الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب البيوع
قوله: (ولنا أن في الفسخ إبطال حق الآخر فلا يجوز، والحديث محمول على خيار القبول وفيه إشارة إليه فإنهما متبايعان حالة المباشرة لا بعدها أو يحتمله فيحمل عليه، والتفرق تفرق الأقوال).
هلا قال في خيار البلوغ في النكاح إن في الفسخ إبطال حق الآخر. ولا نص هناك، وللمخالف أن يقول: إن خيار المجلس لا يوجب إبطال حق الآخر بعد ثبوته، بل فيه امتناع من لزومه قبل ثبوته.
فإن من قال بثبوت خيار المجلس، لا يقول بلزومه قبل التفرق بالأبدان، وله أن يقول: إن حمل الحديث على خيار القبول هضم لفائدته إذ قد علم أنهما بالخيار قبل العقد في إنشائه وإتمامه أو تركه.
وكلام الشارع يجب حمله على أكمل الفوائد، ولم يكن خيار القبول مما يحتاج إلى بيان من الشارع، فإنه بين معلوم، فلابد من حمل كلام الشارع على فائدة جليلة.
فإن قيل: إن المراد إفادة أن للآخر القبول في المجلس لا مطلقًا في المجلس وبعده إلى ما لا نهاية، قيل: هذه الفائدة لا تخفى حتى تحتاج إلى بيان، وله أن يقول: إن تسميتهما متبايعين حالة المباشرة حقيقةً، لو سلم لا يمنع من إثبات حكم الخيار إلى أن يوجد التفرق، ولا يتم المراد إلا بأن يكون المراد من التفرق: تفرق الأقوال، وهو ممنوع، وقد استدل لوروده بقوله تعالى:{وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة} ، وقوله تعالى:{لا نفرق بين أحدٍ من رسله} ، وقوله تعالى:{وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته} .
وقوله عليه الصلاة والسلام: "
…
وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة". وفرق بينهما بأن هذه الشواهد كلها ليس فيها تفرق بالأقوال التي هي
تلفظ باللسان، وإنما هي تفرق في الاعتقاد، وذلك عمل القلب، وتفرق من عقده انحل بعد عقده أعني في قوله تعالى:{وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته} والمتبايعان في حال مباشرة العقد إنما بينهما اتفاق على الثمن والمبيع بعد الاختلاف فيه، ولو كان المعنى أنهما بالخيار حال مباشرة العقد قبل أن يفرغا منه لكانت العبارة الصحيحة عن ذلك "ما لم يتفقا" لا "ما لم يتفرقا" لأنهما بعد العقد قد اتفقا عليه.
قال أبو عمر بن عبد البر: وأما ما اعتلوا به من أن الافتراق يكون بالكلام، فيقال لهم: أخبرونا عن الكلام الذي وقع به الاجتماع، وتم به البيع أهو الكلام الذي أريد به الافتراق أم غيره؟ فإن قالوا: هو غيره، فقد أحالوا وبجاؤوا بما لا يعقل، لأنه ليس ثم كلام غير ذلك، وإن قالوا: هو ذلك الكلام بعينه، قيل لهم: كيف يجوز أن يكون الكلام الذي به اجتمعا وتم به بيعهما به افترقا وبه انفسخ بيعهما؟ هذا ما لا يفهم ولا يعقل. انتهى.
والذين اختلفوا في الكتاب أو في الرسل أو في العقائد، قد افترقوا ولم يتفقوا فلا يصح حمل الحديث عليه، وأيضًا فإن الصحابة إنما فهموا تفرق الأبدان فإن ابن عمر رضي الله عنهما "كان إذا بايع رجلاً مشى خطوات"،
وفسره أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه بالتفرق بالأبدان، وروي ذلك أيضًا عن عمر وابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم ولم ينقل عن
أحد منهم خلاف ذلك وبه قال سعيد بن المسيب وشريح والشعبي وعطاء وطاوس والزهري والأوزاعي وابن أبي ذئب والشافعي وأحمد، وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور، وقال مالك وأبو حنيفة بلزوم العقد بمجرد الأيجاب والقبول، ونقل عن الشافعي رحمه الله أنه قال: لا أدري هل اتهم مالك نفسه أو نافعًا وأعظم أن أقول: عبد الله بن عمر، وقال ابن أبي ذئب: يستتاب مالك في تركه لهذا الحديث بعد
روايته له، نقل ذلك صاحب «المغني» ، وأيضًا رواه الدارقطني وفي لفظه:"حتى يتفرقا من مكانهما" ففي الحديث زيادة بيان لما في حديث ابن عمر المتفق عليه، مع أنه في كثير من رواياته "ما لم يتفرقا، وكانا جميعًا".
قوله: (إلا أن يبين ثمن كل واحد، لأنه صفقتان معنى).
فيه نظر، فإنه لو تعدد الثمن، واتحد العاقد والعقد، فإن خاطب واحدًا
واحدًا وقال: بعت منك هذه الأثواب العشرة كل ثوب بعشرة كانت الصفقة متحدة، ذكره في المحيط وغيره، وكلام الشيخ في الرهن يدل على هذا، واعتذر عن الشيخ بأن مراده تكرار لفظ العقد بأن قال: بعت منك هذا الثوب بعشرة، وبعت منك هذا الثوب بعشرة، وهذا لا يفهم من كلام الشيخ.