الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحمد الوصف بكل كمال، والخطاب في أعطاكا للمصطفى، صلى الله تعالى عليه وسلم، أي الوصف بما لا يحاط به من الكمالات ثابت لله الذي أعطاك يا رسول الله من الفضائل مالم يعطه لمخلوق غيرك لا من الأنبياء ولا من الملائكة وأخرى غيرهم، وتفضيله صلى الله تعالى عليه وسلم على جميع المخلوقات قد تقدم أنه مما يجب اعتقاده كما نص عليه الزركشي ونقله الأيسي في شرح الهمزية عن العلامة البلقيني وقال الإمام السنوسي في شرح الجزائري يكاد ذلك أن يكون مما علم من الدين ضرورة انتهى.
وفي المواهب في ذكر خصائصه، صلى الله تعالى عليه وسلم، ما نصه:
ومنها أن آدم وجميع المخلوقات خلقوا لأجله
وقال الزرقاني بعده ما نصه: رواه البيهقي وغيره كشيخه الحاكم وصححه عن ابن عباس أوحى الله إلى عيسى أن آمن بمحمد وامر أمتك أن يأمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم ولولا محمد ما خلقت الجنة والنار الحديث وهو لا يقال رأياً فحكمه الرفع، وروى ابن عساكر لقد خلقت الدنيا وأهلها أعرفهم كرامتك ومنزلتك عندي ولولاك ما خلقت الدنيا. ولما ذكر الناظم ما وفقه الله تعالى لذكره من سيرته ذكر اتمام الله تعالى نعمته عليه بوفاته ونقلته إلى حضرة القدس وهي الجنة دار كرامة أوليائه فقال:
(ذكر وفاته صلاة ربه
…
عليه
ثم ءاله وصحبه)
قوله ذكر خبر مبتدأ محذوف أي هذا ذكر وفاته أي موته صلى الله تعالى عليه وسلم وهي المصيبة العظمى التي لم يصب الأولون والآخرون بمثلها ولن يصابوا بمثلها أبداً ولذا قال عليه الصلاة والسلام لتعز الناس في مصيبتهم المصيبة بي، قال في المواهب وهذا الفصل مضمونه يسكب المدامع من الأجفان ويجلب الفجائع لإثارة الأحزان ويلهب نيران الموجدة على أكباد ذوي الإيمان، انتهى.
اللهم اجعل نبينا لنا فرطاً وأجرا واجعله لنا سلفاً وذخراً واجعل حوضه لنا موعداً لأولنا وآخرنا ولا تحل بيننا وبينه يوم القيامة بمنك يا أرحم الراحمين، اللهم شفعه فينا بجاهه عندك، اللهم أجرنا في المصيبة به
أجراً يكون على قدر عظمها بجاهه الرفيع، وأحلنا في الدارين في حرزه المنيع وجنابه المريع صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى آله وأزواجه وأصحابه وجميع أتباعه، صلاة وسلاماً يدومان إلى يوم الدين.
قال مؤلفه عفا الله تعالى عنه بمنه لم أطق التطويل في هذا الباب لما اشتمل عليه مما تذوب لسماعه الألباب.
(توفي المختار عام أي
…
وعمره صج على المرضي)
قول نزفي مبني للمجهول ونائبه قوله المختار وهو من أسمائه صلى الله تعالى عليه وسلم ومعناه المفضل على جميع المخلوقات أي توفاه الله تعالى أي أماته، صلى الله تعالى عليه وسلم، إكراماً له. قال تعالى:{وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى} وعام منصوب على الظرفية وعامله توفي وأي مجرور بالإضافة أي توفي عام إحدى عشرة من مقدمه المدينة المنورة أي توفي بعد أن مكث فيها عشر سنين وتوفي في أول الحادية عشرة. وقوله عمره بفتح العين وضمها مبتدأ وخبره قوله صج، أي ثلاث وستون سنة، فالصاد ستون والجيم ثلاث والعمر مدة الحياة، والجملة في موضع الحال أي والحال أن عمره حين وفاته ثلاث وستون سنة على القول المرضي، أي المختار المعتمد وأشار به إلى ما في الشمائل عن عائشة وابن عباس ومعاوية أنه صلى الله تعالى عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
قال الإمام البيجوري في شرحه: واتفق العلماء أن هذه الرواية أصح الروايات الثلاث الواردة في قدر عمره، صلى الله تعالى عليه وسلم. ومقابل قوله على المرضي أن عمره ستون سنة وأن عمره خمس وستون. قال البيجوري ورواية أنه ابن ستين محمولة على أن راويها اقتصر على العقود وألغى الكسور. ورواية خمس وستين محمولة على إدخال سنة الولادة وسنة الوفاة، قال واتفقوا على أنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، أقام بالمدينة عشراً بعد الهجرة كما اتفقوا على أنه أقام بمكة قبل البعثة أربعين سنة وإنما الخلاف في قدر إقامته بمكة بعد البعثة
والصحيح أنه ثلاثة عشرة سنة فيكون عمره ثلاثاً وستين. وقيل أقام بمكة بعد البعثة عشر سنين، وحملت هذه الرواية على ما عدى مدة فترة الوحي وهي ثلاث سنين فتوافق رواية ثلاث عشرة انتهى.
وللشيخ عبد الرحيم بن الشيخ حسين العراقي:
(عاش ثلاثاً بعد ستين على
…
أصحها والخلف في هذا خلا)
أي سبق في عصر التابعين فمن بعدهم إلى عصرنا، قاله المناوي.
(وقت الضحى في مثل يوم ولدا
…
فيه عليه الله صلى أبدا)
قوله وقت منصوب على الظرفية وناصبه توفي، وقوله يوم يصح إعرابه مجروراً، وبناؤه على الفتح وهو الراجح بإضافته إلى مبنى، وأبدا منصوب بصلى، ومعنى البيت أنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، توفي في وقت الضحا، في مثل اليوم الذي ولد فيه من ربيع الأول وهو يوم الاثنين، وعبارة غيره حين اشتد الضحاء بالفتح والمد وهو قرب الزوال كما يأتي، والظاهر تمشية المصنف عليه فيضبط الضحا بالفتح ويكون مقصوراً للوزن على حذف مضاف فقوله وقت الضحى أي وقت اشتداد الضحاء، وكونه توفي يوم الاثنين أمر متفق عليه عند أهل العلم. وقال أكثرهم إنه في ثاني عشر ربيع. قال المناوي: قال السهيلي: اتفقوا على أنه مات يوم الاثنين، قالوا كلهم في ربيع الأول غير أنهم قالوا أو أكثرهم في ثاني عشر ولا يصح أن يكون مات يوم الاثنين إلا في ثاني الشهر أو ثلاث عشره أو خامس عشره لأن وقفة الوداع كانت يوم الجمعة بإجماع المسلمين فيكون أول ذي الحجة يوم الخميس، فيكون المحرم إما بالجمعة أو بالسبت فإن كان بالجمعة فصفر، أما أن يكون بالسبت أو بالأحد فإن كان بالسبت فيكون أول ربيع الأحد، أو الاثنين وكيفما كان فلم يكن ثاني عشر ربيع يوم الاثنين بوجه، انتهى.
وإلى هذا أشار العراقي بقوله:
(في يوم الاثنين لدى الجميع
…
وفاته إما بثاني الشهر)
(أو مستهل أو بثان عشر
…
وهو الذي أورده الجمهور)
(لكن عليه نظر كبير)
(لأن وقفة الوداع الجمعة
…
فلا يصح كونها فيه معه)
(وقيل بل في ثامن بالجزم
…
وهو الذي صححه ابن حزم)
(وكان ذاك عندما اشتد الضحا
…
أو حين زاغ الشمس خلف صُرحا)
وقوله وهو الذي أورده الجمهور أي هذا القول الذي هو أنه توفي يوم الاثنين ثاني عشر ربيع، وقوله فلا يصح كونها أي الوقفة، فيه أي في يوم الجمعة معه، أي مع وفاته يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سواء تمت الشهور أو نقصت، أو تم بعضها ونقص بعضها. وقوله وقيل بل في ثامن، أي من ربيع الأول، والضحا بالقصر للوزن في مثل الوقت الذي دخل فيه المدينة وهذا قول أكثر المؤرخين، والآخر أنه حين زاغت الشمس وصححه الحاكم وخلف بضم المعجمة وسكون اللام وصرح أي به، مبني للمفعول، أي صرح به الأئمة انتهى من المناوي.
وقوله الضحا بالقصر للوزن أي مع الفتح وهو قرب الزوال، ففي المواهب وقد كانت وفاته، صلى الله تعالى عليه وسلم، يوم الاثنين بلا خلاف وقت دخوله المدينة في هجرته حين اشتد الضحاء وهو كما في الزرقاني بالفتح والمد قرب الزوال انتهى
وفي البيجوري جزم أهل السير بأنه مات حين اشتد الضحا بل حكى صاحب جامع الأصول عليه الاتفاق.
(وخير المختار في البقاء
…
في هذه الدار وفي اللقاء)
(لربه فاختار أن يلقاه)
يعني أنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، لم تقبض روحه الكريمة حتى خيره الله تعالى بين لقائه لله تعالى بالموت عاجلاً وبين بقائه في دار الدنيا أي إلى انقضائها كما يدل عليه ما يأتي فاختار لقاء الله تعالى فحينئذ نقله الله تعالى إلى دار كرامته عن هذه الدار التي هي دار الأكدار والفناء وكذا يخير غيره صلى الله تعالى عليه وسلم من الأنبياء، عليهم السلام. قال في المواهب: ولما كان الموت مكروهاً بالطبع،
لما في من الشدة والمشقة العظيمة لم يمت نبي من الأنبياء حتى يخير، انتهى.
قال الزرقاني في قوله يخير بضم الياء وفتح الخاء المعجمة كما في الصحيح من حديث عائشة ويأتي في المتن انتهى.
(صلى عليه الله ما أرقاه)
أي ما أعلاه إلى مقام لم يحم حوله نبي مرسل ولا ملك مقرب إذ هو المختص بسيادة الأولين والآخرين وقد اعترف له بذلك جميع المقربين صلى الله تعالى وسلم عليه وعليهم أجمعين.
وروي أنه عليه السلام خطب الناس قبل موته بخمس فقال: "إن عبداً خيره الله بين أن يوتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده. فبكى أبو بكر وقال يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا. قال أبو سعيد فعجبنا له. وقال الناس انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، عن عبد خيره الله بين أن يوتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده وهو يقول فديناك بآبائنا وأمهاتنا. قال أبو سعيد فكأن رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به. وعن عائشة أنه عليه السلام كان يقول ما من نبي يقبض إلا يرى الثواب ثم يخير ولأحمد من حديث أبي مويهة قال قال لي رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة فخيرت بين ذلك، وبين لقاء ربي والجنة فاخترت لقاء ربي والجنة.
قوله والخلد أي البقاء في الدنيا إلى انقضائها، وقوله وبين لقاء ربي أي عاجلاً وقوله فاخترت لقاء ربي والجنة أي حباً في لقاء الله وزهداً في الدنيا مع أن الجنة معطاة له على التخييرين وعن عائشة قالت كان النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو صحيح يقول أنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحي بضم التحتية وفتح الحاء المهملة وشد