المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تقول فيه بلسان ناعت…أبلج وجه - نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار - جـ ٢

[عبد القادر المجلسي]

فهرس الكتاب

- ‌ سرية عبد الله بن عتيك

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة

- ‌ قصة عكل وعرينة

- ‌ بعث عمرو بن أمية

- ‌وابتاع قيس بن سعد الجواد بن الجواد جزرا

- ‌ ثم بعث خالد سيف الله

- ‌ ثم بعث قيس بن سعد بن عبادة

- ‌ ثم سرية عبد الله بن عوسجة

- ‌ ثم سرية علي بن أبي طالب

- ‌ شكرتك يد افتقرت بعد غنى

- ‌(وقيل في النضير مع واد القرى…قاتل

- ‌ وأما غزوة الغابة

- ‌(بيان أزواج النبي المصطفي

- ‌(وهاجرا فى الدين هجرتين

- ‌ومن مناقبها أنه شهد بدرا سبعة من أهلها:

- ‌ أن أبا سلمة هو أول من هاجر إلى المدينة

- ‌الوصيلة الناقة التى وصلت بين عشرة أبطن

- ‌ الحمد لله الملك القدوس، السلام

- ‌(بيان أولاد النبي أحمدا

- ‌والجمهور على أن مريم لم تكن نبية

- ‌ أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي

- ‌ أما حسن فإن له هيبتى وسؤددي وأما حسين فإن له جودى وجرأتى

- ‌(بيان أعمام النبي المصطفي

- ‌ حمزة أسد الله وأسد رسوله

- ‌وكان عمر يستسقي بالعباس عام الرمادة

- ‌(عماته صفية المبره

- ‌(أخواله الأسود مع عمير

- ‌(بيان ما له من الموالي

- ‌(أما سراريه سوى القبطية…فهي ثلاث

- ‌(بيان حراس النبي المصطفى

- ‌ وقصة اليهودي الذي أظهر الإسلام والتنسك

- ‌(بيان رسل المصطفى لمن ملك: )

- ‌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد

- ‌ إلى المقوقس بعد البسملة من محمد

- ‌ لطيفة وهي إسلام صحابي على يد تابعي

- ‌ إما أن اليمامة سيظهر فيها كذاب

- ‌ وهو أول من بنى مسجدا فى أرض الكفر

- ‌ من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب:

- ‌(بيان من كان من الكتاب له

- ‌ وقتله بعد أن أحرم فى صلاة الصبح أبو لؤلؤة فيروز

- ‌ احذر لئلا تهلك أن تعتقد أن أحدا من الصحابة

- ‌ أمه سمية فكانت أول شهيد في الإسلام

- ‌ وروى إنها القرية التي كانت حاضرة البحر

- ‌(بيان من يقطع بالجنان…لهم

- ‌ وهو أول من أذن للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ جبريل أعان حسان بسبعين بيتا

- ‌(بيان ما له من السلاح)

- ‌ لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي

- ‌ من الأسياف السبعة التي أهدت بلقيس إلى سليمان

- ‌ درع داوود التي لبسها حين قتل جالوت

- ‌ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك

- ‌ فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف

- ‌ كسري وقيصر على الخز والديباج

- ‌ فطلبته الناس يحملون عليه موتاهم

- ‌ لأن صيانة العرض بترك سنة واجب

- ‌ النعل]

- ‌(بيان بعض معجزات المصطفى

- ‌ ولنذكر أولاً حديث مسلم في الإسراء

- ‌ من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين

- ‌ اقتلع قرى قوم لوط وحملها على جناحه

- ‌ لم يكن الوجوب مبرماً

- ‌ وذكره ابن الجوزي في الموضوعات فأخطأ

- ‌ أن فيه لعنكبوتاً أقدم من ميلاد محمد

- ‌ الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز

- ‌ والأصح أنها نعجة بيضاء

- ‌ وأما سجود الجمل له فعن أنس

- ‌ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه

- ‌ لا حاجة لي بهما وجدت الله خيراً لي منهما

- ‌ بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله

- ‌ وكان عتبة أطيب منهن ريحاً مع أنه لا يمس طيباً

- ‌ودعا لمعاوية بالتمكين في البلاد فنال ذلك

- ‌ فجاء الأسد يتشمم وجوههم حتى ضرب عتيبة

- ‌ وهاتان العلامتان لم تكونا منذ خلقت الدنيا

- ‌ ومنها أن آدم وجميع المخلوقات خلقوا لأجله

- ‌(ذكر وفاته صلاة ربه…عليه

- ‌ اللهم في الرفيق الأعلى

- ‌ من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره

- ‌ من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات

- ‌(وجاء الخضر…معزيا لهم

- ‌(يا روضة طاب منها الرق والقلم

- ‌ من رآه بديهة هابه

- ‌ لولا هو عليه السلام ما خلق قمر ولا شمس ولا بر

- ‌تقول فيه بلسان ناعت…أبلج وجه

- ‌ من العباد من ينسى الله حفظته ذنوبه

- ‌ الراحمون يرحمهم الله

الفصل: ‌تقول فيه بلسان ناعت…أبلج وجه

قال مؤلفه غفر الله تعالى له ولأحبابه وها أنا إن شاء الله تعالى أذكر نظم الحافظ العراقي لوصف أم معبد بنت خالد الخزاعية به، صلى الله تعالى عليه وسلم، وأذكر ما يحتاج له من كلام شارحه المناوي قال العراقي:

‌تقول فيه بلسان ناعت

أبلج وجه

ظاهر الوضاءة

الخلق منه لم تعبه ثجله

كلا ولم تزر به من صعله

أدعج الأهداب فيها وطف

من طولها أو غطف أو عطف

والجيد فيه سطع وسيم

والصوت فيه صحل قسيم

قوله بلسان بالتنوين وناعت صفة له، أي بلسان واصف لمحاسنه الظاهرة هو رجل أبلج وجه أي نيره مشرقه ولم ترد بلج الحاجب لأنها وصفته بالقرن الذي هو ضده والوضاءة الحسن والجمال. قال ابن عباس لم يقم مع شمس قط إلا غلب ضوءه ضوء الشمس ولم يقم مع سراج قط إلا غلب ضوؤه ضوء السراج، رواه ابن الجوزي. والخلق بفتح المعجمة وسكون اللام وتعبه بفتح الفوقية وكسر العين وثجلة بمثلثة مضمومة وجيم ساكنة وهي عظم البطن مع استرخاء أسفله والمراد لم يوجد في بدنه شيء يعاب وروي بنون مفتوحة وحاء مهملة ساكنة أي لم تعبه رقة هزال، قال القتبي ولم أسمع بالنحل أي بنون وحاء مهملة في غير هذا الموضع إلا في العطية. وقوله كلا، ردع لمن عابه بشيء من ذلك ولم تزر بضم المثناة الفوقية وسكون الزاي من الإزراء الاستحقار والاستخفاف بالشيء والصعلة بفتح الصاد وسكون العين المهملتين صغر الرأس. وكان عليه السلام عظيم الهامة وادعج شديد سواد العين والأهداب جمع هدب بضم فسكون ووطف بفتح الواو والطاء المهملة وغطف بفتح الغين المعجمة بدل الواو وهما بمعنى وهو أن يطول شعر الأجفان وينعطف. وفي رواية عطف بعين وطاء مهملتين مفتوحتين وهي بمعناهما والجيد بكسر الجيم بمعنى العنق الوارد في رواية أم معبد وسطع بمهملتين مفتوحتين أي طول ووسيم أي حسن مضيء

ص: 445

وفي حديث أبي هالة أن عنقه كان في صفاء الفضة وليس وصفه بالوسامة في حديث أم معبد وصحل بفتح الصاد والحاء المهملتين هو كالبحة أي لم يكن حاد الصوت وقسيم جميل الوجه كله أي كل موضع منه أخذ قسماً من الجمال، انتهى المراد من كلام المناوي.

وللعراقي بعد ما قدمت:

كثيف لحية أزج أقرن

أحلاه من قرب له وأحسن

أحمله من بعد وأبهى

يعلوه إذ ما يتكلم البها

كذاك يعلوه الوقار إن صمت

منطقه كخرز تحدرت

فصل الكلام ليس فيه هذر

حلو المقال ما عراه نزر

لا بائن طولاً ولا يقتحم

من قصر فهو عليهم يعظم

كثيف لحية أي في لحيته اجتماع والتفاف، وهو بمعنى كث اللحية، وأزج مقوس الحاجبين مع ظهور الشعر وطول في طرفه وهذا خلقه فيه وأقرن أي متصل أحد الحاجبين بالآخر، كذا وصفته أم معبد، وعورض برواية ابن هالة سوابغ في غير قرن وأجيب بأنه كان بحسب ما يبدو للناظر من بعد أو بغير تأمل وأما القريب المتأمل فيبصر بين حاجبيه فاصلاً دقيقاً فهو أبلج في الواقع أقرن بحسب ما يبدو للناظر بغير تأمل وأحلاه بالأفراد أي من تأمله من قرب رآه أحلى الناس وأحسنهم ومن رآه من بعد رآه أبهى الناس وأحسنهم ووحد الضمير حملاً على لفظه أو على الجنس أي أحلى هذا الجنس أي الناس وقوله يعلوه إذ ما يتكلم البها، لفظ أم معبد إن تكلم سماه وعلاه البهاء أي ارتفع وعلا بكلامه على جلسائه والوقار الرزانة وتحررت تساقطت وفصل الكلام أي بينه يفصل بين الحق والباطل لفظ أم معبد حلو المنطق فصل لا نزر زلا هذر أي ليس بقليل لا يفهم ولا كثير يمل، ولا بقتحم من قصر بالبناء للمفعول ولفظ أم معبد ولا تقتحمه عين من قصر بالبناء للمفعول ولفظ أم معبد ولا تقتحمه عين من قصر أي لا تتجاوزه إلى غيره احتقاراً له، انتهى المراد منه ثم قال العراقي:

ص: 446

بنظرة المنظر والمقدار

تحفه الرفقة بائتمار

إن أمروا تبادروا امتثالاً

أو قال قولاً انصتوا إجلالاً

فهو لدى أصحابه محفود

أي يسرعون طاعة محشود

ليس بعابس ولا مفند

بذاك عرفته أم معبد

نضرة المنظر حسنه وهي بفتح النون وسكون المعجمة وقوله والمقدار أي وعظم مقداره وتحفه، يطوفون به؛ ويدورون حوله؛ وقوله بائتمار أي مع ائتمارهم بأمره، والمحفود المخدوم، والمحشود من يجتم الناس حوله ليمتثلوا قوله ويهتدوا بأفعاله والعابس كالح الوجه لمن يجالسه والمفند بفتح الفاء وكسر النون مشددة من يكثر اللوم أو المنسوب إلى الجهل وقلة العقل انظر المناوي.

ومن نظم العراقي لوصفه هند بن أبي هالة له عليه السلام:

مفلج الأسنان سهل الخد، أشنب بادن طويل الزند

عنقه يرى كجيد دمية

مع صفاء لونه كالفضة

قال في القاموس: مفلج الثنايا منفرجها وظاهرها اختصاصه بالثنايا ويؤيده إضافته إلى الثنيتين في خبر ابن عباس وقول بعضهم يحتمل الانفراج مطلقاً يرده أن المقام مقام مدح وقد صرح جمع بأن تباعد الأسنان كلها عيب عندهم وسهل الخد أي غير مرتفع الوجنتين وهو معنى أسيل الخدين وأشنب أي لأسنانه غاية البريق واللمعان والبياض وبادن ضخم البدن لا مطلقاً بل بالنسبة لما مر، من كونه شتن الكفين والقدمين جليل المشاش والكتد، ولما كانت البدانة قد تكون من كثرة اللحم والسمن المفرط الموجب لرخاوة البدن وهو مذموم أردفه ابن أبي هالة الوصاف بنفي ذلك فقال: متماسك أي يمسك بعض أجزائه بعضاً، من غير ترجرج ولا استرخاء فهو على الخلق الأول لم يضره السمن فهو لما بلغ السن الذي شأنه استرخاء اللحم كان كالشباب والزند كفلس قال الزمخشري ما انحسر عنه اللحم من الذراع والدمية الصورة من نحو رخام او عاج والمراد الصورة التي بولغ في تحسينها فشبه عنقه بالدمية في الاستواء والاعتدال وبالفضة في اللون

ص: 447

والإشراق، انتهى من المناوي.

(ما أبصر الراؤون قط مثله)

ما نافية والراؤن جمع راء فاعل أبصر وقط ظرف زمان للتعميم في الزمن الماضي يعني أنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، لم ير الراؤون مثله في الحسن فيما مضى ولن يروا مثله فيما يأتي لأنه لا مماثل له في الحسن أصلاً حتى يرى. وفي الترمذي عن علي كرم الله وجهه لم أر قبله ولا بعده مثله. وللعراقي:

يقول من ينعته ما قبله

أو بعده قط رأيت مثله

ويشمل المثل هنا المساوي فقط أو مع زيادة والمنفي هنا عموم الشبه فلا ينافي نوعاً منه وهو المثبت للذين يشبهون به، صلى الله تعالى عليه وسلم، انظر المناوي. وقال أبو بكر نظرت إلى النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، وليلة مقمرة فجعلت انظر إليه مرة وإلى القمر أخرى، وحسن جماله يزيد على القمر، فقلت صدق الله إذ قال وسراجاً منيراً.

(يا ما أحيلاه وأبهى

شكله (

))

الشكل الصورة وأبهى معناه أحسن وما تعجبية أي ما أحلاه، صلى الله تعالى عليه وسلم، وما أحسن صورته والتصغير في أحلى للتعظيم وفي الدماميني وغيره أن التصغير لم يسمع إلا في أحسن وأملح، كقوله:

يا ما أمليح غزلانا شدن لنا

من هؤلياء كن الضال والسمر

وشذ تصغير أفعل مقصوراً على السماع خلافاً لابن كيسان في اطراده، انتهى المراد منهما.

قال مؤلفه عفا الله تعالى عنه بمنه التصغير هنا وإن كان للتعظيم والمحبة فالصواب أن يصان عنه هذا الجناب الرفيع لأنه يدخل الأسماء المعظمة فكذلك المعاني المفخمة، وهذا هو الأبلغ في الأدب في حق من

ص: 448

إليه جميع من ضمه المحشر في الشفاعة يرغب، صلى الله تعالى عليه وسلم، صلاة وتسليماً منه إليه على قدر جاهه العظيم، نسأله سبحانه بمنه أن يحلنا نحن وأحبتنا بجاهه عقب الموت جنات النعيم، آمين، آمين آمين يا أرحم الراحمين. (فهو)، صلى الله تعالى عليه وسلم، (لعمري) قسم اعتراض بين المبتدأ وهو قوله فهو بسكون الهاء وخبره الذي هو قوله (مفرد) أي واحد لا ثاني له (في الحسن) أي ما أعطي له عليه السلام من الحسن الذي لم يشاركه فيه غيره فلا ينافي أن غيره أعطي بعض الحسن فالمنفي إنما هو مشاركة مخلوق له في حسنه بحيث يكون مماثلاً له في الحسن. وقوله (معنى وصورة) أراد بالمعنى الأوصاف الباطنة كالسجايا من كمال العقل والحلم والصبر والزهد والكرم وغيرها وبالصورة الذات الظاهرة وأوصافها المرئية بالبصر قد أوتي عليه السلام من حسن الخلق ما لم يؤته مخلوق غيره وحسن الخلق ملكة نفسانية ينشأ عنها جميل الأفعال، قال العراقي:

بعثه الرحمن بالإرفاق

كيما يتم صالح الأخلاق

قال المناوي أشار به إلى ما في حديث أحمد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم عن أبي هريرة مرفوعاً إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق، وفي رواية للبزار مكارم بدل صالح، والمراد بذلك أن الأنبياء بعثوا بمكارم الأخلاق وبعثت منها بما بعثوا وبإتمام ما بقي، انتهى المراد منه. (ولا استثني) أحداً من الخلائق في قولي انه عليه السلام أحسن من جميعها بل ذلك على عمومه بلا خلاف، وقد أوتي، صلى الله تعالى عليه وسلم، كل الجمال والجلال ويوسف أعطي شطر الحسن أي شطر حسن أدم وقيل شطر حسن جدته سارة إذ كانت لا تفارق الحور إلا فيما يطرأ على الآدميات من الحيض وغيره انظر ابن سلطان، وفي الشفا عن انس ما بعث الله تعالى نبياً إلا حسن الوجه حسن الصوت وكان نبيكم أحسنهم وجهاً وأحسنهم صوتاً أي من الكل فشمل صورة يوسف وصوت داوود وفي الحديث دلالة على جواز مثل هذه الإضافة إذا لم يرد بها المهانة قاله

ص: 449

على القاري.

(له من الأسماء والصفات ما

به على كل الأنام قد سما)

يعني انه عليه السلام له من الأسماء الحسنة والأوصاف العلية ما يدل على أنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، قد سما أي علا وارتفع على جميع الأنام وهو كسحاب الخلق والمراد بالأسماء الألفاظ التي جعلت دالة على ذاته الشريفة وقد مر أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى والاعتناء بشأنه ولذا يكثرون أسماء الشيء الذي لهم به عناية وقد مر أن أسماءه، صلى الله تعالى عليه وسلم، أعلام وأوصاف في حقه وإن كانت أعلاماً فقط في حق غيره، فمحمد علم في حقه، صلى الله تعالى عليه وسلم، وصفة لأنها منقولة من اسم مفعول حمد بالتشديد للتكثير فمعناه المشار لها في بيت الناظم سائر أخلاقه العلية وأوصافه السنية وآدابه الشرعية كالدين والعلم والحلم والصبر والشكر والعدل والزهد والتواضع والعفة والجود والشجاعة والحياء والتوأدة والوقار والصمت والمروءة وحسن العشرة بكسر العين كما في المناوي أي الصحبة والمخالطة، وغير ذلك مما جبل عليه، صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم إن أشهر أسمائه، عليه السلام، كما في المواهب، زاد الشامي: وأجلها: محمد، والمحمد الذي حمد مرة بعد مرة كالممدح. قال الأعشى:

إليك أبيت اللعن كان وجيفها

إلى الماجد القرم الجواد المحمد

وبها سماه جده عبد المطلب ليطابق ما سماه الله تعالى به، فقيل له لم سميت ابنك محمداً وليس من أسماء آبائك، وعادة العرب تسمية المولود باسم احد آبائه؟ فقال أردت أن يكون محموداً في السماء لله وفي الأرض لخلقه، فحقق الله رجاءه. وقيل سماه بها لرؤيا رآها وهي أنه رأى في المنام كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهره لها طرف في السماء وطرف في الأرض وطرف في المشرق وطرف في المغرب، ثم

ص: 450

عادت كأنها شجرة على كل ورقة منها نور قال وما رأيت نوراً أزهر منها أعظم من نور الشمس بسبعين ضعفاً، وهي تزداد كل ساعة عظماً ونوراً وارتفاعاً ورأيت العرب والعجم ساجدين لها وناساً من قريش تعلقوا بها وقوماً منهم يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخذهم شاب لم أر أحسن منه وجهاً ولا أطيب ريحاً فيكسر أظهرهم ويقلع عيونهم فرفعت يدي لأتناول منها فلن أنل فقيل لي النصيب للذين تعلقوا بها، فقصها على كاهنه قريش فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق وأهل المغرب ويحمده أهل السماء وأهل الأرض وعق عنه عبد المطلب بجزور يوم سابعه وقيل بكبش. ويلي محمداً في الشهرة أحمد كما في الفتح قاله الزرقاني. وقال المناوي محمد وأحمد أعظم أسمائه وأشهرها وأبلغها، وإليهما ترجع جميع صفاته، قال السهيلي وغيره كان المصطفى أحمد قبل أن يكون محمداً لأن تسميته أحمد وقعت في الكتب القديمة وتسمية محمد وقعت في القرآن، انتهى. ونحوه في المواهب عن السهيلي ونقل نحوه عن القاضي، قال وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس. قال الزرقاني وكذلك في الآخرة، يحمد ربه فيشفعه فيحمده الناس وأحمد معناه أحمد الحامدين لله تعالى. وقال ابن القيم اختلف في اسمه أحمد فقيل بمعنى فاعل فمعناه أحمد الحامدين، وقيل بمعنى مفعول فمعناه أحق الناس وأولاهم أن يحمد.

(ماذا عسى يا فائق الأنام

حسناً وإحساناً على التمام

أن يبلغ المثنون باللسان

طرأ (

))

قوله ماذا ملغاة ولا يصح أن تكون موصولة لأن جملة عسى غير خبرية كما قالوا في قوله:

وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا

سوى أن يقولوا إنني لك عاشق

وفائق اسم فاعل من فاقه فوقاً وفواقاً، علاه بالشرف، وحسناً وإحساناً منصوب بنزع الخافض، وطرأ حال من المثنون، أي أي شيء عسى أن

ص: 451

يبلغه المثنون عليك، أي المادحون لك يا رسول الله جميعاً بألسنتهم يا من علا على جميع الخلق بالشرف ففاقهم في حسن ذاته وكمال صفاته البشرية وفاقهم في الإحسان إلى غيره أي الإنعام عليه مع تمام هذين الأمرين فيك يا رسول الله فقد بلغت مرتبة من الحسن لم يبلغها مخلوق سواك كما بلغت من الإحسان إلى الغير ما لم يبلغه مخلوق غيرك فإن الله تعالى بمحض اختياره حجر نعمه أن يصل منها شيء إلى مخلوقه إلا من تحت يده، صلى الله تعالى عليه وسلم، فقوله علي التمام، على بمعنى مع، كما قررت أي يبلغ المثنون عليك مبلغاً يناسب قدرك، ولو أثنوا عليك أي مدحوك. (مدى الزمان) أي إلى منتهاه ومدى الشيء غايته والزمان اسم لليل والنهار وما اشتملا عليه من الساعات.

(بعد ثناء الله في القرآن

عليك بالخلق العظيم الشأن)

أي منتهاه. وهذا مقتبس من قول لسان الدين بن الخطيب:

يا مصطفى من قبل نشأة أدم

والكون لم يفتح له أغلاق

أيروم مخلوق ثناءك بعدما

أثنى على أخلاقك الخلاق

وقال:

وغذا كتاب الله أثنى مفصحاً

كان القصور قصار كل فصيح

أي غايته. وقال سلطان المحبين عمر بن الفارض رضي الله تعالى عنه ونفعنا ببركته:

أرى كل مدح في النبي مقصراً

وإن بالغ المثني عليه وأكثراً

إذا الله أثنى بالذي هو أهله

عليه فما مقدار ما يمدح الورى

وأشار الناظم بهذا إلى قوله تعالى: } وإنك لعلى خلق عظيم {. قال ابن الخازن لما كانت أخلاقه، صلى الله تعالى عليه وسلم، كاملة وأفعاله الجميلة وافرة وصفها الله تعالى بأنها عظيمة وحسن الخلق قوة نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة والآداب المرضية ويدخل في حسن الخلق التحرز من الشح والتشديد في المعاملات والتحبب إلى

ص: 452

الناس بالقول والفعل والبذل وحسن الأدب، والمعاشرة مع الأقارب والأجانب والتساهل في جميع الأمور وترك التهاجر والتقاطع واحتمال الأذى من الأدنى والأعلى مع طلاقة الوجه وإدامة البشر، ولقد كان جميع ذلك في رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، ولهذا وصفه الله تعالى بقوله: } وإنك لعلى خلق عظيم {. وقال الحسن هو آداب القرآن. قالت عائشة كان خلقه القرآن، انتهى المراد منه. نقله الوالد حفظه الله تعالى في الريان. وقال المناوي ولما اجتمع فيه، صلى الله تعالى عليه وسلم من خصال الكمال ونعوت الجلال ما لا يحصى أثنى الله تعالى عليه في كتابه الكريم بقوله: } وإنك لعلى خلق عظيم {، وأتى بعلي المشعرة بأنه استعلى على معالي الأخلاق واستولى عليها ووصف بالعظيم دون الكريم لأن الكريم يراد به السماحة واللين وخلقه غير مقصور عليه فعنده غاية الرحمة للمؤمنين وغاية الغلظ على غيرهم فاعتدل فيه الأنعام والانتقام ولم يكن همه سوى الله تعالى ولهذا قالت عائشة، رضي الله تعالى عنها، كان خلقه القرآن. أي ما دل عليه القرآن من أوامره ونواهيه وغير ذلك. وإليه أشار الناظم يعني العراقي بقوله:

أكرم به خلقه القرآن

فهو لدى غضبه غضبان

يرضى بما يرضى إلخ ..

وضمير فهو للنبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، ولدى بمعنى عند، أي فهو، صلى الله تعالى عليه وسلم، غضبان عند غضب القرآن أي عند كل ما جاء فيه غضب الله تعالى على أحد من الكفار ويرضى بما يرضاه القرآن ويتأدب بآدابه بكل ما أثنى عليه القرآن ودعا إليه تحلى به وكلما استهجنه ونهى عنه تجنبه وتخلى عنه.

وأعلم أن كمال الخلق إنما ينشأ عن كمال العقل والحق أن أصل حسن الخلق غريزي وتمامه مكتسب، انتهى المراد منه.

(صلى عليه ربنا وسلما

والآل والأصحاب أنجم السما)

ص: 453

أي الذين هم في الاهتداء بهم إلى طريق الحق بمنزلة نجوم السماء في الاهتداء بها في البر والبحر. وفي الحديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم.

(واغفر لعبدك الذليل الجان

ذنوبه يا واسع الغفران

ما لاذ بالبيت العتيق واحتمى

ببابك السامي مسيء قد سما)

ما مصدرية ظرفية ولاذ به لوذا ولواذا مثلثلة تحصن به واستتر، والبيت العتيق الكعبة شرفها الله تعالى قيل لأنه أول بيت وضع بالأرض، أو اعتق من الغرق أو من الجبابرة أومن الحبشة، أو لأنه حرام لم يملكه أحد، قاله في القاموس. واحتمى تمنع وقوله ببابك خطاب للنبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، بدليل قوله الآتي: يا أكرم من تبسما؛ وقوله قد سما صفة لقوله مسيء ومعنى سما نهض وأتى قال أمرء القيس:

سموت إليها بعدما نام أهلها

سمو حباب الماء حالا على حال

وفي القاموس سما سموا ارتفع، والقوم خرجوا للصيد، انتهى. وفسر الأعلم سموت بنهضت ويدل على هذا التفسير نسخة قدم بالقاف والدال المكسورة أي أتى. (يروم)، حال من فاعل سما أي نهض وأتى يروم أي يطلب (غفرانا) للذنوب ويروم أي طلب. (وتوفيقا لما يرضيك يا أكرم من تبسما) وذلك هو الذي فيه مرضاة الله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله وأشار بهذا إلى أن غالب ضحكه التبسم وربما ضحك حتى بدت نواجزه.

ظلمت نفسي وأتيت ارتجي

ببابك الغفران (

)

ظلم نفسه جني عليها أي جنيت على نفسي بالمعاصي واتيت أرجو الغفران بسبب الاحتماء والوقوف ببابك يا رسول الله وعادة الكرام أن السائل إذ وقف بباب أحدهم لا يرد فكيف به، صلى الله تعالى عليه وسلم، فما سئل شيئا قط فقال لا. والباب هنا كناية عن الالتجاء إليه

ص: 454

والتعرض لنفحاته، صلى الله تعالى عليه وسلم، (يا من يلتجي) لجأ إليه كمنع وفرح لاذ به أي تحصن (إليه كل الناس يوم الفزع)، الفزع الذعر والفرق والفعل كمنع وفرح فزعا ويكسر ويحرك قاله في القاموس ويوم الفزع يوم القيامة ويعني بهذا أنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، هو الذي يستغيث الناس به يوم القيامة في الموقف الهائل بل حين تراكمت الأهوال عليهم وضاق بهم الخناق وطال وقوفهم وألجمهم العرق واتهم البراء أنفسهم وكشف عن ساق فيشفع هو، صلى الله تعالى عليه وسلم، الشفاعة العامة في جميع من ضمه المحشر بعدما أسلمها له أكابر الرسل وقال كل واحد منهم لست لها. وينادي يا محمد سل تعطه، واشفع تشفع، فيقول يارب أمتي أمتي. (كن لي شفيعاً) أي ضمني إليك في جاهك يا رسول الله والشفاعة لغة الضم ومنه الشفع ضد الوتر والشفعة لأنها ضم أحد الشريكين نصيب شريكه إلى نصيبه، والشفاعة ضمك للغير في جاهك كما في المفهم للقرطبي. (وأجر) أي أغذ وأنقذ شخصاً (ذا جزع) يعني نفسه والجزع نقيض الصبر قاله في القاموس (فأنت خير شافع) ولذا لا يشفع أحد إلا بعد فتحك له يا رسول الله باب الشفاعة، (وأعطف) أي أشفق شافق. ومن أسمائه عليه السلام العطوف أي الشفوق لكثرة شفقته على أمته، قاله الزرقاني. (وأنت بالأمة منها أرأف)، المجرور أن يتعلقان بأرأف أي أنت أشد رأفة بأمتك منهم بأنفسهم والرأفة أشد الرحمة وأبلغها، قاله أبو عبيدة وقال بن دحية الرأفة لدفع المكاره والرحمة لطلب المحاب وقال غيره الرأفة إحسان مبدؤه شفقة المحسن والرحمة إحسان مبدؤه فاقة المحسن إليه قاله الزرقاني وروى الشيخان عن أبي هريرة رفعه إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت الدواب والفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا أخذ بحجزكم وانتم تقتحمون فيها والحجزة بضم المهملة حيث ينتهي طرف الإزار، فكأنه قال أخذ بأوساطكم لأنجيكم من النار قاله الزرقاني في محل أخر. (فلا تكلني) يا رسول الله إلى غيرك أي لا تسلمني إليه

ص: 455

ولا تتركني. وكل إليه الأمر وكلا ووكولا سلمه وتركه (وأجرني) أي أعذني يا رسول الله أنا (وأبي والأم) بالنصب أي أمي (والأهل) أي أقاربي وفي حكمهم الزوجة (غداً) يعني به يوم القيامة قال تعالي: } ولتنظر نفس ما قدمت لغد {(من نصبي) بالتحريك وهو التعب وذلك اليوم يوم تعب إلا من وقاه الله بمحض فضله من ذلك، قال تعالى: } وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة {أجارنا الله تعالى وأحبتنا وجميع المسلمين. (بجاهك الأكرم لذت سيدي) أي تحصنت بجاهك الأكرم عند الله تعالى والجاه القدر والرفعة وسيدي مناداً بحذف يا، (وما يلذ به) أي يتحصن به من مكاره الدنيا والآخرة (إلى الرشد هدى) الرشد الهدى وهو ضد الغي وهداه أرشده والمجرور متعلق بما بعده. أي ومن يتحصن بجاهك هدي في الدنيا إلى طريق الرشد وذلك علامة على نجاته في الآخرة.

بجاهك الأعظم يا خير نبي

ما يبلغ أقصى مطلب

الراغب السائل وهو منصوب بيبلغ بضم التحتية وأقصى مفعوله الثاني وما مبتدأ وخبره المجرور أول البيت، ومعنى كلامه أن في جاهه، صلى الله تعالى عليه وسلم، من العظم عن الله تعالى ما يوصل كل سائل بجاهه، عليه السلام، إلى أقصى مطالبه، وفي الحديث توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم. للهم شفعه فينا بجاهه عندك، اللهم يا رب بجاه نبيك المصطفى ورسولك المرتضى طهر قلوبنا من كل وصف يباعدنا عن مشاهدك ومحبتك وامتنا على السنة والجماعة والشوق إلى لقائك يا ذا الجلال والإكرام.

فأنت باب الله أي امرئ

وافاه من غيرك لا يدخل

يا أكرم الخلق على ربه

يا خير من فيهم به يسأل غيره

الله عظم قدر جاه محمد

وأنا له قدراً عليه عظيماً

ص: 456