذي وحسنه ان جبريل جاءه عليه الصلاة والسلام بصورتها فى خرقة حرير خضراء وقال هذه زوجتك فى الدنيا والآخرة.

وفي رواية عنده قال أتاني جبريل فقال ان الله تعالى قد زوجك يا بنت أبى بكر، ومعه صورتها. وروى الطبراني برجال الصحيح أنها قالت أعطيت تسع خلال ما أعطيتها امرأة؛ والله ما أقول هذا فخرا، نزل الملك بصورتى وتزوجنى لسبع وأهديت إليه لتسع وتزوجنى بكرا، وكان الوحي يأتيه وأنا وهو فى لحاف واحد. وكنت أحب الناس إليه وآبنت أحب الناس إليه، ولقد نزلت في آيات من القرآن، وقد كادت

ص: 68

الأمة تهلك في ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري وقبض فى بيتى ولم يله أحد غيرى وغير الملك.

وروى أبو الحسن الخلعي عنها: رفعته يا عائشة، انه ليهون علي الموت؛ إنى قد رأيتك زوجتى فى الجنة. رواه ابن عساكر بلفظ ما أبالى بالموت، قد علمت أنك زوجتى فى الجنة.

(ولم يكن تزوج المختار

بكرا سواها فلها الفخار)

قوله المختار اسم يكن، وتوسط الخبر وهو تزوج بينه وبين الفعل وفاعل تزوج ضمير الاسم وبكرا مفعول تزوج والفخار بالفتح التمام بالخصال، قاله فى القاموس يعنى أنه صلي الله عليه وسلم لم يتزوج قط بكرا غيرها فبسبب ذلك ثبت لها الفخار أي المدح بتلك الخصلة على سائر نسائه. وهذا متفق عليه عند أهل النقل وهو فى الصحيح.

وفي الحديث فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام. وفيه يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام. فقالت عليه السلام ورحمة الله وبركاته.

وقال عليه السلام يا أم سلمة، لا توذينى فى عائشة، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا فى لحاف امرأة منكن غيرها، وكلها فى الصحيح. قال فى الفتح مما يسأل عنه وجه اختصاصها بذلك فقيل لمكان أبيها فسرى ذلك لابنته مع ما كان لها من مزيد حبه صلي الله عليه وسلم، وقيل كانت تبالغ فى تنظيف ثيابها التى تنام فيها معه صلي الله عليه وسلم، وروى الطبراني والبزار برجال ثقات عنها: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم طيب النفس، فقلت يا رسول الله ادع لى. فقال اللهم أغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، وما أسرت وما أعلنت. فضحكت عائشة حتى سقط رأسها فى حجرها من الضحك، فقال صلي الله تعالى عليه وسلم: أسرك دعائى؟ فقالت مالي لا يسرنى دعاؤك. قال فو الله إنها لدعوتى لأمتى فى كل صلاة- انظر الزرقاني.

وفي المواهب وكانت عائشة تكنى أم عبد الله مروي أنها أسقطت من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم سقطا ولم يثبت، والصحيح أنها

ص: 69

كانت تكنى بعبد الله بن الزبير بن أختها، فإنه عليه الصلاة والسلام تفل فى فيه لما ولد وقال لعائشة هو عبد الله وأنت أم عبد الله، قالت فما زلت أكنى بها وما ولد قط. خرجه أبو حاتم انتهى.

قال الزرقاني وفى الروض بعد تضعيف حديث السقط وأصح منه حديث أبي داوود أنه صلي الله تعالى عليه وسلم قال لها تكني بابن أختك عبد الله بن الزبير ويروى بابنك عبد الله، لأنها كانت قد استوهبته من أبويه فكان فى حجرها يدعوها أما- انتهى.

(وكم حوت فى مدة يسيره

من العلوم الجمة الغزيره)

كم تكثيرية وهي مفعول حوت، والمدة القطعة من الزمن ويعنى بها مدة إقامتها معه صلي الله تعالى عليه وسلم وهي تسع سنين ولذا وصفها باليسارة أي القلة، والجمة بالفتح الكثرة، والغزيرة بفتح العين المعجمة مرادف له، وحوت معناه جمعت يعنى أنها رضي الله تعالى عنها قد جمعت فى هذه السنين التسع من العلوم بجميع أنواعها ما لا يتعلمه غيرها فى الأزمان المتطاولة، فكانت فقيهة جدا، حتى قيل ان ربع الأحكام الشرعية منقول عنها، عالمة بكل العلوم. قال أبو موسى الأشعري ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم حديث قط فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما. رواه الترمذي وصححه.

وقال عروة ما رأيت أحدا أعلم بالقرآن ولا بفريضة ولا بجلال ولا بحرام ولا بشعر ولا بطب ولا بحديث العرب ولا نسب من عائشة رواه الحاكم وغيره بسند حسن. وقال عطاء كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا- انتهى.

وكانت فصيحة. قال معاوية ما رأيت خطيبا قط أبلغ ولا أفصح ولا أفطن من عائشة رواه الطبراني. وكانت كثيرة الحديث، روي لها عن رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم ألفان بالتثنية ومائتا حديث وعشرة، وكانت عارفة بأيام العرب وأشعارها، فما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا، وكانت زاهدة كثيرة الكرم والصدقة.

ص: 70

وعن أم درة قالت أثيت عائشة بمائة ألف، ففرقتها وهي يومئذ صائمة، وقلت لها أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحما تفطرين عليه؟ فقالت لو ادركتيني لفعلت. وكانت رضي الله عنها بيضاء وزاعم أنها سوداء كذبه ابن معين وغيره. ويقال لها عيشة فى لغة فصيحة وعائشة أفصح. وهي بالهمز وعوام المحدثين يبدلونها ياء. وكان عليه السلام يقسم لها ليلتين، ليلتها وليلة سودة ولا يقسم لسودة لأنها وهبت ليلتها لما كبرت لعائشة.

وما فى مسلم عن ابن جريح ان التى كان لا يقسم لها صفية وهم، كما قاله عياض والطحاوي وغيرهما- انظر الزرقاني.

تنبيه:

مشى الناظم رحمه الله تعالى على ان عائشة هى التى تلي خديجة فى التزويج بها وهو قول محمد بن عقيل، والذى صدر به فى المواهب ان سودة هي التى تلي خديجة وانه تزوج سودة قبل أن يعقد على عائشة، وقال هذا قول ابن أبى عبيدة وقتادة ولم يذكر ابن قتيبة غيره- انتهى.

قال الزرقاني وبه جزم الجمهور، قال فى الإصابة ورواه ابن إسحاق، فقال كانت سودة أول امرأة تزوجها بعد خديجة، قال اليعمري وهو الصحيح ويجمع بين القولين بأنه صلي الله تعالى عليه وسلم عقد على عائشة قبل الدخول بسودة، ودخل بسودة بمكة قبل الدخول بعائشة- انتهى.

وقال العراقي:

خديجة الأولى تليها سودة

ثم تلى عائشة الصديقة

وقيل قبل سودة فحفصة

انتهى المراد منه.

ص: 71

وقال الزرقاني جرى المصنف فى ترتيبهن على ما رواه يونس عن الزهري أنه صلي الله تعالى عليه وسلم تزوج بعد خديجة سودة ثم عائشة ثم حفصة ثم أم سلمة ثم أم حبيبة.

وفي رواية عقيل عنه خديجة ثم سودة ثم عائشة ثم أم حبيبة ثم أم حفصة، ثم أم سلمة. وروى عبد الملك النيسابوري عن أبي سعيد يرفعه: ما تزوجت شيئا من نسائي ولا زوجت شيئا من بناتي إلا بوحي جاءني به جبريل عن ربي عز وجل انتهى.

(وبالبقيع دفنت فى حن ليلا

)

مراده أن عائشة دفنت ليلا بالبقيع بوصيتها لابن اختها عروة فقالت إذا أنا مت فادفنى مع صواحبى بالبقيع. فدفنت به ليلا، ونزل فى قبرها القاسم بن محمد بن عمة عبد الله بن عبد الرحمن وعروة وعبد الله أبناء الزبير وحضر جنازتها أكثر أهل المدينة، وصلى عليها أبو هريرة وكانت يومئذ خليفة لمروان بن الحكم على المدينة. ومروان أمير المدينة من جهة معاوية فحج واستخلف أبا هريرة وتوفيت على ما قال الناظم عام ثمان وخمسين كما أشار له بقوله:

في حن. فالحاء ثمان والنون خمسون وعزاه ابن حجر للأكثرين وصححه الشامي وذلك كما قال الواقدي ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان. والذى ذكر على بن المديني عن سفيان عن هشام بن عروة وصححه فى التقريب أنها ماتت عام سبعة وخمسين وقيل ماتت سنة ست وخمسين وقيل سنة تسع وخمسين، بتقديم المثناة. فعلى قول ابن المديني عاشت ستا وستين سنة، وعلى ما عزاه الحافظ للأكثر ألغي عام الولادة أو الموت.

(وسودة سمت فى البسن

فوهبت ليلتها لها لكي تحشر فى أزواجه بنت لؤي)

يعني أن أمنا سودة رضي الله تعالى عنها سمت أي علت وكبرت فى

ص: 72

السن فأراد صلي الله تعالى وسلم أن يطلقها، فقالت لا تطلقنى وأنت فى حل منى، فأنا أريد أن أحشر فى أزواجك وإنى قد وهبت يومي لعائشة، وإنى لا أريد ما تريد النساء فأمسكها حتى توفي.

وأخرج الترمذي بسند حسن عن ابن عباس وأبو داوود عن عائشة أن سودة خشيت أن يطلقها صلى الله تعالى عليه وسلم فقالت لا تطلقني وأمسكني وأجعل يومي لعائشة ففعل، ففعلت. فأنزل الله:{وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا} (الآيه).

وفي مرسل رواه ابن سعد انه بعث إليها بطلاقها فناشدته أن يراجعها، وجعلت يومها وليلتها لعائشة، ففعل. لكن صحح الدمياطي وتلميذه اليعمري أنه لم يطلقها. وكانت رضي الله تعالى عنها شديدة الاتباع لأمره صلي الله تعالى عليه وسلم. وصح عن عائشة أنها قالت: ما من الناس أحد أحب إلى أن أكون فى مسلاخه من سودة، ان بها إلا حدة فيها، كانت تسرع منها الفيئة. ومسلاخها بكسر الميم وسكون المملة وخفة اللام وخاء معجمة هديها وطريقتها.

وروى ان عمر بعث إليها غرارة من الدراهم، فقالت ما هذه؟ قالوا دراهم. قالت فى غرارة مثل التمر؟ ! ففرقتها. وكانت تضحكه صلي الله تعالى عليه وسلم بالشيء أحيانا.

فائدة:

يقال كبر بالكسر إذا أسن، يكبر بالفتح، وكبر بالضم إذا عظم فى الأجسام والمعاني، يكبر بالضم فيهما.

قال الدنوشري:

كبرت بكسر الباء فى السن وارد

مضارعه بالفتح لا غير يا صاح

وفي الجسم والمعنى كبرت بضمها

مضارعها بالضم جاء بإيضاح

نقله الزرقاني. وقول الناظم فوهبت فاعله ضمير يعود على سودة كالمجرور بالإضافة وأما المجرور باللام فهو لعائشة، وبنت نائب فاعل

ص: 73

تحشر وفيه إقامة الظاهر مقام المضمر، وأتى به الناظم ليبين النسب الذى يجمعها مع المصطفى عليه السلام وهو جدهما لؤي. وسودة بفتح السين هي بنت زمعة بفتح الزاي وسكون الميم وتفتح على ما فى القاموس، وبه يرد لقول المصباح لم أظفر بسكونها، ابن عبد شمس، ابن عبد ود، بفتح الواو وشد الدال، وتضم الواو، ابن نضر بن مالك، بن حسل بكسر الحاء وسكون السين المهملتين فلام ابن عامر بن لؤي وأمها الشموس بشين معجمة فميم فواو فمهملة بنت قيس بن عمرو أخي سلمى بنت عمرو بن زيد النجارية، أم عبد المطلب.

(وبعد موت زوجها السكران

تزوجت خير بنى عدنان

صلى عليه ربنا وسلما

وآله وصبحه وكرما)

قوله بعد متعلق بتزوجت والضمير المضاف إليه زوج لسودة يعنى أنها رضي الله عنها كانت قبل النبي صلي الله تعالى عليه وسلم تحت ابن عمها السكران عمرو بن عبد شمس جدها هي المتقدم نسبه، فالسكران ابن عم أبيها، وهو أخو سهيل بالتصغير، وسهل بالتكبير وسليط بفتح المهمله وكسر اللام وحاطب بنو عمرو كلهم صحابة، رضي الله تعالى عنهم، والسكران أسلم قديما وهاجر معها الهجرة الثانية إلى الحبشة، كما ياتى، وهاجر سليط الهجرة الأولى إلى الحبشة على ما فى العيون كما فى الزرقاني، وكذا أخوه حاطب كما فى العراقي. وفى المواهب وكانت تحت ابن عم يقال له السكران ابن عمرو أخو سهيل بن عمرو وأسلم معها قديما وهاجرا جميعا إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، فلما قدما مكة مات زوجها وقيل أنه مات بالحبشة، وتزوجها صلي الله تعالى عليه وسلم بمكة بعد موت خديجة قبل أن يعقد على عائشة انتهى المراد منه.

وفي الزرقاني انها ولدت للسكران ابنا يسمى عبد الرحمن، قتل بحلولاء فى قتال فارس وفيه انها رأت فى المنام كأن النبي صلي الله تعالى عليه وسلم أقبل يمشي حتى وطئ عنقها فأخبرت زوجها بذلك، فقال إن صدقت رؤياك لأموتن وليتزوجنك، ثم رأت فى المنام ليلة

ص: 74