الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الاختلاف في الشهادة
قوله: (ولأبي حنيفة أنهما اختلفا لفظاً، وذلك يدل على اختلاف المعنى؛ لأنه يستفاد باللفظ، وهذا لأن الألف لا يعبر به الألفين، بل هما جملتان متباينتان -إلى آخره-).
قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله -في قبول شهادتهما في الألف -أقوى كما هو مذهب الأئمة الثلاثة وغيرهم؛ وذلك لأن دلالة المثنى دلالة تكرار الواحد بالعطف.
فقوله: له علي ألفان، كقوله: له علي ألف وألف، ولو قال كذلك لزمه ألف فكذا إذا قال ألفان، ولكن عند الأئمة الثلاثة لو حلف المدعي مع هذه الشهادة تثبت ألفان؛ لأنهم يرون القضاء بالشاهد واليمين كما وردت به السنة.
قوله: (بخلاف العشرة؛ والخمسة عشر؛ لأنه ليس بينهما حرف عطف فهو نظير الألف والألفين).
يعني إذا شهد أحد الشاهدين بعشرة، والآخر بخمسة عشرة، والدعوى بعشرة، لا يثبت بهذه الشهادة شئ عند أبي حنيفة رحمه الله، وعندهما تثبت عشرة، وقد مر التنبيه على ترجيح قولهما في الألف والألفين، وكذلك العشرة والخمسة عشر؛ لأن أصل خمسة عشر، خمسة وعشرة، حذف حرف العطف، وضمن الاسم الذي معناه، فبني لذلك، وهذا معنى تركيب المزج عند النحاة، ولو صرح بذلك، وقال: خمسة وعشرة لزمت العشرة فكذا مع التركيب.
قوله: (وإذا شهد بألف وقال: أحدهما قضاه منها خمسمائة، قبلت شهادتهما بألف؛ لاتفاقهما عليه، ولم يسمع قوله: إنه قضاه؛ لأنه شهادة فرد إلا إن شهد معه آخر، وعن أبي يوسف أنه يقضي بخمسمائة؛ لأن شاهد القضاء مضمون شهادته أن لا دين إلا خمسمائة، وجوابه ما قلنا).
قول أبي يوسف أقوى، ولا يصلح ما علل به جواباً له؛ لأن قوله في مجلس الأداء: قضاه منها خمسمائة، بمنزلة ما إذا قال: أوهمت بعض شهادتي، وذلك يقبل منه فإنه إذا علم أنه قضاه منها خمسمائة لم يكن له أن
يشهد إلا بما بقي من الألف بالألف، فكان ذكر الألف مع ذكر القضاء منها بمنزلة الاستثناء والاستدراك ونحوه، وإن كان من حيث اللفظ شهادتين فالعبرة للمعنى.
قوله: (وفي الجامع الصغير رجلان شهدا على رجل بقرض ألف درهم فشهد أحدهما أنه قضاها، فالشهادة جائزة على القرض لاتفاقهما عليه وتفرد أحدهما بالقضاء على ما بينا، وذكر الطحاوي عن أصحابنا أنه لا تقبل وهو قول زفر؛ لأن المدعي أكذب شاهد القضاء، قلنا: هذا هو إكذاب في غير المشهود به الأول، وهو القرض ومثله لا يمنع القبول).
ما ذكره الطحاوي -وهو قول زفر- أقوى وأولى بالاعتبار، لا باعتبار ما علل له به المصنف بل باعتبار أنه رجوع معنى والعبرة للمعاني، والرجوع قبل الحكم يوجب سقوط الشهادة، وليس هذا من باب إكذاب المدعي شاهده، بل من باب رجوع الشاهد عن شهادته قبل الحكم فتأمله.
* * *