الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التحكيم
قوله: (وإذا رفع حكمه إلى القاضي فوافق مذهبه أمضاه لأنه لا فائدة في نقضه، ثم إبرامه على ذلك الوجه، وإن خالفه أبطله لأن حكمه يلزمه لعدم التحكيم منه).
في قوله: وإن خالفه أبطله لأن حكمه لا يلزمه، لعدم التحكيم منه، نظراً لأن حكم المحكم بمنزلة حكم المولى في إلزامه الخصمين، والفرق بينهما- بأن ولاية هذا عامة وولاية المحكم خاصة- لا يخرجه عن كونه ملزماً للمحكمين وفائدة التحكيم قطع المنازعة بين الخصمين، وإيصال الحق إلى مستحقه منهما، ولهذا يشترط فيه أهلية القضاء فصار حكمه في هذه القضية الخاصة كحكم الحاكم المولى، ولا يضره كون ولايته قاصرة كالقاضي المولى في بلدة صغيرة أو طائفة قليلة أو واقعة خاصة، وإن لم يكن للمحكم ولاية على
الحاكم الذي وصل حكه إليه فهو لازم للمحكوم عليهما، فعدم جواز إبطاله للزومه للخصمين الذين حكماه ل لغيرهما، فإن القاضي المولى إنما يلزم حكمه لمن حكم عليهما، فكذا المحكم، وإذا كان حكمه صحيحاً لازماً في محل اجتهاد فلا يجوز إبطاله.
وقد يكون حكم المحكم هو الصواب ورأي الحاكم المولى الذي خالفه خطأ؛ إذ الكلام في مثل هذا، فكيف يجوز له إبطاله والحالة هذه لجاز له إبطال حكم الحاكم المولى بمثل هذا، ولجاء الحاكم الآخر أبطل هذا الإبطال وهلم جرا، وخلا الحكم والتحكيم من الفائدة.
وكون حكم الحاكم المولى لازماً لزوماً عاماً في محل الاجتهاد، إنما هو لصحته شرعاً لا لعموم ولايته، ألا ترى أنه لو خالف الدليل الشرعي لاستحق النقض ولا ينفعه عموم ولايته، فكذلك المحكم إذ لاقى حكمه محل اجتهاد نفذ ولا يضره قصور ولايته، فما خالف الدليل الشرعي لا حرمة له وإن حكم به من حكم، وما لم يخالفه نفذ إذا كان من حكم به له ولاية الحكم، وقد تقرر جواز التحكيم لولاية الخصمين المحكمين على أنفسهما فصار في حقهما بمنزلة المولى من الإمام، ولو لم يكن كذلك لخلا التحكيم من الفائدة، إذ لو كان نفاذه موقوفاً على حاكم مولى لكان المحكوم عليه يرفع قضيته إلى الحاكم المولى ليبطله، وتفوت فائدة الإلزام بمنزلة الذين قالوا:{إن أويتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا} ، ويكون التحكيم بمنزلة البعث، فالقول بجواز التحكيم وعدم لزومه في غاية البعد، والقول بلزومه وجوزا نقضه تناقض،
وقال مالك: إن رفع إلى قاض لم يبطله إلا أن يكون خطأ بيناً، واختاره الطحاوي.
قوله: (قالوا: وتخصيص الحدود والقصاص يدل على جواز التحكيم في سائر المجتهدات [كالطلاق والنكاح وغيرهما] وهو صحيح إلا أنه لا يفتي به، ويقال يحتاج إلى حكم المولى دفعاً لتجاسر العوام فيه).
لو أنهم قالوا باشتراط العدالة والعلم والذكورة، وعدم جواز تولية القضاء والتحكيم للفاسق والجاهل والمرأة، لما احتاجوا أن يقولوا: إن هذا يعلم ولا يفتي به لئلا يتجاسر العوام فيه، وإذا كان مثل هذا يترتب عليه فساد كيف يجوز أن ينسب إلى الشريعة، ولو كان منها لأفتى به، وإن كان عدم الإفتاء بجواز التحكيم في سائر المجتهدات سداً للذريعة لئلا يتجاسر العوام فيه، فالقول بعدم جواز/ تحكيمهم أكمل في سد الذريعة، وهذا نظير القول بجواز