الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب العتاق
قوله: (والوضع وإن كان للإخبار فقد جعل إنشاء في التصرفات الشرعية للحاجة كما في الطلاق والبيع وغيرهما).
تقدم في أول النكاح أن جعل هذه الألفاظ إنشاءً ليس بحادث، وأن استعمال هذه الألفاظ إخبارًا تارة وإنشاءً أخرى كان قبل الإسلام، وأقره الإسلام على ما كان من الإنشاء والإخبار. والله أعلم.
قوله: (ولو قال هذا ابني وثبت/ على ذلك عتق).
لا يحتاج إلى قوله: وثبت على ذلك، فإنه ليس بقيد، ولو رجع عن ذلك لا يرتفع الإعتاق، وقد اعتذر عن ذلك بأنه خرج اتفاقًا لا على سبيل التقييد، وهذا يقرر الإشكال، وقيل: إنه شرط حتى لا يعتق بدونه، وهذا مخالف
لظاهر المذهب ولما ذكره المصنف بعد ذلك، وقيل: إن المراد أنه لم يدع به الكرامة والشفقة، وهذا خلاف الظاهر أيضًا، وقيل: الثبات لثبوت النسب لا لثبوت الإعتاق، ولا يصح هذا التأويل لأن الكلام هنا لثبوت الإعتاق لا لثبوت النسب، وقيل: معناه وثبت النسب على ذلك أي لأجل إقراره، ولا يصح هذا التأويل أيضًا، لأنه يلزم منه أن يكون قيدًا لثبوت الإعتاق، وليس كذلك، فإن المصنف قال بعد ذلك: وإن كان له نسب معروف لا يثبت نسبه منه للتعذر ويعتق.
قوله: (وإذا قال لغلام -لا يولد مثله لمثله - هذا ابني عتق عند أبي حنيفة إلى آخر المسألة).
قال السروجي: عتق عليه عند أبي حنيفة بغير نية، ذكره في أصول
البزدوي والمنافع، وخرجه أبو الخطاب وجهًا للحنابلة، وعند الجمهور لا يعتق وإن نوى، وعند مالك يعتق بالنية. انتهى.
وينبغي أن يكون قول أبي حنيفة رحمه الله -كقول مالك رحمه الله -في اشتراط النية؛ لأن ما علل له به لا يخرج اللفظ عن كونه كناية، وإذا لم يكن من ألفاظ الصريح فإنه يحتاج إلى النية، فإن قيل: بل هو صريح وإن كان مجازًا فالجواب أن الصريح ما ظهر المراد به ظهورًا بينًا، والكناية ما استتر المراد به ولا يفهم إلا بقرينة، حقيقة كان كل منهما أو مجازًا، وهذا أمر تابع للاستعمال، فرب لفظ صريح عند قوم كناية عند آخرين. ولا شك أن قوله لعبده هذا ابني غير ظاهر في إرادة الإعتاق به فدخوله في حد الكناية أولى وأظهر من دخوله في حد الصريح هذا على تقدير التسليم لصحة المجاز فيه
وإذا كان التمحل لتصحيح كلامه صونًا عن البطلان فصون كلامه يلزم منه تضييع ماله بغير فائدة دنيوية ولا أخروية، أما الدنيوية فظاهر، وأما الأخروية فلأنه لم ينو به الإعتاق فلا يؤخر عليه في الآخرة؛ لأن الأعمال بالنيات وصون ماله أولى من صون كلامه، فإنه لا إثم عليه بهذا اللغو من كلامه، فإن الله لا يؤاخذ باللغو في اليمين فهذا أولى، ويأثم بتضييع المال فإنه قد نهي عن إضاعة المال، وإذا دار الأمر بين منهي عنه ومعفو عنه كان ارتكاب المعفو عنه أولى من ارتكاب المنهي عنه، هذا على تقدير أن يكون لغوًا وأما لو أراد به الكرامة فلا لغو، وهلا صنتم كلامه عن البطلان فيما إذا قال لأمته أنت طالق ونوى به العتق، وستأتي المسألة في كلامه في هذا الباب.
وأصل هذه المسألة على ما ادعاه أهل أصول الفقه مبني على أن المجاز عند أبي حنيفة رحمه الله -خلف عن التكلم بالحقيقة سواء كان معناه الحقيقي متصورًا فيه أو لم يكن وعندهما: المجاز خلف عن حكم ذلك اللفظ بمعنى أن يكون اللفظ موجبًا حقيقته ثم تعذر العمل بحقيقته لمعنى فحينئذ يصار إلى المجاز وهو قول أبي حنيفة الأول وإذا كان المجاز عبارة عما أريد به غير ما وضع له لمناسبة بينهما كما ذكروا في حده فالإرادة إنما تعرف من المتكلم وهو معترف أنه لم تكن له نية فكيف يجعل مجازًا والمتكلم لم يرد به غير ما
وضع له؟! فإن قيل: مثل هذا اللفظ يستعمل في مثل هذا المعنى، فلا يحتاج إلى إرادة المتكلم به في جعله مجازًا.
قيل: الشأن في سبق الاستعمال في مثل هذا الكلام، وغير مسلم ما ذكروا من التنظير بمن مات وترك مكاتبًا فأعتقه الوارث فإنه يكون مجازًا عن الإبراء عن بدل الكتابة لا إعتاقًا من قبله حتى إن الولاء يكون للميت وذلك لأن المكاتب/ غير قابل للنقل من ملك إلى ملك فكان مبقى على ملك المورث وإذا كان كذلك فالإعتاق متى صح أوجب الإبراء، فإذا لم يصح -لأن المحل لا يحتمله من قبله لما ذكر -صار الإعتاق مجازًا عن الإبراء الذي هو حكمه، وبمن تزوج بلفظ الشراء أو الهبة أنه ينعقد نكاحه وإن كان المحل لا يحتمل الشراء ولا الهبة، ولكن لما كان من حكم الشراء ملك المتعة في المحللات للمشتري صار كناية عن حكمه وهو ملك المتعة، فيصير قوله تزوجت وقوله اشتريت سواء.
أما النظير الأول فالشأن في كون المكاتب لا يقبل النقل بوصف الكناية، وسيأتي الكلام في ذلك في باب البيع الفاسد إن شاء الله تعالى.
وعلى تقدير التسليم، فالوارث لما أعتق المكاتب كان مريدًا لإبرائه فصح المجاز، بخلاف من قال لعبده وهو أكبر سنًا منه هذا ابني وهو لا يريد إعتاقه.
وأما النظير الثاني فإنما ثبت ملك النكاح فيه لأن ملك الرقبة أعلى منه، وقد أراد المتكلم به ملك المتعة فصح المجاز، ولا كذلك مسألتنا، فإن المتكلم