الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب اليمين في الكلام
قوله: (وكذا العبد لسقوط منزلته).
يعني فيما إذا حلف لا يكلم عبد فلان هذا فكلمه بعد ما باعه فلان لا يحنث بكلامه عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله -ويحنث عند محمد وزفر -رحمهما الله -، وقولهما أظهر، فإن العبد وإن كان ساقط المنزلة فقد يقصد بالهجران، والحالف لو أراد هجرانه لأجل سيده لم يحتج إلى الإشارة إليه بقوله: عبد فلان هذا، فلما أشار إليه علم أن مراده قصده بالهجران وقد قالا به ذلك وكذلك الدار ولكن العبد أظهر باعتبار ظهور صحة قصده بالهجران كما في المرأة والصديق.
فصل:
قوله: (ومن حلف لا يكلمه حينًا أو زمانًا، أو الحين أو الزمان، فهو على ستة أشهر).
في كون الزمان المعرف لستة أشهر نظر، وجميع ما علل به بعده إنما هو في المنكر، وأما المعرف فلم يعلل له، وقد علل له غير المصنف بأنه لما صارت ستة أشهر معهودة في الزمان والحين صار التعريف للعهد، وهذا إن سلم في
حين فهو في زمان مشكل فإن مجيء: زمان المنكر لستة أشهر فيه نظر ولا شك أن معرفة يستعمل استعمال الدهر والأبد عند الإطلاق، والألف واللام فيه للاستغراق وعموم الجنس وإن كان الاسم مفردًا كالألف واللام التي في الإنسان ولهذا يصح الاستثناء منه كقوله تعالى:{إن الإنسان لفي خسرٍ * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وكذلك الزمان فلو قال الحالف: لا أكلمه الزمان إلا سنة أو شهر لصح، ويقال: حين من الزمان: كما يقول: حين من الدهر وكذلك سنة من الزمان.
قوله: (وله أنه جمع معرف، فينصرف إلى أقصى ما يذكر بلفظ الجمع وذلك عشرة).
فيه نظر وقول الصاحبين أقوى فإن صرف الأيام إلى أيام الأسبوع، وصرف الشهور إلى شهور السنة هو العرف، وليس قوله: إنه ينصرف إلى أقصى ما يذكر بلفظ الجمع -بمسلم، وذلك لن مراده أن اسم العدد الذي يميز بالجمع أقصاه عشرة لأنه يقال: ثلاثة أشهر، أربعة شهور إلى عشرة شهور، وبعده يقال: أحد عشر شهرًا يميز بالمفرد، وهذا إنما يكون عند ذكر اسم العدد، وإذا لم يذكر اسم العدد يسمى الزائد عليه بالجمع بلا ريب، قال تعالى:{وتلك الأيام نداولها بين الناس} وقال تعالى: {إن عدة الشهور
عند الله اثنا عشر شهرًا} فقال تعالى: {إن عدة الشهور} . بالجمع لما لم يذكر اسم العدد، ثم قال تعالى:{اثنا عشر شهرًا} بلفظ المفرد لما ذكر اسم العدد، وليس في قول الحالف: لا أكلمه الشهور اسم العدد، فلا يصح أن يقال: إنه أقصى ما يذكر بلفظ الجمع، وكذلك الأيام ولكن لما كانت الأيام المعهودة هي أيام الأسبوع، والشهور المعهودة هي شهور السنة، صرفت اليمين إليها، ولما كانت الجمع والسنون ليس فيها معهود كانت الألف واللام فيها للجنس، وصرفت اليمين فيها إلى العمر.
وقد أجاب الخبازي في الحواشي عن قولهما -إن الجمع يطلق على أكثر من العشرة إذا لم يذكر اسم العدد -بجوابين:
فقال: اسم الجمع للعشرة وما دونها إلى الثلاثة حقيقة حالتي الإطلاق واقترانه بالعدد وهو اسم لما زاد على العشرة عند الإطلاق، لا عند الاقتران بالعدد والاسم متى كان للشيء في جميع الأحوال/ كان أثبت مما هو اسم له في حال دون حال، ولأن الزائد على العشرة أيام عند الإطلاق، ويوم عند اقترانه بالعدد، فلم يدخل تحت الأيام التي هي اسم جنس من كل وجه انتهى، وكلا الجوابين لا يصح، أما الأول: فكأنه لم يبلغه الفرق بين الجمع واسم الجمع، فلهذا قال إن للعشرة وما دونها حقيقة في حالتين، ولما فوقها في
حالة واحدة.
وإنما قالوا نحو هذا في بعض أسماء الجموع أنه يطلق من الثلاثة إلى العشرة كما في رهط وذود ونفر وذلك لأن اسم الجمع لما كانت دلالته على مجموع آحاده دلالة المفرد على جملة أجزاء مسماه، خص منه بعض جمل الآحاد بأسماء معينة ولهذا كان على وزن الآحاد، وأما الجمع فليس هو اسمًا لما دون العشرة ولا لها ولا لما زاد عليها وإنما يدل على مجموع آحاده دلالة تكرار الواحد بالعطف، وليس له اختصاص بعدد معين وإذا استعمل مقترنًا باسم عدد فإنما يعرف مقدار المجموع من اسم العدد لا من الجمع، كما لو كان مميزه مفردًا فاقترانه بالعشرة فما دونها كاقتران المفرد بالزائد على العشرة، وأما الثاني: فكأنه لم يبلغه الفرق بين الجمع واسم الجنس حتى ادعى أن الأيام اسم جنس من كل وجه، ولم يقل أحد إن الأيام اسم جنس لا من وجه ولا من كل وجه، كذا لا يصح أن يقال: إن الزائد على العشرة يوم عند اقترانه بالعدد، وإنما يقال: إن اسم العدد الزائد على العشرة مميزه يوم وإذا كان الزايد على العشرة أيام عند الإطلاق فالحالف قد أطلق فوجب العمل بإطلاقه من غير تقييد بعشرة.
* * *