الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشفا وشرحه.
ومن ذلك أن عبد الله بن عتيك الأنصاري لم قتل أبا رافع بن أبي الحقيق نزل من درج أبي رافع قال فانتهيت إلى درجة له فوضعت رجلي وأنا أرى أني قد انتهيت إلى الأرض فانكسرت ساقي فعصبتها بعمامة، وفي رواية فأخبر أصحابه بقتله فحملوه فلما وصل إلى النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، مسح رجله قال ابن عتيك، فكأني لم أشكها.
ومن ذلك ما وقع لعتبة بضم المهملة وسكون الفوقية ابن مرقد السلمي فإنه أصابته الشرى فأقعده النبي عليه السلام بين يديه قال فألقيت ثوبي على عورتي فنفث عليه السلام في يديه ثم دلك بها الأخرى ثم أمرها على ظهري وبطني فبرئ وبقي بعد ذلك بعتبة طيب عجيب وكان له ثلاث نسوة وما منهن واحدة إلا تجتهد في التطيب لتكون أطيب ريحاً من صاحبتها،
وكان عتبة أطيب منهن ريحاً مع أنه لا يمس طيباً
، والشرى بفتح الشين المعجمة بعدها راء مهملة مقصورة قروح صغار حمر، حكاكة، مكربة، كما في القاموس ذكر هذه القصة جسوس في أول شرح الشمائل.
(بل فار منها الماء لما ظمئوا
…
حتى ارتوى الأصحاب بل توضؤوا)
فار الماء يفور نبع وجاش وظهر مرتفعاً، وبل هنا للانتقال دون إبطال ما قبلها وظمئ كفرح، ظمئاً وظمئاناً عطش أو أشد العطش، قاله في القاموس. وارتوى وروى بمعنى وضمير منها عائد على الراحة في البيت قبله يعني أن من معجزاته، صلى الله تعالى عليه وسلم، نبع الماء من راحته الشريفة حين عطش أصحابه، فشربوا حتى رووا وتوضئوا ووقع ذلك منه مراراً.
وفي المواهب قال القرطبي قصة نبع الماء بين أصابعه، صلى الله تعالى عليه وسلم، قد تكررت منه في عدة مواطن، في مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة، يفيد مجموعها العلم القطعي انتهى.
وقال في الشفا هذه القصة رواها الثقاة من العدد الكثير والجم الغفير
عن الكافة متصلة بالصحابة انتهى المراد منه.
وفي المواهب لم يسمع بهذه المعجزة عن غيرها نبينا، صلى الله تعالى عليه وسلم، حيث نبع الماء من بين عظمه وعصبه ولحمه ودمه قال الملزمي ونبع الماء من بين أصابعه أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر حيث ضربه موسى بالعصا لأن خروج الماء من الحجارة معهود قال تعالى:{وإن من الحجارة لما يتفجر منها الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء} . وقال الشاعر:
إن كان موسى سقي الأسباط من حجر فإن في الكف معنى ليس في الحجر وفي الصحيحين عن أنس حانت صلاة العصر فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه فأتى رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، بوضوء فوضع يده في ذلك الإناء فأمر الناس أن يتوضئوا منه فرأيت الماء ينبع أي بتثليث الموحدة من بين أصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا من عند آخرهم. وفي لفظ للبخاري كانوا ثمانين رجلاً. وفي لفظ له فقلنا لأنس كم كنتم؟ قال كنا ثلاثمائة. قال النووي من هنا بمعنى إلى وهي لغة المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الآخر. وقوله بوضوء بفتح الواو وروي المهلب أنه قدر وضوء رجل واحد وعن أنس كنت مع النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، في غزوة تبوك فقال المسلمون يا رسول الله عطشت دوابنا وإبلنا فقال هل من فضلة ماء فجاء رجل بشيء من ماء في شن، فقال هاتوا صحفة فصب الماء ثم وضع راحته أي كفه مع أصابعه في الماء، قال أنس فرأيتها تتخلل عيوناً بين أصابعه فسقينا إبلنا ودوابنا وتزودنا فقال أكفيتم قلنا نعم يا رسول الله فرفع يديه فارتفع الماء والشن بفتح المعجمة والنون الثقيلة القربة البالية وعيوناً تتميز محول عن الفاعل أي تتخلل عيونها أي تنفذ والضمير في رأيتها للصحفة انظر الزرقاني. وعن سالم بن أبي الجعدي عن جابر عطش الناس يوم الحديبية وكان بين يديه، صلى الله تعالى عليه وسلم، ركوة فتوضأ منها وأقبل الناس نحوه فقالوا ليس عندنا ماء إلا ما في ركوتك فوضع، صلى الله تعالى عليه وسلم، يده في الركوة فجعل الماء يفور من
بين أصابعه كأمثال العيون، فقلت كم كنتم؟ قال لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمسة عشرة مائة انتهى.
وعطش كفرح والحديبية بالتخفيف، وتشديد بئر بين مكة وجدة والركوة بتثليث الراء إناء من جلد يتوضأ فيه نحو الإبريق ذكره الدلجي وهو غير ملائم لوضع اليد فيه اللهم إلا أن يقال المراد به وضع اليد على فيه عند خروج الماء وفي التلمساني أنها للماء من الأدم كالتور يتوضأ منه انظر ابن سلطان، ومن ذلك حديث ابن مسعود كنا مع النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، في سفر وقل الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال حي على الطهور المبارك والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، قال غير واحد والحكمة في طلبه، صلى الله تعالى عليه وسلم، فضلة الماء في هذه المواطن ليلاً يظن أنه الموجد للماء، ففعل ذلك، ولم يخرجه من غير ملابسة ماء ولا وضع إناء تأدباً مع الله تعالى إذ هو المنفرد بابتداع المعدومات على غير مثال سبق.
فائدتان:
- الأولى: اختلف في كيفية نبع الماء المذكور فذهب أكثر العلماء إلى أنه يخرج من ذات أصابعه عليه السلام، قال القسطلاني وهذا هو الصحيح، وذهب بعضهم إلى أن الماء كثر في ذاته فسار يفور أي ظهر مرتفعاً من بين أصابعه.
- الثانية هذا الماء أشرف من جميع المياه كما قاله البلقيني وغيره. قال السيوطي:
(وأفضل المياه ماء قد نبع
…
بين أصابع النبي المتبع)
(يليه ماء زمزم فالكوثر
…
فنيل مصر ثم باقي الأنهر)
انظر الزرقاني:
(ومطروا سبتاً إذا استسقينا
…
بها وأقلعت إذا استصحينا)
قوله مطروا بصيغة المجهول أي أرسل الله تعالى عليهم المطر، وهو ثلاثي وهو بمعنى الرباعي. وقال بعضهم الثلاثي في الرحمة والرباعي في الرحمة، وسبتاً بفتح المهملة وسكون الموحدة أي أسبوعاً، وإذا بالكسر لالتقاء الساكنين ظرف زمان للمضي في الموضعين والاستسقاء طلب السقي والضمير في قوله بها للراحة، ويعني بالاستسقاء بها رفعه عليه السلام لها في الاستسقاء كما يأتي. وأقلعت كفت مبني للفاعل وفاعله يعود على السحاب المفهوم من السياق، والاستصحاء طلب الصحو وهو هنا انكشاف السحاب، ومعنى البيت أن من معجزاته، صلى الله تعالى عليه وسلم، أن الناس لما قحطوا جاءه رجل فسأله السقي، وكان يخطب يوم الجمعة، رفع عليه السلام يديه وقال {اللهم اسقنا} ثلاثاً، وفي رواية اللهم أغثنا وما في السماء قزعة إذ ذاك، فأرسل الله عليهم المطر من الجمعة إلى الجمعة فلم يروا الشمس سبتاً أي أسبوعاً، فلما كانت الجمعة الثانية جاءه ذلك الرجل أو غيره فسأله أن يدعو الله أن يكشفها عنهم فدعا فانكشفت عن المدينة وخرجوا يمشون في الشمس والحديث في الموطأ والبخاري وغيرهما.
ففي البخاري عن أنس أن رجلاً دخل المدينة يوم الجمعة ورسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، قائم يخطب ثم قال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، يديه ثم قال اللهم أغثنا ثلاثاً.
قال أنس فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس ولما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتاً، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة يعني الثانية ورسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، قائم يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يمسكها عنا، قال فرفع، صلى الله تعالى عليه وسلم، يديه ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام
والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر، قال فأقلعت وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك سألت أنس بن مالك أهو الأول فقال ما أدري.
قوله هلكت الأموال أي المواشي وانقطعت السبل أي الطرق، فلم تسلكها الإبل لهلاكها أو ضعفها من ثلة الكلإ أو بعدم الأقوات فلم يوجد ما يحمل عليها، ويغيثنا بضم أولها من أغاث أي أجاب وبفتحه من غاث أي انزل المطر، والسحاب المزن المجتمع، والقزعة بالتحريك وتسكن القطعة الرقيقة من السحاب، كأنها ظل إذا مرت تحت السحاب الكثير، وخصها بعضهم بزمن الخريف، وقوله من ورائه أي سلع، والترس الدرقة وسبتا بفتح السين المهملة وسكون الموحدة أي أسبوعا وفي رواية ستاً أي ستة أيام ولا تنافي بينهما فمن قال ستاً ألغى الكسر ومن قال سبتاً أضاف إلى الستة يوماً ملفقاً من الجمعتين. ولأبي ذر عن الكشميهيني سبعاً بالعين بعد الموحدة وقوله هلكت الأموال أي بسبب غير الأول وهو كثرة الماء المانعة لها من الرعي وانقطاع السبل لتعذر سلوكها من كثرة المطر وقوله يمسكها أي السحابة بالجزم جواب الأمر وحوالينا أي أنزله حولنا ولا تنزله علينا حيث نستضر به ولم يطلب رفعه بالكلية لأنه رحمة، وهذا من حسن الأدب في الدعاء، والإكام بكسر الهمزة وبفتحها مع المد جمع أكمة بالتحريك وهي ما دون الجبل وأعلى من الرابية، والظراب ككتاب جمع ظرب ككتف جبل منبسط بالأرض، أو الروابي الصغار دون الجبال، وبطون الأودية المواضع التي يستقر بها الماء ويبقى ومنابت الشجر أي المواضع التي ينبت بها الشجر، وأقلعت بفتح الهمزة أي كفت، السحابة الماطرة عن المدينة انتهى من النهر الجاري في شرح البخاري للوالد حفظ الله تعالى.
(ومن عليه أوله دعوتا
…
أصاب في الحالين ما سألتا)
يعني أن من معجزاتك يا رسول الله أن كل من دعوت له بخير أو كل من دعوت له بشر أصاب ما سألت له من خير أو شر، لإجابة دعائك. والحال تقال للوصف وللزمن وتصح هنا إرادة كل منهما، أي نال ذلك في وقت دعائك له أو عليه، وتكون في ظرفية أو ناله كان على أي صفة من
كونه محبوباً مدعواً له أو مبغضاً مدعواً عليه والعياذ بالله تعالى، وتكون في للمصاحبة والأول أظهر والله تعالى أعلم قاله القاضي عياض في الشفا.
وهذا باب واسع جداً وإجابة دعوته، صلى الله تعالى عليه وسلم، لجماعة بما دعا لهم أو عليهم أمر متواتر في الجملة معلوم ضرورة. وقوله في الجملة أي لا على التفصيل وفي البخاري أنه دعا لأنس بن مالك فقال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما آتيته. قال أنس فوالله إن مالي لكثير، وإن ولدي وولد ولدي ليعادون اليوم على نحو المائة.
وفي رواية للصحيحين يدون النساء، وفي رواية وما أعلم أحداً أصاب اليوم من رخاء العيش ما أصبت. ولقد دفنت بيدي هاتين مائة من ولدي، لا أقول سقطاً، ولا ولد ولد، قوله يعادون بضم الياء وشد الدال أي يعد بعضهم بعضاً ويزيدون. وفي رواية عنه دفن لصلبي مقدم الحاج البصرة عشرون ومائة، قيل وكان مقدمه سنة خمس وتسعين واستدل بعضهم بدعائه عليه السلام لأنس علي تفضيل الغني على الفقر وأجيب بأنه مختص بدعائه عليه السلام وبأنه قد بارك فيه فلم يكن فيه فتنة ولم يحصل بسببه مضرة انتهى من ابن سلطان. ودعا لعبد الرحمن بن عوف بالبركة ففتح الله عليه ومات فحفر الذهب من تركته بالفؤوس حتى مجلت فيه الأيدي بفتح الجيم وتكسر أي تقطعت وأخذت كل زوجة من زوجاته ثمانين ألفاً وكن أربعاً، وقيل مائة ألف، وقيل بل صولحت إحداهن لأن طلقها في مرضه بنيف، بشد التحتية وسكونها وثمانين ألفاً وأوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله وأوصى بألف فرس في سبيل الله، وأوصى لأمهات المؤمنين بحديثة بيعت بأربعمائة ألف، وأوصى لمن بقي من أهل بدر لكل رجل بأربعمائة دينار، وكانوا مائة، فأخذوها وهذا مع صدقاته الفاشية في حياته: اعتق يوماً ثلاثين عبداً وتصدق مرة بعير فيها سبعمائة بعير تحمل من كل شيء وتصدق بها وبما عليها وبأقتابها وأحلاسها، وتصدق مرة بشطر ماله أربعة آلاف ثم