الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قيل: إن القضية واقعة عين لا عموم لها، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف دق أولئك اليهود الذين شهدوا بالزنا عنده بطريق الوحي لكان أولى من كثير مما ادعى فيه أنه واقعة عين، كل ذلك على تقدير ثبوت قبول شهادتهم، ولم يثبت وكيف ترد شهادة الولد مع بروز عدالته لكونه مظنة التهمة، وتقبل شهادة اليهودي على النصراني أو عكسه مع وجود التهمة، وكيف يعلل لقبول شهادته بأنه يجتنب ما يعتقده محرماً، ولا يقال مثل هذا للمسلم إذا شهد لوالده ولولده، وهو أحق بأن يقال في حقه هذا التعليل، فإن تجنب المسلم العدل لما يعتقده محرماً أعظم من تجنب الكافر.
قوله: (وبخلاف
شهادة الذمي على المسلم)
.
وقد استثنى شريح وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والشعبي، وعبيدة السلماني، وابن سيرين ومجاهد وأحمد والنخعي والأوزاعي ويحيي بن حمزة، من ذلك شهادتهم على وصية المسلم في السفر إذا لم يكن عنده أحد
من المسلمين وهو مروي عن أبي موسى الأشعري وابن مسعود رضي الله عنهما.
قال ابن المنذر: والقائل بخلاف هذا القول تارك للقول بظاهر القرآن،
وبظاهر الأخبار، ومعنى اللغة، وقال: ألم تسمع إلى قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} فأوقع الذكر بينهم باسم الإيمان الجامع لهم ثم قال: {أو آخران من غيركم} ولا يجوز في اللغة غير ذلك. انتهى.
وعن جبير بن نفير قال: "دخلت على عائشة رضي الله عنها، فقالت: هل تقرأ سورة المائدة، قلت: نعم، قالت: فإنها آخر سورة أنزلت فما وجدتم فيها من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيها من حرام فحرموه" رواه أحمد.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "خرج رجل من بني سهم من تميم الداري وعدي بن بداء، فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم، فلما
قدموا بتركته فقدوا جاماً من فضة مخوصاً بذهب فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجدوا الجام بمكة فقالوا: ابتعناه من تميم وعدى بن بداء، فقام رجلان من أوليائه فحلفا: لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأن الجام لصاحبهم، قال: وفيهم نزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم} رواه البخاري وأبو داود.
والمسألة والخلاف فيها مشهور، وليس مع من يدعي النسخ إلا مجرد الدعوى، وقد عملت بها الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
أما قول من/ قال: إن معنى قوله تعالى: {أو آخران من غيركم} أي آخران من غير قبيلتكم فمشكل، فإن الله تعالى خاطب المؤمنين بقوله:{يا أيها الذين آمنوا} لم يخاطب أهل قبيلة معينة منهم حتى يصح أن يقال: من
غير قبيلتكم، وقبول شهادة أهل الذمة على المسلم في مثل هذه الحالة بمنزلة أكل الميتة عند الضرورة، ولا يمكن رد هذا الحكم الخاص لعمومات النصوص الدالة على عدم قبول شهادة الكافر على المسلم، بل يجب أن تخص تلك العمومات بهذا النص، كيف وأنه متأخر عنها.
* * *