الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب اليمين في الأكل والشرب
قوله: (بخلاف ما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي أو هذا الشاب فكلمه بعد ما صار شيخًا، لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه فلم يعتبر الداعي في الشرع).
ينبغي التفصيل في هذا فإن هجر المسلم على وجه التأديب له جائز في الشرع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم/ بالثلاثة الذين خلفوا، وكذلك قد يكون في الصبي أو الشاب صفة داعية إلى هجرانه، فقد يكون هجر الصبي لخوف الاتهام به فإذا التحى زال السبب الداعي إلى هجرانه، وقد يكون الشاب فاسقًا يخاف الاتهام بمخالطته فهجر كلامه للبعد عنه فإذا شاخ انكسرت حدته ورجع عما كان عليه، فالجواب بالتفصيل باعتبار الأحوال أحق وأولى.
قوله: (ولو حلف لا يأكل لحم هذا الحمل فأكل بعد ما صار كبشًا حنث لأن صفة الصغر في هذا ليست بداعية إلى اليمين فإن الممتنع عنه أشد امتناعًا عن لحم الكبش).
ينبغي التفصيل أيضًا في ذلك فقد يهجر الحمل لكثرة رطوبته فإن الكبش أقل رطوبة منه فيكون الحمل أكثر ضررًا منه في حق من يضره كثرة الرطوبة فيهجر لذلك.
قوله: (وجه الاستحسان -يعني في لحم السمك -أن التسمية مجازية لأن اللحم منشؤه من الدم، ولا دم فيه لسكونه الماء).
لو علل بالعرف لكفى، فإن في كون التسمية مجازية نظرًا، كذا قوله: وكذا إذا أكل كبدًا أو كرشًا، لأنه لحم حقيقة فإن نموه من الدم وقوله: وله أنه لحم حقيقة، ألا ترى أن ينشأ من الدم يعني شحم الظهر، وليس بين كونه من الدم وبين تسميته باللحم مناسبة، وإنما سمي باللحم من الالتحام وهو الالتصاق والتداخل، يقال: التحم مناسبة، وإنما سمي باللحم من الالتحام وهو الالتصاق والتداخل، يقال: التحم الشيء بالشيء التصق وتداخل، هذا المعنى موجود في لحم السمك، وجعله حقيقة في القدر المشترك بينهما أولى من جعله مشتركًا أو مجازًا في أحدهما، لكنه لا يسمى في العرف لحمًا، يقال: ما أكلت لحمًا وإنما أكلت سمكًا ومن قال لغلامه: اشتر لي لحمًا فاشترى سمكًا عد مخالفًا، والألية وإن كان منشؤها من الدم لا تسمى لحمًا فانتقض التعليل بالمنشأ من الدم، وكذلك شحم البط.
قوله: (وقالا: إن أكل من خبزها حنث أيضًا لأنه مفهوم منه عرفًا).
يعني فيما إذا حلف لا يأكل من هذه الحنطة، وقولهما أظفر تحكيمًا للعرف فإن الحالف لا ينظر إلا إلى العرف والمسألة معروفة.
قوله: (وأما العنب والرمان والرطب فهما يقولان معنى التفكه موجود فيها فإنها أعز الفواكه والتنعم بها فوق التنعم بغيرها، وأبو حنيفة رحمه الله يقول إن هذه الأشياء مما يتغذى بها ويتداوى بها فأوجب قصورًا في معنى التفكه للاستعمال في حاجة البقاء ولهذا كان اليابس منها من التوابل أو من الأقوات).
قولهما أظهر أيضًا، وكونها يتغذى بها ويتداوى بها في بعض الأحيان لا يخرجها ذلك عن كونها من الفواكه ولا يوجب قصورًا في معنى التفكه بل يدل على أنها أفضل الفواكه لكونها تستعمل استعمال الفاكهة، واستعمال الغذاء، واستعمال الدواء وهذا زيادة وصف يوجب الفضل لا القصور في التسمية فإن الوصف الزائد يوجب الفضل لا القصور، وعطفها على الفاكهة وعطف الفاكهة عليها في القرآن لزيادة فضلها، كما يعطف الخاص على
العام، والعام على الخاص لا للمغايرة المحضة كما في عطف جبريل وميكائيل على الملائكة ونحو ذلك، وكون اليابس منها من التوابل أو من الأقوات لا يوجب خروجها عن الفواكه، ولا قصورًا في معنى التفكه كما في يابس التوت والمشمش وغيرهما.
قوله: (وقال محمد: ما يؤكل مع الخبز غالبًا فهو إدام، وهو رواية عن أبي يوسف لأن الإدام من الموادمة وهي الموافقة، وكل ما يؤكل مع الخبز موافق له كاللحم والبيض ونحوه).
وهذا القول أيضًا أظهر من قول أبي حنيفة رحمه الله، لما ذكر من الدليل، وما عورض به من أن اللحم والبيض قد يؤكل كل منهما وحده لا يخرجه عن أن يكون إدامًا إذا أكل مع الخبز، والعرف مؤيد لذلك أيضًا.
قوله: (ولأبي حنيفة أن كلمة من للتبعيض، وحقيقته في الكرع وهي مستعملة ولهذا يحنث بالكرع إجماعًا إلى آخر المسألة).
فيه نظر، فإن كلمة من في قوله: لا أشرب من دجلة -لابتداء الغاية دون التبعيض، واحتمال التبعيض فيها مجاز لأن قوله: لا أشرب/ من دجلة بمنزلة قوله: لا أشرب من البئر، ومن الكوز، ومن البركة، ونحو ذلك، ولا يتصور أن يشرب بعض هذه الأشياء إلا أن يراد بالتبعيض في حق الماء، وحينئذ يصير قوله: من دجلة، ومن ماء دجلة سواء فيحنث بالكرع وغيره، ولا ينفعه في التعليل إلا أن يقول: إن: من. لابتداء الغاية، والمراد أن يكون ابتداء غاية شربه من دجلة وذلك بالكرع، لأن الشارب من مائها بإناء ابتداء غاية شربه من الإناء لا من دجلة، وتقرير الاستدلال على هذا الوجه يتمشى، وإلا فعلى قوله: إن من للتبعيض إنما يتأتى ضد قصده، وقولهما أظهر على كل حال للعرف، فإن العرف لا يفصل بين قول الحالف: من دجلة أو من ماء دجلة.
* * *