الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا تأويل فاسد لأن مثل هذا لا يسمى زنا ولا سرقة لا حقيقة ولا مجازًا وأيضًا فلو كان مثل هذا الانقلاب يسمى نسخًا لكان الترخص بإجراء كلمة الكفر بعذر الإكراه نسخًا ولشابه حرمة الاسم بذلك.
وقال الخبازي في حواشيه: إن المراد أنه يقبل النسخ والتبديل عقلاً.
وهذا لا يتأتى على قول أبي حنيفة وإنما يتأتى على قول الأشعري وهو يقول بالجواز العقلي في الشرك أيضًا فلا يحصل له بهذا العذر غرضه من الفرق، ولو علل بأن مثل هذه الأسماء لا تقبل/ التعليق فلا يصح أن تكون يمينًا -لأنها لا يتصف بها إلا من فعلها بخلاف قوله: فهو يهودي أو نصراني ونحو ذلك -لكان أولى.
فصل في الكفارة:
قوله: (لكن مالا يجزئه عن الكسوة يجزئه عن الطعام باعتبار
القيمة).
في ظاهر الرواية يجزئه عن الطعام بغير نية.
وعن أبي يوسف رحمه الله: إذا نوى أن يكون بدلاً عن الطعام يجزئه عنه إلا فلا.
وقال زفر: لا يجزئه عن الطعام نوى أو لم ينو، ذكره في الذخيرة، وعند الأئمة الثلاثة: لا تجزئه القيمة في الكفرة، وفي إجزاء مالا يجزي من الكسوة عن الإطعام من غير نية بعد زائد، وإن كان دفع القيمة في الكفارة جائزُا ولو دفع الكسوة بنية الإطعام لكان في الإجزاء عنه إشكال فكيف ولم ينوه والله تعالى خير المكفر بين خصال ثلاث، فإذا اختار المكفر أحدها وهو
الكسوة، صار كأنه هو الواجب عليه ابتداءً، وتنحى الإطعام والتحرير فعليه أن يؤدي الخصلة التي اختارها على وجه الكمال، وكيف يكون له غير ما أراده و"الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" فيظهر رجحان قول أبي يوسف على الطرفين.
قوله: (ولنا الكفارة لستر الجناية، واليمين ليست بسبب لأنه مانع غير مفض بخلاف لأنه مفض).
فيه نظر فإن الله تعالى كما سماها كفارة سماها تحلة قال تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} وقال تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} فالعقد سبب الحل عن المعقود عنه ليمكنه فعله فيكون الحنث شرطًا لا سببًا فيجوز التكفير قبله، وأيضًا فإن الله تعالى قال:{ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} فأضافها إلى اليمين، والإضافة أمارة السببية، وأوضح منه أنه أضافها إلى عقد اليمين فقال:{ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته} وكذلك أضافها إلى اليمين حين سماها تحلة فقال تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} ولم يضفها إلى الحنث، وأيضًا فقد قال
صاحب الهداية وغيره في كتاب الرجوع عن الشهادات: إذا شهد شاهدان باليمين وشاهدان بوجود الشرط ثم رجعوا فالضمان على شهود اليمين خاصة، لأنه هو السبب، والتلف يضاف إلى مثبتي السبب دون الشرط المحض وهذا تناقض بين، ولهذه المسألة نظائر:
أحدها: تعجيل الزكاة قبل الحول.
الثانية: التكفير قبل سراية الجرح.
الثالثة: العفو عن القصاص قبل التلف.
الرابعة: إسقاط الشفيع حقه من الشفعة قبل البيع.
والخلاف في هذه المسائل والكلام عليها معروف، وسيأتي الكلام في مسألة الشفعة -إن شاء الله تعالى -.
وقد قال ابن المنذر في الإشراف: واختلف أهل العلم في كفارة اليمين قبل الحنث وبعده فرخصت طائفة أن يكفر المرء عن يمينه قبل الحنث كان ابن عمر يكفر قبل الحنث أحيانًا وبعده أحيانًا وممن روينا عنه أنه رخص في الكفارة قبل الحنث ابن عباس وعائشة وابن سيرين والحسن وكان ربيعة ومالك والأوزاعي وابن المبارك والثوري يرون التكفير قبل الحنث جائزًا، غير أن مالكًا والثوري والأوزاعي استحبوا أن يكفر بعد الحنث وكان
أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وسليمان بن داود وأبو خيثمة يرون الكفارة قبل الحنث تجزئ، وقال أصحاب الرأي لا تجزئ الكفارة قبل الحنث، وفيه قول ثالث قاله الشافعي قال: إن كفر قبل الحنث بالطعام تجزئ وإن كفر بصوم لم يجزه.
قال أبو بكر: جاءت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -بألفاظ شتى، ففي بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال:"وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فائت الذي هو خير وكفر عن يمينك".
وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: "وكفر عن يمينك وائت الذي هو خير"
قال أبو بكر: أي ذلك فعل يجزئه انتهى.
والأخبار التي أشار إليها ثابتة في الصحيحين والسنن والمسانيد، واللفظ الذي ذكره في حديث عبد الرحمن بن سمرة، وفي بعض ألفاظ الحديث "إذا حلفت على يمين فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير" رواه النسائي وأبو داود، وهو/ صريح في تقديم الكفارة، لأنه بـ "ثم" المقتضية للترتيب، وهذا يد قول من قال: إن ما رواه الشافعي محمول على التقديم والتأخير، وعن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حلف أحدكم على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفرها وليأت بالذي هو خير" رواه مسلم وفي لفظ له "فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" وعن أبي هريرة رضي الله عنه -أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا
منها فليكفر عن يمينه، وليفعل الذي هو خير" رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه، وفي لفظ "فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" رواه مسلم.
وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: "لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا أتيت الذي هو خير" وفي لفظ "إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني" متفق عليه والله أعلم.
قوله: (لقوله عليه السلام"من حلف على يمين ورأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير ثم ليكفر يمينه").
الحديث قد روي بروايات مختلفة وليس فيها ما ذكره المصنف رحمه الله -من قوله "ثم ليكفر يمينه" وكأنه انقلب عليه الحديث، وإنما روي بـ "ثم" كما تقدم "إذا حلفت على يمين فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير".
قوله: (ولأن فيما قلنا تفويت البر إلى جابر وهو الكفارة ولا جابر للمعصية في ضده).
يعني أن الحنث معصية والكفارة جابرة لهذه المعصية، فإذا قدمت
الكفارة على الحنث يبقى بلا جابر، ولأن الجابر لا يتقدم على المجبور، فكأنه قال: ولا جابر للمعصية في ضد الذي قلناه، وهو تقديم الكفارة على الحنث، وفي ذلك نظر، فقد تقدم أن الله تعالى قد سماها تحلة أيضًا وهي تفعلة من الحل، أي يحل ما عقده على نفسه من اليمين، وأيضًا فالحنث قد يكون فرضًا كما إذا حلف لا يصلي الفرض أو لا يصوم رمضان ونحو ذلك، وقد يكون مستحبًا كما إذا كانت اليمين على أمر مستحب وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم"فرأى غيرها خيرًا منها" وأيضًا فلو كان هذا المعنى صحيحًا لما جاز تقديم الكفارة على سراية الجرح، لأنها كفارة قتل لا كفارة جرح، وكذلك تقديم الزكاة على الحول وما أجيب به عن ذلك لا يلزم منه نفي جواز تقديم الكفارة على الحنث إذا عزم عليه وتكون الكفارة جابرة لعزمه على الحنث كما أن الكفارة في الظهار متعلقة بالعزم على الوطء الذي هو العود إلى ما نهي عنه، فإن المظاهر لا يجب عليه الكفارة بمجرد الظهار وإنما يجب بالعزم على جماع التي ظاهر منها واستمراره على ذلك حتى لو انفسخ عزمه، أو ماتت الزوجة بعد العزم أو مات الزوج انتفى الوجوب ولو وطئ من ظاهر منها لا يلزمه أكثر من الكفارة فكذلك إذا عزم على الحنث يشرع له التكفير وإن كان يجوز له تقديم الحنث على التكفير، لأن تقديم التكفير على المسيس
مشروط بالنص دون تقديم الحنث، فالحاصل أن العزم على الحنث له نظير في تعلق الكفارة به ولو لم يكن له نظير لكان ما دلت عليه السنة من جواز تقديم الكفارة على الحنث كافيًا، ويكون الشارع قد ألغى الفارق بين التكفير قبل سراية الجرح، والتكفير قبل الحنث لمانع منه من اعتباره وهو: أن هتك حرمة الاسم كما يكون بالحنث يكون بالعزم عليه ولكن يستقى اللزوم بالحزم وإن لم تكن اليمين مفضية إلى الحنث، فالعزم على الحنث مفض إلى الحنث غالبًا كالجرح في إفضائه إلى إزهاق الروح فسلم الجامع.
قوله: (لقوله عليه السلام"من نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى").
هذا حديث منكر وعمومه مخصوص فقد يكون المسمى معصية أو مباحًا وقد يكون غير مملوك للناذر، وقد يريد به اليمين أو لا يطيقه، وكل ذلك قد وردت السنة فيه بخلاف ما ذكره في هذا الإطلاق فعن عائشة رضي الله عنها -عن النبي صلى الله عليه وسلم -قال:"من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" وعن ابن عباس رضي الله عنهما -قال: "بينا النبي صلى الله عليه وسلم -يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل/ نذر أن يقوم في الشمس
ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه" رواه البخاري وابن ماجه وأبو داود.
وعن ثابت بن الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال: "ليس على الرجل نذر فيما لا يملك" متفق لا يملك" متفق عليه.
وعنه أيضًا أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم -فقال: "إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة فقال: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال: أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم" رواه أبو داود.
وعن عائشة رضي الله عنها -أن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: "لا نذر في معصية،
وكفارة كفارة يمين" رواه الجماعة، واحتج به أحمد وإسحاق.
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: "من نذر نذرًا في معصية فكفارته كفارة يمين" رواه أبو داود.
وع عقبة بن عامر رضي الله عنه -قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفارة النذر كفارة يمين" رواه أحمد ومسلم.
وعنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة
يمين" رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.
وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: "من نذر نذرًا فلم يسمه فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لم يطقه فكفارته كفارة يمين" رواه أبو داود وابن ماجه وزاد "ومن نذر نذرًا أطاقه فليف به".
وعن أنس رضي الله عنه -أن النبي صلى الله عليه وسلم"رأى شيخًا يهادى بين ابنيه، قال: ما هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي قال: إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني، وأمره أن يركب" رواه الجماعة إلا ابن ماجه، وللنسائي في رواية "نذر أن يمشي إلى بيت الله".
وعن عقبة بن عامر قال "نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم -فاستفتيه؟ فقال: لتمش ولتركب" متفق عليه،
ولمسلم: "فيه حافية غير مختمرة" وفي رواية "نذرت أختي أن تمشي إلى الكعبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لغني عن مشيها، لتركب ولتهد بدنة" رواه أحمد، وفي رواية "أن أخته نذرت أن تمشي حافية غير مختمرة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم -فقال: إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا، مرها فلتخمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام" رواه الخمسة، وعن كريب عن ابن عباس قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم -فقالت يا رسول الله أختي نذرت أن تحج ماشية فقال: إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا لتحج راكبة ولتكفر يمينها" رواه أحمد وأبو داود.
قوله: (لقوله عليه السلام"من حلف على يمين وقال: إن شاء الله تعالى، فقد بر في يمينه").
لم يعرف -في كتب الحديث -قوله "فقد بر في يمينه" وقد روي الحديث بألفاظ منها "لم يحنث" ومنها "فله ثنياه" ومنها "فقد استثنى" ومنها "فلا حنث عليه" ومنها "فهو بالخيار، إن شاء مضى وإن شاء ترك".
وفي كونه قوله: فقد بر في يمينه. بمعنى: لم يحنث. نظر، لأن البر بفعل المحلوف عليه، ولم يوجد في صورة الاستثناء، وإنما الاستثناء يمنع انعقاد اليمين، فلا يحنث بفعل المحلوف عليه، وأصل الحديث ثابت في السنن والمساند.
قوله: (إلا أنه لابد من الاتصال، لأنه بعد الفراغ رجوع، ولا رجوع في اليمين).
قد تقدم في الطلاق ما في الاستثناء من الخلاف والدليل، ولا ينفع التعليل في مقابلة النص.
* * *