المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(بيان أولاد النبي أحمدا - نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار - جـ ٢

[عبد القادر المجلسي]

فهرس الكتاب

- ‌ سرية عبد الله بن عتيك

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة

- ‌ قصة عكل وعرينة

- ‌ بعث عمرو بن أمية

- ‌وابتاع قيس بن سعد الجواد بن الجواد جزرا

- ‌ ثم بعث خالد سيف الله

- ‌ ثم بعث قيس بن سعد بن عبادة

- ‌ ثم سرية عبد الله بن عوسجة

- ‌ ثم سرية علي بن أبي طالب

- ‌ شكرتك يد افتقرت بعد غنى

- ‌(وقيل في النضير مع واد القرى…قاتل

- ‌ وأما غزوة الغابة

- ‌(بيان أزواج النبي المصطفي

- ‌(وهاجرا فى الدين هجرتين

- ‌ومن مناقبها أنه شهد بدرا سبعة من أهلها:

- ‌ أن أبا سلمة هو أول من هاجر إلى المدينة

- ‌الوصيلة الناقة التى وصلت بين عشرة أبطن

- ‌ الحمد لله الملك القدوس، السلام

- ‌(بيان أولاد النبي أحمدا

- ‌والجمهور على أن مريم لم تكن نبية

- ‌ أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي

- ‌ أما حسن فإن له هيبتى وسؤددي وأما حسين فإن له جودى وجرأتى

- ‌(بيان أعمام النبي المصطفي

- ‌ حمزة أسد الله وأسد رسوله

- ‌وكان عمر يستسقي بالعباس عام الرمادة

- ‌(عماته صفية المبره

- ‌(أخواله الأسود مع عمير

- ‌(بيان ما له من الموالي

- ‌(أما سراريه سوى القبطية…فهي ثلاث

- ‌(بيان حراس النبي المصطفى

- ‌ وقصة اليهودي الذي أظهر الإسلام والتنسك

- ‌(بيان رسل المصطفى لمن ملك: )

- ‌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد

- ‌ إلى المقوقس بعد البسملة من محمد

- ‌ لطيفة وهي إسلام صحابي على يد تابعي

- ‌ إما أن اليمامة سيظهر فيها كذاب

- ‌ وهو أول من بنى مسجدا فى أرض الكفر

- ‌ من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب:

- ‌(بيان من كان من الكتاب له

- ‌ وقتله بعد أن أحرم فى صلاة الصبح أبو لؤلؤة فيروز

- ‌ احذر لئلا تهلك أن تعتقد أن أحدا من الصحابة

- ‌ أمه سمية فكانت أول شهيد في الإسلام

- ‌ وروى إنها القرية التي كانت حاضرة البحر

- ‌(بيان من يقطع بالجنان…لهم

- ‌ وهو أول من أذن للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ جبريل أعان حسان بسبعين بيتا

- ‌(بيان ما له من السلاح)

- ‌ لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي

- ‌ من الأسياف السبعة التي أهدت بلقيس إلى سليمان

- ‌ درع داوود التي لبسها حين قتل جالوت

- ‌ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك

- ‌ فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف

- ‌ كسري وقيصر على الخز والديباج

- ‌ فطلبته الناس يحملون عليه موتاهم

- ‌ لأن صيانة العرض بترك سنة واجب

- ‌ النعل]

- ‌(بيان بعض معجزات المصطفى

- ‌ ولنذكر أولاً حديث مسلم في الإسراء

- ‌ من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين

- ‌ اقتلع قرى قوم لوط وحملها على جناحه

- ‌ لم يكن الوجوب مبرماً

- ‌ وذكره ابن الجوزي في الموضوعات فأخطأ

- ‌ أن فيه لعنكبوتاً أقدم من ميلاد محمد

- ‌ الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز

- ‌ والأصح أنها نعجة بيضاء

- ‌ وأما سجود الجمل له فعن أنس

- ‌ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه

- ‌ لا حاجة لي بهما وجدت الله خيراً لي منهما

- ‌ بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله

- ‌ وكان عتبة أطيب منهن ريحاً مع أنه لا يمس طيباً

- ‌ودعا لمعاوية بالتمكين في البلاد فنال ذلك

- ‌ فجاء الأسد يتشمم وجوههم حتى ضرب عتيبة

- ‌ وهاتان العلامتان لم تكونا منذ خلقت الدنيا

- ‌ ومنها أن آدم وجميع المخلوقات خلقوا لأجله

- ‌(ذكر وفاته صلاة ربه…عليه

- ‌ اللهم في الرفيق الأعلى

- ‌ من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره

- ‌ من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات

- ‌(وجاء الخضر…معزيا لهم

- ‌(يا روضة طاب منها الرق والقلم

- ‌ من رآه بديهة هابه

- ‌ لولا هو عليه السلام ما خلق قمر ولا شمس ولا بر

- ‌تقول فيه بلسان ناعت…أبلج وجه

- ‌ من العباد من ينسى الله حفظته ذنوبه

- ‌ الراحمون يرحمهم الله

الفصل: ‌(بيان أولاد النبي أحمدا

ولما أنهى الكلام على أزواجه المطهرات أتبعه بذكر أبنائه الكرام وبناته المكرمات عليه وعلى الجميع أطيب الصلوات فقال:

‌(بيان أولاد النبي أحمدا

صلي عليه ربنا ومجدا)

قوله بيان خبر مبتدأ محذوف والبيان الإظهار والأولاد جمع ولد يقع على الذكر والأنثى والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم سبق تفسيره في صدر الكتاب والرب المالك والمبلغ للشئ إلى كماله شيئا فشيئا والمجد والرفعة والشرف ومجده رفع قدره وشرفه دعاء بلفظ الخبر.

(أبناؤه أربعة فيما ورد

على اختلاف جاء في هذا العدد)

يعني أن أبناءه صلى الله تعالى عليه وسلم وأولاده الذكور أربعة، مع اختلاف، جاء عن أهل السير في هذا العدد وهو كونهم أربعة والأصح أنهم ثلاثة فقط كما في العراقي وهو قول الزبير بن بكار وهو قول أكثر أهل النسب كما قاله الحافظ أبو عمر بضم العين يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر الشهير بكنيته والنسبة إلى جد أبيه وقال الدارقطني هو الأثبت ولذا اقتصر عليه اليزيد بن عياض وكونهم أربعة هو قول ابن إسحاق وقيل كانوا سبعة القاسم وإبراهيم وعبد الله والطيب والمطيب بضم الميم وفتح المهملة والتحتية الثقيلة، ولدا توأمين والطاهر والمطهر اسم مفعول ولدا توأمين أيضا ذكره ابن الجوزى وابن البرقي والذي اتفق عليه من الذكور كما في المواهب وقيل ولد له قبل المبعث أى من خديجة ولد يقال له عبد مناف انتهى. فقال عليه الزرقاني.

روي الهيثم بن عدي عن هاشم بن عروة وقال في الميزان هذا افتراء الهيثم على هشام والهيثم كذبه البخاري وأبو داؤد وآخرون وقال القطب الحلبي لا يجوز لأحد أن يقول هذه التسمية وقعت بين النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقال الزرقاني وعلى المؤلف مؤاخذة فإن مثل هذا لا يذكر مع السكوت عليه انتهي.

(فالقاسم الذي به قد كنيا)

القاسم مبتدأ وخبره محذوف أى أكبرهم، أو خبر مبتدأ محذوف

ص: 110

يعني أن القاسم هو أكبر أولاده صلى الله تعالى عليه وسلم وهذا هو الأصح الذي جزم به الزبير بن بكار وجزم به في الإصابة ولد قبل البعثة وبه كان يكني وعاش حتى مشي ولم يبلغ حولين وقيل عاش سنتين وقال ابن المفضل الغلابي بالمعجمة وتخفيف اللام وموحدة عاش سبعة عشر شهر سبعة أشهر منها بعد البعثة وقال ابن فارس بلغ ركوب الدابة ومات قبل المبعث والله تعالى أعلم انظر الزرقاني.

وقوله كنيا تخفيفه أنسب بقوله دعيا الآتي (وبعد عبد الله) بعد بالضم لقطعة عن الإضافة خبر المبتدأ بعده أى وعبد الله بن قاسم ولد بعد النبوة ومات بمكة صغيرا، (أيضا دعيا بالطيب الطاهر) قوله أيضا منصوب بدعا على المفعولية المطلقة ومعني دعي سمي قل أدع الله (الآيه)، ونائبة ضمير يعود على عبد الله أى أنه كما سمي بعبد الله يسمي أيضا بالطيب وبالطاهر، أسماؤه ثلاثة وهو واحد كما أشار له بقوله (فاللفظان ترادفا) أى اتفقا في المعني لاتحاد مسماهما على هذا القول وهو عبد الله. قال الزبير بن بكار، بن عبد الله بن مصعب بن ثابت، بن عبد الله بن الزبير بن العوام، حدثني عمي عن مصعب قال ولدت خديجة للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم القاسم والطاهر، وكان يقال له الطيب واسمه عبد الله.

(وقيل بل غيران) أى وقيل الطيب والطاهر متباينان لاختلاف مسماهما وكل منهما موضوع لذات غير الذات التي وضع لها الآخر فكان له عليه السلام على هذا القول أربع ذكور: القاسم والطاهر والطيب وإبراهيم. قال في المواهب أعلم أن جملة ما اتفق عليه منهم ستة: القاسم وإبراهيم وأربع بنات: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وكلهن أدركن الإسلام وهاجرن واختلف فيما سوي هؤلاء فعند ابن إسحاق الطاهر والطيب أيضا فتكون على هذا ثمانية أربعة ذكور وأربعة إناث وقال الزبير بن بكار كان له عليه الصلاة والسلام سوي إبراهيم القاسم وعبد الله مات صغيرا بمكة يقال له الطيب والطاهر، ثلاثة أسماء وهو قول أكثر أهل النسب، قاله أبو عمر وقال الدارقطني

ص: 111

وهو الأثبت ويسمي عبد الله بالطيب والطاهر لأنه ولد بعد النبوءة فعلى هذا تكون جملتهم سبعة ثلاث ذكور وقيل عبد الله غير الطيب والطاهر وإبراهيم فتكون جملتهم تسعة، خمسة ذكور انتهي المراد.

وفي الحلة السيرا وأما أولاده صلى الله تعالى عليه وسلم فأربعة: القاسم وبه كان يكني والطاهر والطيب، فهؤلاء ماتوا وهم يرضعون وإبراهيم وهو ابن ماريه القبطية انتهى.

وقال الشيخ حسن العدوي بعد قول صاحب دلائل الخير وأبو الطاهر أبو الطيب هما كنيتان له صلى الله تعالى عليه وسلم والطاهر والطيب لقبان لواحد على الصحيح اسمه عبد الله، قال في المواهب وهذا هو الصحيح وغيره تخليط انتهى.

وقال الشيخ محمد المهدي بن أحمد بن علي بن يوسف الفاسي في مطالع المسرات بعد ذكر دلائل الخيرات لكناه صلى الله تعالى عليه وسلم ما نصه والكني الأربعة تكنيه له بأولاده الثلاثة أو الأربعة، على الخلاف في الطاهر والطيب وهل هما لواحد سمي عبد الله وبالطاهر والطيب لولادته في الإسلام وهو الصحيح، أو هما لولدين أحدهما الطيب والآخر الطاهر وهو قول ابن إسحاق والله تعالى أعلم.

وقال العراقي:

(كان له ثلاثة بنونا

القاسم الذي به يكنونا)

(بمكة قبل النبوءة ولد

والطيب الطاهر هو واحد)

(وهو الصحيح واسمه عبد الله

وقيل بل هذان الابنان سواه)

(والثالث إبراهيم بالمدينة

عاش بها عامان ونص سنة)

انتهى المراد.

قال مؤلفه عفا الله تعالى عنه قد مر على القسطلاني أن عبد الله ممن اختلف فيه، وظاهر كلامهم أن أولاده عليه السلام على القول بأنهم أربعة ذكور: القاسم والطاهر والطيب وإبراهيم ويسقط عبد الله، وعلى أنهم ثلاثة فمنهم القاسم وإبراهيم وعبد الله ويلقب بالطاهر وبالطيب،

ص: 112

لولادته في الإسلام فصلح له اللقبان. وعلى أنهم خمسة فعبد الله غير الطاهر وغير الطيب أربعة من خديجة والخامس إبراهيم. وعلى هذا فقول الناظم: (وقيل بل غيران) أى مسماهما متباين ويسقط عبد الله والله تعالى أعلم. وعلم مما مر أن كون الذكور ثلاثة هو الراجح جدا.

(ورابع البنين إبراهيم .... عليهم الرضوان والتسليم)

الرضوان هنا صفة فعل ومعناه الإنعام والإحسان وعلى أنه صفة ذات فهو إرادة إنعام خاص ومثله المحبة في هذا الخلاف لكن إن دعي به تعين فيه المعني الأول كام سرح به السنوسي يعني إنا إذا فرعنا على قول ابن إسحاق الذي صدر به الناظم من أبناءه عليه السلام الذكور أربعة يكون الرابع إبراهيم والثلاثة غير القاسم والطاهر والطيب ويكون الناظم ذكر القول بأنهم ثلاثة بصيغة تفيد ترجيحه وهو قوله (فاللفظان ترادفا). وذكر في أخر كلامه القول في صيغة التمريض ففي كلامه شبه تدافع والرضوان أنعام خاص والتسليم مصدر سلمه إذا أمنه.

(ميلاده) الضمير لإبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام مبتدأ وخبره قوله (بطيبة المرضية) وطيبة من أسماء المدينة ويقال لها طابة والطيبة بشد التحتية وأسماؤها كثيرة. وكفي في كونها مرضية أن الله تعالى رضيها مسكنا لخيرته من جميع خلقه دنيا وبرزخا وهى أفضل عندنا من مكة المشرفة، وقيل مكة أفضل والخلاف إنما هو في غير البقعة التي ضمته صلى الله تعالى عليه وسلم فهي أفضل بإجماع حتى من الكعبة كما أن الكعبة أفضل بلا خلاف من غير ما احتوى على الذات الشريفة من المدينة ولأبي عمران الفاسي:

(جزم الجميع بأن خير الأرض ما

قد حاط ذات المصطفي وحواها)

(وأمه ماريه القبطية) يعني أن إبراهيم بن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أمه ماريه بتخفيف التحتية وهي قبطية نسبة إلى القبط نصارى مصر، وهي من حفن أنصنا وحفن بفتح المهملة وسكون الفاء ونو المدينة، قال في الفتح وهى الآن كفر (القرية) وفى الحديث

ص: 113

(تخرجكم الروم منها كفرا كفرا)(أى قرية قرية) من عمل انصنا بالبر الشرقي من الصعيد في مقابلة الأشمونيين انتهى نقله الزرقاني. وفي القاموس القبط بالكسر أهل مصر وإليهم تنسب الثياب القبطية بالضم على غير قياس وقد تكسر ثم قال ومنهم ماريه القبطية أم إبراهيم انتهى. وهي بنت شمعون بفتح المعجمة وسكون الميم وبالعين المهملة وقيل بإهمالها وقيل بإعجامها وأمها من الروم وأهداها له المقوقس صاحب مصر والإسكندرية واسمه جريج بن مينا مات على نصرانيته وأهدي له معها أختها سيرين بكسر السين والراء المهملتين بينهما تحتية ساكنة وخصيا يقال له مابور بميم فألف فموحدة فواو ساكنة فراء ويقال هابوا بهاء بدل الميم وبغير راء في أخره قيل أنه أخو ماريه وقيل ابن عمها وأسلم وحسن إسلامه وكانت ماريه بيضاء جميلة. وروي أن المقوقس لم يجد في مصر أحسن وأجمل من ماريه وأختها فأهداهما. وروي ابن سعد عن عائشة ما غرت على امرأة إلا دونما غرت علي ماريه أعجب بها صلى الله تعالى عليه وسلم وكان أنزلها أولا بجوارنا فكان عامة الليل والنهار عندها ثم حولها إلى العارية وكان يختلف إليها هناك، وكان ذلك أشد علينا انتهى.

وأهدي معهم ألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا لينا وبغلة شهباء وهي دلدل وحمار أشهب وهو عفير ويقال يعفور وعسلا من عسل بنهى بكسر الموحدة وفتحها وسكون النون وبالقصر قرية من قري مصر ودعا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالبركة في عسل بنها ولم تزل كثيرة العسل خطى الآن ووهب عليه السلام سيرين لحسان بن ثابت فولدت له عبد الرحمن. ومن مناقب ماريه تبرئة الله تعالى لها ولقريبها فروي أنه عليه السلام دخل علها وهى حاملة بإبراهيم فوجد عندها نسيبا لها فوقع في نفسه شئ فخرج فلقيه عمر فعرف ذلك في وجهه، فسأله فأخبره فأخذ عمر السيف ثم دخل على ماريه وقريبها عندها فأهوي إليه بالسيف فكشف عن نفسه فراءه مجبوبا ليس بين رجليه شئ فرجع عمر إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبره فقال

ص: 114

صلى الله تعالى عليه وسلم إن جبريل أتاني فأخبرني أن الله تعالى قد برأها وقريبها مما وقع في نفسي وأن في بطنها غلاما منى وأنا أشبه الناس به وأمرني أن أسميه بإبراهيم وكناني أبا إبراهيم، انظر الزرقاني.

(كانت لخير مرسل سرية) قوله سريه بضم السين وكسر الراء المشدد مشتقة من التسرر واصله السر وهو من أسماء الجماع، سميت بذلك لأنها يكتم أمرها عن الزوجة غالبا، وضمت للفرق بينها وبين الحرة إذا نكحت سرا، فهي من تغيير النسب وقال الأصمعي من السرور لأن مالكها يسر بها والضم قياسي وروي أبو داوود مرفوعا عليكم بأمهات الأولاد وفي رواية بالسراري فإنهن مباركات الأرحام.

وأفاد الناظم بهذا أنها كانت توطأ بملك اليمن ومع ذلك ضرب الحجاب وحملت بإبراهيم ووضعته سنة ثمان وماتت رضي الله عنها في خلافة عمر سنة ست عشرة وقيل خمسة عشرة ودفنت بالبقيع، انظر الزرقاني.

(صلي الله على خالق البرية)، الضمير المجرور عائد على خير من قوله خير مرسل والبرية خلق.

(وكلهم قبل البلوغ ماتوا

حياته كما روي الثقاة)

كلهم مبتدأ وخبره ماتوا وحياته منصوب بنزع الخافض أى في حياته والثقات الإثبات أخبر أن كل واحد من أولاده الذكور صلى الله تعالى عليه وسلم مات في حياته عليه السلام قبل البلوغ وراعي الناظم معني كل، فجميع الضمير في قوله ماتوا وللشيخ الجنكي:

(وإن تضف كل إلى معرف

فبينما الوجهين تخيير قفي)

والوجهان هما اعتبار اللفظ واعتبار المعني وفى التنبيه عن المرادي أنا لمسموع في المضاف لفظا إلى معرفة إنما هو اعتبار اللفظ نحو وكلهم ءاتية يوم القيامة. قال ولا يكاد يوجد في لسان العرب كلهم يقومون انتهى.

وقد مر بأبسط من هذا عند قوله (وكلهن كن في ذي القعدة). أما

ص: 115

القاسم فقد مر أنه لم يبلغ حولين وقيل عاش سنتين وقيل عاش سبعة أيام وخطاه المفضل الغلابي وقال أنه عاش سبعة عشر شهرا سبعة منها بعد البعثة وقال ابن فارس بلغ ركوب الدابة وأما عبد الله فمات صغيرا ولم تعلم مدة حياته وأما إبراهيم فتوفي وله سبعون يوما فيما ذكره أبو داوود فعليه يكون مات سنة تسع لأنه ولد باتفاق في ذي الحجة سنة ثمان ونقل صاحب النوادر أن رواية كونه عاش سبعين يوما وهم وجزم الواقدي بأنه مات سنة عشرة، وفي البخاري عن عائشة عاش سبعة عشر شهر أو ثمانية عشر شهرا على الشك. وعند أحمد عنها بسند حسن ثمانية عشر شهر بالجزم. وكذا عنده عن جابر وهو أرجح الأقوال وحمل على سرير صغير من بيت مرضعته إلى البقيع، وصلي عليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالبقيع، وقال ندفنه عند فرطنا عثمان ابن مظعون وروي أن الذي غسله أبو بردة هاني الأنصاري وروي أنه الفضل بن عباس ولعلهما اجتمعا عليه ونزل في قبره الفضل وأسامة والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم على شفير القبر فرأي فرجة فناول الحفار مدرة فقال أنها لا تضر ولا تنفع ولكنها تقر عين الحي، ورش قبره بالماء بعد تمام دفنه وكانت أم رافعته مولاته صلى الله تعالى عليه وسلم قابلته وبشر أبو رافع زوجها به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فوهب له عبدا وعق عنه يوم سابعة بكبشين وسماه يومئذ وتصدق بزينة شعره ورقا ودفنوا شعره بالأرض ولما ولد تنافست الأنصار فيمن ترضع منهن إبراهيم فإنهم أحبوا أن يفرغوا ماريه له عليه الصلاة والسلام مما يعلم من ميله لها، فأعطاه لأم بردة خوله بنت المنذر من بني النجار زوجة البراء بن أوس فكانت ترضعه في بني مازن من النجار وترجع به إلى أمه وأعطي عليه السلام أم بردة قطعة نخل رواه ابن سعد والزبير بن بكار، وفي البخاري عن أنس أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال ولد لي الليلة غلام سميته باسم أبي إبراهيم ثم دفعته إلى أم سيف، امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف. قال عياض هو البراء بن أوس وزوجته أم سيف هى أم بردة وتعقبه الحافظ بأنه لم

ص: 116

يصرح أحد من الأئمة بأن البراء يكني أبا سيف ولا بأن أبا سيف يسمي البراء. انتهى.

قال الزرقاني وحاصل ما ذكره هنا يعني القسطلاني تبعا للحافظ أنهما امرأتان على الصحيح، وجعلهما عياض امرأة واحدة، وفي البخاري عن أنس دخلنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أبي سيف القين، وكان ظئرا لإبراهيم فأخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه ثم دخلنا عليه بعد ذلك. وإبراهيم يجول بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله؟ فقال يا بن عوف إنها رحمة. ثم أتبعها بأخرى فقال صلى الله تعالى عليه وسلم إن العين لتدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون. والقين الحداد ويطلق على كل صانع من قان الشئ إذا أصلحه ويجود بنفسه أى يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله يجود به وانكسفت الشمس يوم موت إبراهيم فقال الناس إنما كسفت لموت إبراهيم عليه السلام إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته والغالب أن الكسوف يكون في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين فكسفت يوم موته في العاشر من الشهر عند الأكثر. وقيل في رابعة ولذلك قالوا كسفت لموته. وفى كونه في ربيع أو رمضان أو ذي الحجة أقوال. ولما توفي قال عليه السلام كما في مسلم إن له ظئرين يكملان رضاعه في الجنة انتهى. أي يرضعهما بجسمه وروحه معا بخلاف سائر أطفال المؤمنين فيرضعون من شجرة طوبا وحاضنهم إبراهيم كما أخرجه ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم وعن أنس موقوفا عليه أنه قال لو بقي – يعني إبراهيم - لكان نبيا ولكن لم يبقي. لأن نبيكم آخر الأنبياء. قال الطبري وهذا إنما يقوله أنس عن توقيف يخص إبراهيم لأنه لم يلزم أن يكون ابن النبي نبيا. وقال النووي ما روي عن بعض المتقدمين لو عاش إبراهيم لكان بنينا فباطل، وجسارة على الكلام عن المغيبات انتهى.

ص: 117

قال الحافظ في الإصابة عقب كلام النووي أنه عجيب مع وروده على ثلاثة من الصحابة: ابن عباس مرفوعا وأنس ابن أبي أوفي موقوفا لفظا، وحكمه الرفع، لأنه لا يقال رأيا وكأنه لم يظهر له وجه تأويله فقال ما قال وجوابه أن قضية الشرطية لا تستلزم الوقوع ففي التنزيل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ولا يظن بالصحابي المهجوع على مثل هذا بالظن لأنه إساءة ظن بمن عدله الله تعالى في كتابه ورسوله في حديثه انتهى.

والطرق الثلاثة أحدها ما أخرجه ابن ماجة والبيهقي عن ابن عباس لما مات إبراهيم بن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم صلي عليه وقال إن له مرضعا في الجنة ولو عاش لكان صديقا نبيا، ولو عاش لأعتقت أخواله من القبط. وفي سنده إبراهيم بن عثمان العبسي وهو ضعيف، لكن له شواهد منها ما عند ابن عساكر عن جابر يرفعه لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبينا. ومنها ما رواه إسماعيل بن السدي عن أنس لو عاش يعني إبراهيم لكان بنينا، لكن لم يكن ليبقي فإن نبيكم أخر الأنبياء ومنها ما عند البخاري عن إسماعيل بن أبي خالد قالت قلت يا عبد الله بن أبي أوفي رأيت إبراهيم بن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال مات صغيرا، ولو قضي أن يكون بعد محمد نبي عاش ابنه إبراهيم ولكنه لا نبي بعده.

وأخرجه أحمد عن ابن أبي أو في بلفظ لو كان بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم نبي ما مات ابنه إبراهيم انتهى. قال الزرقاني بعد هذه الأحاديث فهذا حديث صحيح تعددت طرقه، ينكر مع أن وجهه ظاهر والله تعالى أعلم.

وللعراقي بعد ما قدمته:

(وقيل مع نقصان شهر وقضي

سنة عشر فرطا له مضي)

(ومات قاسم له عامان

وعدة الأولاد من نسوان)

أربعة الخ.

(أما بناته فأربع بلا خلاف)، الخلف بالضم الاختلاف يعني أن بناته

ص: 118

صلى الله تعالى عليه وسلم لم يختلف في عددهن، بل هن أربع بالإجماع، (و) لكن، (في الكبرى) منهن، (خلاف نقلا) عن أهل السير، وبين الراجح من الخلاف فقال (أصحه زينب) يعني أن الأصح من الخلاف أن كون زينب أكبر بناته صلى الله تعالى عليه وسلم. وعلى الناظم درك في حكايته للخلاف لكون زينب هى أكبر البنات لأنه على تقدير وجوده بمكن من الشذوذ وكلامه يؤذن بأنه صحيح لما تقتضيه صيغة التفضيل من المشاركة. قال المناوي في شرح العراقي ما نصه وهي أكبر بناته اتفاقا ولا عبرة بمن شذ، وفي المواهب أما زينب فهي أكبر بناته بلا خلاف إلا ما يصح وإنما الخلاف فيها وفى القاسم أيهما ولد أو لا انتهى بحروفه.

وقال الزرقاني أن أبا عمر بن البر قال ولا أعلم فيه خلافا.

(

ثم اختلفوا .... فيها وفي القاسم فيما وصفوا)

يعني أن أهل السير اختلفوا في القاسم وزينب أيهما ولد أولا (فقال قوم هى) أى زينب (منه) أى من القاسم (أكبر) وصححه ابن الكلبي، وقدم الناظم المجرور على أفعل، وهي نزر مع الإخبار كقول الشاعر:

(فقالت لنا أهلا وسهلا وزودت .... جني النحل بل ما زودت منه أطيب)

(وقال قوم آخرون) من أهل السير منهم الزبير بن بكار في طائفة زينب (أصغر) من القاسم وفي المواهب أما القاسم فهو أول ولد ولد له عليه الصلاة والسلام. وفي الزرقاني عقب ما نصه على الأصح الذي جزم به الزبير بن بكار، وصاحب الإصابة، فقال هو بكره انتهى بحروفه. وعلى هذا فاللائق بالناظم تقديمه والله أعلم.

وحذف الناظم المفضول للعلم به وهو كثير في القرآن نحو ذلكم أفضل عند الله، (ورتب الثلاثة في الميلاد

رأف

) قوله رتب مبتدأ وقوله رأف والرتب بضم الراء جمع رتبة بضمها وهى المنزلة يعني أن منازل البنات الثلاث البواقي بعد زينب في الولادة رمز إليها الناظم براء ثم ألف ثم فاء فكل حرف سابق لآخر فهو إشارة على أن البنت التي تقدم حرف من اسمها مولدها متقدم على مولد ما ذكر بعدها:

ص: 119

فالراء إشارة لرقية بضم الراء فهي أكبر من بعد زينب ثم أم كلثوم من بعد رقية وإليها أشار بالألف وبعد ذلك فاطمة الزهراء فهي أصغر بناته صلى الله تعالى عليه وسلم وإليها أشار بالفاء، وقيل إن رقية اكبر من زينب وقيل أن رقية أصغرهن والأصح ما ذكره الناظم. (وأسلمن بلا عناد) أى بلا خلاف، يعني أن بناته صلى الله تعالى عليه وسلم أسلمن وهاجرن كلهن ولا خلاف في ذلك.

(وفي ثلاثين لعام الفيل .... قد ولدت زينب للرسول)

زينب نائب فاعل ولدت والمجرور الأول متعلق بولدت وكذا الأخير وأما المتوسط فالظاهر أنه موضع النعت لثلاثين، واللام بمعني من أى ثلاثين كائنة من عام الفيل أى مبتدأه منه والله تعالى أعلم. ومراده أن زينب بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولدت سنة ثلاثين عاما من ولادته صلى الله تعالى عليه وسلم وقد مر أنه ولد عام الفيل، وعن ابن إسحاق أنها ولدت في سنة ثلاثين من مولده عليه الصلاة والسلام وأدركت الإسلام وهاجرت اى بعد بدر انتهى.

(وابن الربيع أنكحت) ابن بالنصب مفعول أنكحت ونائبه ضمير زينب يعني أن زينب أنكحت لأبي العاصي أى زوجها له المصطفي صلى الله تعالى عليه وسلم، ابن الربيع بن عبد العزي بن عبد شمس بن عبد مناف وهو ابن خالة زينب وأمه هاله بنت خويلد صحابية استأذنت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فعرف استيذان خديجة فارتاع وقال اللهم هاله كما في البخاري.

واسم أبي العاص لقيط بفتح اللام وكسر القاف وسكون التحتية فطاء قاله جماعه ورجحه البلادري وقيل مقسم بكسر الميم وسكون القاف وفتح المهملة حكاه ابن الأثير والسهيلي وجماعة وقيل مهشم بكسر الميم وسكون الهاء وفتح الشين المعجمة حكاه في الإصابة وقيل بضم أوله وفتح الهاء وكسر الشين الثقيلة، حكاه البغوي والزبير بن بكار وقيل اسمه الزبير وقيل قاسم حكاه السهيلي والحافظ وقيل ياسر بتحتية وسين مهملة حكاه ابن منده وأبو نعيم وكونه ابن الربيع هو الصواب،

ص: 120

ورواه ابن بكر ومعن وأبو مصعب وغيرهم عن مالك وروى عنه الجمهور أنه ابن ربيعة وادعى الأصيلي أنه ابن ربيعة فنسبه مالك مرة إلى جده ورده عياض والقرطبي وغيرهما انتهي من الزرقاني. وقال المناوي والأصح أن اسمه لقيط.

(فلما

أرسل خير مرسل ألما)

(به قريش في فراق زينبا

فلم يجبهم للفراق بل أبى)

لما اسم شرط والعامل فيه قوله ألم وأرسل مبني للمفعول ونائبه خير وألم به أي بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم قريش نزلوا به أي أتوه يعنى أن أبا العاصي رضى الله تعالى عنه أتاه قريش حين بعث النبي صلي الله تعالى عليه وسلم يريدون منه أن يفارق زينب بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فامتنع من فراقها، (وأسلمت وهاجرت) أي أدركت الإسلام وأسلمت وهاجرت بعد بدر كما رواه ابن إسحاق. وعند ابن سعد بسند صحيح من مرسل الشعبي أنها هاجرت مع أبيها ويجمع بينهما بأن المعية مجازية ذكر ابن إسحاق وغيره أن أبا العاصر لما منّ عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حين أسر ببدر، وشرط عليه أن يبعث زينب إليه فوفى بذلك، كما في المناوي وأمرها باللحوق بأبيها، وذلك بعد بدر بشهر أو أكثر فتجهزت فحملها في هودج على بعير ساقه بها أخوه كنانة بن الربيع ومعه قوسه وكنانته فخرج رجال من قريش فأدركوها بذي طوى فسبق إليها هبار بن الأسود وأسلم بعد ذلك فراعها بالرمح فوقعت وكانت حاملا فأسقطت فقام كنانة ونثر كنانته وقال والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما، فتكركر الناس عنه وجاء أبو سفيان في جلة قريش فقال كف عنا نبلك حتى نكلمك فقال قد عرفت مصيبتنا ونكبتنا من محمد فيظن الناس أنك إذا خرجت بها علانية أنه عن ذل من مصيبتنا، وما لنا بحبسها حاجة، لكن ارجع حتى إذا هدأت الأصوات وتحدث أن قد رددناها سر بها سرا وألحقها بأبيها. ففعل فأقامت ليال وخرج بها ليلا حتى أسلمها إلي زيد بن حارثة وصاحبها الأنصاري وكان عليه الصلاة

ص: 121

والسلام بعثهما وقال كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فأصحباها حتى تأتياني بها، فقدما بها عليه انتهى نقله الزرقاني.

( .... وهاجرا

من بعدها فردها خير الورى)

(إليه بالعقد الذي قد سبقا

على الأصح لا بثان لحقا)

فاعل هاجر ضمير يرجع لأبي العاصي وخير بالرفع فاعل رد ومفعوله ضمير زينب والورى العباد ومعنى كلامه أن أبا العاصي هاجر بعد هجرة زينب فرد إليه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم زوجته زينب بعقدها الأول لا بعقد جديد وذلك أنه عليه السلام بعث زيد بن حارثة في جمادى الأولى سنة ست في سبعين ومائة راكب إلي العيص بكسر المهملة يتعرض عيرا لقريش أقبلت من الشام فأخذوها وأسروا أناسا فيهم أبو العاصي فقدموا بهم فاستجار أبو العاصي بزينب فأجارته فقال صلى الله تعالى عليه وسلم قد أجرت من أجرت، وقال لها أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك أي لا يطؤك فإنك لا تحلين له، ثم أنه رد عليه ماله بأسره فلم يفقد منه شيئاً ثم ذهب إلي مكة فأدى إلي كل ذي مال ماله وقال هل بقي لأحد منكم عندي مال؟ قالوا. لا قال فإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله. ثم خرج وقدم المدينة وقد مر بأبسط من هذا في البعوث. وقوله على الأصح بهذا صدر في المواهب قيل ردها إليه بعد سنتين وقيل بعد ست سنين، وكونه ردها إليه بالعقد الأول رواية ابن عباس وفي حديث عمرو بن شعيب ردها بنكاح جديد سنة سبع قال السهيلي وهذا هو الذي عليه العمل وإن كان حديث ابن عباس أصح إسنادا لكنه لم يقل به أحد من الفقهاء فيما علمت لأن الإسلام فرق بينهما وجمع بين الحديثين بأن معنى حديث ابن عباس ردها له على مثل العقد الأول في الصداق والحباء فلم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا من غيره نقله الزرقاني. وحديث ابن عباس أخرجه أبو داوود والترمذي وقال الترمذي ليس بإسناده بأس ولكن لا يعرف وجهه، وحديث عمرو بن شعيب رواه الترمذي وابن ماجه نقله الزرقاني أيضا.

ص: 122

(وولدت أمامة عليا له

)

مراده أن زنيب ولدت لأبي العاص رضي الله تعالى عنهما ولدا يقال له علي، استرضع في بنى غاضرة فافتصله صلى الله تعالى عليه وسلم منهم وأبو العاص مشرك بمكة، وقال لأن شاركني في شيء فأنا أحق به منه ومات وقد ناهز الحلم بعد أمه في حياة أبيه وكان رديفه صلى الله تعالى عليه وسلم على ناقته يوم الفتح وولدت له أيضا أمامة بضم الهمزة وتخفيف الميمين التي حملها صلى الله تعالى عليه وسلم في صلاة الصبح على عاتقه وكان إذا ركع وضعها وإذا رفع رأسه من السجود أعادها وتزوجها علي بعد وفاة فاطمة خالتها بوصية فاطمة بذلك انتهى من المواهب وشرحها؛ (وماتت عام "ح" وفيا) الوفي التام يعني أن زينب ماتت عام ثمان من الهجرة النبوية كما أشار له بالحاء المهملة. وفي المواهب: وماتت عام ثمان من الهجرة وصلى عليها عليه السلام ونزل في قبرها ومعه أبو العاص وجعل لها نعش. وروى مسلم عن أم عطية قالت لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال أغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا واجعلن في الآخرة كافورا. وروي أن التي غسلتها أم أيمن وسودة بنت زمعة وأم سلمة قال ابن عبد البر والتي شهدت أم عطية غسلها وتكفينها إنما هي أم كلثوم ورده الحافظ بأن المحفوظ أن قصة أم عطية إنما هي في زينب.

فائدة:

حديث أمامة في الموطأ وغيره ولفظ المقصود هنا من الموطإ أن رسول الله تعالى عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها انتهى.

ولأحمد فإذا قام حملها فوضعها على رقبته ولأبي داوود حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد حتى إذا فرغ من سجوده وقام

ص: 123

أخذها فردها مكانها. وهذا صريح في أن فعل الحمل والوضع منه لا منها بخلاف ما أوله به الخطابي وابن دقيق العيد بأن الصادر منه هو الوضع لا الرفع لتعلقها به إذا سجد فينهض فتبقي محمولة حتى يركع فيضعها فيقل العمل واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث لأنه عمل كثير فروى ابن القاسم عن مالك أنه في النافلة واستبعده المازري وعياض والقرطبي. وعند الزبير بن بكار والسهيلي أنها الصبح ووهم من عزاه للصحيحين وروي أشهب وابن نافع عن مالك أن ذلك لضرورة حيث لم يجد من يكفيه أمرها. وقال الباجي إن وجد من يكفيه أمرها جاز في النافلة دون الفريضة وإن لم يجد جاز فيهما.

وروى عبد الله بن يوسف عن مالك أنه منسوخ قال الحافظ لكنه غير صحيح وذكر عياض عن بعضهم أنه من خصائصه لعصمته من أن تبول وهو حاملها ورد بأن الأصل عدم الاختصاص وحمله أكثر العلماء على أنه عمل غير متوال. وفي التمهيد حمله العلماء على أن أمامة كانت عليها ثياب طاهرة وأنه أمن منها ما يحدث من الصبيان من البول، وقال النووي ادعى بعض المالكية أنه منسوخ وبعضهم من الخصائص وبعضهم أنه بضرورة وكلها دعاوى باطلة وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى تتبين النجاسة والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت وتفرقت وقال الفاكهاني كان السر فيه دفع ما ألفته العرب من كراهة البنات فخالفهم حتى في الصلاة والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول وفيه ترجيح العمل بالأصل على الغالب انتهى ملخصا من الزرقاني على الموطأ وحاصل هذا أن الحديث يحتاج عندنا إلي جوابين: جواب عن الفعل الكثير وجواب عن حمله لها مع احتمال نجاسة أجساد الصبيان وثيابهم.

أما الأول فأجيب عنه بأنه منسوخ وبأنه كان في النافلة وبأنه لضرورة وبأنه خصوصية وقال بعضهم لأنه لو تركها لبكت وشغلته أكثر من شغله بحملها وهذا الجواب لم يذكر فيما مر وهو في الزرقاني أيضا وأجيب أيضا بأنه عمل غير متوال. وقد مر أنه حمله عليه أكثر العلماء

ص: 124

وأما شأن النجاسة فأجيب بأنها كانت ثيابها طاهرة وبأنها تحمل على الطهارة حتى تتبين النجاسة كما للنووي. ومر للفكهاني أنه من تقديم الأصل على الغالب والله تعالى أعلم. قاله مؤلفه سمح الله تعالى له.

(وأنكحت رقية عتيبه

وأم كلثوم أخاه عتبه)

رقية كسمية كما في القاموس نائب فاعل أنكحت، ومفعوله الآخر عتيبة بالتصغير، وأم كلثوم بضم الكاف كما في القاموس عطف على رقية وأخاه عطف على عتيبة فهو عطف بأداة واحدة على معمولي عامل واحد وعتبة بالتكبير بدل مما قبله أو بيان ومراده أن رقية بنت رسول الله تعالى عليه وسلم تزوجت عتيبة بالتصغير بن أبي لهب وأن أم كلثوم أختها تزوجت عتبة أخاه وكان سن رسول الله تعالى عليه وسلم لما ولدت رقية ثلاثا وثلاثين سنة، وأم كلثوم اسمها كنيتها، ففي النور لا أعلم أحدا سماها وما ذكره الناظم رحمه الله تعالى خلاف ما اقتصر عليه القسطلاني في المواهب وصوبه شارحه محمد بن عبد الباقي من أن عتيبة بالتصغير الميت كافرا بافتراس الأسد بسبب دعائه عليه السلام عليه، هو الذي كانت عنده أم كلثوم وكان فراقه لها قبل الدخول وأن رقية هي التي كانت تحت عتبة بالتكبير، قال الزرقاني وعتبة أسلم يوم الفتح هو وأخوه معتب لأن النبي تعالى عليه السلام استوهبهما من ربه فوهبهما له انتهي.

وما اقتصر عليه نحوه للمناوي في شرح العراقي فانظر اقتصار الناظم على ما ذكره ولم أر في ابن سيد الناس ذكرا لتزويجهما لابني أبي لهب وإنما ذكر فيما رأيت تزوج عثمان بهما وكذا محمد اليدالي في الحلة السيرا والله تعالى أعلم.

(فطلقا هما معا إذ نزلا

تبت فتبا لهما إذ فعلا)

يعني أن ابني أبي لهب لما نزل قوله تعالى: {تبت يدا أبي

ص: 125

لهب} (السورة) قال لهما أبو لهب رأسي من رؤسكهما حرام أن لم تفارقا ابنتي محمد، وقالت لهما أمهما أن أم كلثوم ورقية صبتا فطلقاهما ففارقاهما قبل الدخول كما في المواهب والمناوي وتبت خسرت وهلكت وقوله فتبا أي خسرا وهلاكا لهما إذ فعلا ما أمرهما به أبوهما المشؤوم من فراق ابنتي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقوله فتبا لهما دعاء وهو ترك أدب غير لائق بالنسبة للصحابي منهما إذ الإسلام يجب ما قبله ولاسيما شرف الصحبة التي لا يلحق غبارها ولا يخاض تيارها قال ابن سيد الناس أما أبو لهب فكناه أبوه بذلك لحسن وجهه قال السهيلي كني أبل لهب مقدمة لما يصير إليه من اللهب وامرأته أم جميل بنت حرب بن أمية وولدا أبي لهب عتبة ومعتب، شهدا حنينا وثبتا فيه وأختهما درة لها صحبة وأخوهم عتيبة قتله الأسد بالزرقاء من أرض الشام بدعوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وبعضهم يجعل المكبر عقير الأسد وعتيبة الصحابي المشهور الأول انتهى كلامه.

وتقدم أن رسول الله استوهب عتبه ومعتبا من ربه فوهبهما له وما شهره ابن سيد الناس في شأن الصحابي منهما شهره غيره كما صرح به الزرقاني والله تعالى أعلم.

وفي المواهب ممزوجا ببعض كلام الزرقاني وكانت يعني أم كلثوم تحت عتيبة المصغر ابن أبي لهب ففارقهما قبل الدخول بأمر أبيه المشؤم ويروى أن عتيبة بالتصغير لما فارق أم كلثوم جاء إلي النبي صلي الله تعالى عليه وسلم فقال كفرت بدينك وفارقت ابنتك لا تحبني ولا أحبك، ثم سطا عليه وشق قميصه أي قميص النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو خارج نحو الشام تاجرا، فقال صلي الله تعالى عليه وسلم أما إني أسأل الله أن يسلط عليك كلبه. وفي رواية اللهم سلط عليه كلنا من كلامك. وأبو طالب حاضر فوجم بجيم مفتوحة أي اشتد حزنه لها أي للدعوة، وقال ما كان أغناك يا عتبية عن دعوة ابن أخي، فخرج في تجر بفتح فسكون جمع تاجر من قريش حتى نزلوا بالزرقاء من الشام ليلا

ص: 126

فأطاف بهم الأسد فجعل عتيبة يقول يا ويل أمي هو والله آكلي كما دعا علي محمدا، قاتلي ابن أبي كبشة وهو بمكة وأنا بالشام وغلبت عليه الشقوة فلم يؤمن فعدا عليه الأسد، من بين القوم فأخذ برأسه ففدغه بفتح الدال المهملة وبالغين المعجمة أي شدخه. وفي رواية فجعل يتشمم وجوههم ثم ثني ذنبه فوثب فضربه ضربة واحدة فخدشه فقال قتلني ومات.

وفي رواية أنه أقبل يتخطاهم حتى أخذ برأس عتيبة وعند أبي نعيم عن هبار بن الأسود تجهز أبو لهب وابنه عتيبة نحو الشام فخرجت معهما فنزلنا قريبا من صومعة راهب فقال الراهب ما أنزلكم ها هنا، هنا سباع، فقال أبو لهب أنتم عرفتم سني وحقي؟ قلنا أجل. قال إن محمد دعا على ابني فاجمعوا متاعكم على هذه الصومعة ثم افرشوا له عليها وناموا حوله ففعلنا وبات عتيبة فوق المتاع فجاء الأسد فشم وجوهنا ثم وثب فإذا هو فوق المتاع فقطع رأسه فطلبنا الأسد فلم نجده انتهي من المواهب وشرحها.

وقوله جمع تاجر قال في القاموس التاجر الذي يبيع ويشتري وبائع الخمر جمعه تجار وتجار وتجر وتجر، كرجال وعمال وصحب وكتب انتهى. وخدشه كضربه، مزقه كما في القاموس.

(ثم تزوج ابن عفان الرضا رقية

)

رجل رضى بالكسر والقصر أي مرضي ثم بعد أن طلق ابنا أبي لهب بنتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تزوج عثمان بن عفان رقية رضى الله تعالى عنهما وكانت رقية بارعة الجمال وكذا كان عثمان وكان يقال فيهما:

(أحسن زوجين رأى إنسان

رقية وبعلها عثمان)

وفي ذلك تقول خالته سعدى بنت كريز الصحابية العبشمية:

(هدى الله عثمان الصفي بقوله

فأرشده والله يهدي إلى الحق)

ص: 127

(فبايع بالرأي السديد محمداً

وكان ابن أروى لا يصد عن الحق)

(وأنكحه المبعوث إحدى بناته

فكان كبدر مازج الشمس في الأفق)

(فداؤك يا بن الهاشميين مهجتي

فأنت أمين الله أرسلت في الخلق)

وهاجر عثمان برقية الهجرتين إلي الحبشة فولدت له هناك ابنا يسمى عبد الله وكان يكنى به وذكر ابن قدامة أن نفرا من الحبشة كانوا ينظرون إليها ويعجبون من جمالها فتأذت من ذلك فدعت عليهم فهلكوا جميعا. وعن الحافظ أبي نصل الدولابي بفتح الدال وضمها أن تزويجها به كان في الجاهلية ولكن ذكر أبو سعد وغيره ما يدل على أنه كان بعد إسلامه، أخرجه أبو سعد في الشرق عن عثمان قال كنت بفناء الكعبة فقيل أنكح محمد عتبة رقية ابنته فدخلنني حسرة أن لا أكون سبقت إليها فانصرفت إلي منزلي فوجدت خالتي فأخبرتني بأن الله تعالى أرسل محمدا وذكر حثها له على أتباعه قال وكان لي مجلس من الصديق فأصبته فيه وحده فسألني عن تفكري فأخبرته بما سمعت من خالتي فذكر حثه له على الإسلام قال فما كان بأسرع ممن أن مر صلى الله تعالى عليه وسلم ومعه علي يحمل له ثوبا فقام أبو بكر فساره فقعد صلى الله تعالى عليه وسلم ثم أقبل علي فقال أجب الله إلي جنته فإني رسول الله إليك وإلي جميع خلقه. فوالله ما تمالكت حين سمعته أن أسلمت ثم لم ألبث أن تزوجت رقية ذكره الزرقاني.

(أتت بنجل فقضى

في عام ست بعد موت الأم)

(في سنة اثنين بغير وهم)

قوله أتت بحذف العاطف أي وأتت بنجل أي ولد ذكر وهو عبد الله الذي مر ذكره وقضى مات وفاعله ضمير يعود على نجل ومعنى كلامه أن رقية ولدت لعثمان ولدا بأرض الحبشة فقضى ذلك الولد أي مات في عام ست من الهجرة بعد موت أمه رقية وكانت ماتت في سنة اثنين من الهجرة والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ببدر حين وصل زيد بن حارثة للبشارة بقتل المشرك وهي ابنة عشرين سنة وكان خروجه عليه

ص: 128

السلام إلي بدر على رأس تسعة عشر شهرا من الهجرة وهي مريضة وخلف عليها صلى الله تعالى عليه وسلم عثمان وأسامة ولما قدم عليه الصلاة والسلام عزي بها فقال الحمد لله دفن البنات من المكرمات أي لآبائهن لأنهن عورة ولضعفهن بالأنوثة ولعدم استقلالهن قال بعض العلماء وهذا ورد مورد التسلية عن المصيبة وحاشاه أن يقوله كراهة للبنات كما تظنه الجهلة وهذا رواه الطبراني والبزار وابن عدي كلهم بسند ضعيف قاله الزرقاني. وقوله فقضى ذكر في الفتح أنه عاش ست سنين ومات على ما قال ابن سعد عام أربع من الهجرة قاله الزرقاني وهذا مخالف لقول الناظم في عام ست، والوهم الغلط والله تعالى أعلم:

(وأنكح الأخرى بغير مين

ومن هنا لقب ذا النورين)

(ولم تلد له

)

أنكح بضم الهمزة ونائبه ضمير عثمان والأخرى مفعوله الثاني وهي أم كلثوم والمين الكذب ولقب أي سمي بذلك اسما أشعر برفعة مسماه يعنى أن عثمان أنكحه المصطفي صلى الله تعالى عليه وسلم أم كلثوم ابنته في ربيع الأول بوحي من الله بعد وفاة رقية ولم تلد له أم كلثوم، قال في المواهب وكان تزوج عثمان بأم كلثوم سنة ثلاث من الهجرة وقال عليه السلام هذا جبريل أخبرني أن الله يأمرني أن أزوجكها وروي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال له والذي نفسي بيده لو أن عندي مائة بنت يمتن واحدة بعد واحدة زوجتك أخرى. وروي عن أبي هريرة يرفعه أتاني جبريل فقال أن الله يأمرك أن تزوج عثمان أم كلثوم على مثل صداق رقية وعلي مثل صحبتها وفي هذه الأحاديث منقبة جليلة لعثمان وروي أن عمر عرض حفصة على عثمان فقال سأنظر ثم قال قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا فبلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال يا عمر أدلك علي خير لك من عثمان وأدل عثمان على خير له منك، قال نعم يا نبي الله، قال تزوجني ابنتك وأزوج عثمان ابنتي. قال الزرقاني وبه استدل على فضل بناته على زوجاته هو انتهى.

ص: 129

وقوله من هنا إلخ

الظاهر أنها إشارة للمكان المجازي أي ومن مكانته للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم حيث تزوج ابنتيه لقب ذا النورين وكان يدعى في السماء ذا النورين وقيل لقب به لأنه كان يختم القرءان في الوتر فالقرءان نور وقيام الليل نور قاله القسطلاني.

قال المهلب بن أبي صفرة لم يعلم أحد تزوج ابنتي نبي غيره نقله الزرقاني ونحو في التاج.

(وعام تسع) من الهجرة النبوية (توفيت) أم كلثوم (كما أتى في السمع) أي المسموع عن أهل السير أي المروي عنهم وكان موتها في شعبان كما قال ابن سعد وصلى عليها عليه الصلاة والسلام ونزل في قبرها علي وأسامة والفضل رضي الله تعالى عنها وعنهم، وجلس صلى الله تعالى عليه وسلم علي القبر وعيناه تذرفان بفتح الفوقية وكسر الراء المهملة أي يجري دمعهما وغسلتها أسماء بنت عميس الخثعمية زوج جعفر. ثم أبي بكر ثم علي وولدت لهم. وصفية بنت عبد المطلب وشهدت أم عطية غسلها (وبنت خير المرسلين) صلى الله تعالى عليه وسلم وعليهم أجمعين (الصغرى) فهي أصغر بناته صلى الله تعالى عليه وسلم على الأصح كما قال السهيلي. وقال أبو عمر هو الذي تركن إليه النفس وقال ابن الكلبي أصغر منها رقية، قاله الزرقاني. (أسما) أي أعلى من السمو وهو العلو، (نساء العالمين قدرا) أي منزلة وشرفا ورفعة ورتبة. أخرج ابن عبد البر أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال لفاطمة ألا ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟ قالت يا أبت فأين مريم؟ قال تلك سيدة نساء عالم زمانها. واختار الزركشي والقطب الخيضري والسيوطي والمغريزي أنها أفضل من مريم وروى ابن عبد البر عن ابن عباس يرفعه سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية وجزم القرطبي بأن فاطمة تلي مريم في الفضل للاختلاف في نبوءتها ولظاهر الاستثناء في حديث ما يسرك أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم انتهى.

ص: 130