الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب العشر والخراج
قوله: (وهذا لأن وضع الخراج من شرطه أن يقر أهلها عليها على الكفر كما في سواد العراق، ومشركو العرب لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف).
يريد بذلك أنه علة كون أرض العرب لم يوضع عليها خراج وفيه نظر، فإن خيبر كان سكانها يهودًا لم يكونوا من مشركي العرب، وكان فتحها عنوة، وقد قسم النبي صلى الله عليه وسلم نصفها وترك نصفها لمصالح المسلمين، لم يقسمه بين الغانمين وأقر ألها فيها يعملونها بجزء مما يخرج منها، وشرط عليهم أنه
يقرهم فيها ما شاء ثم أمر بإجلائهم منها في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، وأجلوا منها بعد موته، فلم يكن ترك وضع الخراج على أرض الحجاز لما ذكره المصنف من التعليل وسيأتي الكلام في جواز أخذ الجزية منهم، وليس إقرار أهلها عليها على الكفر مما يوجب الخراج عليها حتمًا، بل مما يسوغ ذلك، فقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر عنوة وقسم نصفها بين الغانمين، وترك نصفها لمصالح المسلمين، وأقر أهلها فيها عمالاً غير ملاك لها، بل على أن يجليهم منها متى شاء وأقر عمر أهل سواد العراق فيه وجعل عليهم الخراج، كذلك مصر والشام، وكلام المصنف هنا يناقض قوله في كتاب المزارعة: إن معاملة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر كان خراج مقاسمة.
قوله: (وقد صح أن الصحابة رضي الله عنهم اشتروا أراضي الخراج،
وكانوا يؤدون خراجها).
فيه نظر، فإنه لم يثبت، وإنما ذكر بعض المؤرخين: أن ابن مسعود والحسين بن علي كانت لهم أرضون بالسواد يؤدون خراجها، وقد اختلف العلماء في جواز بيع أراضي السواد ونحوها، قال ابن المنذر: وممن أنكر بيع الأرض التي فتحت عنوة مالك بن أنس، وأنكر على الليث بن سعد دخوله فيما دخل فيه من أرض مصر، وقال أبو عبيد: وقد تتابعت الأخبار بالكراهة لشراء أرض الخراج، وقال الأوزاعي: لم تزل أئمة المسلمين ينهون عن شراء أرض الجزية، ويكرهه علماؤهم.
قوله: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام "لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم").
روي من حديث ابن مسعود، وقال البيهقي وغيره: باطل موضوع، ورواه ابن حبان في الضعفاء وغيره من رواية يحيى بن عنبسة وهو كذاب، وإنما هذا من كلام إبراهيم النخعي [لأن الخراج إنما وضع في زمن عمر رضي الله عنه على أرض الذمة وهم ليسوا بأهل للعشر فلذلك قال إبراهيم النخعي]: إنهما لا يجتمان. والله أعلم.
قوله: (ولأن أحدًا من أئمة العدل والجور لم يجمع بينهما، وكفى بإجماعهم حجة).
ليست دعوى الإجماع سهلة، ومن أين له هذا النفي العام، وقد حكى ابن المنذر أخذ العشر مع الخراج عن عمر بن عبد العزيز والزهري ومغيرة ويحيى الأنصاري وربيعة ومالك والثوري وابن أبي ليلى وابن المبارك ويحيى ابن آدم والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد. انتهى. وعموم النصوص من الكتاب والسنة شامل للخارج من أرض الخراج.
قوله: (وسبب الحقين واحد، وهو الأرض النامية إلا أنه يعتبر في
العشر تحقيقًا وفي الخراج تقديرًا، ولهذا يضافان إلى الأرض).
فيه نظر، بل سبب الخراج ملك الأرض، وسبب العشر ملك الخارج، ولهذا يضاف إلى الخارج لفظًا ومعنى، فيقال: عشر الخارج، وزكاة الخارج وحقه، قال تعالى:{وآتوا حقه يوم حصاده} ولم يقل حق أرضه، وإذا قيل: عشر الأرض فمعناه عشر الخارج من الأرض قطعًا لأن عشرها الحقيقي جزء منها وهو غير مراد، فالإضافة إلى الأرض مجازية، فلا تكون علامة السببية، وهنا أمر آخر يجب التنبيه عليه والتنبه له، وهو أن أرض الشام ومصر لا يؤخذ منها خراج على الوضع الذي قرره الخلفاء الراشدون، وأظن سواد العراق كذلك، وكان أبو جعفر المنصور نقل سواد العراق من خراج الوظيفة إلى المقاسمة وما يؤخذ اليوم من الملاك والفلاحين من الكلف السلطانية وإن كان منه ما يسمى خراجًا فليس هو كل الوضع الشرعي، بل هو بمنزلة المكوس التي تؤخذ اليوم على
المبيعات وفي الطرقات، وإن كان لها أصل شرعي وهو ما قدره الخلفاء الراشدون لما يأخذه العاشر من التجار لكن حصل فيه مجاوزة الحد ولترك الخراج أسباب وإن كان لا يتمشى على مذهب أبي حنيفة رحمه الله، رأى ذلك ملوك المسلمين بموافقة علماء زمانهم، وقد صادف محل اجتهاد فنفذ، فليس لأحد اليوم أن يقول بجواز إعادة الخراج، فتعين وجوب العشر في الخارج والحالة هذه، لأنه إذا لم يخرج العشر يؤدي إلى أنه لا يجب على الأرض، لا عشر ولا خراج، وهذا لم يقله أحد من الأئمة، وإذا تقرر أن سبب العشر الخارج، ظهرت قوة قول أبي يوسف ومحمد الموافق لقول الأئمة الثلاثة وغيرهم أن العشر على المستأجر لا المؤجر، وليست الأجرة في مقابلة الخارج، بل في مقابلة المنفعة، ألا ترى أن الأرض لو لم تخرج شيئًا لوجبت الأجرة، ولا يصح بيع ما تخرجه الأرض قبل خروجه، ولو كانت الأجرة في مقابلته لكانت ثمنًا له، ولصح بيعه، وليس كذلك.