الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب اليمين في الخروج والإتيان والركوب وغير ذلك
قوله: (ولو قال: إلا أن آذن لك فأذن لها، ثم خرجت بعدها بغير إذنه لم يحنث لأن هذه كلمة غاية فينتهي اليمين به، كما إذا قال: حتى آذن لك).
فرق بين قوله لزوجته: إن خرجت إلا بإذني وإن خرجت إلا أن آذن لك وقال: إن الإذن في كل مرة شرط في قوله إلا بإذني، دون قوله: إلا أن آذن لك فيه نظر، ويجب أن يكون -إلا أن آذن -كقوله: إلا بإذني، ويشترط الإذن في كل مرة فيهما، وهذا قول الفراء وهو مذهب أحمد رحمه الله.
وذلك لأن تقدير: إلا أن آذن لك: إلا بإذني، لأن أن والفعل في تقدير المصدر، وحرف الجر وهو الباء مقدر فيه، كأنه قال: إلا بأن آذن لك، والمقدر في حكم الملفوظ فلا فرق بين قوله إلا بإذني وإلا أن آذن لك والجار والمجرور في الموضعين في محل نصب على الاستثناء من الأحوال أي إلا خروجًا/
ملتبسًا بإذني، ومن هنا حصل العموم فإنه نهاها عن كل خروج إلا خروجًا ملصقًا بالإذن، ولهذا كان قوله تعالى:{لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ..} الآية يشترط فيه الإذن في كل مرة كما في قوله تعالى: {وما تشاءون إلا أن يشاء الله} وقوله تعالى: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا * إلا أن يشاء الله} وقوله تعالى: {ولكن لا تواعدوهن سرًا إلا أن تقولوا قولاً معروفًا} وقوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارةً عن تراض منكم} وإن كان الاستثناء هنا منقطعًا لكن لا يضر في الاستشهاد، ونظائره كثيرة، وتعليله -بأن هذه كلمة غاية فينتهي اليمين به كما إذا قال: حتى آذن لك -فيه نظر أيضًا، وقدمت بيان إعراب هذه الكلمة ولا شك أنها للاستثناء دون الغاية، ولكن الاستثناء هنا من الأحوال ومعناه أنه نهاها عن الخروج على كل حال إلا في حال ملتصقة بالإذن، وحتى آذن لك، وإن كان للغاية لكنه في معنى إلا أن آذن لك وفي معنى إلا بإذني فيحتاج إلى تكرير الإذن فيها، لا أن يكون إلا أن آذن بمعناها، ولا يحتاج إلى تكرير الإذن ولا يمنع كونها للغاية من تكرار الإذن كما في قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها} فإنه لابد
عند كل دخول من الاستئناس والسلام على أهلها، وكذا قوله تعالى في الآية التي بعدها {فإن لم تجدوا فيها أحدًا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم} وقولهم إن الأصل أن دخول بيت الغير حرام فلهذا شرط تكرار الإذن.
جوابه: أن التحريم ثبت بهذا النهي الذي قد استثنيت من أحواله حالة الإذن وكذلك هذه الزوجة قد صارت بنهي الزوج لها عن الخروج ممنوعة عن الخروج في جميع الأحوال إلا في حالة الإذن، وممنوعة عن كل خروج إلى غاية الإذن.
وقولهم: إن اشتراط الإذن في كل مرة هناك إنما علم بآخر الآية وهو قوله تعالى {إن ذلكم كان يؤذي النبي} ومعنى الإيذاء موجود في كل ساعة.
جوابه: إن نظير ذلك المعنى موجود هنا أيضًا وهو خروج المرأة بغير إذن زوجها من بيتها يؤذي زوجها فلذلك نهاها أن تخرج من بيته حتى يأذن لها في الخروج أو إلا أن يأذن لها فيه، فالحاصل أن كون حتى للغاية لا يمنع من اشتراط الإذن في كل مرة، فإنها لو خرجت مرة بغير إذن ثم خرجت مرة أخرى بغير إذن، لا يقال إن النهي انتهى بالخرجة الأولى، وتكون الخرجة الثانية غير منهي عنها، فدل أن نهيه عن الخروج إلى غاية الإذن بمنزلة نهيه عن الخروج على كل حال إلا في حال الإذن، إلا أن ينوي خلاف ذلك في الموضعين لأنه نوى محتمل كلامه، والشافعي عكس ذلك وقال: إنه يكتفي بالإذن مرة في الألفاظ كلها إلا أن ينوي خلاف ذلك.
وللمسألة لفظان آخران وهما:
بغير إذني، وإلى أن آذن لك، واشتراط الإذن في كل مرة في الكل أظهر، بخلاف ما إذا قال: لا أكلم فلانًا إلا أن يقدم فلان أو حتى يقدم فلان أو إلا أن يأذن فلان أو حتى يأذن، أو قال لرجل قد دخل إليه: والله لا يخرج إلا بإذني حيث لا يتكرر اليمين في هذا كله لأن قدوم فلان مما يتكرر عادة، والإذن في الكلام يتناول كل ما وجد منه بعد الإذن وخروج الرجل الأجنبي مما لا يتكرر بخلاف الإذن للزوجة في الخروج فإنه مما يتكرر، والإذن لا يتناول إلا ذلك الخروج المأذون فيه عادة، والحاكم في ذلك كله العرف وهو على هذا التفصيل والله أعلم.
* * *