الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب العتق على الجعل
قوله: (ثم الأداء في قوله: إن أديت، يقتصر على المجلس لأنه تخيير، وفي قوله: إذا أديت، لا يقتصر، لأن: إذا، تستعمل للوقت بمنزلة متى).
يعني فيمن قال لعبده إن أديت إلي ألفًا فأنت حر، أنه يقتصر الأداء على المجلس وفي كونه يقتصر على المجلس نظر من وجهين:
أحدهما: أنه تعليق بشرط الأداء، والتعليق لا يقتصر على المجلس، ومعنى المعاوضة فيه إنما يثبت في الانتهاء لا في الابتداء على ما ذكره المصنف، والمعتبر في الابتداء حكم التعليق ولهذا لا يشترط القبول كسائر الشروط، وعن أبي يوسف أنه لا يتقيد بالمجلس وهو الذي يوافق ما قرره، وأي فرق بين قوله إن أديت إلي ألفًا فأنت حر وبين قوله إذا أديت أو متى أديت، والكل من أدوات الشرط، وإن كانت: إن حرفًا، و: إذا، و: متى اسمان وهما من ظروف الزمان فلا يلزم من ذلك الاقتصار على المجلس، بل القول بعدم الاقتصار في: إذا، و: متى، مما يقوى القول بعدم الاقتصار في: إن.
وقول المصنف: لأنه تخيير، يعني يقتصر على المجلس، فيه نظر أيضًا فقد تقدم في أول باب تفويض الطلاق ما في الخيار من الخلاف، وأن الأقوى
عدم الاقتصار فيه على المجلس لقوله عليه الصلاة والسلام -لعائشة رضي الله عنها -لما خيرها: "فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك" الحديث رواه الجماعة إلا أبا داود.
والثاني: أنه قد قال قبل ذلك: ولو علق عتقه بأداء المال صح، وصار مأذونًا، وذلك مثل أن يقول: إن أديت إلي ألف درهم فأنت حر إلى أن قال: وإنما صار مأذونًا لأنه رغبه في الاكتساب لطلبه الأداء منه، ومراده التجارة دون التكدي، فكان إذنًا له في التجارة، فلابد من زمان يتجر فيه ليحصل ألف درهم ليؤديها بدل نفسه، ولا يتصور أن يحصل هذا المبلغ في ذلك المجلس بالتجارة، بل هذا من المحال عادة، فاشتراط أداء الألف في المجلس مع القول بأنه يصير مأذونًا له في التجارة تناقض.
قوله: (ومن أعتق عبده على خدمته أربع سنين فقبل العبد عتق، ثم إن مات المولى من ساعته فعليه قيمة نفسه في ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله تعالى -، وقال محمد رحمه الله: عليه قيمة خدمته أربع سنين، أما العتق فلأنه جعل الخدمة في مدة معلومة عوضًا، فيتعلق بالقبول وقد وجد، ويلزمه/ خدمة أربع سنين، لأنه يصلح عوضًا فصار كما إذا أعتقه
على ألف درهم. ثم إذا مات العبد فالخلاف فيه مبني على خلافية أخرى: وهو أن من باع نفس العبد منه بجارية بعينها ثم استحقت الجارية أو هلكت، يرجع المولى على العبد بقيمة نفسه عندهما وبقيمة الجارية عنده، وهي معروفة، ووجه البناء أنه كما يتعذر تسليم الجارية بالهلاك والاستحقاق بتعذر الوصول إلى الخدمة بموت العبد، وكذا يموت المولى فصار نظيرها).
قال السروجي -عن قوله: وكذا بموت المولى فصار نظيرها -قال عيسى: هذا غلط بل يأخذونه بما بقي من الخدمة، لأن الخدمة دين عليه، فيخلفه وارثه فيه بعد موته، كما لو كان أعتقه على ألف درهم واستوفى بعضه ثم مات كان للورثة أن يأخذوه بما بقي من الألف. قال: ولكن في ظاهر الرواية يقول الناس يتفاوتون في الخدمة، وكان الشرط أن يخدم المولى وقد فات بموته كما يفوت بموت العبد قبل تمام المدة. انتهى كلام السروجي.
ويمكن أن يجاب عن هذا بأن العبد يخدم باختياره فلا يضر تفاوت الناس في الخدمة، فيخدم حسب طاقته باختياره، ولهذا قال السروجي: إلا أن هذا العذر ليس بقوي، فإن الخدمة عبارة عن خدمة البيت وهي معروفة عند الناس لا يتفاوتون فيها، فلا فوت بموت المولى، ولكن الأصح أن يقول: الخدمة عبارة عن المنفعة وهي لا تورث فلا يمكن إبقاء الخدمة بعد موت المولى. انتهى.
ويمكن أن يقال: ما المانع من إرث المنافع، وقد ورد في السنة ما يشهد لصحة استحقاق المنافع لغير المعتق، وهو حديث سفينة أبي عبد الرحمن رضي الله عنه -قال:"أعتقتني أم سلمة رضي الله عنها -وشرطت علي أن أخدم النبي صلى الله عليه وسلم -ما عاش"رواه أحمد وابن ماجه، وفي لفظ "كنت مملوكًا لأم سلمة، فقالت: أعتقك وأشترط علي ما فارقت النبي صلى الله عليه وسلم -ما عشت، فأعتقتني واشترطت علي" رواه أبو داود.
والوصية بالمنافع جائزة، وهي أخت الميراث، وسيأتي الكلام على بقاء الإجارة بعد موت المستأجر -إن شاء الله تعالى -.
قوله: (لأن اشتراط البدل على الأجنبي في الطلاق جائز، وفي العتاق لا يجوز، وقد قررناه من قبل).
يشير إلى ما ذكره في باب الخلع، ولم يذكر هناك سوى قوله: لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبي صحيح. وليس في ذلك تقرير بل مجرد دعوى، وقد قرر غيره الفرق بينهما بأن الأجنبي في الطلاق كالمرأة، فإن المرأة في الطلاق لا تملك شيئًا بل يسقط ملك الزوج عنها، فذلك الأجنبي، بخلاف الإعتاق فإن العبد بالإعتاق يملك نفسه، وتثبت فيه قوة حكمية لم تكن قبل ذلك والأجنبي ليس كذلك، وفيه نظر ليس هذا محل ذكره، وإنما المراد هنا التنبيه على أن صاحب الهداية ادعى هنا أنه قرر المسألة فيما تقدم وليس كذلك.
* * *