الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الحبس
قوله: (وكذا عند أبي حنيفة ضمان الإعتاق).
يعني أنه يسقط عنده بموت المعتق لأنه من باب الصلة، وليس قول أبي حنيفة على ما ذكره المصنف من الإطلاق، بل إنما يسقط ضمان الإعتاق بموت المعتق إذا كان قد أعتق في مرض موته، أظهر؛ لأنه إذا مات وترك مالاً فهو موسر فيقضي ما عليه لشريكه من قيمة حصته مما تركه، كما لو كان الإعتاق في الصحة، والنص الوارد بتضمين الموسر لم
يفصل فيه بين الإعتاق في الصحة وبين الإعتاق في المرض، ولا نسلم أن الضمان وجب بطريق الصلة والتحمل فقط، بل فيه معنى الضمان فقد حصل الإتلاف معنى في نصيب الشريك، وقد تقدم في كلام المصنف في كتاب الوقف أن الإعتاق إتلاف، ولو عكس لكان أولى كما تقدم، وأكمل من هذا المعنى أن ضمان الإعتاق من باب تملك مال الغير بقيمته للضرورة وكون العبد سعى في قيمته عند إعسار المعتق لا يخرجه عن كونه فيه معنى الضمان بل هذا من محاسن هذه الشريعة المطهرة وهو مراعاة المصلحة من الجانبين.
قوله: (ويجوز قضاء المرأة في كل شئ إلا في الحدود والقصاص اعتباراً بشهادتهما وقد مر الوجه).
جمهور العلماء على عدم جواز تولية المرأة القضاء، الأئمة الثلاثة
وغيرهم، واختاره الطحاوي وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة".
ولأن القاضي يحضره محافل الخصوم ويحتاج فيه إلى كمال الرأي وتمام العقل والفطنة والمرأة ناقصة العقل قليلة الرأي ليست أهلاً للحضور في محافل الرجال ولا تقبل شهادتها فيما يطلع عليه الرجال، ولو كان معها ألاف امرأة مثلها ما لم يكن معهن رجل، وقد نبه الله على ضلالهن ونسيانهن بقوله تعالى:{أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى} ولا تصلح للإمامة الكبرى ولا لتولية البلدان ولهذا لم يول النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ولا من بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد فيما نقل عنهم، ولو جاز ذلك لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من خلفائه الراشدين تبييناً للجواز.
قوله: (وإذا فوض إليه يملكه فيصير الثاني نائباً عن الأصيل حتى لا
يملك الأول عزله).
يعني إذا فوض السلطان إلى القاضي الاستتابة. وإطلاق المصنف هنا يحتاج إلى تقييد، وهو أن يكون هذا في حق من فوض إليه بقضاء بلدة كذا بخلاف ما إذا جعله قاضي القضاة حسبما قد اصطلح على إطلاق هذه اللفظة مع كراهتها؛ لأنها في معنى الاسم الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم وهو ملك الملوك، فإن شاهان شاه، وملك الملوك، وسلطان السلاطين، وحاكم الحكام، وقاضي القضاة لا ينبغي أن تكون هذه الأسماء إلا لله تعالى، فإن معنى التسمية بقاضي/ القضاة في الاصطلاح: أن يولي من شاء نائباً عنه ويعزله إذا شاء فكان الإذن في ذلك دلالة، وهي بمنزلة الصريح، وقد أشار إلى هذا في فصول الاسترشني وهو ظاهر.
قوله: (وفيما اجتمع عليه الجمهور ولا يعتبر مخالفة البعض وذلك خلاف وليس باختلاف).
في هذا مخالفة لما قرر في أصول الفقه أن الإجماع لا ينعقد بمخالفة البعض، وإن كان ذلك المخالف واحداً، وقد أجاب السنغاقي عن هذا الإيراد: أن ذلك فيما إذا سوغوا له الاجتهاد في ذلك الحكم، وأما إذا لم
يسوغوا له فلا اعتبار بمخالفته. والمراد والله أعلم أن الخلاف إنما يعتبر إذا كان عن اجتهاد، وذلك الحكم مما يسوغ فيه الاجتهاد بأن كان الدليل عليه مما يحتاج إلى النظر والتأمل وغير ذلك لا يعتبر قول المخالف فيه، وقد تنوعت عبارات الفقهاء في تقرقر هذا المعنى، ولا شك أن ظاهر كلام المنصف هنا مشكل والله أعلم.
* * *