الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الغنائم وقسمتها
قوله: (فهو بالخيار إن شاء قسمه بين الغانمين كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، وإن شاء أقر أهله عليه، ووضع عليهم وعلى أراضيهم الخراج، كذلك فعل عمر رضي الله عنه بسواد العراق بموافقة من الصحابة رضي الله عنهم، ولم يحمد من خالفه، وفي كل ذلك قدوة فيتخير).
في كلامه نظر من وجوه:
أحدها: قوله: فهو بالخيار. فإن ظاهره أنه اختيار تشه، وليس كذلك، وإنما على الإمام أن يجتهد ويفعل ما يراه أنه الأصلح.
الثاني: دعواه أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم خيبر بين الغانمين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قسمها على ستة وثلاثين سهمًا، جمع كل سهم مائة سهم، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك: ألف وثمانمائة سهم، لرسول الله صلى الله عليه وسلم سهم كسهم أحد المسلمين، وعزل النصف الآخر لنوائبه وما ينزل به من أمور المسلمين، قال البيهقي: وهذا لأن خيبر فتح شطرها عنوة، وشطرها صلحًا، فقسم ما فتح عنوة بين أهل الخمس والغانمين، وعزل ما فتح صلحًا
لنوائبه وما يحتاج إليه في أمور المسلمين وهذا بناءً منه على أصل الشافعي رحمه الله: أنه يجب قسم الأرض المفتتحة عنوة كما تقسم سائر الغنائم، فلما لم يجده قسم الشطر من خيبر، قال: إنه فتح صلحًا، ومن تأمل السير والمغازي حق التأمل تبين له أن خيبر إنما فتحت عنوة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استولى على أراضيها كلها بالسيف غنوة ولو فتح شيء منها صلحًا لم يجلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فإنه لما عزم على إخراجهم منها، قالوا: نحن أعلم بالأرض منكم، دعونا نكون فيها، ونعمرها لكم بشطر ما يخرج منها، وهذا صريح جدًا في أنها فتحت عنوة.
قال أبو عمر بن عبد البر: هذا هو الصحيح في أرض خيبر أنها كانت عنوة كلها مغلوبًا عليها انتهى.
وقال ابن إسحاق: وأما من قال إن خيبر كان بعضها عنوة فقد وهم وغلط انتهى.
وقد حصل بين المسلمين واليهود بها من الحراب والمبارزة والقتل من الفريقين ما هو معلوم ولكن لما ألجئوا إلى حصنهم نزلوا على الصلح الذي بذلوه: أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء، والحلقة والسلاح، ولهم رقابهم وذريتهم ويجلوا من الأرض، فهذا كان الصلح، ولم يقع بينهم صلح أن شيئًا من أرض خيبر لليهود، ولو كان كذلك، لم يقل: نقركم ما شئنا ولا كان عمر أجلاهم كلهم من الأرض، ولم يصالحهم أيضًا على أن الأرض للمسلمين وعليها خراج يؤخذ منهم فإنه لم يضرب على خيبر خراجًا البتة فالصواب الذي لا شك فيه أنها فتحت عنوة، والإمام مخير في أرض العنوة بين قسمها وتركها، وبين قسم بعضها وترك بعضها، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنواع الثلاثة فقسم أرض قريظة والنضير، ولم يقسم مكة، وقسم شطر خيبر وترك شطرها، وقد ذكر في معنى قسمة خيبر على ألف وثمانمائة سهم أنها كانت طعمة من الله لأهل الحديبية من شهد منهم، ومن غاب عنها، وكانوا ألفًا وأربعمائة، وكان معهم مائتا فرس لكل فرس سهمان، قالوا: ولم يغب عن خيبر من أهل الحديبية إلا جابر بن عبد الله فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها، وقسم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهمًا.
الثالث: ما ذكره من التخيير من الاقتداء بفعل عمر رضي الله عنه، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وما فعله عمر رضي الله عنه بسواد العراق موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفهم عمر رضي الله عنه/ ومن وافقه في ذلك أصح من فهم من خالفهم فيه كبلال وغيره رضي الله عنهم، كيف والأرض لا تدخل تحت حكم الغنيمة، وإنما تدخل تحت حكم الفيء فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي" مع أن الله أحل لهم ديار الكفرة وأراضيهم كما قال تعالى: {قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين} وقال تعالى -في حق ديار فرعون وقومه وأرضهم-: {وأورثناها بني إسرائيل} وقال تعالى: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض} وقال تعالى -حكاية عن موسى-: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم} وأما المنقولات فكانت تأكلها النار، وقد
وقع في عبارة الشيخ حافظ الدين النسفي وغيره: أن الإمام إذا فتح بلدة عنوة بالخيار، إن شاء خمسها وقسم الباقي بين الغانمين، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر. وفي ذلك نظر، فإنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خمس أرضًا، لا خيبر ولا غيرها، بل قد روى أحمد وأبو داود عن بشير بن يسار "عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أدركهم يذكرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهمًا، جمع كل سهم مائة سهم، فجعل نصف ذلك كله للمسلمين، فكان في ذلك النصف سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معها، وجعل النصف الآخر لمن ينزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس" وفي رواية "فعزل للمسلمين الشطر ثمانية عشر سهمًا، فجمع كل سهم مائة سهم، النبي صلى الله عليه وسلم له سهم كسهم أحدهم" الحديث، وعن أسلم -مولى عمر رضي الله عنه قال: عمر رضي الله عنه: "أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس ببانًا ليس لهم من شيء، ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، ولكن أتركها خزانة لهم يقتسمونها" رواه البخاري ومعنى قوله: كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، لا يلزم منه قسمها
كلها بين الغانمين كما ظنه كثير من الفقهاء، فإنه قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يقسمها كلها بين الغانمين ولو كان تخميسها واجبًا لما جاز تركه مع أنكم قد قلتم: إن شاء خمسها وقسمها بين الغانمين، وإن شاء تركها كلها في يد أهلها بالخراج عليها، ولا يشكل على هذا حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أيما قرية أتيتموها فأقمتم فيها فسهمكم فيها، وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ورسوله، ثم هي لكم" رواه أحمد ومسلم، فإنه وإن كان ظاهره يشمل الأرض وغيرها لكن فعله صلى الله عليه وسلم في خيبر يبين أن المراد غير الأرض، فإن قيل: يشكل على هذا قول ابن شهاب: "خمس رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ثم قسم سائرها على من شهدها ومن غاب عنها من أهل الحديبية" أخرجه أبو داود، قيل: يحمل على ما غنمه منها من المنقولات لا على أراضيها، للتوفيق بين الأخبار، كيف وهو ظاهر، وذاك نص، والنص مقدم على الظاهر، أعني بالظاهر قول ابن شهاب، وبالنص حديث بشير بن يسار الذي فيه "أن النبي صلى الله عليه وسلم معهم -أي مع الغانمين -له سهم كسهم أحدهم" وأيضًا فقول ابن شهاب: ثم قسم سائرها إلى آخره يدل على أن مراده غير الأرض، فإن الأرض لم يقسم سائرها بين من شهدها ومن غاب عنها من أهل الحديبية، وإنما قسم بينهم نصفها، وترك النصف الآخر لنوائب المسلمين كما تقدم، وأيضًا فإن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة عنوة -على الصحيح -وأقر أهلها عليها، ولم
يخمسها ولم يقسمها، فدعوى التخميس في الأراضي والحالة هذه لا تقوى، وعن أحمد في تخميس الأرض روايتان.
قوله: (ولنا قوله تعالى {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} ولأنه بالأسر والقهر/ ثبت حق الاسترقاق فيه، فلا يجوز إسقاطه بغير منفعة وعوض، وما رواه منسوخ بما تلونا).
فيه نظر، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأسارى أنه كان يمن على بعضهم، ويقتل بعضهم، ويفادي بعضهم بالمال، وبعضهم بأسارى
المسلمين فقد فعل ذلك كله بحسب المصلحة، وقد تعالى {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها} وقوله: ولأنه بالأسر والقهر ثبت حق الاسترقاق فيه، فلا يجوز إسقاطه بغير منفعة؛ منقوض بجواز قتلهم.
وقوله: وما رواه منسوخ بما تلونا. وكذلك أيضًا ذكر الأصحاب أن آية القتال منسوخة بآية براءة، لا يقوي دعوى النسخ فإن عموم قوله تعالى {اقتلوا المشركين} مخصوص بجواز الاسترقاق، وجواز المن عليهم بالرقاب والأراضي كما تقدم، والإمام يفعل في ذلك ما يراه مصلحة، من القتل، والاسترقاق وضرب الجزية على من هو أهلها، فكذلك المن والفداء، فقد تكون مصلحة ذلك تربو على مصلحة القتل أو الاسترقاق بأضعاف مضاعفة.
قوله: (ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الغنيمة في دار الحرب").
هذا حديث منكر لا يعرف.
قوله: (ولأن الاستيلاء إثبات اليد الحافظة والناقلة، والثاني منعدم،
لقدرتهم على الاستنقاذ ووجوده ظاهرًا).
للمخالف أن يمنع هذا، ويقول: بل قد ثبتت اليد بحيازة الغنيمة، وإزالة يد الكفار وثبتت يد المسلمين فقد تم الملك فاشتراط النقل إلى دار الإسلام لتمام الملك لا يقوى، فإن القدرة على التصرف -في هذه الحالة -للمسلمين دون الكفار، ولهذت لو أسلم عبد الحربي، ولحق بجيش المسلمين صار حرًا، وهذا يدل على زوال ملك الكافر بإحراز الجيش له، وإن لم ينقلوه إلى دار الإسلام مع أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقسم الغنائم قبل أن ينقلها إلى دار الإسلام، فإنه قسم غنائم حنين بالجعرانة، وكانت يومئذ من دار الحرب، وكذلك قسم غنائم خيبر قبل أن ينقلها إلى المدينة، وذلك معروف في السنن والسير، ذكره ابن عبد البر وغيره.
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام "الغنيمة لمن شهد الوقعة").
لا يعرف هذا الحديث مرفوعًا، ولم يحتج به الشافعي رحمه الله
مرفوعًا، وإنما أخرجه الشافعي من كلام أبي بكر وعمر واحتج به.
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام "من أسلم على مال فهو له").
أخرجه البيهقي وضعفه، ولكن قد جاء معناه في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام" وروى أحمد وأبو داود عن صخر بن عيلة "أن قومًا من بني سليم فروا عن أرضهم حين جاء الإسلام فأخذتها، فأسلموا فخاصموني فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فردها عليهم، وقال: إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله" وهو حجة لمحمد في الأراضي وفيما هو غصب من ماله في يد مسلم.
قوله: (وله أنه مال مباح فملك بالاستيلاء، والنفس لم تصر معصومة