الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب اليمين في الحج والصوم والصلاة
قوله: (ومن قال: عبدي حر إن لم أحج العام فقال: قد حججت وشهد شاهدان أنه ضحى العام بالكوفة لم يعتق عبده وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال محمد: يعتق، لأن هذه شهادة قامت على أمر معلوم وهو التضحية، ومن ضرورته انتفاء الحج فيتحقق الشرط، ولهما أنها قامت على النفي لأن المقصود منها نفي الحج لا إثبات التضحية لأنه لا مطالب لها فصار كما إذا شهدوا أنه لم يحج، غاية الأمر أن هذا مما يحيط علم الشاهد به، ولكنه لا يميز بين نفي ونفي تيسيرًا).
قول محمد رحمه الله -في هذه المسألة أظهر فإنه ذكر في المبسوط أن الشهادة على النفي تسمع في الشروط، ولهذا لو قال لعبده: إن لم تدخل الدار اليوم فأنت حر فشهد شاهدان أنه لم يدخل الدار/ اليوم يقبل ويقضي بعتقه، وهذه المسألة من هذا الباب.
وقد أجاب الشيخ حافظ الدين النسفي في الكافي عن هذا بأن هذا عبارة عن أمر ثابت معاين، وهو كونه خارج الدار.
وهذا الجواب ضعيف، فإن الذين شهدوا أنه ضحى بالكوفة، شهدوا بأمر
ثابت معاين وهو كونه بالكوفة وليس بمكة، فهي وزان مسألة المبسوط، وأولى منها، فإن في مسألة المبسوط شهدوا على النفي مقصودًا وفي مسألة الكتاب شهدوا على النفي ضمنًا، فإذا قبلت الشهادة على النفس المقصود فقبولها على النفي الضمني أولى، وأيضًا فهي داخلة في الأصل المعروف أن المنفي إذا كان مما يحيط به علم الشاهد يكون بمنزلة المثبت.
قوله: (ومن حلف لا يصوم فنوى الصوم وصام ساعة ثم أفطر من يومه حنث
…
إلى آخر الباب).
في الفرق بين قوله: لا أصوم وبين قوله: لا أصوم صومًا نظر، وكذا بين قوله: لا أصلي وبين قوله: لا أصلي صلاة، فإن قوله صومًا بعد قوله: لا أصوم للتأكيد، فإن الفعل يدل على المصدر وذكره بعده للتأكيد فقط، ولا شك أن مراده -بقوله: لا أصوم أو لا أصلي -الصوم الشرعي والصلاة الشرعية، وأقل الصوم الشرعي يوم وأقل الصلاة الشرعية ركعتان عند من لا يرى التنفل بركعة مشروعًا، فإذا صام أقل من يوم أو صلى أقل من ركعتين ثم قطع لم يكن قد صام ولا صلى، وصار كما قالوا: فيما إذا قال لزوجته: إن حضت فأنت طالق، فرأت الدم لا تطلق حتى يستمر بها الدم ثلاثة أيام ولو انقطع لأقل من ثلاثة أيام لم تطلق لأنه تبين أنه ليس بحيض، فكذا هنا لما قطع الصلاة ولم يكملها ركعتين، أو قطع الصوم ولم يكمله يومًا تبين أنه ليس بصلاة ولا صوم.
وقد أجيب عن هذا بأنه إذا لم يذكر المصدر ينصرف إلى الصوم لغًة، وإذا ذكر المصدر ينصرف إلى الكامل وهو الصوم لغًة وشرعًا، وكذا في الصلاة،
وهذا الجواب هو عين المدعي، والمنع فيه.
وأجاب في الكافي بأن الصوم هو الإمساك في وقته عن المفطرات الثلاث مع النية فإذا أصبح صائمًا فقد وجد ذلك وما زاد عليه تكرار، ولهذا يقال: صام فلان ساعة ثم أفطر، وتكرار المحلوف عليه ليس بشرط لتحقق الحنث وإلى هذا المعنى أشار صاحب الهداية أيضًا بقوله: بخلاف الصوم لأنه ركن واحد وهو الإمساك ويتكرر في الجزء الثاني، وفيه نظر: فإن من صام ساعة ثم أفطر لم يصم الصوم الشرعي وهو المحلوف عليه، وقوله: إن ما زاد عليه تكرار، ممنوع، بل هو ركن واحد غير مكرر، ولهذا يكتفي عند أبي حنيفة بالنية المقترنة بأكثره على ما هو معروف من مذهبه، ولو قيل، إنه يقع إذا صام يومًا أو صلى ركعتين مستندًا -كما قالوا: فيما إذا قال: إن حضت فأنت طالق إنه لا يقع حتى يستمر بها الدم ثلاثة أيام فإذا استمر بها الدم ثلاثة أيام، حكم بالطلاق من وقت الحيض -لكان أشبه، وهذا لأنهم قالوا: إن الحيض لا يكون أقل من ثلاثة أيام، والصوم لا يكون أقل من يوم، والصلاة لا تكون أقل من ركعتين، فإذا شرطوا في الحيض انقضاء مدته مع ما في تقديره من الخلاف فالصوم والصلاة أولى.
* * *