الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحكامها، وفي أسرار مخلوقات الله. والذّكر بالجوارح، هو أن تصير مستغرقة في الطّاعات ومن ثمّ سمّى الله الصّلاة ذكرا فقال فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ (الجمعة/ 9) . ونقل عن بعضهم، قال: الذّكر على سبعة أنحاء:
فذكر العينين بالبكاء، وذكر الأذنين بالإصغاء، وذكر اللّسان بالثّناء، وذكر اليدين بالعطاء، وذكر البدن بالوفاء، وذكر القلب بالخوف والرّجاء، وذكر الرّوح بالتّسليم والرّضاء «1» .
وقال ابن القيّم- رحمه الله: وذكر الله يتضمّن ذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه وذكره بكلامه، وذلك يستلزم معرفته والإيمان به وبصفات كماله ونعوت جلاله والثّناء عليه بأنواع المدح. وذلك لا يتمّ إلّا بتوحيده. فذكره الحقيقيّ يستلزم ذلك كلّه ويستلزم ذكر نعمه وآلائه وإحسانه إلى خلقه «2» .
وقال أبو الفرج ابن الجوزيّ: الذّكر يقال على وجهين: أحدهما الذّكر بالقلب. والثّاني: الذّكر باللّسان. وهو في الموضعين حقيقيّ، ويستعار في مواضع تدلّ عليها القرينة «3» .
آداب الذّكر وحكمه:
قال الإمام النوويّ- رحمه الله تعالى-: ينبغي أن يكون الذّاكر على أكمل الصّفات، فإن كان جالسا في موضع استقبل القبلة وجلس متخشّعا متذلّلا بسكينة ووقار، مطرقا رأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز، ولو كان ذلك (أي ترك الذّاكر ذلك) بغير عذر كان تاركا للأفضل، وينبغي أن يكون الموضع الّذي يذكر فيه خاليا نظيفا، ولهذا مدح الذّكر في المساجد والأماكن الشّريفة، وقد جاء عن أبي ميسرة «لا يذكر الله تعالى إلّا في مكان طيّب» ، وينبغي للذّاكر أيضا أن يكون فمه نظيفا، فإن كان فيه تغيّر أزاله بالسّواك (ونحوه) ، وإن كان فيه نجاسة أزالها بالماء، فإن ذكر ولم يفعل، فهو مكروه وليس بحرام، وهو محبوب في جميع الأحوال، إلّا في أحوال ورد الشّرع باستثنائها منها: عند الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجماع وفي حالة الخطبة لمن يسمع صوت الخطيب، وفي القيام في الصّلاة لأنّ عليه الاشتغال بالقراءة، وفي حالة النّعاس، ولا يكره في الطّريق، ولا في الحمّام «4» .
معاني كلمة الذكر في القرآن الكريم:
ذكر أهل التّفسير أنّ الذّكر في القرآن على أوجه منها:
أحدها: الذّكر باللّسان. ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 200) : فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً وغيرها.
الثّاني: الذّكر بالقلب: ومنه قوله تعالى في (آل عمران/ 135) : وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وقيل هو النّدم.
(1) فتح الباري (11/ 212- 213) .
(2)
الفوائد (174) .
(3)
نزهة الأعين النواظر (301) .
(4)
الأذكار النووية ص 17- 18.
الثّالث: الحديث. ومنه قوله تعالى في (يوسف/ 42) : اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ. ومثله:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ (مريم/ 41) ، وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى (مريم/ 51) .
الرّابع: الخبر. ومنه قوله تعالى في (الكهف/ 83) : قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً.
الخامس: العظة. ومنه قوله تعالى في (الأنعام/ 44) : فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ.
السّادس: الوحي. ومنه قوله تعالى في (الصّافات/ 3) : فَالتَّالِياتِ ذِكْراً.
السّابع: القرآن. ومنه قوله تعالى في (الأنبياء/ 50) : وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ.
الثّامن: التّوراة والكتب السّابقة. ومنه قوله تعالى في (النّحل/ 43) : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.
التّاسع: الشّرف. ومنه قوله تعالى في (الزخرف/ 44) : وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ.
العاشر: الطّاعة. ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 152) : فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ. أي أطيعوني أغفر لكم.
الحادي عشر: البيان. ومنه قوله تعالى في (الأعراف/ 63) : أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ.
الثّاني عشر: الصّلوات الخمس. ومنه قوله تعالى في (البقرة/ 239) : فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ.
الثّالث عشر: صلاة الجمعة. ومنه قوله تعالى في سورة (الجمعة/ 9) : فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ.
الرّابع عشر: صلاة العصر. ومنه قوله تعالى في (ص/ 32) : إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي
الخامس عشر: الرّسول. ومنه قوله تعالى في (الطّلاق/ 10، 11) : قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَسُولًا قيل: إنّ أنزل هاهنا بمعنى أرسل.
وهذه الآيات الّتي استشهد بها لهذه المعاني تحتملها وغيرها «1» .
وقال ابن القيّم: جاء الذّكر في القرآن على عشرة أوجه:
الأوّل: الأمر به مطلقا ومقيّدا وذلك كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (الأحزاب/ 41- 42) .
الثّاني: النّهي عن ضدّه من الغفلة والنّسيان كقوله تعالى وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ (الأعراف/ 205) .
الثّالث: تعليق الفلاح باستدامته وكثرته كقوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الجمعة/ 10) .
(1) نزهة الأعين النواظر (302- 306) ، ونحوه في بصائر ذوي التمييز (3/ 13- 15) .
الرّابع: الثّناء على أهله، والإخبار بما أعدّ الله لهم من الجنّة والمغفرة، كقوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ
…
إلى قوله تعالى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (الأحزاب/ 35) .
الخامس: الإخبار عن خسران من لها عنه بغيره. كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (المنافقون/ 9) .
السّادس: أنّه سبحانه جعل ذكره لهم جزاء لذكرهم له، كقوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (البقرة/ 152) .
السّابع: الإخبار أنّه أكبر من كلّ شيء، كقوله تعالى: اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ وَأَقِمِ الصَّلاةَ.. إلى قوله تعالى: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ (العنكبوت/ 45) .
الثّامن: أنّه جعله خاتمة الأعمال الصّالحة كما كان مفتاحها، وذلك كما ختم به الحجّ في قوله تعالى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً (البقرة/ 200)، وختم به الصّلّاة كقوله فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ (النساء/ 103) . وختم به الجمعة كقوله تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الجمعة/ 10) .
التّاسع: الإخبار عن أهله بأنّهم هم أهل الانتفاع بآياته وأنّهم أولو الألباب دون غيرهم كقوله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ (آل عمران/ 190- 191) ..
العاشر: أنّه جعله قرين جميع الأعمال وروحها، فقد قرنه بالصّلاة كقوله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (طه/ 14) ، وكذلك قرنه بالصّيام وبالحجّ وغيرها «1» .
[للاستزادة: انظر صفات: التسبيح- التكبير التهليل- الثناء- الدعاء- الشكر- الحمد- الحوقلة- التقوى- الطمأنينة.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- الغفلة- اللغو- اللهو واللعب- اتباع الهوى- الغرور- الكبر والعجب- الضلال- السخط] .
(1) مدارج السالكين (2/ 441- 444) .