الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الشهادات
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام للذي شهد عنده: "لو سترته بثوبك لكان خيراً لك").
هذا لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم لمن شهد عنده، وإنما قاله لمن أشار على ما عز أن يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلمه بزناه، والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي، ومالك في الموطأ عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه:"أن ماعزاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه، وقال لهزال: لو سترته بثوبك كان خيراً لك".
وفي لفظ لأحمد وأبي داود عن يزيد بن نعيم بن هزال عن
أبيه قال: "كان ما عز بن مالك يتيماً في حجر أبي فأصاب جارية من الحي، فقال له أبي: أبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك" الحديث.
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال إليه"، والجمع المحلي بالألف واللام يراد به الجنس، فيتناول الأقل وهو حجة على الشافعي رحمه الله في اشتراط الأربع).
هذا حديث باطل لا أصل له، وإنما روى الدارقطني عن حذيفة رضي الله عنه:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة" وضعفه، وقال ابن عبد الهادي: إنه حديث باطل لا أصل له. انتهى.
وإنما ورد ما يدل على قبول شهادة النساء فيما لا يطلع عليه الرجال عن الزهري قال: "مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادات النساء وعيوبهن، وتجوز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال، وامرأتان فيما سوى ذلك، أخرجه ابن أبي شيبة.
قوله: (ولابد في ذلك كله من العدالة، ولفظة الشهادة، فإن لم يذكر الشاهد لفظة الشهادة، وقال: أعلم أو أتقن لم تقبل شهادته -ثم قال-: وأما لفظة الشهادة فلأن النصوص نطقت باشتراطها إذ الأمر فيها بهذه اللفظة، ولأن فيها زيادة توكيد، فإن قوله: أشهد، من ألفاظ اليمين، فكان الامتناع عن الكذب بهذه اللفظة أشد).
مذهب مالك وأهل المدينة، وظاهر كلام أحمد عدم اشتراط لفظة الشهادة، قالوا: ولا نعرف عن أحد من الصحابة ولا التابعين اشتراط ذلك، وقد قال ابن عباس:"شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب الشمس".
ومعلوم أنهم لم يتلفظوا بلفظ الشهادة، والعشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة لم/ يتلفظ في شهادته لهم بلفظ الشهادة، بل قال: "أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة
…
" الحديث.
وأجمع المسلمون على أن الكافر إذا قال: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، دخل في الإسلام، وشهد شهادة الحق، وإن لم يتلفظ بلفظة الشهادة، وقد قال تعالى:{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم} ، وليس هناك لفظ الشهادة، وقال تعالى:{وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون} .
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفكم} ، وشهادة المرء على نفسه هي إقراره على نفسه.
وفي الحديث الصحيح في قضية ماعز: "فلما شهد على نفسه أربع مرات رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال تعالى: {وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} .
وقول المصنف: (إن النصوص نطقت باشتراطها)، فيه نظر؛ فإن النصوص ليس فيها ذكر اشتراط لفظة الشهادة في قول الشاهد عند الأداء، وهو المدعى، وإنما فيها ذكر الإشهاد والاستشهاد والشهادة، ولا يلزم من ذلك
اشتراط ذكر لفظة الشهادة عند الأداء.
وقوله: (ولأن فيها زيادة توكيد) إلى آخره، مسلم، لكن ما الدليل على اشتراط هذه الزيادة مع حصول الشهادة بدونها وهي المقصود، ولئن كانت الشهادة من ألفاظ اليمين فليس على الشاهد يمين.
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدوداً في قذف"، ومثل ذلك عن عمر رضي الله عنه.
لم يرد هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب الحديث، وإنما هو كلام عمر رضي الله عنه في كتاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ولفظه: "والمسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجرباً عليه شهادة زور، أو مجلوداً في حد، أو ظنيناً في ولاء أو قرابة
…
" إلى أخره. رواه البيهقي وغيره.
وروى البيهقي من حديث عائشة مرفوعاً: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا مجلود في حد" الحديث، وفي طريقه المثنى بن الصباح، وهو ضعيف، وأخرجه ابن ماجه من حديث حجاج بن أرطاة -وهو ضعيف- عن عمر رضي الله عنه.
قوله: (واشترط العدد أمر حكمي في الشهادة).
يعني ـأن اشتراط المثنى في باب الشهادات أمر تعبدي لا يعقل معناه، قد عقل غير معناه، وهو أن أحد الشاهدين يقاوم براءة الخصم المنكر فإن إنكاره
كشاهد، وتبقى شهادة [الشاهد] الآخر خبر عدل لا معارض له، فهو حجة شرعية لا معارض لها، وفي الرواية إنما يقبل خبر الواحد إذا لم يعارضه أقوى منه فاطرد القياس والاعتبار في الحكم والرواية.
* * *