الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب البيع الفاسد
قوله: (والبيع بالخمر والخنزير فاسد لوجود حقيقة البيع، وهو مبادلة المال بالمال، فإنه مال عند البعض
…
إلى أن قال: وأما بيع الخمر والخنزير إن كان بالدين كالدراهم والدنانير فالبيع باطل، وإن كان قوبل بعين فالبيع فاسد حتى يملك ما يقابله وإن كان لا يملك عين الخمر والخنزير، ووجه الفرق أن الخمر مال وكذا الخنزير مال عند أهل الذمة إلا أنه غير متقوم لما أن الشرع أمر بإهانته
…
إلى آخر المسألة).
فيه نظر، بل ينبغي أن يكون البيع باطلاً على كل حال، فإن في جعل الخمر ثمناً إعزازاً لها أيضاً؛ لأن الأثمان يجب أن تكون أموالاً، والخمر ليست
بمال في حق المسلم. وقوله: فإنه مال عند البعض. يوهم أن الخمر والخنزير مال عند بعض المسلمين، وهذا غير صحيح، وكونهما مالاً عند أهل الذمة لا ينبني عليه حكم عند المسلمين، فإن اعتقادهم ماليتهما اعتقاد باطل.
وكوننا لا نتعرض إليهم إعراضاً عنهم كما لا نتعرض إليهم في كفرهم، والخمر وإن كانت مباحة في دينهم ومالاً عندهم فالخنزير حرام ليس بمال في دينهم، وليس لهم على تحليله دليل عن نبيهم، قيل: إن الخنزير لم يحل في ملة نبي من الأنبياء، وقيل: إنه نزل تحريمه على آدم.
وكم قد بدلوا من شريعتهم، ونحن لا نتعرض إليهم في شئ من ذلك، ولو كان الخنزير مالاً عندهم في شريعتهم لم يلزم منه اعتبار جواز ذلك في ديننا لأن ذلك مما نسخ في شريعتنا، لا فرق بين الخمر والخنزير وبين الدم والميتة، وكما أنا إذا ضربنا الجزية على الجوسي أو الوثني من العجم وهم يبيعون الدم والميتة لا يتعرض لهم في ذلك ولا يلزم منه أن يكون الميتة والدم مالاً، ويكون البيع بها فاسداً لا باطلاً فكذلك الخمر والخنزير.
وقول صاحب المبسوط: إن المالية بكون العين شرعاً منتفعاً بها، وقد أثبت الله تعالى ذلك في الخمر بقوله:{ومنافع للناس} ؛ ولأنها كانت مالاً متقوماً قبل التحريم وإنما ثبت بالنص حرمة التناول ونجاسة العين.
وليس من ضرورته انعدام المالية كالسرقين إلا أنه فسد تقومها شرعاً لضرورة وجوب الاجتناب عنها بالنص، ولهذا بقيت مالاً متقوماً في حق أهل الذمة فانعقد العقد بوجود ركنه في محله بصفة الفساد. انتهى.
جوابه مع ما تقدم أنا لا نسلم أن الخمر مما يجوز الانتفاع بها شرعاً، والآية التي ذكرها، قد نزل بعدها قوله تعالى:{إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} الآيات، فأمر سبحانه باجتناب الخمر، ولهذا لا يجوز التداوي بها عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد وهو أحد الوجهين في مذهب الشافعي، لأنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم/ "أنه سئل عن الخمر تصنع للدواء؟ فقال:
أنها داء وليست بدواء".
وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن الدواء الخبيث" والخمر أم الخبائث، وذكر البخاري وغيره عن ابن مسعود أنه قال:"إن الله لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها". ورواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سلبها الله سبحانه المنفعة وحرمها، وقياسه على السرقين ممنوع أيضاً بل هي بمنزلة البول، لأنا أمرنا باجتنابها كما أمرنا باجتناب البول، ولم نؤمر باجتناب السرقين، ولهذا جاز بيع السرقين