الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء. فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السّماء، يأتيني خبر السّماء صباحا ومساء؟» قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين «1» ، ناشز الجبهة «2» كثّ اللّحية، محلوق الرّأس، مشمّر الإزار. فقال: يا رسول الله اتّق الله! قال: «ويلك: أولست أحقّ أهل الأرض أن يتّقي الله؟» قال: ثمّ ولّى الرّجل. قال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: «لا؛ لعلّه أن يكون يصلّي» . فقال خالد: وكم من مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي لم أومر أن أنقّب قلوب النّاس «3» ولا أشقّ بطونهم» . قال: ثمّ نظر إليه وهو مقفّ «4» فقال: «إنّه يخرج من ضئضىء «5» هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة» . وأظنّه قال: «لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتل ثمود «6» » ) * «7» .
30-
* (عن عائشة- رضي الله عنها قالت:
كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان قطريّان غليظان. فكان إذا قعد فعرق، ثقلا عليه، فقدم بزّ «8» من الشّام لفلان اليهوديّ. فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرة. فأرسل إليه فقال: قد علمت ما يريد. إنّما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذب. قد علم أنّي من أتقاهم لله وآداهم للأمانة» ) * «9» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (الأمانة)
1-
* (عن زيد بن ثابت قال: بعث إليّ أبو بكر لمقتل أهل اليمامة، وعنده عمر. فقال أبو بكر:
إنّ عمر أتاني، فقال: إنّ القتل استحرّ «10» يوم القيامة بقرّاء القرآن، وإنّي أخشى أن يستحرّ القتل بقرّاء القرآن في المواطن كلّها فيذهب قرآن كثير، وإنّي أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني في ذلك حتّى شرح الله صدري للّذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الّذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: وإنّك رجل شابّ عاقل
(1) مشرف الوجنتين: أي غليظهما. والوجنتان تثنية وجنة وهي ما ارتفع من لحم الخد.
(2)
ناشز الجبهة: أي مرتفعها.
(3)
لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس: أي أفتش وأكشف.
(4)
وهو مقفّ: أي ذهب موليا وكأنه من القفا أي أعطاه قفاه وظهره.
(5)
ضئضىء هذا: هو أصل الشيء. وهو بالمعجمتين والمهملتين.
(6)
قتل ثمود: يعني الاستئصال.
(7)
البخاري- الفتح 7 (4351) واللفظ له، مسلم (1064) .
(8)
البزّ: الثياب وقيل: ضرب من الثياب. لسان العرب «بزز» .
(9)
الترمذي 3 (1213) وقال: حديث حسن غريب صحيح، والنسائي 7/ 294) ، البيوع: باب البيع إلى أجل معلوم، وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 660) : إسناده صحيح.
(10)
استحر: اشتد وحمى.
لا نتّهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبّع القرآن فاجمعه. قال زيد: فو الله لو كلّفني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل عليّ ممّا كلّفني من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو بكر: هو- والله- خير، فلم يزل يحثّ مراجعتي حتّى شرح الله صدري للّذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت في ذلك رأيا. فتتبّعت القرآن أجمعه من العسب «1» والرّقاع واللّخاف «2» وصدور الرّجال فوجدت آخر سورة التّوبة لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ إلى آخرها مع خزيمة أو أبي خزيمة- فألحقتها في سورتها. وكانت الصّحف عند أبي بكر حياته حتّى توفّاه الله- عز وجل ثمّ عند عمر حياته حتّى توفّاه الله، ثمّ عند حفصة بنت عمر» ) * «3» .
قال محمّد بن عبيد الله: اللّخاف: يعني الخزف» ) *
2-
* (عن عائشة- رضي الله عنها قالت:
3-
* (عن عبد الله بن عبّاس- رضي الله عنهما قال: أنا أوّل من أتى عمر حين طعن. فقال:
احفظ عنّي ثلاثا، فإنّي أخاف أن لا يدركني النّاس، أمّا أنا فلم أقض في الكلالة «5» قضاء. ولم أستخلف على النّاس خليفة. وكلّ مملوك له عتيق. فقال له النّاس: استخلف. فقال: أيّ ذلك أفعل فقد فعله من هو خير منّي: أن أدع إلى النّاس أمرهم فقد تركه نبيّ الله عليه الصلاة والسلام، وأن أستخلف فقد استخلف من هو خير منّي، أبو بكر، فقلت له أبشر بالجنّة، صاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطلت صحبته.
وولّيت أمر المؤمنين فقويت، وأدّيت الأمانة. فقال:
أمّا تبشيرك إيّاي بالجنّة، فو الله لو أنّ لي- قال عفّان:
فلا والله الّذي لا إله إلّا هو لو أنّ لي الدّنيا بما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم الخبر.
وأمّا قولك في أمر المؤمنين، فو الله لوددت أنّ ذلك كفافا لا لي ولا عليّ، وأمّا ما ذكرت من صحبة نبيّ الله صلى الله عليه وسلم فذلك» ) * «6» .
4-
* (عن أبي رافع: أنّ عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه كان مستندا إلى ابن عبّاس وعنده ابن عمر، وسعيد بن زيد، فقال: اعلموا أنّي لم أقل في الكلالة شيئا، ولم أستخلف من بعدي أحدا وأنّه من أدرك وفاتي من سبي العرب، فهو حرّ من مال الله- عز وجل فقال سعيد بن زيد: أما إنّك لو أشرت برجل
(1) العسب: جريد النخل.
(2)
اللخاف: حجر رقيق محدّد.
(3)
البخاري- الفتح 13 (7191) .
(4)
البخاري- الفتح 4 (2070) .
(5)
الكلالة: أن يموت المرء وليس له والد أو ولد يرثه، بل يرثه ذوو قرابته وفي التنزيل العزيز يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ....
(6)
أحمد (1/ 47) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 295) : إسناده صحيح، وأصل الحديث في البخاري.
من المسلمين لائتمنك النّاس. فعل ذلك أبو بكر وأتمنه النّاس، فقال عمر: قد رأيت من أصحابي حرصا سيّئا، وإنّي جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النّفر السّتّة الّذين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض.
ثمّ قال عمر: لو أدركني أحد رجلين، ثمّ جعلت هذا الأمر إليه لوثقت به: سالم مولى أبي حذيفة، وأبو عبيدة بن الجرّاح» ) * «1» .
5-
* (قال ابن عبّاس- رضي الله تعالى عنهما-: «القرآن أمين على كلّ كتاب قبله» ) * «2» .
6-
* (قال ابن عبّاس- رضي الله عنهما: «لم يرخّص الله لمعسر ولا لموسر أن يمسك الأمانة» ) * «3» .
7-
* (عن أبي عبد الله بن سالم بن سبلان قال: «وكانت عائشة تستعجب بأمانته وتستأجره.
فأرتني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضّأ
…
الحديث» ) * «4» .
8-
* (عن عبد الله بن الزّبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: لمّا وقف الزّبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه، فقال: يا بنيّ لا يقتل اليوم إلّا ظالم أو مظلوم، وإنّي لا أراني إلّا سأقتل اليوم مظلوما، وإنّ من أكبر همّي لديني، أفترى يبقي ديننا من مالنا شيئا؟ فقال: يا بنيّ بع مالنا، فاقض ديني. وأوصى بالثّلث، وثلثه لبنيه يعني بني عبد الله بن الزّبير، يقول: ثلث الثّلث- فإن فضل من مالنا فضل بعد قضاء الدّين فثلثه لولدك.
قال هشام: وكان بعض ولد عبد الله قد وازى بعض بني الزّبير- خبيب وعبّاد- وله يومئذ تسعة بنين وتسع بنات. قال عبد الله: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بنيّ إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي. قال:
فو الله ما دريت ما أراد حتّى قلت: يا أبت من مولاك؟
قال: الله. قال: فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلّا قلت: يا مولى الزّبير اقض عنه دينه، فيقضيه. فقتل الزّبير- رضي الله عنه ولم يدع دينارا ولا درهما، إلّا أرضين منها الغابة، وإحدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا بالكوفة، ودارا بالكوفة، ودارا بمصر. قال: وإنّما كان دينه الّذي عليه أنّ الرّجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إيّاه، فيقول الزّبير: لا، ولكنّه سلف، فإنّي أخشى عليه الضّيعة. وما ولي إمارة قطّ ولا جباية خراج ولا شيئا إلّا أن يكون في غزوة مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو مع أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عنهم قال عبد الله ابن الزّبير فحسبت ما عليه من الدّين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف، قال: فلقي حكيم بن حزام عبد الله ابن الزّبير. فقال: يا ابن أخي: كم على أخي من الدّين؟
فكتمه فقال: مائة ألف. فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تسع لهذه. فقال له عبد الله: أرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا،
(1) مسند الإمام أحمد (1/ 20) وقال الشيخ أحمد شاكر (1/ 212) : إسناده صحيح.
(2)
البخاري- الفتح (8/ 619) كتاب فضائل القرآن في أوله.
(3)
تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن (5/ 265) ، ويمسك الأمانة بمعنى يأخذها ويأكلها.
(4)
النسائي (83) الطهارة (1/ 72، 73)، وقال محقق جامع الأصول (7/ 160) : وفي سنده عبد الملك بن مروان بن أبي ذباب، لم يوثقه غير ابن حبان وباقي رجاله ثقات.