المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيع أم الولد والمدبر والمكاتب - التنبيه على مشكلات الهداية - جـ ٤

[ابن أبي العز]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العتاق

- ‌فصل:

- ‌باب العبد يعتق بعضه

- ‌باب عتق أحد العبدين

- ‌باب العتق على الجعل

- ‌باب التدبير

- ‌باب الاستيلاد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب: ما يكون يمينا وما لا يكون

- ‌فصل في الكفارة:

- ‌باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب وغير ذلك

- ‌باب اليمين في الأكل والشرب

- ‌باب اليمين في الكلام

- ‌فصل:

- ‌باب اليمين في العتق والطلاق

- ‌باب اليمين في الحج والصوم والصلاة

- ‌باب اليمين في تقاضي الدراهم

- ‌كتاب الحدود

- ‌فصل في كيفية الحد وإقامته:

- ‌باب الوطء الذي يوجب الحد والذي لا يوجبه

- ‌باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد القذف

- ‌فصل في التعزير:

- ‌كتاب السرقة

- ‌باب ما يقطع فيه وما لا يقطع

- ‌[فصل في الحرز والأخذ منه]:

- ‌فصل في كيفية القطع وإثباته:

- ‌باب ما يحدثه السارق في السرقة

- ‌باب قطع الطريق

- ‌ القطاع إذا كان فيهم صبي أو مجنون

- ‌كتاب السير

- ‌باب كيفية القتال

- ‌باب الموادعة ومن يجوز أمانه

- ‌باب الغنائم وقسمتها

- ‌فصل في كيفية القسمة:

- ‌اختلف العلماء في قسمة خمس الغنيمة

- ‌فصل في التنفيل:

- ‌باب استيلاء الكفار

- ‌باب المستأمن

- ‌باب العشر والخراج

- ‌باب الجزية

- ‌فصل:

- ‌باب أحكام المرتدين

- ‌باب البغاة

- ‌كتاب اللقطة

- ‌كتاب الإباق

- ‌كتاب المفقود

- ‌كتاب الشركة

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب البيوع

- ‌فصل

- ‌باب خيار الشرط

- ‌باب خيار الرؤية

- ‌باب خيار العيب

- ‌باب البيع الفاسد

- ‌بيع أم الولد والمدبر والمكاتب

- ‌فصل في أحكامه

- ‌ الفرق بين الفاسد والباطل

- ‌فصل في ما يكره

- ‌باب المرابحة والتولية

- ‌باب الربا

- ‌باب السلم

- ‌ الاستصناع

- ‌مسائل منثورة:

- ‌كتاب الصرف

- ‌كتاب الكفالة

- ‌كتاب الحوالة

- ‌كتاب أدب القاضي

- ‌فصل في الحبس

- ‌باب التحكيم

- ‌مسائل شتى من كتاب القضاء:

- ‌باب في القضاء بالمواريث

- ‌كتاب الشهادات

- ‌فصل

- ‌باب من تقبل شهادته ومن لا يتقبل

- ‌ شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض

- ‌ شهادة الذمي على المسلم)

- ‌باب الاختلاف في الشهادة

- ‌باب الشهادة على الشهادة

- ‌فصل:

- ‌كتاب الرجوع عن الشهادة

- ‌كتاب الوكالة

- ‌فصل في البيع:

- ‌فصل:

- ‌باب الوكالة بالخصومة والقبض

- ‌كتاب الدعوى

- ‌باب التحالف

- ‌باب ما يدعيه الرجلان

- ‌باب دعوى النسب

الفصل: ‌بيع أم الولد والمدبر والمكاتب

دون البول.

وقوله: وإنما ثبت بالنص حرمة التنازل. ممنوع، فإن الذي في النص الأمر بالاجتناب وهو فرق حرمة التناول. وقوله: وليس من ضرورته انعدام المالية ممنوع أيضاً، لأن المالية من ميل الطباع إلى ذلك الشئ، والخمر والخنزير لا يميل إليهما بعد التحريم إلا طباع الكافر أو الفاسق.

قوله: (و‌

‌بيع أم الولد والمدبر والمكاتب

فاسد ومعناه باطل).

تقدم التنبيه على ما في بيع المدبر من الإشكال، وأما بيع المكاتب، فقد قال عطاء بن أبي رباح والنخعي والليث وأحمد، وأبو ثور رحمهم الله بجوازه وإن لم يعجز وينتقل إلى المشتري مكاتباً، فإذا أدى بدل الكتابة إلى المشتري عتق وكان ولاؤه له، وقال مالك: المكاتب إذا بيع كان أحق باشتراء كتابته ممن اشتراه إذا قوي على أن يؤدي إلى سيده الثمن الذي باعه به، وكان الشافعي يقول بالعراق: بيعه جائز، ثم قال بمص: لا يجوز،

ص: 358

وقال الأوزاعي: يكره بيع المكاتب قبل عجزه للخدمة، ولا بأس أن يباع للعتق، نقل ذلك ابن المنذر واختار جواز بيعه مكاتباً على حاله، وقال: بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم وهي مكاتبة، ولو كان بيع المكاتب غير جائز لنهى عنه، ففي ذلك أبين البيان على أن بيعه جائز، ولا أعلم خبراً يعارضه، ولا أعلم في شئ من الأخبار دليلاً على عجزها كان. انتهى كلامه.

وحديث بريرة متفق عليه فالنبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة على شرائها وأهلها على بيعها، ولم يسأل أعجزت أم لا؟ وليس في بيع المكاتب محذور فإن بيعه لا يبطل كتابته فإن يبقى عند المشتري كما كان عند البائع، إن أدى إليه عتق، وإن عجز عن الأداء فله أن يعيده إلى الرق، فلو لم تأت السنة به، لكان القياس يقتضيه، بل قد ادعي الإجماع القديم على جواز بيع المكاتب،

ص: 359

قالوا: ولم يأت المنع عنه عن أحد من الصحابة إلا رواية شاذة عن ابن عباس لا يعرف لها إسناد، وقد اعتذر عن قصة بريرة بعذرين:

أحدهما: أن بريرة كانت قد عجزت.

والثاني: أن البيع ورد على مال الكتابة لا على رقبتها.

وأجيب عن الأول: بأن سياق القصة يأبى ثبوت العجز، ولم يرد ما

ص: 360

يدل عليه بوجه، ولكن فيه ما يدل على أنها رضيت ببيعها ولا يلزم منه تعجيزها.

وعن الثاني: بأن عائشة رضي الله عنها اشترتها فأعتقتها، وكان ولاؤها لها، وهذا الذي دل عليه الحديث من جميع طرقه، ولم يرد أنها اشترت المال، ولا كان لعائشة رضي الله عنها غرض في مشترى الدراهم المؤجلة بعددها حالة، وينبغي ألا يكون بيع المدبر والمكاتب من قبيل الباطل على أصل أبي حنيفة أيضاً وذلك أن المدبر مال يجوز بيعه عند جمهور العلماء والمكاتب

ص: 361

عند أحمد وغيره كما تقدم، وقد صرح الأصحاب أن المدبر مال متقوم، وكذلك أم الولد عند الصحابين، وعند أبي حنيفة أنها مال غير متقوم، وكذلك المكاتب مال متقوم فكيف يكون بيع هؤلاء باطلاً، والبيع بالخمر والخنزير الذي ليس هو بمال عند أحد من المسلمين فاسداً، يفيد الملك بالقبض؟.

فإن أجيب بأن المدبر وأم الولد والمكاتب لا يقبلون النقل من ملك إلى ملك، فالخمر والخنزير لا يقبلان النقل أيضاً من ملك إلى ملك.

والقول ببقائه مملوكاً للمسلم بعد إسلامه وانتقاله إلى وارثه المسلم بعد موته ممنوع عند المخالف، وعلى ذلك يقوم الدليل، وفي قوله: ومعناه باطل نظر آخر، وهو أن هذا يناقض ما يأتي في كلامه في آخر الباب وهو قوله: أما البيع في هؤلاء موقوف، وقد دخلوا تحت العقد لقيام المالية ولهذا ينفذ في عبد الغير بإجارته، وفي المكاتب برضاه في الأصح، وفي المدبر بقضاء القاضي، وكذا في أم الولد عند أبي حنيفة/ وأبي يوسف. انتهى.

ص: 362

وقيام المالية فيهم ينافي البطلان لأن القاعدة أن ما كان مالاً في الجملة كان البيع فيه فاسداً، ومالية هؤلاء أظهر من مالية الخمر، بل اعتبار مالية الخمر في الجملة في غاية البعد كما تقدم.

وقد اعتذر السغناقي عن تسميته هذا باطلاً: بأن معناه أنه لا يملك هؤلاء عند اتصال القبض بهم كما لا يملك المبيع فاسداً عند اتصال القبض به، وهذا الاعتذار لازمه تناقض آخر في أن البيع الفاسد يفيد الملك بالقبض وهذا بيع فاسد لا يفيد الملك بالقبض.

فإما أن ينتقض قولهم أن الباطل ما انعدمت المالية في بدليه أو أحدهما، أو قولهم أن الفاسد يفيد الملك عند اتصال القبض به.

قوله: (ولا بيع الحمل ولا النتاج لنهي النبي صلى الله عليه وسلم "عن بيع الحبل وحبل الحبلة".

لفظ الحديث: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة" رواه أحمد ومسلم والترمذي، وفي لفظ:"كان أهل الجاهلية يتبايعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة".

ص: 363

وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. متفق عليه.

وليس في شئ من لفظ الحديث "عن الحبل وحبل الحبلة" وكأن الشيخ نقله بالمعنى، وفي كلامه نظر آخر، وهو أن الحمل هو النتاج في عرف الفقهاء، فلا يصح عطفه عليه، وقال السغناقي في قوله: ولا النتاج: يعني نتاج الحمل وفيه مسامحة.

قوله: (والصوف على ظهر الغنم؛ لأنه من أوصاف الحيوان، ولأنه ينبت من أسفل فيختلط المبيع بغيره، بخلاف القوائم؛ لأنه يزيد من أعلاها وبخلاف القصيل لأنه يمكن قلعه، والقطع في الصوف متعين

ص: 364

فيقع التنازع في موضع القطع، وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام "نهى عن بيع الصوف على ظهر الغنم، وعن لبن في ضرع، وسمن في لبن" وهو حجة على أبي يوسف في هذا الصوف حيث جوز بيعه فيما يروى عنه).

في كلامه هذا نظر من وجوه:

أحدها: أنه قال: لأنه من أوصاف الحيوان، يعني أنه بمنزلة أعضائه، فلا يجوز إفراده بالبيع كما لا يجوز إفراد بعض أعضائه بالبيع، وهذا قياس لا يقوى؛ لأن الأعضاء لا يمكن تسليمها مع سلامة الحيوان، وأيضاً فإنه إذا أبين من الحي كان ميتاً فلا يجوز بيعه بخلاف الصوف، وأيضاً فإنه إذا أبين منه كان فيه تعذيب الحيوان لغير فائدة، بخلاف الصوف لأن جزه في أوانه ينفع الحيوان وبقاؤه يضره.

الثاني: أنه قال: ولأنه ينبت من أسفل فيختلط المبيع بغيره. وهذا لا يمنع؛ لأنه يقطع في الحال فلا ينبت في الآن اليسير من يختلط بالمبيع، ولو نبت فهو شئ يسير جداً جرت العادة بتركه، والعفو عنه، ولا يفضي إلى المنازعة ولا إلى الجهالة في المبيع كما في بيع الثمرة بشرط القطع، والقصيل بشرط القطع لا القلع، وكم في أغصان البان، ومثل هذه الجهالة مغتفرة شرعاً

ص: 365

وعرفاً كمسألة دخول الحمام وإجارة الظئر، بل وسائر الإجارات.

الثالث: أنه قال: بخلاف القوائم لأنه يزيد من أعلاها. ومراده قوائم البان يعني أغصانه، وهذا فرق ساقط فإنها وإن زادت من أعلاها فهو بما تشربه من أسفلها، بل إذا قيل بجواز بيع أغصان البان، كان بيع الصوف على ظهر الغنم أولى بالجواز لأن موضع القطع في الصوف معلوم لا يقع فيه منازعة ولا جهالة.

وأما أغصان البان فليس لها موضع معين تقطع منه بل يقع في قطعها تفاوت، وهو وإن كان قليلاً يعفى عنه فالصوف أقل وأولى بالعفو منه.

ص: 366

الرابع: أنه قال: فيقع التنازع في موضع القطع. وهذا ممنوع أيضاً بل موضع القطع على الصوف، يعرفه أرباب الخبرة أكثر مما يعرف أرباب الخبرة موضع القطع في أغصان البان.

الخامس: أنه قال: وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام "نهى عن بيع الصوف على ظهر الغنم" الحديث. ولم يصح هذا ولا أخرجه أحد من أهل الصحيح، وإنما أخرجه الدارقطني/ والبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وقال: تفرد برفعه عمر بن فروخ، وليس بالقوي. انتهى. ولو صح هذا الحديث لوجب القول به ولم تجز مخالفته.

السادس: أنه قال: وهو حجة على أبي يوسف. ولا يكون حجة على أبي يوسف إلا بعد صحته، وبقوله ..................................

ص: 367

قال مالك وأحمد في رواية عنه.

قوله: (لأن في وجودهما احتمالاً).

يعني أن في وجود النوى في التمر والبزر في البطيخ احتمالاً، وفي هذا التعليل نظر، بل العلم بوجودهما كالعلم بوجود قلب اللوز في قشره ونحوه، وأصح من هذا التعليل في الفرق بين نوى التمر وبزر القطن ونحو ذلك، وبين الجذع في السقف ونحوه أن النوى في التمر متصل بغير المبيع اتصال خلقه وهو تابع له، فكان العجز عن التسليم، فيه معنى أصلياً بخلاف الجذع فإنه غير مال في نفسه، وإنما ثبت الاتصال بينه وبين غيره بعارض فعل العباد إلا أنه عد عاجزاً عن التسليم حكماً لما فيه من إفساد غير المستحق بالعقد، فإذا قلع

ص: 368

والتزم الضرر زال المانع فيجوز.

قوله: (قلنا: العرية: العطية لغة، وتأويله أن يبيع المعرى ما على النخيل من المعري بتمر مجذوذ، وهو بيع مجازاً؛ لأنه لم يملكه فيكون براً مبتدءاً).

اختلف الأئمة الأربعة في معنى العرية التي رخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فحملها أبو حنيفة على ما ذكره المصنف من المعنى، وجعل مالك رحمه الله الرخصة الواردة فيها موقوفة على المعري لا غير فلا يجوز بيع الرطب بالتمر بوجه إلا لمن أعري نخلاً يأكل ثمرها رطباً ثم بدا له أن يبيعها بالثمر فإنه أرخص للمعري أن يشتريها من المعري إذا كان ذلك خرص خمسة أوسق أو

ص: 369

دونها لما يدخل عليه من الضرر في دخول غيره عليه حائطة، لكن لا يجوز بخرصها تمراً بل إلى الجذاذ، قال: وتجوز العرية في كل ما ييبس ويدخر نحو العنب والتين والزيتون.

وأجاز الشافعي رحمه الله بيع ما دون خمسة أو سق من الرطب بالتمر يداً بيد، وسواء كان ذلك فيمن وهب ثمرة نخلة أو نخلات، أو فيمن يريد أن يبيع ذلك المقدار من حائطه لعله أو لغير علة.

والرخصة عنده إنما وردت في المقدار المذكور فخرج ذلك عنده من المزابنة، وما عدا ذلك فهو داخل في المزابنة، ولا يجوز عنده بوجه.

ولا عرية عنده في غير النخل والعنب، وأما أحمد بن حنبل فحكي عنه الأثرم أن العرايا أن يعري الرجل الجار أو القرابة للحاجة والمسكن، فإذا أعراه إياها فللمعري أن يبيعها ممن شاء، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة وأرخص في العرايا فرخص في شئ من شئ فنهى عن المزابنة أن تباع من كل أحد

ص: 370

ورخص في العرايا أن تباع من كل أحد فيبيعها ممن شاء.

قال: وكذلك فسرها لي سفيان بن عيينة وغيره.

قال الأثرم: وسمعت أبا عبد الله يقول: في العرية معنيان لا يجوزان في غيرها؛ فيها: أنها رطب بتمر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وفيها أنها تمر بثمر يعلم كيل التمر ولا يعلم كيل الثمر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذل.

قلت لأبي عبد الله: فإذا باع المعري العرية، أله أن يأخذ الثمن الساعة أو عند الجذاذ؟ قال: بل يأخذ الساعة.

هذا ملخص مما ذكره ابن عبد البر في التمهيد في حديث العرايا، وأحاديث العرايا مخرجة من غير واحد من الصحابة، منها حديث رافع بن خديج، وسهل بن أبي حثمة رضي الله عنهم "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن

ص: 371

المزابنة، بيع الثمر بالتمر، إلا أصحاب العرايا، فإنه قد أّن لهم" رواه أحمد والبخاري، والترمذي وزاد فيه: "وعن بيع العنب بالزبيب، وعن كل تمر بخرصه".

وعن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا أن تشترى بخرصها يأكلها أهلها رطباً" متفق عليه. وفي لفظ: "نهى عن بيع الثمر بالتمر، وقال: ذلك الربا، تلك المزابنة، إلا أنه رخص في بيع العربة النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمراً يأكلوها رطباً" متفق عليه، فالأئمة الثلاثة رحمهم الله متفقون على أن البيع في العرايا بيع مستثنى من النهي، مرخص فيه، مقدر بخمسة أو سق/ أو ما دونها، خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله، والتصريح في الأحاديث بالاستثناء والرخصة حجة عليه في تمسكه بعموم النهي،

ص: 372

والتقدير بالأوساق يرد عليه دعوى أنه بيع مجازاً وأن المعرى لم يملك العرية قبل قبضها إذ لو كان الجواز لعدم ملك المعري لما كان في التقدير فائدة، ولا في ذكر الرخصة ولا في الاستثناء والأصل فيه الاتصال، والأصل في ذكر البيع أن يكون حقيقة، وقرينة- التقدير بالأوساق واستثنائها- تقرر إرادة الحقيقة، وكذلك التنصيص على الرخصة إذ هي استباحة المحظور مع وجود السبب الحاظر.

قوله: (ولو عقدت على استهلاك عين مملوك بأن استأجر بقرة ليشرب لبنها لا يجوز).

ص: 373

وقد قال بعض العلماء بجواز استئجار البقرة مدة معلومة، كما في الظئر، وسيأتي ذكر ذلك في الإجارات إن شاء الله تعالى.

قوله: (ولهما أنه من الهوام، فلا يجوز بيعه، كالزنابير، والانتفاع بما يخرج منه لا بعينه، فلا يكون منتفعاً به قبل الخروج).

يعني النحل، وقول محمد في جواز بيعه أقوى، فإنه حيوان منتفع به، وما ذكر من اعتباره بالزنابير لا يقوى، فالفارق بينهما في غاية الظهور، وكون الانتفاع بما يخرج منه، لا ينافي كونه منتفعاً به، فإن الذي يخرج منه لا يحصل إلا بواسطته فالانتفاع به باعتبار كونه هو الذي يأتي به، فصدق عليه أنه منتفع به كما في الانتفاع بالصقر والفهد ونحوهما، فإن الانتفاع بما يحصله بصيده لا بعينه لم يخرجه ذلك عن كونه منتفعاً به، وكذلك أيضاً القول في دود القز وبزره.

ص: 374

قوله: (ولا بأس ببيع عظام الميتة وعصبها وصوفها وقرنها وشعرها ووبرها والانتفاع بذلك كله لأنها طاهرة لا يحلها الموت لعدم الحياة، وقد قررناه من قبل).

في تعليله نظر، وهو أن الموت لا يحلها لعدم الحياة، ولم يقرره فيما تقدم في كتاب الطهارة بأكثر من أنه لم يتألم بقطعها مع أنه لم يذكر هناك سوى الشعر والعظم ولم يذكر العصب.

وإن سلم له أن العظم لا يتألم فالعصب يتألم بقطعه فلا يصح أن يقال: لا تحله الحياة، وأحسن من هذا، الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم في شاة ميمونة لما ماتت فمر بها فقال:"هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به. فقالوا: إنها ميتة، إنما حرم أكلها" رواه الجماعة، وليس للبخاري والنسائي ذكر الدباغ بحال.

فإن قيل: لا يجوز بيع لحمها، ولا الانتفاع به اتفاقاً فلم يكن العموم مراداً، وإنما قال صلى الله عليه وسلم:"هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به" فلا تتعدى الرخصة إلى غير الجلد.

ص: 375

فالجواب: أنه صلى الله عليه وسلم أجاب بعد ذلك بجواب عام خص منه محل الخبث وهو الرطوبات النجسة إذ هو المنجس، ولهذا يطهر الجلد بالدباغ لزوالها، بل رواية البخاري والنسائي تدل على أنه كان في الابتداء يجوز الانتفاع بجلد الميتة قبل الدباغ ثم نسخ بعد ذلك وهو الراجح، ولهذا ما ليست له نفس سائلة لا ينجس بالموت وهو حيوان كامل لعدم سبب التنجيس منه فالعظم ونحوه أولى.

قوله: ([في حديث عائشة رضي الله عنها] "أبلغني زيد بن أرقم أن الله

ص: 376

أبطل حجه وجهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتب").

الحديث رواه الدارقطني والبيهقي وغيرهما، وليس فيه ذكر حجه وإنما فيه "أبطل جهاده".

قوله: (ولأبي حنيفة أن العاقد هو الوكيل بأهليته وولايته، وانتقال الملك إلى الآمر حكمي فلا يمتنع سبب الإسلام كما إذا ورثهما).

ص: 377

من مفردات أبي حنيفة رحمه الله جواز توكيل المسلم الذمي ببيع الخمر أو الخنزير ولكن يكره عنده هذا التوكيل أشد الكراهة، والخلاف مبني أيضاً على أن الملك يثبت عنده للوكيل أولاً ثم ينتقل إلى الموكل، والنزاع في ذلك معروف، ولا شك أن الوكيل يملك التصرف من وجهة الموكل، فلابد أن يكون الموكل مالكاً لذلك التصرف ليملكه من غيره.

والمسلم لا يملك بيع الخمر والخنزير ولا شراءهما، فكيف يملك أن/ يوكل به، وبهذا يجاب عن قوله: إن الوكيل يتصرف بأهليته وولايته.

ويقال: أما تصرفه بأهلية نفسه فمسلم وأما الولاية فممنوعة، بل بولاية يستفيدها من الموكل إذ لولا التوكيل لما نفذ ذلك التصرف على الموكل.

وقوله: إن انتقال الملك إلى الآمر حكمي. مترتب على صحة الوكالة أولاً، وهي باطلة لما تقدم أن المسلم لا يملك هذا التصرف فلا يملك أن يقيم غيره فيه مقامه، مع أن الكلام في تصور ملكه للخمر والخنزير، فإن الخمر

ص: 378

والخنزير في حق المسلم بمنزلة الميتة والدم، وليس على القول بالفرق بين ذلك دليل صحيح شرعي، بل إذا استحال عصيره خمراً، صار بمنزلة شاته إذا ماتت، ولو كان ذمياً يملك خمراً وخنزيراً فأسلم فإنه يصير ممنوعاً شرعاً من حفظهما.

والقول بأنه يجوز له حفظ الخمر ليخللها تقدم الكلام فيه، ورده "بأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر أتتخذ خلا؟ قال: لا" في باب العاشر.

وقوله: كما إذا ورثهما. صحة القول بإرثهما مترتب على أن الذمي إذا أسلم وفي يده خمر وخنزير يستمر ملكه فيهما حتى إذا مات يخلفه وارثه في ذلك، وهو ممنوع كما تقدم.

ص: 379

قوله: (ومن باع عبداً على أن يعتقه المشتري أو يدبره أو يكاتبه أو أمه على أن يستولدها فالبيع فاسد؛ لأن هذا بيع وشرط، وقد "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط"- إلى أن قال: لأن فيه زيادة عارية عن العوض فيؤدي إلى الربا، ولأنه تقع بسببه المنازعة فيعري العقد عن مقصوده إلا أن يكون متعارفاً؛ لأن العرف قاضٍ على القياس).

عن جابر رضي الله عنه "أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه، قال: ولحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وضربه فسار سيراً لم يسر مثله قط، فقال: يعنيه، فقلت: لا، ثم قال: بعينه فبعته، واستثنيت حملانه إلى أهلي" متفق عليه، وفي لفظ لأحمد والبخاري:"وشرط ظهره إلى المدينة"، وعن عائشة رضي الله عنها "أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق، فاشترطوا ولاءها، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اشتريها وأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق" متفق عليه، ولم يذكر البخاري لفظ "وأعتقيها".

وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط فلم يثبت عند أهل الحديث، وقد أنكره أحمد، وإنما أخرجه الحارثي في مسند أبي حنيفة عن عمرو بن شعيب عن

ص: 380

أبيه عن جده، وأخرجه أبو عمر بن عبد البر وأبو محمد بن حزم بإسنادهما من جهته، وعلى تقدير ثبوته لا يعارض حديث جابر وحديث عائشة، فإن عمومه مخصوص بالإجماع، فيحمل على شرط ينافي العقد أو اشتراط عقد في عقد نحو أن يبيعه شيئاً بشرط أن يبيعه شيئاً آخر، ونحو ذلك للنهي عن صفقتين في صفقة.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عند" رواه الخمسة إلا ابن ماجة فإن له منه "ربح ما لم يضمن، وبيع ما ليس عندك".

ص: 381

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ولهذا قال أحمد: يبطل البيع إذا كان فيه شرطان ولا يبطله شرط واحد.

وروى الخطابي في معالم السنن بسنده إلى عبد الوارث بن سعيد قال: قدمت مكة فوجدت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة عن رجل باع بيعاً وشرط كذا؟ فقال: البيع باطل والشرط باطل.

ثم أتيت ابن أبي ليلي وسألته فقال: البيع جائز والشرط باطل، ثم أتيت ابن شبرمة فسألته فقال: البيع جائز والشرط جائز، فقلت: يا سبحان الله! ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا علي في مسألة واحدة.

فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال: ما أدري ما قالا، حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط" البيع باطل والشرط باطل.

فأتيت ابن أبي ليلى فأخبرته فقال: ما أدري ما قالا، حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:"أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة وأعتقها، وقال: اشتري بريرة واشترطي الولاء لأهلها" البيع جائز والشرط باطل.

ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال: ما أدري ما قالا، حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال: "بعت النبي صلى الله عليه وسلم ناقة/ أو

ص: 382

جملاً، وشرط لي حملانه إلى المدينة" البيع جائز والشرط جائز، انتهى.

وروى هذه الحكاية أيضاً أبو محمد بن حزم في المحلي، وأبو عمر بن عبد البر في التمهيد، وقول المصنف- بعد ذلك-:(والشافعي وإن كان يخالفنا في العتق ويقيس على بيع العبد نسمة، فالحجة عليه ما ذكرناه)

دليل الشافعي قوي، وهو حديث بريرة، فإن عائشة رضي الله عنها اشترتها بشرط العتق، فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وصح البيع والشرط، وإنما بين بطلان شرط الولاء لغير المعتق، ولم يذكر بطلان شرط العتق.

وقوله -بعد ذلك-: (وكذلك إذا باع عبداً على أن يستخدمه البائع شهراً أو داراً على أن يسكنها) حديث جابر يرده إلا إذا استثنى خدمة، أو

ص: 383

سكنى مدة مجهولة.

وقوله: (ولأنه لو كان الخدمة والسكنى يقابلهما شئ من الثمن يكون إجارة في بيع، ولو كان لا يقابلهما يكون إعارة في بيع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة). يجب أن يحمل النهي عن صفقتين في صفقة على نحو أن يبيعه شيئاً بشرط أن يبيعه شيئاً آخر، أو يشتري منه، أو يؤجره، أو يزوجه، أو يسلفه، أو يصرف له الثمن أو غيره لا على استثناء خدمة العبد أو حملان البعير أو سكن الدار أو نحو ذلك مدة معلومة جمعاً بين هذا الحديث وبين حديث جابر؛ ولأن استثناء ذلك بمنزلة شئ معلوم من المبيع، لا يفضي إلى جهالة ولا منازعة ولا غرر.

ولو لم يرد حديث جابر رضي الله عنه لكان مقتضي القياس جواز استثناء مثل هذا، فورود النص على مقتضى القياس لا على منافاته فلم يكن مثل هذا من باب صفقتين في صفقة بل من باب الاستثناء.

ص: 384

وقوله: لأن فيه زيادة عارية عن العوض فيؤدي إلى الربا. فيه نظر لأن الفضل الخالي عن العوض لا يكون ربا مطلقاً حتى جاز بيع البيضة بالبيضتين، والحفنة بالحفنتين، ونحو ذلك، وجاز فيما تعارف الناس اشتراطه كحذو النعل ونحوه، ولو تعارف الناس الربا لا يحل، وأيضاً فإنه ليس هنا خالياً عن العوض بل في مقابلة المبيع لأنه يجوز أن يقابل المبيع بأعواض كثيرة.

وقوله: أو لأنه يقع بسببه المنازعة. فيه نظر أيضاً؛ لأن الظاهر عدم المنازعة جرياً على موجب الشرط، أو لأن المنازع بعد الشرط لا يلتفت إليه لرضاه بالشرط المتعارف والملائم.

وقوله: لأن العرف قاض على القياس. فيه نظر؛ لأن العرف هنا على خلاف النص الذي تقدم ذكره، والعرف الوارد على خلاف النص باطل.

ص: 385

قوله: (ومن باع عيناً على أن لا يسلمها إلى رأس الشهر فالبيع فاسد؛ لأن الأجل في المبيع المعين باطل فيكون شرطاً فاسداً وهذا لأن الأجل شرع ترفيهاً فيليق بالديون دون الأعيان).

فيه نظر؛ لأن حديث جمل جابر يدل على جواز تأجيل قبض المبيع المعين وفيه تقدم.

قوله: (لاختلاف الصحابة رضي الله عنهم فيها).

يعني ي الكفالة إلى النيروز والمهرجان ونحوه، ولم أر لذلك ذكراً في كتب الحديث.

ص: 386

قوله: (ولو باع إلى هذه الآجال ثم تراضيا بإسقاط الأجل قبل أن يأخذ الناس في الحصاد والدياس وقبل قدوم الحاج جاز البيع أيضاً).

في قوله: فإن تراضيا بإسقاط الأجل. نظر، وصاحب الهداية تبع القدوري، والصحيح أن التراضي بإسقاط الأجل ليس بشرط بل رضا من له الأجل وهو المشتري كاف؛ لأنه خالص حقه، وحق الإنسان ما يتولى إسقاطه وإثباته، كذا في الكافي وغيره.

* * *

ص: 387