المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ والأصح أنها نعجة بيضاء - نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار - جـ ٢

[عبد القادر المجلسي]

فهرس الكتاب

- ‌ سرية عبد الله بن عتيك

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة

- ‌ قصة عكل وعرينة

- ‌ بعث عمرو بن أمية

- ‌وابتاع قيس بن سعد الجواد بن الجواد جزرا

- ‌ ثم بعث خالد سيف الله

- ‌ ثم بعث قيس بن سعد بن عبادة

- ‌ ثم سرية عبد الله بن عوسجة

- ‌ ثم سرية علي بن أبي طالب

- ‌ شكرتك يد افتقرت بعد غنى

- ‌(وقيل في النضير مع واد القرى…قاتل

- ‌ وأما غزوة الغابة

- ‌(بيان أزواج النبي المصطفي

- ‌(وهاجرا فى الدين هجرتين

- ‌ومن مناقبها أنه شهد بدرا سبعة من أهلها:

- ‌ أن أبا سلمة هو أول من هاجر إلى المدينة

- ‌الوصيلة الناقة التى وصلت بين عشرة أبطن

- ‌ الحمد لله الملك القدوس، السلام

- ‌(بيان أولاد النبي أحمدا

- ‌والجمهور على أن مريم لم تكن نبية

- ‌ أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي

- ‌ أما حسن فإن له هيبتى وسؤددي وأما حسين فإن له جودى وجرأتى

- ‌(بيان أعمام النبي المصطفي

- ‌ حمزة أسد الله وأسد رسوله

- ‌وكان عمر يستسقي بالعباس عام الرمادة

- ‌(عماته صفية المبره

- ‌(أخواله الأسود مع عمير

- ‌(بيان ما له من الموالي

- ‌(أما سراريه سوى القبطية…فهي ثلاث

- ‌(بيان حراس النبي المصطفى

- ‌ وقصة اليهودي الذي أظهر الإسلام والتنسك

- ‌(بيان رسل المصطفى لمن ملك: )

- ‌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد

- ‌ إلى المقوقس بعد البسملة من محمد

- ‌ لطيفة وهي إسلام صحابي على يد تابعي

- ‌ إما أن اليمامة سيظهر فيها كذاب

- ‌ وهو أول من بنى مسجدا فى أرض الكفر

- ‌ من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب:

- ‌(بيان من كان من الكتاب له

- ‌ وقتله بعد أن أحرم فى صلاة الصبح أبو لؤلؤة فيروز

- ‌ احذر لئلا تهلك أن تعتقد أن أحدا من الصحابة

- ‌ أمه سمية فكانت أول شهيد في الإسلام

- ‌ وروى إنها القرية التي كانت حاضرة البحر

- ‌(بيان من يقطع بالجنان…لهم

- ‌ وهو أول من أذن للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ جبريل أعان حسان بسبعين بيتا

- ‌(بيان ما له من السلاح)

- ‌ لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي

- ‌ من الأسياف السبعة التي أهدت بلقيس إلى سليمان

- ‌ درع داوود التي لبسها حين قتل جالوت

- ‌ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك

- ‌ فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف

- ‌ كسري وقيصر على الخز والديباج

- ‌ فطلبته الناس يحملون عليه موتاهم

- ‌ لأن صيانة العرض بترك سنة واجب

- ‌ النعل]

- ‌(بيان بعض معجزات المصطفى

- ‌ ولنذكر أولاً حديث مسلم في الإسراء

- ‌ من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين

- ‌ اقتلع قرى قوم لوط وحملها على جناحه

- ‌ لم يكن الوجوب مبرماً

- ‌ وذكره ابن الجوزي في الموضوعات فأخطأ

- ‌ أن فيه لعنكبوتاً أقدم من ميلاد محمد

- ‌ الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز

- ‌ والأصح أنها نعجة بيضاء

- ‌ وأما سجود الجمل له فعن أنس

- ‌ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه

- ‌ لا حاجة لي بهما وجدت الله خيراً لي منهما

- ‌ بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله

- ‌ وكان عتبة أطيب منهن ريحاً مع أنه لا يمس طيباً

- ‌ودعا لمعاوية بالتمكين في البلاد فنال ذلك

- ‌ فجاء الأسد يتشمم وجوههم حتى ضرب عتيبة

- ‌ وهاتان العلامتان لم تكونا منذ خلقت الدنيا

- ‌ ومنها أن آدم وجميع المخلوقات خلقوا لأجله

- ‌(ذكر وفاته صلاة ربه…عليه

- ‌ اللهم في الرفيق الأعلى

- ‌ من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره

- ‌ من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات

- ‌(وجاء الخضر…معزيا لهم

- ‌(يا روضة طاب منها الرق والقلم

- ‌ من رآه بديهة هابه

- ‌ لولا هو عليه السلام ما خلق قمر ولا شمس ولا بر

- ‌تقول فيه بلسان ناعت…أبلج وجه

- ‌ من العباد من ينسى الله حفظته ذنوبه

- ‌ الراحمون يرحمهم الله

الفصل: ‌ والأصح أنها نعجة بيضاء

واسق من سقاني قال فأخذت الشفرة وانطلقت إلى الأعنز أيتها أسمن أذبحها له فإذا هي حفل كلهن فعمدت إلى إناء فحلبت فيه حتى علته رغوة فجئت به إليه فشرب ثم ناولني فلما عرفت أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قد روي وأصبت دعوته ضحكت حتى ألقيت على الأرض، فقال أفدني سوأتك يا مقداد يعني أنك فعلت سوءة من الفعلات فما هي؟ قال فقلت يا رسول الله كان من أمري كذا وكذا فقال صلى الله تعالى عليه وسلم ما هذه إلا رحمة من الله، انتهى كلامه.

(وأم معبد) أي وشاة أم معبد وتقدمت قصتها في الهجرة مبسوطة، واختصارها أنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، مر هو وأبو بكر وعامر بن فهيرة ومعهم دليلهم عبد الله بن الأريقط وهو على الكفر على أم معبد عاتكة بنت خالد الخزاعية بقديد وكانوا مسنتين فطلبوا منها لبناً فلم يجدوا فرأوا عندها شاة خلفها الجهد عن الغنم فقال عليه السلام أتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت نعم. فدعا بها فاعتقلها ومسح ضرعها وسمي الله فتفاجت ودرت وحلب وسقى القوم حتى رووا، وشرب هو آخرهم الحديث. وشاة أم معبد اختلف فيها هل هي عنز أو نعجة‌

‌ والأصح أنها نعجة بيضاء

نقله حماد في شرع كتاب الأنساب عن السهيلي.

(من الأفراد) الظاهر أنه خبر مبتدأ محذوف أي وهذه المعجزات من الأفراد جمع فرد وهو الذي لا نظير له، وفسرها بعضهم بقوله: أي الأشخاص الذين وقع ذلك في شياههم والله تعالى أعم. وفي الشفا ومنه أي من هذا النوع بركته في درور الشياه الحوافل باللبن الكثير كقصة شاة أم معبد وأعنز معاوية بن ثور وشاة أنس وغنم حليمة وشاة عبد الله مسعود وكانت لم ينز عليها فحل وشاة المقداد انتهى. قال ابن سلطان في شرحه وكلها كانت مثل شاة أم معبد ودرت ببركته، صلى الله تعالى عليه وسلم، وقوله الحوائل بالهمز جمع الحائلة وهي الشاة العديمة اللبن. ومعاوية بن ثور وفد على النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو شيخ كبير ومعه ابنه بشر فدعا له ومسح رأسه وأعطاه أعنزا عشراً فقال محمد بن بشر بن معاوية في أبيه:

ص: 366

(وأبي الذي مسح الرسول برأسه

ودعا له بالخير والبركات)

انتهى. وفي شرح صلاة ربي للشيخ اليدالي أنه عليه السلام اجتاز هو وأبو بكر بعبد يرعى غنماً فاستقياه لبناً فأتاهما بشاة لا لبن فيها وحلبها، صلى الله تعالى عليه وسلم، بعد أن دعى فسقى أبا بكر ثم الراعي ثم شرب، وهذا محمول على علم سيد العبد مع ظن رضاه والجواب بأنه مال حربي لا يصح لأن هذا قبل مشروعية الجهاد. انتهى.

(وكم من الأعيان قلبه انجلى

بلمس يمناك بمشهد الملا)

كما هنا تكثيرية وهي مبتدأ ومن الأعيان مميزها وقلبه مبتدأ وانجلى خبره والجملة خبر كم والباء في بلمس سببية، والملا جماعة الأشراف أي ومن معجزاتك يا رسول الله أن كثيراً من الاشياء انقلبت عينه أ] تحولت ذاته بسبب لمس يدك المباركة وحضر ذلك جماعة أصحابك الأشراف ونقلوه لمن بعدهم جزاهم الله أحسن الجزاء ومثل لذلك بقوله:

(كئاية العرجون إذ أضاء

لولد النعمان في سوداء)

العرجون بضم العين والجيم ويكسر مع فتح الجيم وقرئ بهما وهو أصل العرق الذي يعوج وينعطف ويقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابساً ولعله العذق مطلقاً قاله ابن سلطان.

وقال الزرقاني أصل العذق الذي يعوج وتقطع منه الشماريخ فيبقى يابساً على النخل، سمي بذلك لانعراجه وانعطافه. ونونه زائده انتهى.

والنعمان بضم النون ويعني بولده قتادة بفتح القاف الأوسي البدري صاحب العين التي ردها رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، وقوله في سوداء نعت لمحذوف أي في ليلة سوداء أي مظلمة (مطيرة) فعلية بمعنى فاعلة وإسناد المطر إليها مجاز ولا يقال أنها بمعنى مفعولة أي ممطرة فيها لوجود الهاء قاله الزرقاني.

(عشوا) بالقصر أي صاحبها أعشا فلا يبصر فيها لظلمتها. وقوله (إلى أن ولجا) غاية لقوله أضاء ومعنى ولج دخل ومفعوله محذوف تقديره بيته. (فضرب الشيطان حتى خرجا) وكان يراه على غير صورته

ص: 367

والمعنى أن من معزاته، صلى الله تعالى عليه وسلم، ما رواه أحمد بسند صحيح كما في ابن سلطان أن قتادة بن النعمان صلى معه صلى الله تعالى عليه وسلم، العشاء في ليلة مظلمة مطيرة فأعطاه عرجوناً وقال انطلق به فإنه سيضيئ لك من بين يديك عشراً، أي من الأذرع ومن خلفك عشراً فإذا دخلت بيتك فسترى سواداً فاضربه حتى يخرج فإنه الشيطان. فانطلق فأضاء له العرجون حتى دخل بيته ووجد السواد وضربه حتى خرج ونسبه في المواهب لأبي نعيم قال الزرقاني والمخرج هذه القصة الطبراني وقال أنه كان في صورة فنفذ قال وأخرج أحمد عن أبي سعيد قال هاجت السماء فخرج النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، لصلاة العشاء فبرقت برقة فرأى قتادة فقال ما السري يا قتادة؟ قال يا رسول الله إن شاهد العشاء قليل، فأحببت أن أشهدها. قال إذا صليت فات فلما انصرف أعطاه عرجوناً فقال خذ هذا فسيضيئ لك فإذا دخلت البيت ورأيت سواداً في زاوية البيت فاضربه قبل أن تتكلم فإنه شيطان انتهى. وقوله سواداً أي جسماً ذا سواد. ومراد الناظم بقلب العين هنا تحول عرض العرجون إلى كونه ضوءاً ولم يذكره ابن سلطان ولا الزرقاني في انقلاب الأعيان وإنما ذكر ذلك من رأيت في جذل سلطان ولا الزرقاني في انقلاب الأعيان وإنما ذكر ذلك من رأيت في جذل عكاشة ونحوه ويأتي إن شاء الله. قال مؤلفه عفا الله تعالى عنه بمنه ومما يناسب إضاءة العرجون إضاءة العصي لعباد بن بشر وأسيد بن خضير وإضاءة أصابع حمزة بن عمرو الأسلمي حتى جمعوا على ضوء أصابعه ركابهم وما سقط من متاعهم وكان كل مما ذكر في ليل شديد الظلمة وقد نظمت ذلك في ثلاثة أبيات فقلت:

(ولابن بشر وأسيد ابن خضير

ضوء العصا كمثل مصباح منير)

(كذا أصابع ابن عمرو الأسلمي

حمزة ضوءها بدا في الظلم)

(حتى ركابهم عليها جمعوا

وعزو هذا للبخاري يسمع)

ابن بشر هو عباد بن بشر وقش بفتح الواو أسلم قبل الهجرة وشهد بدراً وأبلى في اليمامة بلاء حسناً واستشهد بها وأسيد بضم الهمزة

ص: 368

وحضير بضم المهملة ابن سماك وهما أوسيان أشهليان وروى البخاري في تاريخه عن عائشة قالت ثلاثة من الأنصار لم يكن أحداً يعتد عليهم فضلاً كلهم من بني عبد الأشهل سعد بن معاذ وأسيد بن خضير وعباد بن بشر، انتهى.

وقصتهما باختصار أنهما كانا عند النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، في ليلة شديدة الظلمة ثم خرجا وبيد كل منهما عصى فأضاءت لهما عصى أحدهما فمشيا في ضوئها، إكراماً لهما ببركة نبيهما، آية له، صلى الله تعالى عليه وسلم، وإظهار السر.

قوله عليه السلام بشر المشايين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة، رواه أبو داوود وغيره. وادخر لهما يوم القيامة ما هو أعظم وأتم من ذلك، قاله الزرقاني. قال في المواهب حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه، فمشى كل منهما في ضوء عصاه حتى بلغ هديه أي مقصده. وفي رواية ومعهما مثل المصباحين وقولي كذا أصابع ابن عمرو هو حمزة بحاء مهملة ابن عمرو بن عويمر بن الحارث بن سعد الأسلمي صحابي جليل، كان يسرد الصوم أخرج البخاري في تاريخه عنه قال كنا مع النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، في سفر فترقنا في ليلة ظلماء فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرها وأنا أصابعي لتنير قاله في المواهب وساقه الشامي بلفظ وما سقط من متاعهم. وتنير بضم التاء أي تضيء، انتهى من الزرقاني، وساق هاتين القصتين في المواهب عقب قصة العرجون.

(والجذل لابن محصن ببدر

دفعته (

))

الجذل بكسر الجيم وبفتح فسكون ذال معجمة أي أصل شجرة والمراد به هنا عود وقيل هو الخشبة الغليظة ومحصن كمنبر وابنه هو عكاشة الأسدي البدري وهو بضم المهملة وشد الكاف وتخفيفها، انظر ابن سلطان، والجذل الأرجح رفعه على الابتداء وخبره دفعته ويتعلق به المجروران، (فعاد) هو أي الجذل أي صار ببركته، صلى الله تعالى عليه

ص: 369

وسلم، (سيفا) خبر عاد، (يفري) بفتح التحتية أي يقطع صفة لقوله سيفاً أي فصار في يده سيفاً قاطعاً يعني أن من قلب الأعيان معجزة له، صلى الله تعالى عليه وسلم، ما رواه البيهقي من أنه عليه السلام دفع لعكاشة بن محصن حين انكسر سيفه يوم بدر جذل حطب وقال له اضرب به فعاد في يده سيفاً صارماً طويل القامة أبيض أي بريق اللمعان شديد المتن من المتانة وهي القوة أو قوي الظهر فإن المتن هو أصل الشيء الذي به قوامه بمنزلة الظهر للأعضاء، قاله علي القارئ.

(ولم يزل) ذلك السيف، (لديه) أي لدى عكاشة أي عنده يشهد به المواقف (حتى استشهدا) بالبناء للمجهول في قتال أهل الردة، (عونا) أي معيناً له على القتال، وفيه إيماء إلى اسمه فإنه كان يسمى العون، (به) يتعلق بقوله (يضرب أعناق) جمع عنق وهو الجيد (العدا) بكسر العين وضمها جمع عدو، (وغذ دفعت) يا رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، (لابن جحش) بفتح الجيم وسكون المهملة يعني بابن جحش عبد الله البدري المجدع في الله وهو بن أسد خزيمة (بأحد) بضمتين أي في يوم أحد عسيب نخل العسيب كأمير، قال في ابن سلطان في تفسيره أي جريدة منه، مما لا خوض عليه وما نبت عليه الخوص فهو سعف، والخوض الأوراق انتهى منه.

وفي القاموس والعسيب جريدة من النحل مشتقة من دقيقة يكشط خوصها والذي لم ينبت عليه الخوص من السعف فعدا اسمها عائد على العسيب وخبرها قوله سيفاً أي صار سيفاً يحد بفتح فضم جيم أي يقطع والمعنى أن من انقلاب الأعيان معجزة له عليه السلام أنه دفع جريدة من النخل لعبد الله بن جحش يوم أحد فصار في يده سيفاً قاطعاً كما رواه البيهقي. قال مؤلفه سمح الله تعالى له ومما يناسب هذا من انقلاب الأعيان ما نقله ابن سلطان على القارئ شارح الشفا أنه عليه السلام أعطى سلمة بن أسلم يوم بدر قضيباً من عراجين ابن طاب كان في يده فإذا هو سيف جيد فلم يزل عنده حتى قتل يوم جسر أبي عبيد. وقد نظمت ذلك فقلت:

ص: 370

(أعطى قضيباً يوم بدر سلمه

أعني ابن أسلم نبي المرحمة)

(وذا القضيب من عراجين ابن طاب

فصار سيفاً صارماً بلا ارتياب)

وقولي نبي فاعل أعطى وابن طاب نخل بالمدينة كما في القاموس انتهى. وقال الناظم نفعنا الله تعالى ببركته وجمعنا وإياه في جنته:

(والماء قد زودت قوماً رفدا

فعاد أيضاً لبناً وزبدا)

يشير به إلى ما في الشفا للقاضي عياض ونصه ومن ذلك تزويده أصحابه سقاء ماء بعد أن أوكاه ودعا فيه فلما حضرته الصلاة نزلوا فحلوه فإذا به لبن طيب وزبدة في فمه، انتهى منه. السقاء بكسر أوله وأوكاه ربط وكاءه، وأوكاه ربطه بالوكاء وهو خيط يشد به الوعاء وقوله فإذا به وفي نسخة فإذا هو لبن وقوله في فمه في نسخة، في فيه انتهى من ابن سلطان. وما في الشرح المعزو للمأمون من أن القاضي عياض لم يذكر هذه القصة في الشفا فيه نظر ولعلها خرجت من النسخة التي بيده والله تعالى أعلم، قاله جامعه. وقول الناظم الماء منصوب بزودت بعده، والرفد بالكسر العطاء وهو منصوب على الحال وزبدا بضم الزاء المعجمة والمعنى ومن قلب الأعيان معجزة لك يا رسول الله، الماء الذي قد جعلته زاداً لبعض أصحابك فانقلبت عينه لبناً طيباً وزادا وعاد كصار معنى وعملا.

(وأخبرتك الشاة بعد الشي

بأنها سمت فداك حي)

سمت بضم السين جعل فيها سم بتثليث السين جعلت فيها زينب بنت الحارث اليهودية سماً قاتلاً لوقته، اجتمعت لها اليهود على ذلك السم بعينه فسمت الشاة جميعهاً وأكثرت السم في الكتف والذراع لأنها بلغها أنه عليه السلام يحبهما وهي زوجة سلام بالتشديد ابن مشكم وقد يخفف كما مرّ ولما أهدتها له عليه السلام ومعه ناس من أصحابه تناول عليه السلام الكتف على ما في المناوي ولما ازدرد منه لقمة قال إن هذا الكتف يخبرني أنه مسموم وفي رواية غيره أن الذراع هو الذي أخبره وذلك بعد ما أكل منها بشر بن البراء فمات وهل مات في الحال أو بعد

ص: 371

سنة فقتلت به وقيل أنها لم تقتل وجمع بأنها لم تقتل أو لا ولما مات أسلمها لأوليائه فقتلوها وقال الزهري تركت لأنها أسلمت وقالت استبان لي أنك صادق وهي أخت مرحب وروي أنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، قال لها ما حملك على هذا؟ قالت إن كنت نبياً لن يضرك وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك. فاحتجم عليه السلام على كاهله وقال في وجعه الذي توفي فيه ما زالت أكلة خيبر تعاودني فالآن قطعت أبهري والعداد بالكسر اهتياج وجع اللديغ بعد سنة قال الشاعر:

(ألاقي من تذكر آل ليلى

كما يلقى السليم من العداد)

وعلى هذا فهو، صلى الله تعالى عليه وسلم، شهيد مع ما أكرم به من النبوءة، نقله اليدالي. وقد تقدمت هذه القصة في خيبر. وفي المناوي وعاش عليه السلام بعد ذلك أربع سنين، وفي رواية أنها أسلمت وعفا عنها وفي رواية أنه قتلها. وجمع البيهقي بأنه تركها لأنه لا ينتقم لنفسه ثم قتلها وليه قصاصاً ويحتمل أنه قتلها لنقضها العهد بما فعلته. وفلي رواية أنه صلبها انتهى كلامه.

(والطفل في المهد بتصديقك يا

أزكى الورى قد فاه فيما رويا)

المهد الموضع يهيأ للصبي ويوطأ والطفل مبتدأ وخبره فاه أي نطق ويتعلق به المجرور أن قبله الورى العباد وأزكاهم معناه أطهرهم وتقرير البيت أن نقول ومن معجزاتك يا أطهر العباد أن الطفل تكلم في المهد بتصديقك فيما روي أي نقل وأشار بهذا إلى ما رواه البيهقي وغيره عن معرض بن معيقيب اليماني قال حججت حجة الوداع فدخلت داراً بمكة فرأيت فيها رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، ورأيت منه عجباً، جاء رجل من أهل اليمامة بغلام يوم ولد، وقد لفه في خرقة وقال له رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، يا غلام من أنا؟ قال أنت رسول الله. قال صدقت بارك الله فيك. ثم إن الغلام لم يتكلم بعد ذلك حتى شب، فكنا نسميه مبارك اليمامة. ومعرض بضم الميم وفتح المهملة وكسر الراء المشددة ثم ضاد معجمة كما في الإصابة وفي التلمساني وغيره اسم فاعل من أعرض وروي بكسر أوله كأنه آلة وفي

ص: 372

الشفا أنه يعرف بحديث شاصونة اسم رواية وهو بشين معجمة وألف وصاد مهملة وواو ساكنة ونون وله طرق وغاية ما يفيده تعدد طرقه أنه ضعيف لزوال ما كان يخشى أنه من وضع الكريمي. أما الحسن فمن أين له ومداره على ثلاثة مجاهيل شاصونة وشيخه وشيخ شيخه قاله الزرقاني في شرح المواهب. وقوله ثم إن الغلام لم يتكمل بعد ذلك حتى شب أي بلغ زمن التكلم، قاله على القارئ في شرح الشفا. قال هذا الشارح ويناسب هذا شهادة الأخرس له عليه السلام بالرسالة كما في الشفا والمواهب عن البيهقي وقد نظمته معزواً له فقلت:

(وبرسالتك الأخرس شهد

وعزوه للبيهقي قد عهد)

أي عرف ولفظ المواهب. وعن فهد بن عطية أن النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، أتى بصبي قد شب لم يتكلم قط وقال من أنا؟ فقال أنت رسول الله، ونحوه في الشفا. وفهد بفاء مفتوحة وهاء ساكنة ودال مهملة وفي نسخة وراء مهملة قال في المنتقى ولا أعرف بدال ولا براء والذي في البيهقي أنه عن شمر بن عطية انتهى. وهو كما قال إذ ليس في الصحابة من اسمه ذلك لا بدال ولا براء. وإنما هو شمر بكسر المعجمة وسكون الميم وراء بلا نقط ابن عطية الأسدي الكاهلي صدوق من أتباع التابعين قاله الزرقاني. وفي ابن سلطان ولعله تصحيف وإنما روي البيهقي عن سمر بن عطية بكسر السين المهملة وسكون الميم آخره راء انتهى منه.

وقوله قد شب أي كبر وصار شاباً قاله الشارحان الماران آنفاً. قال الزرقاني فأنطقه الله بعدما كان أبكم، فهو بمنزلة الميت والجماد لعدم القدرة على النطق انتهى. ثم ذكر الناظم رحمه الله تعالى شهادة الجمادات والبهائم له بالرسالة فقال:

(وكم جمادات وعجماوات

فاهت بتصديقك في آيات)

كم للتكثير والجماد ما لا روح فيه والعجماء البهيمة أي ومن معجزاتك صلى الله تعالى عليه وسلم أن كثيراً من الجمادات والحيوانات قد نطقت بتصديقك. وقوله في آيات، بمعنى مع، أي مع معجزات أخر

ص: 373

دالة على صدقك وقعت في الجمادات والحيوانات غير الشهادة بالرسالة كتسبيح الحصا والطعام بيدك الشريفة وطاعة الراجي له وسجود الجمل وشكواه إليه والله تعالى أعلم.

فمن شهادة الجماد له بالرسالة أن قريشاً لما طلبته عليه السلام حين خرج عليه السلام مهاجراً وكان قد صعد ثبيراً فقال له ثبير اهبط يا رسول الله إني أخاف أن يقتلوك على ظهري فيعذبني الله تعالى. وقال له حراء إلي يا رسول الله بتشديد الياء أي إئت أو أقبل. وقال عليه السلام لما استقبلني جبريل بالرسالة جعلت لا أمر بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله. وعن علي قال كنت مع النبي في ابتداء النبوءة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل أي حجر كما في ابن سلطان ولا شجر إلا وهو يقول السلام عليك يا رسول الله رواه الترمذي وروى الحاكم بإسناد جيد عن ابن عمر قال كنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا منه قال له رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، أين تريد؟ قال إلى أهلي. قال هل لك إلى خير؟ قال وما هو؟ قال تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. قال هل لك من شاهد على ما تقول؟ قال رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، هذه الشجرة. وفي رواية هذه السمرة. فدعاها، صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو على شاطئ الوادي فأقبلت تخد الأرض خداً فقامت بين يديه فاستشهدها ثلاثاً فشهدت ثم رجعت إلى منبتها ورجع الإعرابي إلى قومه وقال يا رسول الله إن يتبعوني آتيك بهم وإلا رجعت إليك وكنت معك.

وقوله تخد بضم الخاء المعجمة وتشديد الدال المهملة أي تشق والسمرة بفتح المهملة وضم الميم شجرة عظيمة ذات شوك من الطلح، وجمعها بفتح السين وضم الميم وسكونها ومنبتها بفتح الموحدة قياساً وكسرها سماعاً. قاله الزرقاني.

وأما شهادة الحيوانات له فمنها قصة الذئب ولها طرق من حديث أبي سعيد وأنس وأبي هريرة وابن عمرو فحديث أبي سعيد رواه أحمد

ص: 374

والترمذي والحاكم وصححاه، قال أبو سعيد عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه فأقعى الذئب على ذنبه، وقال ألا تتقي الله تعالى تنزع مني رزقاً ساقه الله تعالى إلي. فقال الراعي يا عجباً ذئب مقع على ذنبه يكلمني بكلام الإنس. فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك محمد بيثرب يخبر الناس بأنباء ما سبق. وفي طريق ألا أخبرك بأعجب من كلامي؟ ! رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، في النخيلات بين الحرتين يحدث الناس عن نبأ ما سبق وما يكون. وفي لفظ يدعوا الناس إلى الهدى وغلى الحق وهم يكذبونه. قال فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها ثم أتى رسول اللهن صلى الله تعالى عليه وسلم، فأخبره وقد اختلف في مكلم الذئب فقيل أهبان بن أوس وقيل سلمة بن الأكوع، وكان ذلك سبب إسلامه، وقيل أهبان بن الأكوع الأسلمي عن سلمة وقيل أهبان بن الأكوع الخزاعي وقيل رافع بن عميرة وقال ابن عبد البر، كلم الذئب ثلاثة من الصحابة: رافع بن عميرة وسلمة بن ألأكوع وأهبان بن أوس، قاله الزرقاني. وأما حديث أنس فرواه أبو نعيم بنحوه وأما حديث أبي هريرة فرواه سعيد بن منصور عنه قال أبو هريرة جاء الذئب فأقعى بين يدي النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، وجعل يبصبص بذنبه اي يحركه فقال، صلى الله تعالى عليه وسلم، هذا وافد الذئاب جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئاً. قالوا والله لا نفعل وأخذ رجل من القوم حجراً ورماه به فأدبر الذيب وله عواء (الحديث). وروى ابن وهب أن ابا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية قبل إسلامهما رأيا ذئباً وجد ظبياً فجرى خلفه ليأخذه فدخل الظبي الحرم فانصرف عنه فعجبا من ذلك. فقال الذئب أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار. فقال أبو سفيان واللات والعزى لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنها خلوفاً بضم الخاء المعجمة أي فاسدة متغيرة يعني يقع الفساد والتغير في أهلها. وقيل معناه خالية بأن يسلم أهلها ويهاجروا قاله الزرقاني.

ص: 375

وروى لطبراني والبيهقي وشيخه الحاكم وشيخه ابن عدي عن ابن عمر واللفظ للطبراني أن النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، كان في محفل من أصحاب إذ جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضباً فقال على من هؤلاء الجماعة؟ فقالوا على هذا الذي يزعم أنه نبي. فأتاه فقال يا محمد اشتملت النساء على ذي لهجة أكذب منك، فلولا أن تسميني العرب عجولاً لقتلتك ولسررت الناس بقتلك أجمعين. فقال عمر يا رسول الله دعني أقتله. فقال، صلى الله تعالى عليه وسلم، أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبياً؟ ! ثم أقبل الأعرابي على رسول الله فأخرج الضب من كمه وقال واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن هذا الضب وطرحه بين يدي رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، يا ضب فأجابه بلسان مبين يسمعه القوم جميعاً لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة، قال من تعبد؟ قال الذي في السماء عرضه وفي الأرض سلطانه وفي البحر سبيله وفي الجنة رحمته وفي النار عقابه قال فمن أنا؟ قال رسول رب العالمين وخاتم النبيئين وقد أفلح من صدقك وخاب من كذبك. فأسلم الإعرابي. وفي آخر الحديث فقد آمن بك شعري وبشر وداخلي وخارجي وسري وعلانيتي وقد طعن في هذا الحديث بالضعف وقد رواه الأئمة الكبار. وأما تسبيح الطعام والحصى ففي البخاري عن ابن مسعود كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل .. وفي الترمذي عنه كنا نأكل مع رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، الطعام ونحن نسمع تسبيحه. وفي ابن عساكر عن أنس أخذ النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، كفاً من حصى فسبحن في يد رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى سمعنا التسبيح ثم صبهن في يد أبي بكر فسبحن ثم في أيدينا فما سبحن. وفي البزار والطبراني والبيهقي عن أبي ذر أنهن سبحن في كف عثمان انظر الشفا وشرح القاري عليه وأما طاعة الداجن له فعن عائشة قالت كان عندنا داجن فإذا كان عندنا رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، قر وثبت مكانه فلم يجئ ولم يذهب وإذا خرج رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، جاء

ص: 376