الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وكم من الغيوب قد نبأتا
…
بها فلم تعد الذي ذكرتا)
الغيوب جمع غيب وهو ما غاب عنا، ونبأ معناه أخبر، وتعد بفتح الفوقية وسكون المهملة وضم الدال مضارع عداه يعدوه إذا جاوزه جزم بحذف آخره، وكم للتكثير وهي مبتدأ وخبره نبأتا والخطاب للنبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، والضمير المجرور عائد على الغيوب أي وكثير من الأمور المغيبة عنا أخبرتنا بها قد أطلعك الله تعالى عليها فلم تتجاوز الوصف الذي ذكرته لأنك لا تخبر إلا بما أوحاه الله إليك فلا يكون خبرك إلا مطابقاً لما في نفس الأمر. قال تعالى:{إن هو إلا وحي يوحى} .
ولنا في هذا المعنى في عد بعض المعجزات:
(وكم من المغيبات ذكرا
…
فبعضها مضى وبعض سيرى)
وإخباره عليه السلام بالغيوب بحر لا يدرك قعره، ولا ينزف غمره وقد مر في وجوه إعجاز القرآن كثير من أخباره عن الأمم الماضية والعصور الخالية ومما أخبر به عليه السلام مما سيأتي أشراط الساعة كالدجال وعيسى وخروج يأجوج ومأجوج، والدابة وطلوع الشمس من مغربها ومعها القمر، وخروج النار من قعرة عدن ترحل الناس إلى محشرهم تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا والنفخ في الصور عند فناء الخلق، والنفخ فيه عند بعثهم، وباليوم الآخر وما فيه من حشر ونشر وصراط وحوض وميزان وجنة ونار وغير ذلك. وأخبر بخروج المهدي وهو بفتح الميم وشد الياء كما قاله ابن سلطان وهو من ولد فاطمة، يملأ الأرض عدلاً كما ملأت جورا ويملك سبع سنين أو أكثر واسمه محمد بن عبد الله، ويبايع بين الركن والمقام وتنصره عدة أهل بدر رهبان بالليل وأسود بالنهار، ويصلي عيسى خلفه ويساعده على قتل الدجال بباب لد وقبله علامات يخسف القمر في رمضان أول ليلة منه أو ثالثه، وتخسف الشمس في نصفه
وهاتان العلامتان لم تكونا منذ خلقت الدنيا
، وتظهر النار في السماء جهة المشرق ثلاث ليال قبل خروجه وقبله صوت في نصف رمضان يوقظ النائم ويفزع اليقظان
وقبله السفياني وهو كافر يقتل العلماء والزهاد، ويظهر الفجور والفساد.
وورد أن قبل السفياني رجلاً من بني هاشم وأخبر بأن الأرض زويت له فرأى مشارقها ومغاربها وقال سيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها ووقع ذلك، وقال لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة أي إلى قرب قيامها، فسره علي بن المديني بالعرب لأنهم المختصون بالسقي بالغرب وهي الدلو العظيمة، وفسره غيره بأنهم أهل المغرب وقد ورد أهل المغرب، قال علي القاري يروى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، تكون بالغرب مدينة يقال لها فاس، أقوم أهل المغرب قبله وأكثرهم صلاة وهم على الحق متمسكون به لا يضرهم من خالفهم يدفع الله عنهم ما يكرهون إلى يوم القيامة، وقيل المراد بأهل الغرب أهل الشام. وعن حذيفة: قام فينا رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، مقاماً فما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، والله ما ترك من قائد فتنة إلي أن تقضى الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعداً إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه وقبيلته. وقوله قائد فتنة أي أمير لها يقود إلى المحاربة. وأخبر بأن أمته تنفق كنوز كسرى وقيصر فوقع ذلك، وبافتراق أمته على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهذه الواحدة هم الذين قال فيهم النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي، وهم أهل السنة والجماعة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين لخلو مذاهبهم من البدعة. وأخبر بظهور الفتنة وكثرة الهرج بفتح الهاء وسكون الراي وهو القتل. وأخبر بملك بني أمية والمراد بهم بنو مروان وأول من ملك من بني أمية بعد الخلفاء سيدنا معاوية رضي الله تعالى عنه بقي تسع عشر سنة وثلاثة أشهر ثم ابنه يزيد ثلاث سنين وأشهرا ثم معاوية بن يزيد ومات بعد أربعين يوماً، ثم مروان بن الحكم ومات بعد سبعة أشهر ثم عبد الملك بن مروان ومات في شوال سنة ست وثمانين، ثم ابنه
الوليد ومدته تسع سنين، ثم أخوه سليمان بن عبد الملك وولايته سنتان، ثم عمر بن عبد العزيز وولايته سنتان، ثم هشام بن عبد الملك بن مروان ومات سنة خمس وعشرين ومائة، ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك فقتل سنة ست وعشرين ومائة ثم يزيد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك وهو المسمى يزيد الناقص وولايته خمسة أشهر، ثم إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك فخلع نفسه ومدته سبعون يوماً، ثم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم وهو آخرهم قاله ابن سلطان.
وأخبر بملك بني العباس وبغير هذا مما لا يكاد ينحصر:
(فكل ذي علم وذي عرفان
…
منك استمده سوى الرحمان)
العرفان بالكسر المعرفة، والمادة أصل الشيء المأخوذ منه، يعني أن كل عالم وكل عارف بالله تعالى إنما استفاد علمه ومعرفته منه لأنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، هو أصل المخلوقات كلها وقد حجر الله تعالى نعمه أن يصل منها شيء إلى مخلوق إلا بواسطته، صلى الله تعالى عليه وسلم، وأما قول الناظم رحمه الله تعالى: سوى الرحمن فالصواب حذفه والله تعالى أعلم، لأن الله تعالى لا يوصف بالمعرفة كما هو معلوم ولأن علمه تعالى لا يوصف بأنه مستمد لقدمه حتى يحتاج إلى الاستثناء، والله تعالى أعلم.
(هذا وكم من آية لا تحصى
…
عدا منحتها ولا تستقصى)
هذا خبر مبتدأ محذوف أي الأمر هذا، وكم تكثيرية والآية المعجزة، ومنحتها بالبناء للمجهول أي أعطيتها أي أعطاكها الله تعالى تصديقاً لك ولا تستقصى أي لا تستوفى أو هذا منصوب بمحذوف أي أعرف هذا الذي ذكرت لك من معجزاته، صلى الله تعالى عليه وسلم، وكثير من المعجزات أعطاها الله تعالى له، صلى الله تعالى عليه وسلم، ولا تحصى بالعد ولا تستوفى فلا نتعرض لعدها.
(فالحمد لله الذي أعطاكا
…
ما لم ينله أحد سواكا)