الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب المفقود
قوله: (وكل من لا يستحقها -يعني نفقته- في حضرته إلا بالقضاء لا ينفق عليه من ماله في غيبته).
قد تقدم التنبيه على ما في القول بأن نفقة القريب لا تجب إلا بقضاء القاضي، وأن القاضي ليس بمشرع حتى يكون قضاؤه موجبًا.
قوله: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام في امرأة المفقود "إنها امرأته حتى يأتيها البيان").
هذا الحديث ضعيف أخرجه الدارقطني والبيهقي وضعفه، وضعفه أيضًا عبد الحق وابن قدامة.
قوله: (وقول علي رضي الله عنه "هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يستبين
موت أو طلاق").
اختلفت الرواية عنه، قال ابن المنذر في الإشراف: اختلف أهل العلم في امرأة المفقود، كم تتربض؟ فقالت طائفة: تتربص أربع سنين ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا ثم تتزوج، كذلك قال عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وعمر بن عبد العزيز، وعطاء ابن أبي رباح ومالك بن أنس وأهل المدينة وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد، وفيه قول ثان: وهو أن امرأة المفقود لا تنكح أبدًا حتى يأتيها يقين وفاته، روينا ذلك عن علي رواية ثانية عنه، وبه قال ابن أبي ليلى وابن
شبرمة والثوري والشافعي والنعمان ويعقوب ومحمد، وقد احتج بعض من يقول بالقول الأول بأن اتباع خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بنا، ودفع أحمد حديث علي وقال: لم يتابع أبو عوانة عليه وقال بعضهم من حيث وجب تأجيل العنين تقليدًا لعمر وابن مسعود، وجب كذك تأجيل امرأة المفقود؛ لأن العدد الذين قالوا تؤجل أكثر وفيهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي" انتهى ما نقلته من كلام ابن المنذر.
وقال في المغني: وما رووه عن علي رضي الله عنه فيرويه الحكم وحماد مرسلاً والمسند عنه مثل قولنا، ثم يحمل ما رووه على المفقود الذي ظاهر غيبته السلامة جمعًا بينها وبين ما رويناه. انتهى.
قوله: (وعمر رضي الله عنه رجع إلى قول علي رضي الله عنه.
قال ابن قدامة في المغني: قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: تذهب إلى حديث عمر؟ قال: هو أحسنها، يروى عن عمر من ثمانية وجوه، ثم قال: زعموا أن عمر رجع عن هذا هؤلاء الكذابين، قلت: فروي من وجه ضعيف أن عمر قال بخلاف هذا؟ قال: لا إلا أن يكون إنسان يكذب. وقلت له مرة: إن إنسانًا قال لي: إن أبا عبد الله قد ترك قوله في المفقود بعدك، فضحك ثم قال: من ترك هذا القول أي شيء يقول؟ وهذا قول عمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن الزبير، قال أحمد خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى.
قوله: (ولا معتبر بالإيلاء لأنه كان طلاقًا معجلاً فاعتبر في الشرع مؤجلاً فكان موجبًا للفرقة، ولا بالعنة لأن الغيبة تعقب الأوبة والعنة قلما تنحل بعد استمرارها سنة).
للمخالف أن يقول: كون الإيلاء كان طلاقًا معجلاً فاعتبر في الشرع
مؤجلاً لا يمنع من النظر في المعنى الذي جعل لأجله الإيلاء طلاقًا، وهو تفويت الوطء الذي شرع لأجل عقدة النكاح وكذلك المعنى في العنة، وكما أن الظاهر في العنين عدم إمكان الوصول إليها بعد السنة فكذلك المفقود الظاهر هلاكه بعد مضي أربع سنين، ولم يرد عنه خبر، والذي قال بتقدير السنة في العنين هو الذي قال بتقدير الأربع في المفقود، وهو عمر رضي الله عنه، فلم يصح رجوعه عنه، فكيف أخذتم بقوله في تأجيل العنين حولاً، ولم تأخذوا بقوله في تأجيل المفقود أربع سنين.
ومن تأمل ما حكم به عمر رضي الله عنه في أمر المفقود وجده على وفاق القياس الصحيح، فإنه أجل امرأة المفقود أربع سنين، وأمرها أن تتزوج فقدم المفقود بعد ذلك فخيره عمر بين امرأته وبين مهرها أما تقديره الأجل بأربع سنين فإنه لما احتيج إلى انتظار المفقود مدة طويلة لاحتمال عوده، أخذ الأربع من مدة الإيلاء والسنين من أجل العنين لأن كلاً منهما أجل مضروب لانتظار عود الزوج إليها بالوطء، ولم يقم في مقابل هذا المعنى ما يمنعه أو يعارضه، وأما تخييره الزوج بعد حضوره بين امرأته وبين مهرها فلأن تصرفه في التفريق
كان عن حاجة وضرورة دعت إليه بمنزلة تصرف الملتقط في اللقطة بعد التعريف، ثم إن جاء صاحبها بعد ذلك كان مخيرًا بين إمضاء تصرفه وبين المطالبة بها.
فالمفقود المنطقع خبره إن قيل إن امرأته تبقى إلى أن يعلم خبره، بقيت لا أيما ولا ذات زوج إلى أن تبقى من القواعد أو تموت والشرع لا يأتي بمثل هذا، فلما أجلت أربع سنين ولم يكشف خبره حكم بموته ظاهرًا وحينئذ ساغ التفريق لكنه موقوف، فإن قدم الزوج وأجازه صار كالتفريق المأذون فيه، وإن لم يجزه، فإن لم تكن تزوجت بغيره فهي امرأته، وإن كانت قد تزوجت بغيره فإن كان الزوج الثاني لم يدخل بها فهي امرأة الأول أيضًا، وإن كان الزوج الثاني قد دخل بها خير الزوج الأول، إن شاء أجاز التفريق، وإن شاء رده. فإن أجازه جاز، ويكون الزوج الثاني صحيحًا، وإن لم يجزه كانت باقية على نكاحه، وبطل نكاح الثاني لكن له المهر عند الإجازة بناءً على أن البضع متقوم حالة الخروج، وهو قول الأكثرين كمالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه، والله أعلم.