الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الجزية
قوله: (كما صالح النبي صلى الله عليه وسلم بني نجران على ألف ومائتي حلة).
فيه وهم في موضعين:
أحدهما: أن نجران اسم بلد باليمن، والمصنف ظنها قبيلة، فقال: بني نجران وإنما يقال: نصارى نجران، وأهل نجران.
الثاني: أن مقدار الحلل، ألفا حلة، وأصل الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل نجران على ألفي حلة، النصف في صفر والبقية في رجب، يؤدونها إلى المسلمين، وعارية ثلاثين درعًا، وثلاثين فرسًا وثلاثين بعيرًا وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها والمسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم" الحديث رواه أبو داود.
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله عنه "خذ من كل حالم وحالمة دينارًا أو عدله معافر").
عن معاذ رضي الله عنه قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأمرني أن آخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعًا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم دينارًا أو عدله معافر" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي.
وعن الحكم قال "كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ رضي الله عنه باليمن، على كل حالم أو حالمة دينار أو قيمته" قال يحيى: ولم نسمع أن على النساء جزية إلا في هذا الحديث. أخرجه البيهقي، وقال: منقطع، وليس في رواية أبي وائل عن مسروق عن معاذ (حالمة) ولا في رواية إبراهيم عن معاذ إلا
شيئًا روى عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ، ومعمر إذا روى عن غير الزهري يغلط كثيرًا.
قوله: (ومذهبنا منقول عن عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، ولم ينكر عليهم أحد من المهاجرين والأنصار).
يمكن أن يقال: إنما لم ينكروا ذلك، لأنه مفوض إلى رأي الإمام على حسب ما يراه من المصلحة، وهذا هو الظاهر وإلا فحديث معاذ في التقدير بدينار يعارضه، وما أجاب به المصنف من أنه كان ذلك صلحًا من أهل اليمن مجرد ظن وتأويل من غير دليل فإنه لم ينقل عنهم أنهم صالحوا على ذلك، وإنما هو ابتداء توظيف، وقد تقدم أن ذكر الحالمة لم يثبت، ويشهد لهذا ما
حكاه البخاري عن [ابن] أبي نجيح قال: قلت لمجاهد: ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال: جعل ذلك من قبل اليسار.
وهذا هو الظاهر من حال الصحابة رضي الله عنهم أنهم فهموا أن ذلك موكول إلى اجتهاد أمير المؤمنين، وهذا إحدى الروايات عن أحمد وهو قول طائفة من السلف والخلف.
قوله: (أما مشركو العرب، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم نشأن بين أظهرهم، والقرآن نزل بلغتهم فالمعجزة في حقهم أظهر).
ذهب الأوزاعي ومالك وسعيد بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن يزيد
ابن جابر إلى أن الجزية تؤخذ من مشركي العرب أيضًا لحديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: اغزوا بسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم [إلى أن قال] فإن هم أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم" الحديث رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وصححه.
واستثنى مالك رحمه الله مشركي قريش لأنهم مرتدون، وقد تقدم في كلام المصنف في باب كيفية القتال: إن امتنعوا ادعوهم إلى أداء الجزية، به أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، آمرًا الجيوش. لكن ادعى هناك أن هذا يخص منه المرتدون
ومشركو العرب دعوى مجردة عن الدليل هناك، ثم ذكر هنا هذا الدليل، وقبول الجزية من المجوس يدل على قبول الجزية من مشركي العرب بطريق الأولى، فإن المجوس أكفر منهم، فإنهم يعتقدون خالقين: أحدهما خالق الخير، والآخر الشر، ويستحلون نكاح الأمهات والبنات والأخوات، ولم يدينوا بدين أحد من الأنبياء لا في عقائدهم ولا في شرائعهم، والأثر الذي فيه أنه كان لهم كتاب فرفع، وبطلت شريعتهم، لا يصح أصلاً، ولو صح فقد ارتفع، وليسوا على شيء منه، بخلاف مشركي العرب فإنهم على بقايا من دين إبراهيم، ويقرون بتوحيد الربوبية، وأنه لا خالق إلا الله، فإنهم إنما يعبدون آلهتهم لتقربهم إلى الله سبحانه، ولا يستحلون الأمهات والبنات والأخوات، ولكن بقي هنا أمر آخر، وهو أن مشركي العرب لم يبق منهم أحد بعد نزول آية الجزية، لأنها إنما نزلت بعد أن أسلمت دارة العرب، فإنها
نزلت بعد فتح مكة، ووقعة الطائف، ولهذا غزا بعد ذلك تبوك، وكانوا نصارى، ولو كان بأرض العرب مشركون، لكانوا يلونه فكانوا أولى بالغزو من الأبعدين، ومن تأمل السيرة وأيام الإسلام علم أن الأمر كذلك فلم تؤخذ منهم الجزية لعدم من تؤخذ منه لا لأنهم ليسوا من أهلها.
قوله: (وعند الشافعي يسترق مشركو العرب، وجوابه ما قلنا).
يشير إلى ما تقدم من أن النبي صلى الله عليه وسلم نشأ بين أظهرهم، والقرآن نزل بلغتهم، فالمعجزة في حقهم أظهر، وفيه نظر، فإنه لا يقوى هذا المعنى في مقابلة قوله تعالى {حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء، حتى تضع الحرب أوزارها} وقصة سبي هوازن معروفة وهم سبي أوطاس، وقصة السبي في وقعة بدر معروفة، وكانوا رجالاً وكان قد أشار أبو بكر رضي الله عنه في أمرهم بقبول الفدية، وأشار عمر رضي الله عنه بضرب أعناقهم، وقال: "تمكن عليًا من عقيل يضرب عنقه، وتمكن حمزة من العباس يضرب