الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوسّع له في رزقه) ، ويقال: أحرمت عن الشّيء، إذا أمسكت عنه، وذكر الزّجّاجيّ عن اليزيديّ أنّه قال:
سألت عمّي عن قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: (كلّ مسلم عن مسلم محرم) قال المحرم: الممسك، ومعناه أنّ المسلم ممسك عن مال المسلم وعرضه «1» .
وعليه؛ فالحرمات جمع حرمة، وهي ما يجب احترامه وحفظه من الحقوق والأشخاص، والأزمنة والأماكن، وتعظيمها: توفيتها حقّها وحفظها عن الإضاعة «2» .
الحرمات اصطلاحا:
يراد بالحرمة اصطلاحا: الحكم بطلب ترك فعل ينتهض فعله سببا للعقاب، وهي بذلك ترادف التّحريم أمّا الفعل الّذي وقع عليه في ذلك فيسمّى حراما ومحظورا «3» .
أمّا حرمات الله ففيها أقوال منها:
1-
المراد بها في قول مجاهد: مكّة، والحجّ، والعمرة، وما نهى الله عنه من معاصيه كلّها.
2-
وعن زيد بن أسلم أنّ الحرمات المرادة هنا خمس هي: الكعبة الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام (مكّة المكرمة) ، والشّهر الحرام، والمحرم حتّى يحلّ.
3-
وقال ابن عاشور: حرمات الله تشمل كلّ ما أوصى الله بتعظيم أمره فتشمل مناسك الحجّ كلّها.
تعظيم الحرمات اصطلاحا:
ورد في تعظيم الحرمات أقوال عديدة أهمّها:
1-
قال الطّبريّ ما خلاصته: تعظيم الحرمات يعني اجتناب المرء ما أمر الله باجتنابه في حال إحرامه تعظيما منه لحدود الله أن يواقعها وحرمه أن يستحلّها.
2-
وقال النّيسابوريّ: تعظيم الحرمات: العلم بوجوبها والقيام بحقوقها.
3-
وقال الزّمخشريّ: تعظيم الحرمات: العلم بأنّها واجبة المراعاة والحفظ، والقيام بمراعاتها.
4-
وقال القرطبيّ: الحرمات المقصودة هنا (في الاية الكريمة) هي أفعال الحجّ ويدخل في ذلك تعظيم المواضع «4» .
درجات تعظيم الحرمات:
ويأتي تعظيم الحرمات على درجات ثلاث:
الدّرجة الأولى: تعظيم الأمر والنّهي، بحيث لا يعارضا بترخّص جاف، ولا يعارضا بتشدّد غال، ولا يحمل الأمر والنّهي على علّة توهن الانقياد لهما. وهناك
(1) لسان العرب (ص 847) ، ط. دار المعارف.
(2)
مدارج السالكين (2/ 77) .
(3)
انظر في هذا التعريف وشرحه، كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي (2/ 129 وما بعدها) .
(4)
انظر في هذه الأقوال المراجع الاتية: تفسير ابن كثير (3/ 19) 2، وتفسير الطبري (جامع البيان) ج 17 ص 111، 112، تفسير التحرير والتنوير لابن عاشور 17/ 252، وغريب القرآن للنيسابوري (بهامش الطبري) 17/ 75، والكشاف للزمخشري (3/ 11، 12) ، وتفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) ج 12/ 54.
أمور تنافي تعظيم الأمر والنّهي:
أحدها: التّرخّص الّذي يمنع صاحبه عن كمال الامتثال.
الثّاني: الغلوّ الّذي يتجاوز بصاحبه حدود الأمر والنّهي. الأوّل: تفريط، والثّاني: إفراط.
ومن الأمور الّتي تؤدّي إلى عدم تعظيم الأمر والنّهي: تأويل الأمر والنّهي بعلّة تعود عليهما بالإبطال، كما تأوّل بعضهم تحريم الخمر بأنّه معلّل بإيقاع العداوة والبغضاء، والتّعرّض للفساد، فإذا أمن من هذا المحذور منه جاز شربه.
الدّرجة الثّانية: «تعظيم الحكم أن يبغى له عوج، أو يدافع بعلم، أو يرضى بعوض» .
ومعنى هذا تعظيم الحكم الكونيّ القدريّ بألّا يطلب له عوجا أو يرى فيه عوجا؛ بل يراه كلّه مستقيما، لأنّه صادر عن عين الحكمة، فلا عوج فيه.
ومن كمال التّعظيم أن لا يرضى العبد بعوض يطلبه بعمله وإن طلب ثواب الله وجزاء عمله.
الدّرجة الثّالثة: «تعظيم الحقّ سبحانه، وهو أن لا يجعل دونه سببا، ولا يرى عليه حقّا، أو ينازع له اختيارا» .
وهذه الدّرجة تتضمّن تعظيم الحاكم سبحانه، صاحب الخلق والأمر والّتي قبلها تتضمّن تعظيم قضائه لا مقضيّه، والأولى تتضمّن تعظيم أمره.
وفي هذه الدّرجة يتيقّن المسلم من أنّ الّذي يوصّله إلى الله هو الله، ولا يتوصّل إلى رضاه إلّا به، ما دلّ على الله إلّا الله، ولا هدى إليه سواه. ولا يرى لأحد من الخلق حقّا على الله، بل الحقّ لله على خلقه.
فالحقّ في الحقيقة لله على عبده، وحقّ العبد هو ما اقتضاه جوده وبرّه وإحسانه إليه بمحض جوده وكرمه.
ويعني هذا أن لّا ينازع المسلم اختيار الله بل يرضى بما اختاره له؛ فإنّ ذلك من تعظيم الله ومن تعظيم حرمات الله «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: الإيمان- التقوى الصلاة- الطاعة- الزكاة- الصوم- الحج والعمرة- العبادة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: انتهاك الحرمات ترك الصلاة- العصيان- التفريط والإفراط- الفسوق- الفجور- الفساد] .
(1) مدارج السالكين (2/ 516- 523) بتصرف.