الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثّاني أن يحمل الأمر على بابه، ويكون المعنى: إذا كنت في فعلك آمنا أن تستحيي منه لجريك فيه على سنن الصّواب، وليس من الأفعال الّتي يستحيا منها، فاصنع منها ما شئت «1» ، قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: فالمعنى على الأوّل يكون تهديدا كما في قوله تعالى: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ (فصلت/ 40) ، وعلى الثّاني إذنا وإباحة، ولا يمكن حمل الحديث على المعنيين جميعا لما بين الإباحة والتهديد من المنافاة، واعتبار أحد المعنيين يوجب عدم اعتبار الآخر «2» .
وأضاف الإمام العينيّ إلى هذين معنيين آخرين هما:
1-
معنى الوعيد، أي افعل ما شئت تجاز به.
2-
أنّه على طريق المبالغة في الذّمّ، أي تركك الحياء أعظم ممّا تفعله، قال- رحمه الله تعالى- والحديث للتّنويه بشأن الحياء والحثّ عليه «3» ، وقال ابن سيده: معنى الحديث: أنّ من لم يستح صنع ما شاء على جهة الذّمّ لترك الحياء، وليس يأمره بذلك وإنّما هو أمر بمعنى الخبر «4» .
ويقال رجل حييّ أي ذو حياء، ووزنه فعيل، والأنثى بالهاء، يقال: امرأة حييّة، قال الأزهريّ:
للعرب في هذا الحرف لغتان: استحى الرّجل يستحي، بياء واحدة، واستحيا يستحيي، بياءين، والقرآن نزل بهذه اللّغة الثّانية في قوله عز وجل إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما (البقرة/ 26) .
والثّلاثيّ منه قولهم: حييت منه أحيا، وتقول في الجمع حيوا، كما تقول خشوا ورضوا، ذهبت الياء لالتقاء السّاكنين، وفي حديث البراق (ودنوت منه لأركبه فتحيّا منّي) أي انقبض وانزوى ولا يخلو أن يكون مأخوذا من الحياء على سبيل التّمثيل، لأنّ من شأن الحييّ أن ينقبض، أو يكون أصله: تحوّى أي تجمّع فقلبت واوه ياء، وأمّا قوله عز وجل وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ (القصص/ 4) فمعناه: يستفعل من الحياة أي يتركهنّ أحياء، وليس فيه إلّا لغة واحدة (وهي إثبات الياءين) وحيا النّاقة يقصر ويمدّ لغتان عن اللّيث، وقال الأزهريّ حياء النّاقة والشّاة وغيرهما ممدود، إلّا أن يقصره شاعر ضرورة، وإنّما سمّي حياء من الاستحياء لأنّه يستر من الآدميّ ويكنّى عنه من الحيوان، ويستفحش التّصريح باسمه «5» .
وقال ابن القيّم: الحياء (الّذي هو الاستحياء) مشتق من الحياة، ومن ذلك أيضا: الحيا للمطر، لكنّه مقصور، وعلى حسب حياة القلب، يكون فيه قوّة خلق الحياء، وقلّة الحياء من موت القلب والرّوح فكلّما كان القلب أحيا كان الحياء أتمّ «6» .
الحياء اصطلاحا:
تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به «7» .
(1) النهاية (5/ 471) .
(2)
الدّاء والدّواء (132) .
(3)
نقلا عن فضل الله الصمد للجيلاني (2/ 54) .
(4)
نقلا عن لسان العرب (14/ 218) .
(5)
لسان العرب (14/ 217- 219) ط. بيروت بتصرف واختصار.
(6)
مدارج السالكين (2/ 270) .
(7)
الفتح (1/ 52) .
وقال الجرجانيّ: هو انقباض النّفس من شيء وتركه حذرا عن اللّوم فيه «1» .
ويقال: خلق يبعث على ترك القبح ويمنع من التّقصير في حقّ ذي الحقّ «2» .
وقال الرّاغب: الحياء انقباض النّفس عن القبائح وتركها «3» .
وقال المناويّ: الحياء انقباض النّفس عن عادة انبساطها في ظاهر البدن لمواجهة ما تراه نقصا، حيث يتعذّر عليها الفرار بالبدن.
وقيل: هو التّرقيّ عن المساوىء خوف الذّمّ.
وقيل: هو انقباض النّفس من شيء حذرا من الملام «4» .
وقال الجاحظ: الحياء من قبيل الوقار وهو غضّ الطّرف والانقباض عن الكلام حشمة للمستحيا منه، وهو عادة محمودة ما لم تكن عن عيّ، ولا عجز «5» .
وذكر ابن مسكويه: أنّ الحياء من الفضائل الّتي تدخل تحت العفّة، بل هو أوّلها ثمّ عرّفه بقوله:
الحياء: هو انحصار النّفس خوف إتيان القبائح والحذر من الذّمّ والسّبّ «6» .
وقال ابن علّان: خلق يبعث على ترك القبيح من الأقوال والأفعال والأخلاق يمتنع صاحبه من التّقصير في حقّ ذي الحقّ.
وقيل: هو ملكة راسخة للنّفس توزعها (تدفعها) على إيفاء الحقوق وترك القطيعة والعقوق «7» .
وقال ابن مفلح الحنبليّ: وحقيقة الحياء خلق يبعث على فعل الحسن وترك القبيح «8» .
وقال النّوويّ: روينا عن أبي القاسم الجنيد رحمه الله تعالى- قوله: الحياء رؤية الآلاء (النّعم) ورؤية التّقصير، فيتولّد بينهما حالة تسمّى حياء «9» ، ومعنى هذه العبارة أنّ الحياء: حالة للنّفس تتولّد من رؤية أمرين هما: رؤية النّعم من ناحية ورؤية التّقصير من ناحية أخرى وهذا التّصوّر خاصّ بالحياء من المولى عز وجل.
وقال فضل الله الجيلانيّ: الحياء تغيّر وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يلام به ممّا كان قبيحا حقيقة «10» .
الحييّ من صفات الله- عز وجل:
ومن صفات المولى- عز وجل (الحييّ) كما في الحديث: «إنّ ربّكم حييّ كريم يستحيي من عبده
…
» ومعناه على هذا: المبالغ في الحياء.
(1) التعريفات (94) .
(2)
رياض الصالحين (272) ، (الفتح (1/ 52) .
(3)
مفردات الراغب (140) .
(4)
التوقيف على مهمات التعاريف (150) .
(5)
تهذيب الأخلاق للجاحظ (23) .
(6)
تهذيب الأخلاق في التربية لابن مسكويه (17) باختصار يسير.
(7)
دليل الفالحين (3/ 158) .
(8)
الآداب الشرعية والمنح المرعية (2/ 227) .
(9)
رياض الصالحين (246) .
(10)
فضل الله الصمد (2/ 54) .