المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الحمد لله الملك القدوس، السلام - نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار - جـ ٢

[عبد القادر المجلسي]

فهرس الكتاب

- ‌ سرية عبد الله بن عتيك

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة

- ‌ قصة عكل وعرينة

- ‌ بعث عمرو بن أمية

- ‌وابتاع قيس بن سعد الجواد بن الجواد جزرا

- ‌ ثم بعث خالد سيف الله

- ‌ ثم بعث قيس بن سعد بن عبادة

- ‌ ثم سرية عبد الله بن عوسجة

- ‌ ثم سرية علي بن أبي طالب

- ‌ شكرتك يد افتقرت بعد غنى

- ‌(وقيل في النضير مع واد القرى…قاتل

- ‌ وأما غزوة الغابة

- ‌(بيان أزواج النبي المصطفي

- ‌(وهاجرا فى الدين هجرتين

- ‌ومن مناقبها أنه شهد بدرا سبعة من أهلها:

- ‌ أن أبا سلمة هو أول من هاجر إلى المدينة

- ‌الوصيلة الناقة التى وصلت بين عشرة أبطن

- ‌ الحمد لله الملك القدوس، السلام

- ‌(بيان أولاد النبي أحمدا

- ‌والجمهور على أن مريم لم تكن نبية

- ‌ أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي

- ‌ أما حسن فإن له هيبتى وسؤددي وأما حسين فإن له جودى وجرأتى

- ‌(بيان أعمام النبي المصطفي

- ‌ حمزة أسد الله وأسد رسوله

- ‌وكان عمر يستسقي بالعباس عام الرمادة

- ‌(عماته صفية المبره

- ‌(أخواله الأسود مع عمير

- ‌(بيان ما له من الموالي

- ‌(أما سراريه سوى القبطية…فهي ثلاث

- ‌(بيان حراس النبي المصطفى

- ‌ وقصة اليهودي الذي أظهر الإسلام والتنسك

- ‌(بيان رسل المصطفى لمن ملك: )

- ‌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد

- ‌ إلى المقوقس بعد البسملة من محمد

- ‌ لطيفة وهي إسلام صحابي على يد تابعي

- ‌ إما أن اليمامة سيظهر فيها كذاب

- ‌ وهو أول من بنى مسجدا فى أرض الكفر

- ‌ من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب:

- ‌(بيان من كان من الكتاب له

- ‌ وقتله بعد أن أحرم فى صلاة الصبح أبو لؤلؤة فيروز

- ‌ احذر لئلا تهلك أن تعتقد أن أحدا من الصحابة

- ‌ أمه سمية فكانت أول شهيد في الإسلام

- ‌ وروى إنها القرية التي كانت حاضرة البحر

- ‌(بيان من يقطع بالجنان…لهم

- ‌ وهو أول من أذن للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ جبريل أعان حسان بسبعين بيتا

- ‌(بيان ما له من السلاح)

- ‌ لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي

- ‌ من الأسياف السبعة التي أهدت بلقيس إلى سليمان

- ‌ درع داوود التي لبسها حين قتل جالوت

- ‌ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك

- ‌ فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف

- ‌ كسري وقيصر على الخز والديباج

- ‌ فطلبته الناس يحملون عليه موتاهم

- ‌ لأن صيانة العرض بترك سنة واجب

- ‌ النعل]

- ‌(بيان بعض معجزات المصطفى

- ‌ ولنذكر أولاً حديث مسلم في الإسراء

- ‌ من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين

- ‌ اقتلع قرى قوم لوط وحملها على جناحه

- ‌ لم يكن الوجوب مبرماً

- ‌ وذكره ابن الجوزي في الموضوعات فأخطأ

- ‌ أن فيه لعنكبوتاً أقدم من ميلاد محمد

- ‌ الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز

- ‌ والأصح أنها نعجة بيضاء

- ‌ وأما سجود الجمل له فعن أنس

- ‌ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه

- ‌ لا حاجة لي بهما وجدت الله خيراً لي منهما

- ‌ بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله

- ‌ وكان عتبة أطيب منهن ريحاً مع أنه لا يمس طيباً

- ‌ودعا لمعاوية بالتمكين في البلاد فنال ذلك

- ‌ فجاء الأسد يتشمم وجوههم حتى ضرب عتيبة

- ‌ وهاتان العلامتان لم تكونا منذ خلقت الدنيا

- ‌ ومنها أن آدم وجميع المخلوقات خلقوا لأجله

- ‌(ذكر وفاته صلاة ربه…عليه

- ‌ اللهم في الرفيق الأعلى

- ‌ من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره

- ‌ من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات

- ‌(وجاء الخضر…معزيا لهم

- ‌(يا روضة طاب منها الرق والقلم

- ‌ من رآه بديهة هابه

- ‌ لولا هو عليه السلام ما خلق قمر ولا شمس ولا بر

- ‌تقول فيه بلسان ناعت…أبلج وجه

- ‌ من العباد من ينسى الله حفظته ذنوبه

- ‌ الراحمون يرحمهم الله

الفصل: ‌ الحمد لله الملك القدوس، السلام

أزواجك إياها فيكون تزوجها بعد الفتح وهذه طريقة باطلة عند من له أدنى علم بالسير والتواريخ.

وقال ابن الجوزي فيه وهم من بعض الرواة بلا شك، للاجماع على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم تزوجها وهي بالحبشة، وأن أباها جاء زمن الهدنة فدخل عليها فثنت عنه فراشه صلى الله تعالى عليه وسلم حتى لا يجلس عليه. وتبعه على ذلك جماعة آخرهم أبو الحسن بن الأثير فى أسد الغابة انظر الزرقاني.

وقيل انه تزوجها بالمدينة بعد رجوعها من الحبشة، وقصد الناظم الرد على هذا بقوله عند النجاشي كما أتانا، أي جاءنا عن أهل السير.

وقوله وكانا وليها إلخ .. روى الطبراني عن الزهري أن الذى زوجها عثمان بن عفان، والذى رواه ابن سعد عنها وذكره البيهقي وبه جزم ابن القيم أن الذى زوجها خالد بن سعيد. قال اليعمري وهو أثبت قال فى المواهب لكن إن صح التاريخ المذكور فلا يصح أن يكون عثمان هو الذى زوجها لأن مقدمه من الحبشة كان فى السنة الثانية من الهجرة قبل وقعة بدر انتهى.

وقيل ان الذى تولى عقدها هو النجاشي. وكان قد أسلم. حكاه اليعمري وغيره. وفيه نظر لأنه وكيل عنه صلى الله عليه وسلم، فهو الذى قيل له انظر الزرقاني. وروي أنها لما وكلت خالد بن سعيد أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب ومن هناك من المسلمين فحضروا فخطب النجاشي فقال:

‌ الحمد لله الملك القدوس، السلام

المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، أما بعد فإنى أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وفى رواية فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة فأجبت وقد أصدقتها عنه أربعمائة دينار ذهب، ثم سكب الدنانير بين يد القوم، فتكلم خالد بن سعيد فقال الحمد لله أحمده واستعينه واستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد

ص: 98

أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون أما بعد فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبى سفيان فبارك الله لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيها.

ودفع النجاشي الدنانير إلى خالد بن سعيد فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال أجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج فدعا بطعام فأكلوا ثم تفرقوا.

قال أم حبيبة فلما وصل إلى المال أعطيت ابرهة منه خمسين دينارا فردتها علي وردت علي ما كنت أعطيتها أولا. وقالت ان الملك عزم علي بذلك.

ثم جاءتني من الغد بعود وورس وعنبر وزباد كثير فقدمت به معى على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكان ذلك فى سنة سبع من الهجرة وكان أبوها أبو سفيان حال نكاحها بمكة مشركا محاربا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقيل له إن محمدا قد نكح ابنتك، فقال هو الفحل لا يقدح أنفه. وهو بضم التحتية وسكون القاف وفتح الدال وبالعين المهملتين، قال الجوهري أي لا يضرب أنفه وذلك إذا كان كريما.

وقول المواهب وكان أبو سفيان الذى هو أبوها الخ .. ليس ذكره مجرد فائدة لا تعلق لها بالتزويج بل لرد القول بأن أبا سفيان هو الذى زوجها عملا بما فى مسلم من طريق عكرمة، قال الزرقاني ويعنى بهذا ما قد مر عن مسلم.

فائدة:

كان الذى بعثه عليه السلام إلى النجاشي ليخطبها له عمرو بن أمية الضمري بفتح فسكون نسبة إلى ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وكان الذى بعثه النجاشي معها إليه شرحبيل بضم المعجمة وفتح الراء وسكون المهملة ابن حسنة الكندي، قدمت معها ابرهة جارية النجاشي وصحبت، وحسنة اسم امه، وأبوه عبد الله بن المطاع.

ص: 99

وقوله فى الخطبة القدوس الطاهر عما لا يليق به، والسلام ذو السلامة من النقائص، والمؤمن المصدق رسله بخلق المعجزة لهم، والمهيمن الشهيد على عباده بأعمالهم، والجبار الذى جبر خلقه على ما أراد، قاله العلامة محمد بن عبد الباقي.

(فسلم المهر إليها إجمعا

من الدنانير مئات أربعا)

سلم أعطى ودفع وفاعله ضمير النجاشي والمهر الصداق توكيده ومئات حال من المهر وأربعا نعت لمئات، يعنى أن النجاشي دفع الصداق كله إلى رملة رضي الله تعالى عنها حال كونه أربع مائة من الدنانير أي دفعه إلى وكيلها خالد بن سعيد فدفعه خالد إليها.

وفي المستدرك أنه أمهرها عنه أربعة آلاف دينار وسكت عليه الذهبي في تلخيصه.

وفي أبي داوود أربعة آلاف درهم، وفى نسخة من العيون تسعمائة دينار، قال فى النور وهو غلط انتهى من الزرقاني.

(عام سبع أهديت لأحمدا)

يقال أهدي العروس إلى زوجها وهداها، واهتداها أي زفها إليه، والظرف متعلق بأهديت كالمجرور يعنى أن أم حبيبة رضي الله تعالى عنها تزوجت المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم عام سبع من الهجرة وأهديت أي زفت إليه فى ذلك العام وهذا هو الذى صححه فى الإصابة واقتصر عليه المناوي فى شرح السيرة العراقي وهو الذى رواه ابن سعد، وقال أبو عبيدة تزوجها سنة ست. قال اليعمري وليس بشيء، قال الزرقاني والأول أشهر.

(وموتها فى عام مد قد بدا)

موتها مبتدأ وخبره أي ظهر. يعنى أن رملة رضي الله تعالى عنها ماتت مد وهو أربع وأربعون من الهجرة فالميم أربعون والدال أربعة وهذا هو الذى صدر به فى المواهب وجزم به ابن سعد وأبو عبيد ورجحه البلادري. وقال ابن حبان سنة اثنين وأربعين، قاله ابن قانع وابن مندة. وقال ابن أبي خيثمة سنة تسع وخمسين، قال فى الإصابة

ص: 100

وهو بعيد. وقيل ماتت خمسين وقيل سنة خمس وخمسين والصحيح أنها ماتت بالمدينة وقيل بدمشق نقله الزرقاني، واقتصر المناوي على أنها توفيت بالمدينة سنة أربع وأربعين.

(وكم حوت من شرف صفية

لما غدت لأكرم البرية زوجا

)

كم هنا تكثيريه مفعول حوت أى جمعت، ومن شرف المبين لكم، وصفية فاعل حوت، وغدت بمعني صارت واسمها ضمير يعود على صفية وخبرها قوله زوجا، والبرية الخلق، وقوله لأكرم متعلق بالخبر، ومراده إن آمنا صفية رضي الله تعالى عنها جمعت كثيرا من الشرف أى العلو حين صارت من أزواج أكرم الخلق صلى الله تعالى عليه وسلم وهي بنت حيي بضم الحاء وتكسر وتحتيتين الأولي مخففة ابن أخطب بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح الطاء المهملة ابن سعيه بفتح السين وسكون العين المهملتين ومثناه تحتية بن ثعلبة بن عبيد، من سبط لؤي بن يعقوب ثم من ذرية هارون بن عمران أخي موسي عليهما السلام. قال الحافظ ولد صفية مائة نبي ومائة ملك، ثم صيرها الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وكان أبوها سيد بني النضير، قتل مع بني قريظة وأمها ضرة بفتح الضاد المعجمة وبتشديد الراء فتاء تأنيث، بنت سموال بفتح السين المهملة والميم وسكون الواو وفتح الهمزة وباللام، قال البرهان لا أعلم لها غلاما والظاهر هلاكها على كفرها.

نعم أخوها رفاعة صحابي وكانت صفية تحت سلام بن مشكم القرظي ثم فارقها فكانت تحت كنانة بكسر الكاف ونونين ابن أبي الحقيق بضم المهملة وفتح القاف مصغر فقتل عنها وهو عروس يوم خيبر في المحرم سنة سبع من الهجرة.

(وكانت سبيت من خيبرا

فاختارها لنفسه خير الورى)

الورى العباد وخير فاعل اختار والضمير المنصوب لصفية يعني أن صفية رضي الله تعالى عنها من سبي أهل خيبر واصطفاها صلى الله

ص: 101

تعالى عليه وسلم لنفسه فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها كما أشار له بقوله (وعتقها مهر لها حقا جعل)

قوله جعل مبني للفاعل وفاعله ضمير يعود على قوله خيري الورى وعتقها بالنصب مفعول جعل وكذا قوله مهرا وحقا مصدر منصوب بعامل محذوف وجوبا لأنه مؤكد لمضمون الجملة ويمنع تقدمه على الجملة على الأصح كما في التسهيل.

قال الدماميني وعبارته في المتن توهم تجويز التوسط ولكن كلامه في الشرح يرفع هذا الإبهام، فيمنع التوسط انتهي، وبعضه بالمعني.

وللشيخ الجكني:

(ما وكد النفس أو العين منع

تقديمه وقيل أيضا متسع)

وتقديرا العامل المحذوف هنا حقا ذلك حق.

وأشار بذلك إلى ما روي من أنه عليه السلام لما جمع السبي يوم خيبر جاء دحيه بكسر الدال وفتحها ومعناه بلغة اليمن الشريف ورئيس الجند وهو ابن خليفة الكلبي، فقال يا رسول الله أعطني جارية من السبي، فقال أذهب فخذ جارية، فأخذ صفية، فجاء رجل إليه صلى الله تعالى عليه وسلم فقال يا رسول الله أعطيت دحيه بنت حيي سيدة بني قريظة والنضير وذلك لن أمها ضره بنت السموال سيدة بني قريظة وأبوها حيي وهو سيد بني النضير، لا تصلح إلا لك، قال ادعوه بها، فجاء بها فقال عليه السلام له خذ جارية من السبي غيرها. وروي أنه أعطي دحيه بنت كنانة بن الربيع زوج صفية، قال أنس وأعتقها وتزوجها، فقال له ثابت البنانى ما أصدقها يا أبا حمزة؟ قال نفسها أعتقها وتزوجها. وللطبراني عنها أعتقني صلى الله تعالى عليه وسلم وجعل عتقي صداقي وهذا عند الأكثر من خصائصه صلى الله تعالى عليه وسلم، وذهب أحمد والحسن وابن المسيب وغيرهم غلى جوازه لغيره، قاله الزرقاني. ولام بلغ صلى الله تعالى عليه وسلم سد الصهباء حلت له وجهزتها له أن سليم فأهدتها له من الليل فأصبح عروسا وسد الصهباء

ص: 102

بفتح السين وضمها على بريد من خيبر وأهدتها بالهمزة وفي رواية بإسقاطها وهو صواب وفى رواية فقال الناس لا ندري أتزوجها أم جعلها أم ولد. قالوا إن حجبها فهي إمرأته فلما أراد أن يركب حجبها. وفي رواية عن انس فانطلقنا حتى رأينا جدار المدينة هششنا إليها فدفعنا مطايانا ودفع صلى الله تعالى عليه وسلم مطيته وصفية خلفه قد أردفها، فصرع وصرعت أى وقعت فليس أحد من الناس ينظر إليه ولا إليها، حتى قام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فسترها، قال فدخلنا المدينة فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بفتح الميم أى يفرحن بصرعها.

وروي أنه عليه السلام قبل أن يتزوجها قال لها هل لك في؟ قالت يا رسول الله كنت أتمني ذلك في الشرك فكيف إذا أمكنني الله منه في الإسلام.

وروي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم رأي بعينها خضرة فقال ما هذه الخضرة؟ فقالت كان رأسي في حجر ابن أبي الحقيق وأنا نائمة فرأيت قمرا وقع في حجري فأخبرته بذلك فلطمنى وقال تمنين ملك يثرب.

وفي رواية أنها ذكرت الرؤيا لأبيها فلطمها وأنه قال لها إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب. فلم يزل ذلك الأثر في وجهها حتى سألها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبرته.

وروي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما بني بها أقام ثلاثا وألو لم عليها بتمر وسمن وسويق. وعنها أنه عليه السلام لم ينم ليلة بنائه بها. ولم يزل يتحدث معها. وروي الترمذي أنها قالت دخل على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأنا أبكي فقد بلغني أن عائشة وحفصة قالتا نحن أكرم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم منها، نحن أزواجه وبنات عمه. فقال لها ما يبكيك؟ فذكرت له ذلك. فقال: ألا قلت وكيف تكونان خيرا مني وأبي هارون وعمي موسي وزوجي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم؟

(وعام خمسين بها الموت نزل)

ص: 103

يعني أن آمنا صفية رضي الله عنها توفيت عام خمسين من الهجرة في رمضان في زمن معاوية ودفنت بالبقيع ولها نحو ستين سنة لأنها قالت ما بلغت سبع عشرة سنة يوم دخلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كما رواه ابن سعد، وقيل ماتت سنة اثنين وخمسين في زمن معاوية أيضا وقيل سنة ست وثلاثين. قال في الأصابه وهو غلط فإن علي بن الحسين لم يكن ولد وقد ثبت سماعه منها وفى الصحيحين انظر الزرقاني.

(وعام سبع بعد فتح خيبرا

ميمونة نكحها معتمرا)

قوله عام منصوب على الظرفية متعلق بنكح، وكذا قوله بعد، وميمونة مبتدا وخبره نكحها، ومعتمرا حال من فاعل نكح، يعني أنه صلى الله تعالى عليه وسلم تزوج آمنا ميمونة رضي الله عنها بعد فتح خيبر وكان فتحها في صفر سنة سبع من الهجرة على الراجح، وكان تزوجه بها بمكة وهو محرم بعمرة القضية في ذي القعدة وعلى هذا فيكون تزوجها بعد صفر الذي فتحت فيه خيبر بثمانية أشهر والله تعالى أعلم.

فيقال أنه عليه السلام أرسل جعفر بن أبي طالب يخطبها له، وجعلت أمرها إلى العباس فأنكحها النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو محرم، بهذا جزم ابن عباس في هذه الرواية وقد رواه عنه مالك والأئمة الستة وزاد في رواية البخاري في عمرة القضاء وبه احتج الحنفية على جواز نكاح المحرم وإنكاحه غيره، وأجاب الجمهور بأن قول ابن عباس وهم وإن كانت خالته كما قاله ابن المسيب. قال ابن عبد البر الرواية أنه تزوجها وهو حلال، متواترة عن ميمونة نفسها، وعن أبي رافع وسليمان بن يسار مولاها ويزيد بت الأصم ابن أختها وهو قول جمهور علماء المدينة وما أعلم أحدا من الصحابة روي أنه تزوجها وهو محرم سوي ابن عباس والقلب إلى رواية الجماعة أميل لأن الواحد إلى الغلط أقرب انتهي. وسبقه إلى نحو الإمام الشافعي وعلى أنه ليس بوهم فهو من خصائصه عند الجمهور النكاح حال الإحرام فلا يعارض قوله صلى

ص: 104

الله تعالى عليه وسلم المحرم لا ينكح ولا ينكح رواه مسلم.

قال العلامة محمد بن عبد الباقي وفى الموطأ عن سليمان بن يسار أنه صلى الله تعالى عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة، ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج مرسل وصله الترمذي وحسنه والنسائي عن سليمان عن أبي رافع، وفي صحيح مسلم من طريق يزيد بن الأصم عن ميمونة: تزوجني صلى الله تعالى عليه وسلم ونحن حلالان بسرف. قال يزيد وكانت خالتى وخالة ابن عباس.

زاد الحافظ البرقانى بفتح الموحدة بعد قوله تزوجها حلالا وبني بها حالا فسقط الجميع بأنها لا تنافي بين رواية ابن عباس بحملها على العقد وبين روايتها لحملها على البناء. وقد رجحت روايتها على رواية ابن عباس بأنها أعلم بنفسها وبأنها امرأة كاملة وهو ابن عشر سنين. وقد تواتر عن أبي رافع، وكان السفير بينهما أنه حلال فروي الترمذي وابن خزيمة وابن حبان عن أبي رافع قال تزوج صلى الله تعالى عليه وسلم بميمونة وهو حلال وبني بها وهو حلال وكنت أنا الرسول بينهما وعلى هذا فيحمل قول ابن عباس وهو محرم على أنه داخل في الحرم، أو في الشهر الحرام لأنه عربي فصيح، والعرب تقول أحرم إذا دخل الحرم وأنجد إذا دخل نجدا كما قال الشاعر:

(قتلوا ابن عفان الخليفة محرما

فدعي فلم أجد مثله مجدولا)

ذكر هذا الباجي في شرح الموطأ ونقله السهيلي عن بعض شيوخه وقال فالله تعالى أعلم أراد ذلك ابن عباس أم لا. وعلى هذا فيكون عقد عليها في الحرم بعد انقضاء العمرة ثم خرج من الحرم إلى سرف وبني بها فيه وهي بنت الحارث بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي وميم ابن رؤيه بضم الراء وفتح الهمزة وتبدل واوا ابن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بفتح المعجمة وفتح الصاد المهملة ففاء بن قيس عيلان بن

ص: 105

مضر وأمها هند قال البرهان لا أعلم لها إسلاما. وفي الإصابة أمها خوله بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة الحميري، وكانت قبله عليه السلام عند أبي رهم، بضم الراء وسكون الهاء بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود من بني عامر بن لؤي وأبو عامر، قال البرهان لا أعلم له إسلاما. فمات عنها وقيل بل كانت عند أخي أبي رهم حويطب بن عبد العزى وأسلم يوم الفتح وقيل عند فروة أخيهما وليس بصحابي، وقيل كانت عند عبد الله بن أبي رهم وأخوت ميمونة لأمها وأبيها، لبابه الكبرى بضم اللام وخفة الموحدتين من السابقين الأولين زوجة العباس ولبابه الصغرى أم خالد بن الوليد صحابية وتلقب عصماء وعزة صحابية أيضا وهزيلة بالزاء مصغرا أم حفيد بالفاء مصغر صحابية أيضا كما في الإصابة وذكر اليعمري أن عصماء غير لبابه الصغرى وتبعه الشامي وزاد أنها كانت تحت أبي بن خلف وجري عليه البرهان وقال لم يعرف لعصماء إسلام لكن الأول به جزم في الإصابة وكونها زوجة أبي لا يمنع كونها أم خالد فيكون أبي نكحها بعد الوليد، وأختها لأمها أسماء بنت عميس الصحابية زوجة جعفر مات عنها وخلف عليها أبو بكر ثم مات عنها، فخلفه عليها على وأختها سلمي بنت أبي عميس صحابية أيضا كانت تحت سيد الشهداء حمزة فخلفه عليها شدادا بن الهادي الليثي ومن أخواتها لأمها أيضا سلامة بالتخفيف بنت عميس ولم يعرف لها إسلام وحكي الجرجاني أن زينب أم المساكين بنت خزيمة أختها لأمها أيضا وكان يقال أكرم عجوز في الأرض أصهارا بنت عوف انتهى من الزرقاني والمواهب.

(وبعد عودة بها كان البنا

في سرف

)

بفتح السين وكسر الراء المهملتين فقباء موضع على عشرة أميال وقيل ستة من مكة والعود والرجوع وكان تامة وبها يتعلق بقوله البناء يعني أنه صلى الله تعالى عليه وسلم حصل بنائه بآمنا ميمونة بعد رجوعه من عمرة القضية بموضع يقال له سرف، وروي أنه لما انتهت إليها خطبته صلى الله تعالى عليه وسلم لها وكانت راكبة، رمت بنفسها

ص: 106

من فوق البعير وقالت البعير وما عليها لله ولرسوله.

وروي أنه عليه السلام لما أقام بمكة، ثلاثة أتاه حويطب بن عبد العزى وسهيل بن عمرو واسلما بعد في نفر من قريش في اليوم الثالث وقالوا له قد انقضي أجلك فاخرج عنا فقال وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم وصنعت لكم طعاما فحضرتموه، فقالوا لا حاجة لنا بك ولا بطعامك. فغضب سعد بن عبادة وقال لسهيل بن عمرو كذبت ليست بأرضك ولا أرض أبيك والله لا يبرح إلا طائعا راضيا. وفي رواية أنه قال له يا عاض بظر أمه فتبسم صلى الله تعالى عليه وسلم وقال يا سعد لا تؤذي قوما زارونا في رحالنا، فخرج وخلف أبا رافع على ميمونة فأقام حتى أمسي فخرج بها فلقيت من سفهاء قريش عناء فأتاه بها بسرف.

(

وكان ذاك مدفنا

لها .... )

الإشارة للموضع الذي بني فيه يعني أنها رضي الله تعالى عنها دفنت في موقع قبتها التي بني بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيها باتفاق قاله الزرقاني وقبرها مشهور يزار ويتبرك به قاله المناوي. وقوله مدفنا بكسر الفاء لأنه من دفنه كضرب.

(وكانت آخر النساء .... تزوجا له بلا امتراء)

اسم كان ضمير ميمونة وآخر بالنصب خبرها وتزوجا تمييز والامتراء الشك يعني أنه هى آخر من تزوج صلى الله تعالى عليه وسلم بلا شك.

وللعراقي:

(بنت أبي سفيان وهي رمله .... أم حبيبة تلي صفية)

(من بعدها فبعدها ميمونة .... حلا وكانت كاسمها ميمونة)

وقوله صفية بالرفع فاعل ومفعوله محذوف أى تليها أى أم حبيبة قال المناوي وكانت ميمونة اسمها برة وسمها ميمونة، وقوله كانت كاسمها ميمونة أى مباركة، وهى آخر من تزوج. ومن العجيب أنه تزوجها بسرف وماتت بسرف، انتهى كلامه.

ص: 107

(وعليه أزكي) أى أكثر (صلوات ربي) أى رحماته المقرونة بالتعظيم (والآل والأزواج) آل فيهما خلف عن الضمير أى وعلي آله وأزواجه، (ثم صحبه).

(وعام خمسين وواحد نزل .... بها الحمام عندما حان الأجل)

عام منصوب على الظرفية بنزل والحمام بكسر الحاء الموت والآجل. قال في القاموس الآجل محركة غاية الوقت في الموت وحان الشئ أن أنتهي.

ومعني كلامه أنها نزل بها الموت حين حضر أجلها وهو آخر مدة حياتها سنة أحدي وخمسين سنة من الهجرة النبوية وهذا هو الصحيح. وصلي عليها ابن عباس ودخل قبرها وقال ابن عباس لمن معه هذه زوجة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها وأرفقوا.

وقيل ماتت سنة أحدي وستين وقيل ثلاث وستين، وقيل ست وستين. قال البرهان هو باطل.

(ومهرا كان كل خمسمائة .... من الدراهم سوي صفية)

(ورملة فإنه تقدما .... بيان ما أصدق كلا منهما)

يعني أن مهر كل واحدة من أزواجه عليه السلام أى صداقها كان خمسمائة درهم، فضة إلا آمنا صفية فقد مر للناظم أن مهرها عتقها وإلا رمله بنت أبي سفيان فقد قدم الناظم أن النجاشي أصدقها عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أربعمائة دينار.

وقد قدمنا على المستدرك عن الحاكم أنه أصدقها أربعة آلاف دينار وقيل غير ذلك. وقد مر أن خديجة أصدقها عنه أبو طالب اثنتي عشرة أوقية ذهبا ونشا، والنش بفتح النون وشد المعجمة نصف أوقية. قال الزرقاني: قالوا وكل أوقية أربعون درهما فجملة الصداق خمسمائة درهم شرعي والصداق ذهب ولا ينافيه التعبير بالدرهم لأنه بيان للوزن فلا يستلزم كون الصداق فضة.

وذكر الدولابي أنه أصدقها أربعين أوقية ذهب ونشا. وعن المتنقي أنه

ص: 108

أصدقها أربعمائة دينار ومر عن المواهب أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أصدقها عشرين بكرة من ماله أى زيادة على ما دفعه أبو طالب والله تعالى أعلم.

وفى المواهب بعد ذكر أزواجه هؤلاء رضي الله تعالى عنهن ما نصه: هؤلاء أزواجه اللاتي دخل بهن لا خلاف في ذلك بين أهل السير والعلم بالأثر انتهى.

قال الزرقاني عقب قوله لا خلاف في ذلك أى دخوله بهن وإن اختلف في أن جويرية سرية والراجح أنها زوجة، قال ولا شك أنهن زوجاته في الآخرة بنصه صلى الله تعالى عليه وسلم وهو أحد التعاليل في حرمتهن على غيره وأما اللاتي فارقهن في الحياة دخل بهن أم لا، ففي فتاوى النجم يحتمل أنه كذلك ويؤيده أن الراجح حرمتهن على غيره، المعلل بما ذكره، ويحتمل خلافه خصوصا في المستعيذة تزوجت بعده ومن لم يردها واختارت الحياة الدنيا ويؤيده ما روي أن المستعيذة تزوجت بعده لكنه ضعيف، انتهى.

وللعراقي بعد ذكره لزوجاته المذكورات:

(وابن المثني معمر قد أدخلا .... في جملة اللاتي بهن دخلا)

(بنت شريح واسمها فاطمة

عرفها بأنها الواهبة)

(ولم أجد من جمع الصحابة

ذكرها ولا بأسد الغابة)

(وعلها التي استعاذت منه

وهي ابنة الضحاك بانت منه)

(وغير من بنى بها أو وهبت

إلى النبي نفسها أو خطبت)

(ولم يقع تزويجها فالعدة

نحو الثلاثين بخلف أثبتوا)

وقوله الواهبة أى المذكورة في القرآن وأسد الغابة في معرفة الصحابة لأبن الأثير ولم يذكرها مع إحاطته واستيعابه وقوله علها أى لعلها التي استعاذت منه حين دنا ليقبلها وهى فاطمة بنت الضحاك ابن سفيان الكلابى، وقيل إن الواهبة نفسها أم شريك العامرية وقيل غير ذلك وقوله وغير من بني بها الخ .. أى عقد عليها ولم يدخل بها أو وهبت نفسها له أو خطبها ولم يعقد عليها انتهى المراد من شرحه.

ص: 109