الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب كيفية القتال
قوله: (فإن بذلوها فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، لقول علي رضي الله عنه "إنما بذلوها لتكون دماؤهم كدمائنا، وأموالهم كأموالنا").
يعني إذا بذلوا الجزية، رواه الدارقطني بمعناه وضعفه وإنما/ ورد في حديث أنس يرفعه "فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأحلوا حلالنا، وأكلوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم" أخرجه ابن حبان في صحيحه، وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أسلم من أهل الكتاب فله أجره مرتين، وله ما لنا، وعليه ما علينا".
قوله: (والمثلة المروية في قصة العرنيين منسوخة بالنهي المتأخر هو المنقول).
أصل الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم ناس من عكل أو عرينة، فاجتووا المدينة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح، وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم، فجاء الخبر في أول النهار، فبعث في آثارهم، فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، وتركوا في الحرة يستسقون فلا يسقون. قال أبو قلابة: فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله، أخرجه الجماعة، واختلف العلماء في معناه: فقال بعض السلف: كان هذا قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهي عن المثلة، فهو منسوخ.
وقيل: ليس بمنسوخ، وفيهم نزلت آية المحاربة، وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بهم ما فعل، قصاصًا لأنهم فعلوا بالرعاة مثل ذلك، وقد رواه مسلم في بعض طرقه، ورواه ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، وأهل السير والترمذي.
قال بعضهم: النهي عن المثلة نهي تنزيه، كذا ذكره النووي في شرح مسلم، وقال ابن الجوزي وادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ، وقد قال العلماء إنما سمل أعين أولئك لأنهم سلموا أعين الرعاة، فاقتص منهم مثل ما فعلوا والحكم ثابت.
قال ابن دقيق العيد -في شرحه العمدة -: هذا تقصير لأن الحديث وردت فيه المثلة من جهات عديدة، وبأشياء كثيرة، فهب أنه ثبت القصاص في سمل الأعين فما يصنع بباقي ما جرى من المثلة، فلابد من جواب غير هذا، وقد رأيت عن الزهري في قصة العرنيين أنه ذكر أنهم قتلوا يسارًا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مثلوا به، فلو ذكر ابن الجوزي هذا كان أقرب إلى مقصوده مما ذكر من حديث سمل الأعين فقط على أنه يبقى نظر في بعض ما حكى في القصة. انتهى.
ولم يذكر النظر ما هو، وكأنه أراد ما ورد في الحديث أنه تركهم في الحرة، يستسقون فلا يسقون.
وقد أجاب النووي عن هذا: بأن هؤلاء كانوا قد قتلوا الرعاة، وارتدوا عن الإسلام، وحينئذ لا يبقى لهم حرمة في سقي الماء ولا غيره، قال النووي: قد قال أصحابنا: لا يجوز لمن معه من الماء ما يحتاج إليه للطهارة أن يسقيه لمرتد يخاف الموت من العطش، ويتيمم، ولو كان ذميًا أو بهيمة وجب سقيه ولم يجز الوضوء به حينئذ انتهى.
ولا يصار إلى النسخ مع إمكان العمل بالحديث، وهذا الحديث دليل على مقابلة الجاني بمثل ما فعل فإن هؤلاء قتلوا الراعي، وسلموا عينة كما تقدم، وعلى قتل الجماعة وأخذ أطرافهم بالواحد، وعلى أنه إذا اجتمع في حق الجاني حد وقصاص استوفيا معًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قطع أيديهم وأرجلهم حدًا لله
تعالى على حرابهم، وقتلهم لقتلهم للراعي، وعلى أن المحارب إذا أخذ المال، وقتل قطعت يده ورجله، وقتل، وعلى أن الجنايات إذا تعددت تغلظت عقوباتها، فإن هؤلاء كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا النفس، ومثلوا بالمقتول، وأخذوا المال، وجاهروا بالمحاربة، وعلى أن ردء المحاربين له حكم مباشرتهم، فإنه من المعلوم أن كل واحد منهم لم يباشر القتل بنفسه، ولا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
قوله: (وحين رأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة، قال: "هاه! ما كانت هذه تقاتل فلم قتلت").
أصل الحديث ثابت ولكن ليس فيه (هاه) ولا (فلم قتلت) والله أعلم.
***