الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الوكالة بالخصومة والقبض
قوله: (والوكيل بقبض الثمن يكون وكيلاً بالخصومة عند أبي حنيفة حتى لو أقيمت عليه البينة على استيفاء الموكل أو إبرائه تقبل عنده إلى آخره).
قولهما أظهر، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله.
وقد ذكر المصنف/ من التعليل أن القبض غير الخصومة، وليس كل من يؤتمن على المال يهتدي في الخصومات، فلم يكن الرضا بالقبض رضاً بها، ولأبي حنيفة رحمه الله أنه وكله بالتملك لأن الديون تقضي بأمثالها إذ قبض
الدين نفسه لا يتصور إلا أنه جعل استيفاء لعين حقه من وجه فأشبه الوكيل بأخذ الشفعة إلى آخره.
ويجاب عن هذا بما تقدم من تقييد العرف فكأنه وكله في القبض دون الخصومة، وهو لو صرح بذلك تقيدت به الوكالة، فكذا إذا أطلق، والقول بأن الديون تقضي بأمثالها بمعنى أن الدين يبقى في ذمة لا يقضي عنه ما دفعه إلى رب الدين للمديون ما دفعه إليه قضاء عن دينه، وإنما تسقط المطالبة مع شغل ذمة كل منهما لصاحبه بدينه، وظهور ثمرة ذلك فيما أبرأ أحدهما الآخر مما له عليه حيث يجوز للآخر مطالبته بماله عليه، فيما إذا كان بالدين رهن فهلك بعد قبض الدين حيث يرد
ما قبضه وفاء عن دينه، ويصير الرهن الهالك بالدين، وسيأتي الكلام على ذلك في الرهن إن شاء الله تعالى، قول مشكل.
وإنما يدل الشرع على أن من وفى دينه برئت ذمته، وإذا قضى المديون ما عليه كان رب الدين قد قبض ما يستحقه عليه ولم يكن قد أخذ غير حقه بل قد قبض عين حقه فإن الواجب في ذمته دفع المقدار الذي اقترض نظيره أو اشترى به شيئاً أو نحو ذلك وقد أتى به.
ولا يقال: إن المديون يجب عليه شئ لا يمكن الوصول إلى أدائه، وإنما يقدر على الإتيان بغيره وتسمية القدر الذي يصير متعيناً بالدفع قبل أدائه ديناً لا يلزم منه أن يكون بدلاً عنه؛ لأنه بدل عما اقترضه أو اشتراه [لا بدل بدله]، وقد تقدم في كلام المصنف في كتال الكفالة في استدلاله لأبي حنيفة على القول بعدم جواز الكفالة بالدين عن الميت المفلس أن الدين هو الفعل حقيقة.
ولهذا يوصف بالوجوب لكنه في الحكم مال؛ لأنه يؤول إليه في المال، وتقدم الكلام معه في ذلك، فكيف يقال: إن الدين باق في ذمته، وهو الفعل حقيقة، وقد فعله، وإذا ثبت ذلك فلا يكون من استوفى دينه مستوفياً لعين حقه من وجه، بل من كل وجه، ولم يبق له عليه حق، ولهذا لو حلف بعد الوفاء أنه لم يبق مستحق عليه حقاً كان صادقاً، ولو كانت ذمة كل منهما مشغولة بدين الآخر كان كاذباً؛ لأن كلا منهما عندكم مستحق في ذمة الآخر
نظير ما يستحقه الآخر في ذمته لكن تمتنع المطالبة قصاصاً، وإذا كان ذلك عين حقه من كل وجه صار كالوكالة بقبض العين فلا يكون وكيلاً بالخصومة.
وأيضاً فمن دفع الزكاة ماله كان لك عين ما وجب في ذمته، ولا يقال عن الخمسة التي دفعها عن المائتين مثلاً أن ذلك بدل عما في ذمته، ولا أن الصلاة التي صلاها بدل عما في ذمته، ولا الصوم ولا الحج، بل ذلك هو الواجب في ذمته بعينه، ولهذا قال بعض المشايخ: إن رب الدين إذا قبض دينه ثم أبرأ المديون منه بعد قبضه أنه لا يرجع عليه بشئ، وهذا هو الحق فإن الإبراء لم يفد شيئاً؛ لأنه لم يبق له عليه شئ يبرئه منه فكان لغواً.
* * *