المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ من العباد من ينسى الله حفظته ذنوبه - نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار - جـ ٢

[عبد القادر المجلسي]

فهرس الكتاب

- ‌ سرية عبد الله بن عتيك

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة

- ‌ قصة عكل وعرينة

- ‌ بعث عمرو بن أمية

- ‌وابتاع قيس بن سعد الجواد بن الجواد جزرا

- ‌ ثم بعث خالد سيف الله

- ‌ ثم بعث قيس بن سعد بن عبادة

- ‌ ثم سرية عبد الله بن عوسجة

- ‌ ثم سرية علي بن أبي طالب

- ‌ شكرتك يد افتقرت بعد غنى

- ‌(وقيل في النضير مع واد القرى…قاتل

- ‌ وأما غزوة الغابة

- ‌(بيان أزواج النبي المصطفي

- ‌(وهاجرا فى الدين هجرتين

- ‌ومن مناقبها أنه شهد بدرا سبعة من أهلها:

- ‌ أن أبا سلمة هو أول من هاجر إلى المدينة

- ‌الوصيلة الناقة التى وصلت بين عشرة أبطن

- ‌ الحمد لله الملك القدوس، السلام

- ‌(بيان أولاد النبي أحمدا

- ‌والجمهور على أن مريم لم تكن نبية

- ‌ أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي

- ‌ أما حسن فإن له هيبتى وسؤددي وأما حسين فإن له جودى وجرأتى

- ‌(بيان أعمام النبي المصطفي

- ‌ حمزة أسد الله وأسد رسوله

- ‌وكان عمر يستسقي بالعباس عام الرمادة

- ‌(عماته صفية المبره

- ‌(أخواله الأسود مع عمير

- ‌(بيان ما له من الموالي

- ‌(أما سراريه سوى القبطية…فهي ثلاث

- ‌(بيان حراس النبي المصطفى

- ‌ وقصة اليهودي الذي أظهر الإسلام والتنسك

- ‌(بيان رسل المصطفى لمن ملك: )

- ‌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد

- ‌ إلى المقوقس بعد البسملة من محمد

- ‌ لطيفة وهي إسلام صحابي على يد تابعي

- ‌ إما أن اليمامة سيظهر فيها كذاب

- ‌ وهو أول من بنى مسجدا فى أرض الكفر

- ‌ من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب:

- ‌(بيان من كان من الكتاب له

- ‌ وقتله بعد أن أحرم فى صلاة الصبح أبو لؤلؤة فيروز

- ‌ احذر لئلا تهلك أن تعتقد أن أحدا من الصحابة

- ‌ أمه سمية فكانت أول شهيد في الإسلام

- ‌ وروى إنها القرية التي كانت حاضرة البحر

- ‌(بيان من يقطع بالجنان…لهم

- ‌ وهو أول من أذن للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ جبريل أعان حسان بسبعين بيتا

- ‌(بيان ما له من السلاح)

- ‌ لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي

- ‌ من الأسياف السبعة التي أهدت بلقيس إلى سليمان

- ‌ درع داوود التي لبسها حين قتل جالوت

- ‌ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك

- ‌ فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف

- ‌ كسري وقيصر على الخز والديباج

- ‌ فطلبته الناس يحملون عليه موتاهم

- ‌ لأن صيانة العرض بترك سنة واجب

- ‌ النعل]

- ‌(بيان بعض معجزات المصطفى

- ‌ ولنذكر أولاً حديث مسلم في الإسراء

- ‌ من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين

- ‌ اقتلع قرى قوم لوط وحملها على جناحه

- ‌ لم يكن الوجوب مبرماً

- ‌ وذكره ابن الجوزي في الموضوعات فأخطأ

- ‌ أن فيه لعنكبوتاً أقدم من ميلاد محمد

- ‌ الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز

- ‌ والأصح أنها نعجة بيضاء

- ‌ وأما سجود الجمل له فعن أنس

- ‌ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه

- ‌ لا حاجة لي بهما وجدت الله خيراً لي منهما

- ‌ بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله

- ‌ وكان عتبة أطيب منهن ريحاً مع أنه لا يمس طيباً

- ‌ودعا لمعاوية بالتمكين في البلاد فنال ذلك

- ‌ فجاء الأسد يتشمم وجوههم حتى ضرب عتيبة

- ‌ وهاتان العلامتان لم تكونا منذ خلقت الدنيا

- ‌ ومنها أن آدم وجميع المخلوقات خلقوا لأجله

- ‌(ذكر وفاته صلاة ربه…عليه

- ‌ اللهم في الرفيق الأعلى

- ‌ من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره

- ‌ من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات

- ‌(وجاء الخضر…معزيا لهم

- ‌(يا روضة طاب منها الرق والقلم

- ‌ من رآه بديهة هابه

- ‌ لولا هو عليه السلام ما خلق قمر ولا شمس ولا بر

- ‌تقول فيه بلسان ناعت…أبلج وجه

- ‌ من العباد من ينسى الله حفظته ذنوبه

- ‌ الراحمون يرحمهم الله

الفصل: ‌ من العباد من ينسى الله حفظته ذنوبه

في محكم التنزيل قال لخلقه

صلوا عليه وسلموا تسليما

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

(ومطلبي ببابك الغفران

والعفو والتوفيق والرضوان

والأمن يوم الروع والقبول

والفوز بالمحبوب والوصول

لما ذكر الناظم رحمه الله تعالى ونفعنا به أن جاهه، صلى الله تعالى عليه وسلم، من توسل به حقيق بنيل أقصى مسؤوله بين مطالبه هو وهي شريفة فقال: ومطلبي إلخ

والخطاب لله تعالى وبابه نبينا، صلى الله تعالى عليه وسلم، وتقدم وأنت باب الله إلخ .. ودعاؤه مرجو الإجابة ففيه وصفه لنفسه بغاية الاضطرار والالتجاء والاحتماء وقرع الباب ومدح المسؤول به، صلى الله تعالى عليه وسلم، ووصفه بأنه أرأف بالأمة من أنفسهم والاعتراف بالذنب على وجه الانكسار وقد قيل من فتح له في الدعاء فتح له في الإجابة. أما الغفران فهو ستر الذنب. وقد ورد أن‌

‌ من العباد من ينسى الله حفظته ذنوبه

والعفو عدم المؤاخذة بالذنب والتوفيق خلق القدرة على الطاعة وضده الخذلان أعاذنا الله تعالى منه. والرضوان هنا إنعام خاص وقد اختلف فيه هل هو صفة ذات فيكون معناه إرادة الأنعام الخاص أو صفة فعل فيكون معناه ما قدمته لكن السؤال إنما يتعلق بالفعل لحدوثه لا بالإرادة لقدمها كما صرحوا به وهو ظاهر. ومن مسؤوله أيضاً الأمن من المخاوف يوم القيامة وهو مراده بيوم الروع والروع الفزع وقبول أعماله، والفوز أي الظفر بكل محبوب له فهو عطف عام على خاص، وأما قوله والوصول فيحتمل أن معناه الوصول إلى ما يحب فيكون من عطف المرادف ويحتمل أن يريد به الوصول الذي هو من اصطلاح السادة الصوفية. نسأل الله تعالى النصيب الأوفر من طريقتهم بلا محنة وقد قالوا لا مسافة تقطعها فتصل منها إلى الله تعالى، إنما الوصول زوال حجابك حتى تعلم أنك

ص: 457

من الله تعالى بحيث يراك وهو أقرب إليك من حبل الوريد فيكون ذلك منتجًا لمراقبتك له بحالك كأنك تراه فإن لم تراه فإنه يراك وهو مقام الإحسان.

تنبيه:

ذكر في المواهب عن ابن عبد السلام أن من خصائصه، صلى الله تعالى عليه وسلم، أنه يجوز أن يقسم به على الله تعالى دون غيره من الأنبياء والملائكة والأولياء. قال الزرقاني وأما الاستشفاع بهم فمستحب كما استشفع عمر بالعباس، فقال اللهم إنا كنا إذا قحطنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون، رواه البخاري. وكذا يستشفع بما فعله من خير يذكره في نفسه فيجعله شافعًا لأن ذلك لائق بالشدائد كما في خبر الثلاثة الذين آووا في الغار قال وتعقب ما لابن عبد السلام بأنه لا اتجاه لما ذكره لأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال بل في بعض الأخبار التصريح بخلافه وذكر التستري عن معروف الكرخي أنه قال لتلامذته إذا كان لكم إلى الله تعالى حاجة فأقسموا عليه بي، فإني الواسطة بينكم وبينه الآن بحكم الوراثة عن المصطفى، انتهى كلامه.

فيا هناء من قبلتموه

ويا عناء من رددتموه

الخطاب في الموضعين لله تعالى والهناء بالفتح والمد السرور والفرح، والعناء بالفتح والمد التعب وهذا تعجب، أي فما أشد سرور من قبلتموه وما أشد تعب من رددتموه والعياذ بالله تعالى، وضمير الجمع هنا للتعظيم.

حاشى أولى الرحمة والإحسان

من أن يردوا راجي الغفران

قال أسموني الصحيح أنها يعني حاشى التنزيهية اسم مرادف

ص: 458

للتنزيه منصوب انتصاب المصدر بدلًا من اللفظ بالفعل سبحان الله وقراءة حاشا بالتنوين أي تنزيهًا لله تعالى، انتهى المراد منه.

ومعنى البيت أنزه أولي الرحمة والإحسان أي الإنعام تنزيهًا أن يردوا عبدًا يرجو غفران الذنوب وهذا تذلل واستعطاف لله تعالى أن يجيب دعاءه، ثم ذكر ما يدل على التوكل وتفويض الأمر إلى الله تعالى فقال:

فليس للعبد سوى مولاه

أدناه فضلًا منه أو أقصاه

أي فليس للعبد ملجأ سوى مالكه تبارك وتعالى سواه أدناه أي قربه بالإنعام عليه فضلًا منه أي بمحض فضله أو أقصاه أي أبعده عدلًا منه فعذبه لأنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه فإن أنعم ففضل وإن عذب فعدل، لأن من تصرف في ملكه بما أراد فقد عدل. فحذف الناظم عدلًا بعد قوله أو أقصاه اكتفاء بقوله فضلًا (فما لنا) معشر العباد (في الحالتين) أي حالتي الإدناء والإقصاء نعوذ بالله تعالى من الخذلان (مذهب) أي مكان نذهب فيه (عن باب مولانا) أي ما لكنا عز وجل (إلى من نذهب) أي لا أحد نذهب إليه، إذ هو المتصرف في جميع المخلوقات بلا واسطة ولا شريك له ولا معين نسأله سبحانه التوفيقا

وكونه غدا بنا رفيقًا ..... والدفع للضراء والبلاء .... والسبق في ميدان الأصفياء ..... فهو على ما شاءه قدير وبسماع من دعا جدير أي إجابته آمين يا رب العالمين.

يا رب من للهالك الغريق

ليس له سواك من رفيق

الرفق اللطف، وفي هذا البيت إظهار الفاقة والاضطرار إلى الله تعالى إذ جعل نفسه بمنزلة الغريق في البحر فلا يرى حولًا ولا قوة ولا شيئًا ينفعه إلا إعانة مولاه ولطفه. (يا رب أنقذه) الضمير منصوب للهلاك الذي عبر به الناظم عن نفسه ومعنى انقذه أعذه وأجره (من الحريق) أي الإحراق أو فعيل بمعنى مفعل فهو بمعنى محرق وهو النار وبالأول فسر

ص: 459

المحلي والضياء وذوقوا عذاب الحريق، وفسره البيضاوي بالثاني، نقله الوالد حفظه الله تعالى في الريان. (بالمصطفى الهادي إلى الطريق) أي المستقيم أي بجاه المصطفى الهادي، والمصطفى والهادي من أسمائه، صلى الله تعالى عليه وسلم، والمصطفى المختار من جميع الخلق والمصفى من الكدر والهادي المرشد والداعي.

يا رب من للمقعد الكسير

المفرط المفرط الأسير

المقعد بضم الميم وسكون القاف وفتح المهملة العاجز عن القيام والكسير فعيل بمعنى مفعول والمفرط بسكون الفاء وكسر الراء مخففة المكثر من المعاصي والمفرط بفتح وكسر الراء المهملة المقصر في فعل الطاعات والأسير من أسرته ذنوبه وهذا تواضع منه رحمه الله تعالى واستدعاء لقبول التوبة. وفي الحديث: إذا تاب العبد من ذنوبه أنسى الله حفظته ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض حتى يلقى الله تعالى وليس عليه شاهد من الله بذنبه، وفيه التائب من الذنب كمن لا ذنب له وفيه ما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له قبل أن يستغفر منه قاله المنذري في الترغيب. وفي الحديث والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم، رواه مسلم وغيره. اللهم أغفر لنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

بالمجتبى جرني وكن مجيري

بوجهه من لفحة السعير

المجتبى من أسمائه، صلى الله تعالى عليه وسلم، ومعناه المختار واجرني بإسقاط همزة القطع كقوله:

إذا بكيت قبلتني أربعا

فأربعا ثم اربعا ثم اربعا

أي أعذني واللفحة الإحراق، والسعير تطلق على النار وعلى الخامس من أبوابه، أعاذنا الله تعالى من جميعها بجاه سيد الأولين والآخرين علي

ص: 460

أفضل صلاة المصلين وأزكى سلام المسلمين.

يا رب جاء مستجيرا

مستشفعا بمن أتى بشيرا

عبد مضاف إليه ما قبله ويعني به نفسه ومستجيرا حال أي طالبًا أن يجار ومستشفعًا أي متوسلًا ومتوجهًا والمجرور يتنازعه الحالان قبله وبشيرًا حال من فاعل أتى أي مبشرًا لمن أطاعه بالجنة وهي من أسمائه، صلى الله تعالى عليه وسلم.

له وللإخوان لأهلينا طرا

قوله له يتنازعه مستجيرًا ومستشفعًا وطرا حال ومعناه جميعًا وأبدل من قوله بمن قوله (بطه المصطفى ياسينا) أما طه فعده خلائق من أسمائه عليه السلام وقيل إنه هو المراد بقوله تعالى طه فقيل أراد يا طاهر من العيوب ويا هادي إلى كل خير وأما المصطفى فمعناه المختار وقد تقدم. وأما يس فذكره جماعة في أسمائه عليه السلام وجاء في بعض التفاسير يس: يا سيد، حكاه السلمي وغيره انظر المناوي، وفي المواهب وأما طه فروى النقاش عنه عليه الصلاة والسلام لي في القرآن سبعة أسماء فذكر منها طه، وقيل معناه يا رجل وقيل يا إنسان، وقيل يا طاهر يا هادي وقيل معناه يا عظيم الشفاعة للأمة انتهى المراد منه.

وقوله قيل معناه يا رجل أي رجل، وحرف النداء مقدر معه وهذا بالنبطية وهي لغة سواد العراق أو عك أو عكل وقوله يا طاهر أي من كل ذنب وعيب، ويا هادي إلى كل خير وقوله يا مطمع بضم الميم وسكون الطاء اسم فاعل من أطمع قاله الزرقاني. والمعتمد أن طه من أسماء الحروف التي رجح جماعة أنها مما استأثر الله تعالى بعلمه. وأما يس فقيل معناه يا إنسان بلغة طيء قاله ابن عباس والحسن وغيرهما وقيل بالحبشية قاله نقاتل وقيل بالسريانية حكاه الكلبي وعن ابن الحنفية معناه يا محمد، وعن أبي العالية يا رجل وعن أبي بكر الوراق معناه يا

ص: 461

سيد البشر، وعن جعفر الصادق يا سيد انظر المواهب.

بالعبد عبد الله بالمزمل

أجب دعاء مستغيث وجل

المجرور متعلق بقوله أجب، وعبد الله معطوف بحذف العاطف والمستغيث طالب الإغاثة والوجل بكسر الجيم الخائف ويعني به نفسه والعبد وعبد الله والمزمل من أسمائه، صلى الله تعالى عليه وسلم، فاسمه، صلى الله تعالى عليه وسلم، العبد، ذكره في المواهب، قال الزرقاني مأخوذ من نحو {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} سمي به لأنه الكامل في العبودية، انتهى. وأما عبد الله فقال في المواهب سماه الله تعالى به في أشرف مقاماته، انتهى. قال تعالى {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ، وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} وقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} الإنس والجن اتفاقًا والملائكة على الصحيح، وقال {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} ، وقال:{فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} ولو كان له اسم أشرف منه لسماه به في تلك الحالات العلية. ولما رفعه الله تعالى إلى حضرته السنية ورقاه إلى أعلى المعالي العلوية ألزمه تشريفًا له اسم العبودية ولما خير بين أن يكون نبيًا ملكًا أو نبيًا عبدًا اختار أن يكون نبيًا عبدًا وكان يقول لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ولكن قولوا عبد الله ورسوله. وتطروني بضم أوله أي لا تتجاوزوا الحد في مدحي بأن تقولوا ما لا يليق بي. وليس للعبد إلا اسم العبد ولذا كان عبد الله أحب الأسماء إليه، انتهى.

قال الزرقاني فالنهي إنما هو عن ذلك وإلا فمدحه، صلى الله تعالى عليه وسلم، مطلوب من كل أحد وقد سمعه وأجاز عليه مع أن أحدًا لا يبلغه، وروى مسلم أنه عليه السلام قال أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن وللطبراني وغيره إذا سميتم فعبدوا وللطبراني بسند ضعيف مرفوعًا أحب الأسماء إلى الله ما تعبد له، انتهى. ومن أسمائه، صلى

ص: 462

الله تعالى عليه وسلم، عبد الكريم وعبد الجبار، وعبد الحميد وعبد المجيد، وعبد الوهاب، وعبد القهار، وعبد الرحيم وعبد الخالق، وعبد القادر، وعبد المهيمن، وعبد القدوس، وعبد الغياث، وعبد الرزاق، وعبد السلام، وعبد المؤمن، وعبد الغفار انظر المواهب وغيرها.

وأما اسمه المزمل، صلى الله تعالى عليه وسلم تسليمًا، فأصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي وسمي به لما روي أنه عليه السلام كان يفرق بفتح الراء أي يخاف من جبريل أول ما جاءه ويتزمل بالثياب وقيل سمي به لأنه أتاه وهو، صلى الله تعالى عليه وسلم، متزمل في قطيفة وقال السدي معناه يا أيها النائم، وكان متلففًا في ثياب نومه. وعن ابن عباس يعني المتزمل بالقرآن وعن عكرمة بالنبوءة وقيل من الزمل بمعنى الحمل أي المتحمل بأعباء النبوءة وقال السهيلي ليس المزمل باسم من أسمائه يعرف به، وإنما هو مستق من حالته التي كان متلبسًا بها، حالة الخطاب والعرب إذا قصدت الملاطفة بالمخاطب نادوه باسم مشتق من حالته التي هو عليها حال النداء كقوله عليه السلام لعلي وقد نام ولصق جنبه بالتراب قم أبا تراب، قال سهل بن سعد وما كان لعلي اسم أحب إليه منه.

بالحاشر العاقب بالمدثر

يا رب عللني بحوض الكوثر

الإضافة بيانية أي الحوض الذي هو الكوثر وقد قيل أن الكوثر هو الحوض وقيل نهر في الجنة يشخب منه ميزابان في الحوض وقيل الخير الكثير وقيل غير ذلك وفي القاموس العل والعلل محركة الشربة الثانية أو الشرب بعد الشرب تباعًا، عله يعله ويعله علا وعللا وأعله، انتهى ولم يذكر علله بهذا المعنى بل قال بعد هذا وعلله بطعام وغيره تعليلًا، شغله به، فيصح أن معناه يا رب فاشغلني بشرب الحوض، أو يكون قاس التضعيف والله أعلم. وهذه الثلاثة من أسمائه، صلى الله تعالى عليه وسلم، أما اسمع عليه السلام العاقب، ففسر بأنه آخر

ص: 463

الأنبياء. قال أبو عبيدة كل شيء خلق بعد شيء فهو عاقب، ولذا قيل لولد الرجل عقبه، وكذا آخر كل شيء. وروى ابن وهب عن مالك قال معنى العاقب ختم الله تعالى به الأنبياء وختم بمسجده هذا المساجد، يعني مساجد الأنبياء. وقد زاد يونس عن الزهري عند مسلم الذي ليس بعده نبي، انتهى من الزرقاني على الموطإ. وقوله زاد يونس أي بعد قوله عليه السلام وأنا العاقب. وأما اسمه الحاشر ففي الموطإ وغيره وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي بكسر الميم وخفة الياء والإفراد وبشد الياء مع فتح الميم مثنى روايتان واختلف في معناه فقيل على زماني وعهدي أي ليس بعدي نبي وقيل معناه على أثري أي أنه يقدمهم وهم خلفه لأنه أول من تنشق عنه الأرض وقيل معناه على أثري بمعنى أن الساعة على أثره أي قريبة منه كما قال بعثت أنا والساعة كهاتين. وفي فتح الباري أي على أثري أي أنه يحشر قبل الناس وهو موافق لرواية يحشر الناس على عقبي بالإفراد ولبعضهم بالتثنية ويحتمل أن يريد على زماني إشارة إلى أنه ليس بعده نبي واستشكل بأنه يقتضي أنه محشور فكيف يفسر به حاشر وأجيب بأن إسناد الفعل إلى الفاعل إضافة وهي نفع بأدنى ملابسة فلما كان لا أمة بعد أمته لأنه لا نبي بعده نسب الحشر إليه لأنه يقع عقبه انظر الزرقاني على المواهب، وأما المدثر فأصله المتدثر فأدغمت التاء في الدال والمدثر لابس الدثار وهو ما فوق الشعار وهو ما يلي الجسد ومنه الحديث: الأنصار شعاري والناس دثاري، ذكره المناوي. وفي الصحيح أنه عليه السلام قال كنت بحراء فنوديت فنظرت عن يميني وشمالي فلم أر شيئًا فنظرت فوقي فإذا الملك الذي جاءني بحراء على عرش بين السماء والأرض فرعبت منه، ورجعت إلى خديجة فقلت دثروني دثروني، فنزل جبريل وقال يا أيها المدثر، والمعنى يا أيها المدثر بثيابه على ما عليه الجمهور. وعن عكرمة يا أيها المدثر بالنبوءة وأثقالها.

ص: 464

بصاحب القضيب والنجيب

أدعوك يا رب فكن مجيب

أي أدعوك يا رب بصاحب القضيب والنجيب فأجب دعائي وهذان اسمان من أسمائه عليه السلام. أما صاحب القضيب فمعناه صاحب السيف، كما وقع مفسرًا به في الإنجيل، ففيه معه قضيب من حديد يقاتل به وأمته كذلك، وهذا كناية عن شجاعته وكثرة جهاده، وفتوحاته هو وأمته، صلى الله تعالى عليه وسلم، وقد يحمل على أنه قضيبه الممشوق الذي كان يمسكه وكان يستسلم به الركن ويكون هذا عبارة عن كونه من صميم العرب وخطبائهم لأن عادة عظمائهم وخطبائهم اتخاذ العصي ومعنى الممشوق الويل الرقيق من المشق وهو جذب الشيء ليطول قاله الزرقاني، وقد مر قول العراقي:

وقيل ذا قضيبه الممشوق

كأن بأيد الخلفا يشوق

وأما قوله والنجيب فظاهره أن من أسمائه عليه السلام صاحب النجيب، والذي في دلائل الخيرات راكب النجيب، وهو الذي في الشفا، وفسره شارحه ابن سلطان بناقته التي كان يركب في حجة الوداع وغيرها. قال فهو تفسير للناقة في قوله راكب الناقة، قال والنجيب يطلق عرفًا على الخفيف السريع من الإبل، انتهى كلامه.

بصاحب المعراج والبراق

قني فأنت الله خير واق

قوله قني أمر من وقاه إذا صانه وحفظه وحذف متعلقه ليعم الوقاية من كل مرهوب في الدارين أي احفظني يا الله من كل ما يخاف في الدارين بجاه صاحب المعراج وهو محمد، صلى الله تعالى عليه وسلم، والمراد بالمعراج هنا القصة التي اختص هو، صلى الله تعالى عليه وسلم، بها في تلك الليلة، ويطلق المعراج على آلة العروج أي السلم الذي هو مرقاة له درجة من ذهب ودرجة من فضة والله أعلم.

وقوله والبراق الذي في دلائل الخيرات والشفا أن اسمه راكب البراق، والبراق تقدم وصفه في محله.

ص: 465

بصاحب المقام واللواء

عني أمط يا رب كل داء

ماطه، يميطه نجاه وأبعده كأماطه، ومعنى البيت نح وأبعد عني يا رب كل داء بجاه نبيك صاحب المقام المحمود، أي الذي يحمده فيه الأولون والآخرون وهو مقام الشفاعة العظمى. فقوله المقام على حذف الصفة كما قررت وقوله واللواء أي صاحب اللواء، وهو من أسمائه عليه السلام أيضًا، والمراد به لواء الحمد. قال الزرقاني والصحيح أنه حقيقي. والله تعالى أعلم بكيفيته، انتهى المراد منه.

بالهاشمي المصطفى محمد

يا رب وفقني وقوم أود

الأود محركة مصدر أود كفرح بمعنى أعوج والهاشمي من أسمائه، صلى الله تعالى عليه وسلم، نسبة إلى جده هاشم كما في المواهب والتوفيق، خلق القدرة على الطاعة، توسل الناظم رحمه الله تعالى إلى ربه أن يوفقه لطاعته ويقوم عوجه بجاهه عليه السلام.

بأحمد المختار خير مرسل

يا رب فاغفر لي وأصلح عملي

المختار من أسمائه عليه الصلاة والسلام ومعناه المفضل على جميع الخلائق إنسًا وجنًا وملكًا إجماعًا، صلى الله تعالى عليه وسلم تسليمًا، وإصلاح العمل إخلاصه لله تعالى وأراد بالعمل ما يشمل القول والنية.

وبنبي الرحمة المقف

يا رب وفقني عسى أوف

معنى أوفي أتمم ما أمرتني به، قال تعالى:{وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} أي تمم ما أمر به، ونبي الرحمة من أسمائه، صلى الله تعالى عليه وسلم، وكذا نبي الرحمة. وفي الحديث إنما أنا رحمة مهداة. أي ذو رحمة أو بالغ فكأنه عينها ومهداة بضم الميم وللطبراني بعثت رحمة مهداة، ابن دحية معناه أن الله بعثني رحمة للعباد، لا يريد لها عوضًا، انتهى.

ص: 466