المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الراحمون يرحمهم الله - نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار - جـ ٢

[عبد القادر المجلسي]

فهرس الكتاب

- ‌ سرية عبد الله بن عتيك

- ‌ سرية عبد الله بن رواحة

- ‌ قصة عكل وعرينة

- ‌ بعث عمرو بن أمية

- ‌وابتاع قيس بن سعد الجواد بن الجواد جزرا

- ‌ ثم بعث خالد سيف الله

- ‌ ثم بعث قيس بن سعد بن عبادة

- ‌ ثم سرية عبد الله بن عوسجة

- ‌ ثم سرية علي بن أبي طالب

- ‌ شكرتك يد افتقرت بعد غنى

- ‌(وقيل في النضير مع واد القرى…قاتل

- ‌ وأما غزوة الغابة

- ‌(بيان أزواج النبي المصطفي

- ‌(وهاجرا فى الدين هجرتين

- ‌ومن مناقبها أنه شهد بدرا سبعة من أهلها:

- ‌ أن أبا سلمة هو أول من هاجر إلى المدينة

- ‌الوصيلة الناقة التى وصلت بين عشرة أبطن

- ‌ الحمد لله الملك القدوس، السلام

- ‌(بيان أولاد النبي أحمدا

- ‌والجمهور على أن مريم لم تكن نبية

- ‌ أن الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي

- ‌ أما حسن فإن له هيبتى وسؤددي وأما حسين فإن له جودى وجرأتى

- ‌(بيان أعمام النبي المصطفي

- ‌ حمزة أسد الله وأسد رسوله

- ‌وكان عمر يستسقي بالعباس عام الرمادة

- ‌(عماته صفية المبره

- ‌(أخواله الأسود مع عمير

- ‌(بيان ما له من الموالي

- ‌(أما سراريه سوى القبطية…فهي ثلاث

- ‌(بيان حراس النبي المصطفى

- ‌ وقصة اليهودي الذي أظهر الإسلام والتنسك

- ‌(بيان رسل المصطفى لمن ملك: )

- ‌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من محمد

- ‌ إلى المقوقس بعد البسملة من محمد

- ‌ لطيفة وهي إسلام صحابي على يد تابعي

- ‌ إما أن اليمامة سيظهر فيها كذاب

- ‌ وهو أول من بنى مسجدا فى أرض الكفر

- ‌ من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب:

- ‌(بيان من كان من الكتاب له

- ‌ وقتله بعد أن أحرم فى صلاة الصبح أبو لؤلؤة فيروز

- ‌ احذر لئلا تهلك أن تعتقد أن أحدا من الصحابة

- ‌ أمه سمية فكانت أول شهيد في الإسلام

- ‌ وروى إنها القرية التي كانت حاضرة البحر

- ‌(بيان من يقطع بالجنان…لهم

- ‌ وهو أول من أذن للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم

- ‌ جبريل أعان حسان بسبعين بيتا

- ‌(بيان ما له من السلاح)

- ‌ لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي

- ‌ من الأسياف السبعة التي أهدت بلقيس إلى سليمان

- ‌ درع داوود التي لبسها حين قتل جالوت

- ‌ إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك

- ‌ فراش للرجل وفراش لامرأته والثالث للضيف

- ‌ كسري وقيصر على الخز والديباج

- ‌ فطلبته الناس يحملون عليه موتاهم

- ‌ لأن صيانة العرض بترك سنة واجب

- ‌ النعل]

- ‌(بيان بعض معجزات المصطفى

- ‌ ولنذكر أولاً حديث مسلم في الإسراء

- ‌ من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين

- ‌ اقتلع قرى قوم لوط وحملها على جناحه

- ‌ لم يكن الوجوب مبرماً

- ‌ وذكره ابن الجوزي في الموضوعات فأخطأ

- ‌ أن فيه لعنكبوتاً أقدم من ميلاد محمد

- ‌ الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز

- ‌ والأصح أنها نعجة بيضاء

- ‌ وأما سجود الجمل له فعن أنس

- ‌ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه

- ‌ لا حاجة لي بهما وجدت الله خيراً لي منهما

- ‌ بل تغرسني في الجنة فيأكل مني أولياء الله

- ‌ وكان عتبة أطيب منهن ريحاً مع أنه لا يمس طيباً

- ‌ودعا لمعاوية بالتمكين في البلاد فنال ذلك

- ‌ فجاء الأسد يتشمم وجوههم حتى ضرب عتيبة

- ‌ وهاتان العلامتان لم تكونا منذ خلقت الدنيا

- ‌ ومنها أن آدم وجميع المخلوقات خلقوا لأجله

- ‌(ذكر وفاته صلاة ربه…عليه

- ‌ اللهم في الرفيق الأعلى

- ‌ من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره

- ‌ من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات

- ‌(وجاء الخضر…معزيا لهم

- ‌(يا روضة طاب منها الرق والقلم

- ‌ من رآه بديهة هابه

- ‌ لولا هو عليه السلام ما خلق قمر ولا شمس ولا بر

- ‌تقول فيه بلسان ناعت…أبلج وجه

- ‌ من العباد من ينسى الله حفظته ذنوبه

- ‌ الراحمون يرحمهم الله

الفصل: ‌ الراحمون يرحمهم الله

وفي المواهب وشرحها بعثه الله رحمة لأمته ورحمة للعالمين فرحم الله به الخلق مؤمنهم بالهداية وكافرهم بالأمن من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال والمنافقين بالأمن من القتل وتأخير عذابهم وقد كان حظ آدم من رحمته سجود الملائكة له تعظيمًا له إذ كان في صلبه، وقبول توبته إذ توسل به وحظ نوح خروجه من السفينة سالمًا إذ كان في صلب ابنه سام، وحظ إبراهيم أن كانت النار عليه بردًا وسلامًا إذ كان في صلبه كما أفاده العباس بقوله:

وردت نار الخليل مكتتما

في صلبه أنت كيف يحترق

فرحمته عليه السلام لا تخص وجوده بل عمت من قبله ومن رحمته ما ألقى الله له من دعوة الشفاعة التي ادخرها لأمته وجعل أمته أمة مرحومة وأمرها بالتراحم وأثنى عليه فقال إن الله يحب من عباده الرحماء، وقال‌

‌ الراحمون يرحمهم الله

. وأما المقفي فقال الزرقاني هو بضم الميم وفتح القاف وكسر الفاء المشددة ورد في الحديث عند أحمد وغيره برجال ثقاة، انتهى. وذكره في الشفا. قال ابن سلطان بكسر الفاء المشددة أي الذاهب المولي فمعناه آخر الأنبياء والمتبع لهم كالمقفي فكل شيء يتبع شيئًا فقد قفاه انتهى. وقال المناوي بكسر الفاء المشددة بصيغة اسم الفاعل أي التابع للأنبياء وقافية كل شيء آخره وكل من تبع شيئًا فقد قفاه قال تعالى:{ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا} والمفعول أي جعله الأنبياء عقبهم وسبقوه بالزمان انتهى. فقد زاد على الأولين أن فيه صيغة المفعول والله تعالى أعلم. ومعنى البيت أن الناظم توسل إلى الله تعالى باثنين من أسمائه، صلى الله تعالى عليه وسلم، وهما نبي الرحمة والمقفي بكسر الفاء أن يخلق له القدرة على الطاعة رجاء أن يوفي أي يتمم ما أمره الله تعالى به. وقال ابن سلطان بعد قول الشفا في موضع قبل ما نقلت عنه آنفًا في تفسير وأنا المقفي قفيت النبيئين ما نصه أي جئت بعدهم واتبعت هديهم أو أريد به المولي الذاهب والمعنى أنه أراد آخر النبيئين فإذا ذهب فلا نبي بعده. وأما قول الداجي

ص: 467

قال الله تعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا} فيوهم أن الوصف بصيغة اسم المفعول وليس كذلك، انتهى بحروفه. وكذا القسطلاني اقتصر على ضبطه بصيغة اسم الفاعل وقال أي قفى من قبله من الرسل فكان خلفهم وهي لفظة مشتقة من القفو يقال قفاه يقفوه قفوا إذا تأخر عنه ومنه قافية الرأس لمؤخره وقافية البيت، انتهى.

قال الزرقاني عقبه أن ابن الأعرابي قال إن معناه المتبع للرسل لأن معنى قفى: تبع، انتهى.

قال جامعه فعلم من هذا أنه بالكسر لا غير ذلك إذ لم يذكر الفتح فيه ممن تقدم إلا المناوي بعد أن صدر بالكسر وقد مر نفي ابن سلطان للفتح، وتعقبه له والله تعالى أعلم.

وبنبي التوبة الماحي امح من

قلبي سوى حبك حتى يطمئن

معنى البيت أنه يتوسل باسمين من أسمائه عليه السلام وهما نبي التوبة والماحي أن يمحو الله تعالى من قلبه كل شيء سوى حبه لله تعالى حتى يطمئن قلبه أي يثبت ويرسخ فلا يلتفت إلى غيره. والمحبة الميل إلى ما يوافق المحبوب. قال بعضهم وطمأنينة القلب ثبوته على الإيمان ورسوخه حتى لا يتزلزل، أما اسمه عليه السلام نبي التوبة فإن الأمم رجعت لهدايته عليه السلام بعد ما تفرقت بها طرق الضلال إلى الصراط المستقيم، قاله في المواهب وقال الزرقاني والتوبة الرجوع ولكونه سببًا في توبتهم أضيف إليها وقيل لإخباره عن الله تعالى بقبولها أو لأنه كثير التوبة قال إمام الحرمين إذا أضيفت إلى العباد أريد بها الرجوع عن الزلات إلى الندم عليها وإذا أضيفت إلى الرب أريد بها رجوع نعمه وآلائه، انتهى.

وقال ابن سلطان في شرح قول الشفا وبنبي التوبة أي من حيث أنه يتوب على يده جمع كثير أو لأن توبة أمته حاصلة بمجرد الندامة بخلاف توبة الأمم السالفة فإنها كانت بارتكاب الأمور الشاقة أو لأنه

ص: 468

كثير التوبة لحديث البخاري: إني استغفر الله تعالى في اليوم مائة مرة أو لأن باب التوبة يغلق في آخر هذه الملة، انتهى.

وأما اسمه الماحي ففي الموطأ والصحيحين وغيرهم لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي، الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، قوله يمحو الله بي الكفر أي العام أو غلبته على دين الإسلام، ابن التلنمساني معناه يذهب أصله والشرع به حتى يكون معتقدًا ومذهبًا قاله ابن سلطان، وفي المواهب في تفسيره فإنه بعث وأهل الأرض كلهم كفار ما بين عباد أوثان ويهود ونصارى وصابئة ودهرية لا يعرفون ربًا ولا معادًا أو من عباد الكواكب والنار وفلاسفة لا يعرفون شرائع الأنبياء ولا يقررون بها فمحاها برسوله حتى أظهر دينه على كل دين وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار وسارت دعوته مسير الشمس في الأفطار، انتهى، وبعضه بالمعنى.

قوله وأهل الأرض كلهم كفار لا يرد عليه إلياس والخضر لأنهما لما لم يخالطا أهل الأرض لم يعدا من أهلها ولا المتمسكون بما لم يبدل من الشرائع لقتلهم جدًا فكأنهم لا وجود لهم. وقوله وصابئة قال في الكشاف قوم خرجوا من اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة وقال غيره طائفة تميل إلى النصارى واعتقدوا تأثير الأفلاك وقدم العالم وألوهية الشمس وأنكروا الرسالة في البشر والدهرية بفتح الدال انظر الزرقاني.

بكل ما له من الأسماء

أدعوك يا معلم الأسماء

لما توسل الناظم رحمه الله تعالى بما ذكر من أسمائه، صلى الله تعالى عليه وسلم، على الخصوص توسل بجميع ما له من الأسماء في علم الله تعالى وذلك مظنة الإجابة. وقوله يا معلم الأسماء هو الله تعالى ويحتمل أن يريد تعليمه تعالى أسماء المسميات لمن عرفها له من خلقه على العموم إذ لم يعلم مخلوق شيئًا ولا يعلمه إلا بتعليم الله له، ذلك {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} ويحتمل أن معناه يا

ص: 469

معلم أسماء كل شيء، لآدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام، كما قال:{وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} .

قال الثعالبي وعلم، معناه وعرف وتعليم آدم هنا عند قوم الهام علمه ضرورة وقال قوم بل تعليم بقول، أما بواسطة ملك أو بتكليم قبل هبوطه إلى الأرض فلا يشارك موسى عليه السلام في خاصيته، انتهى.

وقوله الأسماء أي جميع أسماء بني آدم وأسماء أجناس الأشياء كالفرس والشجرة وغير ذلك قال ابن جزي، وقال البغوي علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة، انتهى. وقال في الذهب الأسماء كلها حتى القصعة والقصيعة والفسوة والفسية، والمعرفة بأن ألقى في قلبه معرفتها فلما تفرق أولاده تكلم قوم بلسان أحبوه وتناسوا غيره، انتهى، نقله الوالد حفظه الله تعالى في الريان.

فلا تخيب سيدي رجاء

فيك وظني فاستجب دعاء

خاب، يخيب خيبة حرم ولم ينل ما طلب وخيبه الله الرجاء قال الشادلي في شرح خطبة الرسالة تعلق القلب بمطموع يحصل في المستقبل مع الأخذ في عمل محصل له وإن تجرد عن العمل فهو طمع وهو قبيح والرجاء حسن، انتهى.

وقوله بمطموع أي دنيوي أو أخروي ولا يخفى أن اتصافه بكونه مطموعًا إنما هو بعد التعلق ففي العبارة مجاز وقوله وهو قبيح أي شرعًا إن كان المطموع مأمورًا أو عرفًا إن كان دنيويًا انظر العدوي. وقوله إن كان المطموع مأمورًا أي إن كان سببه مأمورًا كالجنة مثلًا، فسببها وهو العبادة مأمور به، وقوله وظني أي حسن ظني فيك وهو أن تنيلني ما سألتك.

ص: 470

يا رحمة للعالمين إنني

بك استعنت للذي أهمني

قوله يا رحمة بالنصب لأنه شبيه بالمضاف واستغاث به، طلب بجاهه، أن يغاث وأهمني معناه أحزنني، وقوله رحمة للعالمين من أسمائه، صلى الله تعالى عليه وسلم، ذكره غير واحد وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} قال الزرقاني في شرح المواهب فهو رحمة لجميع الخلق المؤمن بالهداية والمنافق بالأمن من القتل والكافر بتأخير العذاب عنه، انتهى. ونحوه للمناوي وزاد ولجميع الحيوانات لأن بوجهه يستسقى الغمام وبدعائه ينزل قطر السماء فينبت النبات وبكون لها سقيًا ورعيًا، وروى أن المصطفى قال لجبريل هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟ قال نعم. كنت خائفًا فأمنت.

ويا رؤوفا ورحيما أنت من

نفسي أولى بي فخذها وارتهن

هذان اسمان من أسمائه، صلى الله تعالى عليه وسلم، ومعنى البيت يا رسول الله أنت أولى بي من نفسي أي أحق بي منها فخذها وارتهنها أي خذها رهنًا عندك يقال ارتهن إذا أخذ رهنًا، وقوله أنت أولى بي من نفسي قال الله تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} . ومعنى الرؤوف شديد الرحمة وبليغها والرحمة رقة القلب وهو، صلى الله تعالى عليه وسلم، أرحم الخلق، وأعطفهم وأشفقهم وأرقهم قلبًا قال تعالى:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} . قال أبو عبيدة الرأفة أرق من الرحمة إذ هي رقة القلب والرأفة أشد الرحمة وأبلغها انتهى. وقيل معنى الآية رؤوف بالمطيعين رحيم بالمذنبين يستغفر لهم ويتجاوز عن سيئاتهم إلا في الحدود، ومع إقامتها عليهم يمنع من آذاهم ثم هو في قبره عليه الصلاة والسلام تعرض عليه أعمال أمته فيستغفر لهم ثم هو يوم القيامة همه أمته فيشفع لهم حتى لا يبقى منهم أحد في النار وهذان الاسمان مما سماه الله تعالى به من أسمائه الحسنى لكنها بهذا المعنى من المحال عليه فتؤول باللازم وهو إرادة الخير لأهله وإعطاء ما لا

ص: 471

يستحقه العبد من الثواب ودفع ما يستوجبه من العقاب، قاله الزرقاني والرؤوف يستعمل بحذف الواو، قال جرير:

كفعل الوالد الرؤوف الرحيم.

وللعراقي:

وهو المسمى بنبي الرحمة في مسلم وبنبي التوبة وفيه أيضًا بنبي الملحمه وفي رواية نبي المرحمه والمتوكل النبي الأمي والرؤوف الراحم أي رُحْم انتهى المراد منه.

ولست أبتغي فكاك الرهن

يا حبذا إن صح حوز العين

ابتغاه طلبه، وفك الرهن فكًا وفكوكًا خلصه كافتكه، والأسير فكًا وفكاكًا وقد يكسر خلصه وفكاك الرهن ويكسر ما يفتك به، قاله في القاموس ويا الداخلة على حبذا للتنبيه لا للنداء.

قال الدماميني قال المصنف لأن قائل أحد الثلاثة قد يكون وحده كالقول مريم يا ليتني مت قبل هذا، انتهى.

ويعني بالثلاثة ليت ورب وحبذا، ومقتضى القاموس أن قول الناظم فكاك اسم عين لا مصدر ومعنى البيت أن الناظم لما سأل من المصطفى، صلى الله تعالى عليه وسلم، أن يأخذ نفسه تكون عنده رهنًا أخبر أنه لا يحب أن يجد ما يخلص به نفسه من الرهينة بل يحب أن يحوز مع نفسه ذاته عنده عليه السلام إن كان يصح حوز العين أي الذات ونبه أصحابه على أن ذلك محبوب عنده، انتهى.

يا ليت حر الوجه مني كانا

لوطإ نعل المصطفى مكانا

ثم استشعر أنه لا يملك نفسه مع الله تعالى حتى يرهنها فأخبر أنه قد أساء الأدب حيث رهن ما لا يملك فقال:

هذا وقد أسأت في ارتهان

ما ليس لي يا مالك الأعيان

ص: 472

رهن الشيء كمنع وأرهنه جعله رهنًا وارتهن منه أخذه قاله في القاموس. والناظم استعمل مصدر ارتهن بمعنى وضع الرهن كما هو ظاهر، وهذا خبر مبتدأ محذوف أي الأمر هذا، ثم قال: وقد أسأت أي فعلت سيئًا في جعلي ما لست أملكه- وهو نفسه- رهنًا وخاطب المولى تبارك وتعالى فقال: يا مالك الأعيان: الذوات كلها، فالـ استغراقية وهو مالك الأعيان والأعراض والمتعالي في أفعاله وأحكامه عن أن يتصف بالأعراض.

فامنن على عبد العزيز الجان

بالعفو والرحمة والغفران

من عليه منا أنعم والجاني المذنب لأنه جنى على نفسه وهذا هضم منه لنفسه وتواضع. أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، أي أقر واعترف فأغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت والعفو عدم المؤاخذة بالذنب وكذا الغفران والرحمة النعمة أي أنعم يا الله على المؤلف الذي هو عبد العزيز اللمطي بغفران الذنوب ودخول الجنة، آمين يا رب العالمين واغفر لنا وله ولجميع المسلمين.

(وصل يا رب على المختار) أي المفضل على جميع الحوادث بلا خلاف، (وآله وصحبه الأبرار) جمع بر وهو المطيع والكريم، أي وصل على آله أي أقاربه المؤمنين وهم بنو هاشم إجماعًا وقال الشافعي وبنو المطلب بن عبد مناف، وقال اصبغ هم كل من خرج من لؤي وقيل هم أتباعه وأصحابه، كل من آمن به واجتمع معه ومات على دينه.

فائدة:

اختلف في عدة الصحابة الذين توفي صلى الله تعالى عليه وسلم عنهم فقيل مائة ألف وعشرون ألفًا وقيل ألف وأربعة عشر ألفًا وقيل كانوا ثمانين ألفًا، قال المناوي والتحديد بعيد بل هو كالمتعذر مع تفرق

ص: 473

الصحب في الأفطار والبوادي والبرارى والمقرى والأمصار، انتهى المراد منه.

قد تم نظم قرة الأبصار

بحول رب ماجد غفار

الحول الإعانة والماجد والمجيد الرفيع العالي والكريم والغفار كثير المغفرة للذنوب. (في غرة الشهر) أي أوله والمجرور يتعلق بتم (الأغر) وصفه بذلك لإشراقه بظهور ذاته، صلى الله تعالى عليه وسلم، (مولد اسمى الورى) أي أعلاهم مقامًا، نبينا محمد، صلى الله تعالى عليه وسلم تسليمًا، (بطيبة) متعلق أيضًا بتم وطيبة من أسماء المدينة المنورة (الغراء) أي الحسناء المنيرة ووصفها بذلك لإشراقها بنور المصطفى، صلى الله تعالى عليه وسلم، (دار المصطفى، صلى عليه ربنا وشرفا وإله وصحبه ومن تلا) أي تبع (منهاجهم) أي طريقتهم (من الأنام) كسحاب وساباط وأمير الخلق (مسجلا) أي مطلقا.

يوقل جامعه العبد الفقير إلى رحمة ربه اللطيف القدير المالكي الأشعري عبد القادر بن محمد بن محمد سالم المجلسي أعلى الله تعالى في الدارين رتبتهم بجاه ذي المقام السمي النبي العربي القرشي الزمزمي، نبينا وحبيبنا ومولانا وقرة أعينا ومقتفانا صلى الله تعالى عليه وسلم أتم صلاة وأزكى سلام ما أنيل من توسل بجاهه أقصى المرام ونتوسل إلى الله به أن يرزقنا نحن وأحبتنا حسن الختام والحلول عقب الموت في دار السلام قد انتهى ما أردت جمعه من شرح قرة الأبصار المسمى بنزهة الأفكار على حسب ما أردنا من البيان الذي قصدناه ولم آل جهدًا في تهذيبه وتنقيحه وتبيينه لكلام المؤلف وتوضيحه لكن من هو مثلي من أبناء الزمان عرضة للخطأ والنسيان مع أني لم أجد لها شرحًا يحل مشكلًا ويفصل مجملًا أو يحل مقفلًا، جعله الله تعالى بمنه

ص: 474

من الأعمال الناجحة في الآخرة والحمد لله أوله وآخره، الحمد لله على ما أسبغ علينا من نعمه وأولاه وأتحفنا به من آلائه وأسداه، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، يا الله يا أرحم الراحمين ويا عفو عن المذنبين ويا مالك الخلائق أجمعين أغفر لنا ولوالدينا ولأشياخنا ولذريتنا وأحبتنا ولجميع المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه والتابعين.

وكان الفراغ من تأليف هذا الكتاب يوم الخميس الموفي عشرين من شوال عام إحدى وثلاث مائة بعد الألف، عرفنا الله تعالى خيره ووقانا شره وضيره آمين، آمين، آمين.

رب وقفني فلا أعدل عن

سنن الساعين في خير سنن

انتهى.

ص: 475