الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم عرضها على أبي بكر فلم يرجع إليه شيئا، وصمت فلبث ليالى فخطبها المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأنحكه عمر إياها. فقال أبو بكر لعمر لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئا. فقال له نعم. فقال انه لم يمنعنى أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني قد علمت أن رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشى سره، ولو تركها لقبلتها. ولأبى يعلى أن عمر قال يا رسول الله ألا تعجب من عثمان عرضت عليه حفصة فأعرض عنى؟ فقال صلى الله تعالى عليه وسلم: قد زوج الله تعالي عثمان خيرا من حفصة وزوج حفصة خيرا من عثمان.
ومن مناقبها أنه شهد بدرا سبعة من أهلها:
أبوها وعمها زيد وزوجها خنيس، وأخوالها: عثمان وعبد الله وقدامة وابن خالها السائب بن عثمان بن مظعون رضي الله تعالى عن جميعهم، واسترضاها صلى الله تعالى عليه وسلم، لما عتبت عليه بوطإ مارية فى بيتها فحرمها.
(
…
ثم لما أن صدر
…
طلاقها منه بردها أمر)
أن زائدة نحو ولما أن جاء البشير. وللشيخ الجكني:
وبعد لما ويمين قبل لو
…
وكاف جر زائدا أن قد رووا وطلاقها فاعل صدر أي وقع، والضمير فيه لحفصة، والمجرور بمن لرسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم، وهو متعلق بصدر وأمر بالبناء للمفعول، ونائبه له صلي الله تعالى عليه وسلم، يتعلق بالمجرور قبله، ومراده أن النبي صلي الله تعالى عليه وسلم لما وقع منه طلاق حفصة رضي الله تعالى عنها أمر يردها لعصمته أي أمره الله تعالى على لسان جبريل. فقال راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك فى الجنة. وروي أن عمر لما بلغه طلاقها حثا التراب على رأسه وقال ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدها. فنزل جبريل من الغد وقال إن الله يأمرك أن تراجع حفصة رحمة بعمر- انتهى.
وفي هذه الأحاديث تنبيه من الله على فضلها والثناء عليها بكثرة
الصيام والقيام والاخبار بأنها زوجة فى الجنة للمختار- انظر الزرقاني.
(وموتها عام الجماعة ذكر)
موتها مبتدأ وخبره قوله ذكر، والجماعة الظاهر أنه أراد به المعنى المصدري وهو الاجتماع ويعنى اجتماع الناس على بيعة معاوية حين بايعه الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم، يعنى أن حفصة رضي الله تعالى عنها توفيت عام اجتماع الناس على بيعة معاوية، وذلك عام إحدى وأربعين من الهجرة، وكان ذلك العام يسمى عام الجماعة كما قاله الزرقاني فى شرح المواهب فى كتابه عليه السلام عند ذكر معاوية.
وفي المواهب وشرحها وماتت فى شعبان سنة خمس وأربعين بالمدينة فى خلافة معاوية وصلى عليها مروان بن الحكم ونزل فى قبرها أخوها عبد الله وعاصم وسالم وعبد الله وحمزة بنو عبد الله بن عمر، وقيل ماتت فى جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين حين بايع الحسن معاوية وهي ابنة ستين سنة على القول الثانى، وأما على الأول فتكون قد بلغت ثلاثا وستين. وقيل ماتت فى خلافة عثمان سنة سبع وعشرين انتهى.
وقوله هي ابنة ستين على القول الثاني لا يخفى أن مجموع ما ذكر تسع وخمسون لا ستون لأنها ولدت قبل النبوءة بخمس سنين تضم إلى ثلاث عشرة قبل الهجرة ثم إلى إحدى وأربعين بعدها كذا بهامش المطبوع وهو ظاهر. والله تعالى أعلم.
فقول الناظم رحمه الله تعالى وموتها عام الجماعة، جرى فيه على القول الثاني فى كلام المواهب.
(وزينب أم المساكين قتل
…
بأحد عنها ابن جحش فقبل)
ظاهره انه عليه الصلاة والسلام تزوجها بعد حفصة لذكره إياها بعدها. والذى فى المواهب أن حفصة تليها أم سلمة، ثم أم حبيبة ثم زينب بنت جحش، ثم زينب أم المساكين. وما للناظم نحوه للعراقي
والله تعالى أعلم.
وقوله زينب مبتدأ وأم المساكن بدل منه أو بيان، وهو علم لها. قال فى المواهب وكانت تدعى فى الجاهلية أم المساكين لإطعامها إياهم- انتهى. وخبر المبتدإ الجملة بعده، والضمير المجرور بعن هو رابط المبتدأ، وقوله فقبل بالبناء للمفعول أي قبله الله تعالى، لأنه من شهداء أحد. وقد قال عليه السلام انه شهيد عليهم. وقال تعالى:{ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا} (إلخ .. ). يعنى أن زينب التى تدعى أي تسمى أم المساكين كانت تحت الصحابي الجليل عبد الله بالتكبير بن جحش، المجدع فى الله تعالى وكان تمنى ذلك فأعطيه وهو من بنى أسد من بنى خزيمة بن مدركة وياتي نسبه إن شاء الله تعالى عند ذكر أخته زينب رضي الله تعالى عنهما. واستشهد بأحد وتزوجها المصطفى صلي الله تعالى عليه وسلم بعده، كما أشار إليه بقوله:
(
…
تزوجت خير نبي .. )
قوله تزوجت الظاهر انه معطوف بحرف محذوف، أي وبعد ابن جحش تزوجت خير نبي، وهي بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بفتح المعجمة والمهملة وبالفاء ابن قيس عيلان بن مضر، وكان تزوجه صلى الله تعالى عليه وسلم بها سنة ثلاث قاله في المواهب، قال الزرقاني كذا حكاه أبو عمر عن الزهري ورواه عنه ابن أبي خثيمة ولعلها كانت حاملا منه فأسقطت بعد موته فانقضت عدتها في تلك السنة وهذا متعين وإن لم يذكروه إذ وقعة أحد كانت في شوال سنة ثلاث باتفاق فلا يمكن انقضاء عدة الأشهر في السنة المذكورة انتهى. وقال قتادة كانت قبله عليه السلام تحت الطفيل بن الحارث بن المطلب وبهذا جزم ابن الكلبي وزاد فطلقها ثم خلف عليها أخوه عبيدة بن الحارث فمات شهيدا في المبارزة فخلف عليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في رمضان سنة ثلاث، قال القسطلاني والأول أصح يعني كونها كانت تحت عبد الله بن جحش.
(وثوت* شهرين أو ثلاثة ثم توت)
قوله ثوت بمثلثة أوله أي أقامت وتوت بالمثناة الفوقية أي هلكت ومراده أنها أقامت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم شهرين أو ثلاثة أشهر ثم توفيت رضي الله تعالى عنها، فأو لتنويع الخلاف. وفي الشامية مكثت عنده ثمانية أشهر وقيل شهرين وقيل ثلاثة، والصحيح أنها ماتت في ربيع الأول وقيل الآخر سنة أربع، وقد بلغت ثلاثين سنة أو نحوها، انتهى. وفي العيون وصلى عليها صلى الله تعالى عليه وسلم ودفنها بالبقيع على الطريق انتهى. وكون وفاتها في ربيع الآخر سنة أربع لا يصح إلا على قول ابن الكلبي أنه تزوجها في رمضان سنة ثلاث وأقامت عنده ثمانية أشهر وأما على ما حكاه ابن عبد البر من أن العقد عليها سنة ثلاث بعد شوال ومدتها عنده شهران أو ثلاثة فلا يصح ذلك، انظر المواهب وشرحها.
واقتصر المناوي على أنها أقامت عنده عليه الصلاة والسلام ثلاثة انظر المواهب وشرحها.
واقتصر المناوي على أنها أقامت عنده عليه الصلاة والسلام ثلاثة أشهر.
(ولم يمت حياته من النسا
…
إلا خديجة وذي فاقتبسا)
يعني أنه لم يمت في حياة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم من نسائه إلا خديجة فقد تقدم أنها توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين ودفنت بالحجون وإلا زينب بنت خزيمة وإليها أشار بقوله ذي بناء على أن ريحانة سرية لا زوجة، وهو الصحيح. وأما على أنها زوجة فهي ممن مات في حياته عليه السلام. وقوله فاقتبسا ألفه بدل من نون التوكيد الخفية وفي الألفية:
وأبدلنها بعد فتح ألفا
…
وفقا كما تقول في قفن قفا
وهو تتميم ومعناه خذ العلوم من الكتب، وأصل الاقتباس أخذ القبس من النار وهو الشعلة في رأس فتيلة أو عود.
(وبنت جحش بنت عمة الرسول
…
زوجها الرحمن بارئ العقول خير نبي إذ قضى منها الوطر
…
زيد (
…
)
قوله بنت جحش مبتدأ ومضاف إليه ما قبله وبنت الثانية نعت
للمبتدإ ويعني بعمة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أميمة بالتصغير بنت عبد المطلب واختلف في إسلامها وأثبته ابن سعد، وقال أطعمها صلى الله تعالى عليه وسلم أربعين وسقا من خيبر فعليه كانت موجودة لما تزوج بنتها، قاله الزرقاني، وخبر المبتدأ قوله: زوجها إلخ
…
والرحمن فاعل زوج، ومعناه بجلائل النعم أو ذو الرحمة العامة في الدنيا على جميع الخلق أو المنعم بالنعم التي لا تدخل تحت كسب العباد كبعث الرسل، وبارئ نعت له، أي خالق، والعقول جمع عاقل وهو نور تدرك به النفس العلوم الضرورية والنظرية وإذ ظرف زمان والعامل فيه زوج وخير بالنصب مفعول زوج والوطر الحاجة والأرب، وزيد فاعل قضى وهو زيد بن حارثة حبه عليه السلام ومولاه ومعنى كلامه أن أمنا زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها زوجها الله خير أنبيائه صلى الله تعالى عليه وسلم.
أي تولى عقدها له بعد أن قضى زيد بن حارثة منها وطره وطلقها بعد أن مكثت عنده مدة وألقى الله كراهتها فى قلبه لتعاظمها عليه بشرفها فجاء يشكوها إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال له أمسك عليك زوجك واتق الله. ثم طلقها لكراهته لها، لا لرغبة المصطفى صلي الله تعالى عليه وسلم فى نكاحها كما زعمه من وهم وأخطأ، فأنزل الله تعالى:{وإذ تقول للذى أنعم الله عليه} أي بالإيمان وأنعمت عليه أي بالعتق وهو زيد كان من سبي الجاهلية، اشتراه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قبل البعثة وأعتقه وتبناه: امسك عليك زوجك واتق الله فى أمر طلاقها، وتخفى فى نفسك ما الله مبديه، أي مظهره وهو علمك بالوحي بأنه سيطلقها وأنك تتزوجها، كما قاله علي بن الحسين والزهري وغيرهما. وعليه أهل التحقيق. قاله المحقق محمد بن عبد الباقي.
قال جامعه عفا الله تعالى عنه: وهذا هو الذى يليق بمنصب النبوءة والله تعالي أعلم.
فلما انقضت عدتها من زيد قال له رسول الله تعالى عليه
وسلم اذهب فاذكرني لها. ويروى أنه قال له: ما أجد فى نفسي أوثق منك، فاخطب زينب علي. قال زيد فذهبت إليها فجعلت ظهرى من وراء الباب وذلك من مزيد ورعه، حتى لا يراها وإلا فهذا كان قبل نزول الحجاب، قال زيد قلت يا زينب بعث رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم يذكرك، أي يخطبك، فقالت ما كنت لأحدث شيئا حتى أوامر ربي عز وجل أي أستخبره، فقامت إلى مسجد لها فأنزل الله تعالى:{فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} أي جعلناها لك زوجة بلا واسطة عقد على الصواب، الذى لا يجوز غيره، فإنها كانت تفحر بأن الله تعالى هو الذى زوجها. فجاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فدخل عليه بغير إذن. أخرجه مسلم وأحمد والنسائي من حديث أنس. وعند ابن سعد بسند مرسل: بينا رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم يتحدث عند عائشة إذا أخدته غشية فسرى عنه وهو يبتسم ويقول من يذهب إلى زينب فيبشرها. وتلا: {وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك وتقي الله} (الآية)، قالت عائشة فأخذنى ما قرب وما بعد، لما يبلغنا من جمالها وأخرى هي أعظم واشرف ما صنع لها زوجها الله تعالى من السماء، وعنده بسند ضعيف عن ابن عباس لما أخبرت زينب بتزويج رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم لها سجدت انتهى.
وعن الشعبي كانت زينب تقول لرسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم إنى لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن: إن جدى وجدك واحد، وإن الله أنكحك إياي من السماء، وأن الساعي فى ذلك جبريل، تريد عبد المطلب لأنه أبو أمها.
وروي أنها كانت تقول: يا رسول الله ما أنا كأخد من نسائك، ليست كل امرأة من نسائك إلا زوجها أبوها أو أخوها أو أهلها غيرى، زوجنيك الله من السماء.
ولما تزوجها عليه السلام قال المنافقون: حرم محمد نساء الولد، وتزوج امرأة ابنه.
فأنزل الله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} فأذهب الله بهذه
الآية ما وقع فى نفوس المنافقين وغيرهم، وكان اسمها برة بفتح الموحدة والراء المشددة فسماها النبي صلي الله تعالى عليه وسلم زينب، كراهة أن يقال خرج من عدة برة. أو ما هنا برة مثلا لحبه الفال الحسن، وأما أبوها فكان اسمه برة بضم الموحدة وشد الراء، فقالت زينب يا رسول الله لو غيرت اسم أبي فإن البرة صغيرة فقال لو كان أبوك مسلما لسميته باسم من أسمائنا أهل البيت، ولكني قد سميته جحشا والجحش أكبر من البرة. رواه الدارقطني وهي بنت جحش بن رياب بكسر الرء وخفة التحتية وتبدل همزة فألف فموحدة ابن يعمر بفتح التحتية وسكون العين المهملة وضم الميم ابن صبرة بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة ابن مرة ابن كبير ضد صغير، ابن غنم بفتح الغين المعجمة وسكون النون، ابن دودان بضم الدال المهملة وسكون الواو فدال أخرى فألف فنون، ابن أسد بن خزيمة بن مدركة. انتهى من الزرقاني.
ولما تزوجها صلي الله تعالى عليه وسلم أو لم عليها فأشبع المسلمين خبزا ولحما، ثم جلسوا يتحدثون فأطالوا الجلوس فإذا هو صلي الله تعالى عليه وسلم كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، وكان يستحي أن يقول لهم قوموا، فلما رأى ذلك قام وقام من قام وقعد ثلاثة، فجاء عليه السلام ليدخل على زينب فإذا القوم جلوس فى بيتها فرجع ثم انهم قاموا، قال أنس فأخبرت النبي صليي الله تعالى عليه وسلم انهم قد انطلقوا فجاء حتى دخل فذهبت أدخل فألقي الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبئ
…
إلى قوله عظيما}. وفى البخاري عن أنس قال عمر قلت يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب. فأنزل الله تعالى آية الحجاب.
وروى الطبراني بسند صحيح عن عائشة: كنت آكل مع النبي صلي الله تعالى عليه وسلم فى قعب فمر عمر فدعاه فأكل، فأصاب أصبعه أصبعي فقال أوه، لو أطاع فيكن ما رأتكن عين فنزلت آية الحجاب.
ويمكن الجمع بأن هذا وقع قبل قصة زينب ولقربه منها أطلق نزول آية الحجاب بهذا السبب، ولا مانع من تعدد السبب. وكان تزويجها له
عليه السلام سنة خمس وقيل أربع وقيل ثلاث
(وماتت فى خلافة عمر
…
إذ فتحت مصر
…
)
يعني أن أمنا زينب بنت جحش رضي الله تعالى عنها ماتت بالمدينة فى خلافة عمر سنة عشرين عام فتحت مصر وقيل توفيت سنة إحدى وعشرين عام فتح الاسكندرية وصلى عليها عمر بن الخطاب، ولها ثلاث وخمسون سنة، وقيل تزوجها صلى الله تعالى عليه وسلم وهي بنت خمس وثلاثين سنة وماتت سنة عشرين وهي بنت خمسين وبعث إليها عمر بخمسة أثواب فكفنت فيها وتصدقت عنها أختها حمنة بكفنها الذى كانت هي أعدته. فقالت فيها عائشة لقد ذهبت حميدة سعيدة مفزع اليتامي والأرامل.
(
…
وكانت أطولا
…
نسائه يدا كما قد نقلا)
اسم كان ضمير يعود على زينب بنت جحش، وأطول خبرها ويدا تمييز وطول اليد كناية عن كثرة الصدقة ومراده الإخبار عنها بأنها كانت أكثر زوجاته صلي الله تعالى عليه وسلم صدقة.
وأشار بقوله كما قد نقلا إلى ما فى الصحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها انه صلي الله تعالى عليه وسلم قال: أسرعكن لحاقا بى أطولكن يدا، فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا، قالت وكانت زينب أطول يدا لأنها كانت تعمل بيديها وتتصدق، وفى رواية قالت عائشة فكنا إذا اجتمعنا فى بيت إحدانا بعد وفته صلي الله تعالى عليه وسلم نمد أيدينا فى الجدار ونتطاول فلم نزل نفعل ذلك حتى توفيت زينب بنت جحش وكانت امرأة قصيرة ولم تكن بأطوالنا، فعرفنا حينئذ أنه صلي الله تعالى عليه وسلم انما أراد طول اليد بالصدقة، وكانت زينب صناع اليدين، فكانت تدبغ وتخرج وتتصدق به فى سبيل الله. وصناع اليدين بفتح الصاد المهملة أي لها صنعة تعملها بيديها. وقالت عائشة أيضا كانت زينب هي التى تسامينى من أزواج النبي صلي الله تعالى عليه
وسلم فى المنزلة عنده، وما رأيت امرأة قط خيرا منها فى الدين وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها فى العمل، الذى تتصدق به، ويقرب إلى الله تعالى؛ رواه مسلم.
وأخرج ابن سعد عن محمد بن كعب: كان عطاء زينب إثني عشر ألفا لم تأخذه إلا عامل واحدا فجعلت تقول: اللهم لا بدركني هذا المال قابل فإنه فتنة. ثم قسمته فى أهل رحمها من أهل الحاجة فبلغ عمر فقال هذه امرأة يراد بها خير، فوقف عليها وأرسل بالسلام. وقال بلغنى ما فرقت فأرسل بألف درهم تستبقيها فسلكت بها ذلك المسلك.
وفي رواية أنها رفعت يديها إلى السماء فقالت اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا فماتت. انظر المواهب وشرحها. وهي أول من غطى نعشها أي من الأزواج، فإن فاطمة أول من غطى نعشها، كما نص عليه ابن عبد البر. وقد ماتت قبل زينب رضي الله تعالى عنهما.
(وهند هي كم لها من فضل
…
تزوجت من بعد موت البعل خير الورى
…
)
الظاهر أن قوله هند مبتدأ وهي توكيد له بمراده وكم تكثيرية وهي مبتدأ وخبرها قوله لها: ومن فضل مميزكم ودخول من على مميزها كثير نحو: وكم من قرية، والجملة من كم وخبرها معترضة بين المبتدأ وهو هند وخبره وهو تزوجت، وفيها تقوية لما تضمنته الجملة من الاسناد لأن تزوجها للمصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم لا فضل مثله ومعنى كلامه أن أم المؤمنين أم سلمة واسمها هند على الأصح وقيل رملة، تزوجت خير الورى أي العباد بعد موت زوجها وهو ابن عمها أبو سلمة واسمه عبد الله بن عبد الأسد فولدت له زينب وولدت له بعدها سلمة وعمر بضم العين الصحابيين ودرة. وهذا الترتيب فى المواهب وضعفه الزرقاني وقال ان الحافظ جزم فى الاصابة بأنها ولدت سلمة بالحبشة ثم قدما مكة وهاجرا إلى المدينة فولدت له عمر وزينب ودرة وهي هند بنت أبى أمية واسمه سهيل وقيل هشام وقيل حذافة ابن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بالتحريك بن مرة بن كعب وكان
أبو أمية من أجواد العرب ويعرف بزاد الركب لأنه كان إذا سافر لم يحمل أحد من رفقته زادا بل يكفيهم هو. وأمها كما فى أس الإسلام عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك وزوجها أبو سلمة هو ابن عبد الأسد كما مر ابن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم وكانت أم سلمة موصوفة بالجمال البارع والعقل البالغ والرأي الصائب ويكفي فى وفور عقلها إشارتها له عليه السلام يوم الحديبية حتى قال إمام الحرمين لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة. وقالت عائشة لما تزوجها تعنى أم سلمة حزنت حزنا شديدا لما ذكر النساء من جمالها فذكرت ذلك لحفصة فقالت ما هي كما يقال فتلطفت حتى أن رأيتها فرأيت والله أضعاف ما وصفت فذكرت لحفصة فقالت نعم ولكنى كنت غيرا وكان تزوجه عليه الصلاة والسلام بها فى ليال بقين من شوال من السنة التى مات فيها أبو سلمة وهي السنة الرابعة على الصحيح وقيل الثالثة وكانت أم سلمة قد سمعته عليه السلام يقول ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول اللهم أجرنى فى مصيبتى وأخلفنى خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها. وفى رواية لا تصيب أحدا مصيبة فيسترجع عند ذلك ثم يقول: اللهم عندك احتسبت مصيبتى هذه، اللهم أخلفنى بخير منها إلخ.
قالت فلما مات أبو سلمة استرجعت وقلت: اللهم عندك احتسبت مصيبتى هذه ولم تطب نفسى ان أقول اللهم أخلفني خيرا منها، فقلت أي المسلمين خير من أبى سلمة. ثم إني قلتها، فأخلف الله لى رسول الله صلى تعالى عليه وسلم. فأرسل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حاطب بن أبى بلتعة يخطبنى له بضم الطاء، وفى رواية فخطبها أبو بكر فأبت وخطبها عمر فأبت ثم أرسل إليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقالت مرحبا برسول الله إن فى خلالا ثلاثا: أنا امرأة شديدة الغيرة وأنا امرأة مصبية بضم الميم وسكون المهملة وخفة التحتية أي ذات صبية، وأنا امرأة ليس لى هنا أحد من أوليائى فيزوجنى.
فقال أما ما ذكرت من غيرتك فإنى أرجو الله أن يذهبها عنك. فكانت لا تجد من الغيرة شيئا. وأما ما ذكرت من صبيتك فإن الله سيكفيهم، وأما ما ذكرت من أوليائك فليس أحد من أوليائك يكرهني.
فقالت لابنها عمر كما فى رواية أحمد والنسائي ولابن اسحاق آنه سلمة أخوه وعليه الأكثر زوج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أمك، فزوجه إياها.
واستشكل كل من الروايتين بصغر سن ابنيها إذ لم يبلغ واحد منهما والحق انه عليه السلام زوجها من نفسه بلا ولى كما هو من خصوصياته. وقبله من ابنها صورة تطييبا لخاطرها وبذلك جزم السيوطي.
وقوله فى الحديث المار: اللهم أجرنى. قال السيوطي بهمزة قطع ممدودة وكسر الجيم بوزن أكرمنى، وبضم الجيم بهمزة وصل بوزن أنصرنى أي أثبتنى، وقوله أخلفنى بضم اللام، وروى ابن سعد عنها قالت: قلت لابي سلمة بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها وهما من أهل الجنة، ثم لم تتزوج بعده إلا جمع الله له بينهما فى الجنة. وكذلك إذا ماتت المرأة وبقي الرجل فتعال أعاهدك أن لا تتزوج بعدى وأن لا أتزوج بعدك. قال فإذا أنا مت فتزوجي ثم قال اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلا خيرا مني لا يحزنها ولا يوذيها. فلما مات قلت: ما هذا الذى هو خير لى من أبي سلمة؟ فلبثت ما لبثت فجاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ووقف بالباب فذكر نحو ما سبق. انظر الزرقاني.
(وفى خلافة يزيد
…
في عام ستين قضت بلا مزيد)
المجرور الأول متعلق بقوله قضت يعنى أن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قد قضت أي ماتت عام ستين من الهجرة بلا زيد على الستين فى خلافة يزيد بن معاوية، وما ذكره الناظم هو الذى صححه اليعمري.
وقال البخاري فى التاريخ الكبير ماتت سنة ثمان وخمسين وصحح فى المواهب أنها ماتت سنة تسع وخمسين.
وقال فى الإصابة وهي آخر أمهات المؤمنين موتا، فقد ثبت فى مسلم أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة بن عبد الله بن صفوان دخل على