الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في أحكامه
قوله: (ولنا أن ركن البيع صدر من أهله مضافاً إلى محله فوجب القول بانعقاده، ولا خفاء في الأهلية والمحلية وركن مبادلة المال، وفيه الكلام، والنهي يقرر المشروعية عندنا لاقتضائه التصور فنفس البيع مشروع وبه تنال نعمة الملك، إنما المحظور ما يجاوره كما في البيع وقت النداء).
مسألة
الفرق بين الفاسد والباطل
في البيع من المسائل المشهورة، ونقل عن أبي يوسف أنه احتج لها بحديث عائشة رضي الله عنها "أنها اشترت بريرة وشرطت الولاء لأهلها ثم أعتقتها" وأن البيع كان فاسداً/ وأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز العتق وأبطل الشرط مع فساد البيع بالشرط.
وسياق القصة يأبى ذلك، ويدل على جواز البيع، وبطلان الشرط، وقد تقدم التنبيه على ما روي من النهي عن بيع وشرط، وخطبته صلى الله عليه وسلم ورده على
من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله، ليس مراده به الرد على عائشة رضي الله عنها، بل على أهل بريرة، فإنهم هم الذين شرطوا الشرطة الفاسد، وهو أن يكون الولاء لهم مع كون الإعتاق من غيرهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لخروجهم عن مقتضى الشرع فإن ذلك قد بينه النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه الخاص والعام أن الولاء لمن أعتق.
وكانت عائشة رضي الله عنها قد ظنت أنها لو اشترطت ذلك- مع كونه على خلاف مقتضى الإعتاق- أنه يصح لوجود الشرط فنبه النبي صلى الله عليه وسلم على أنه اشتراطها وعدمه سواء وأن الشرط الباطل لا يعتبر، وأن وجوده وعدمه سواء، فلا يبطل به ما مقتضاه الصحة، ولا يصح به ما مقتضاه البطلان، وأخرج كلاماً عاماً ليتناول البيع وغيره فيدخل في عمومه النكاح والوقف وغيرهما.
وقوله: والنهي يقرر المشروعية عندنا لاقتضائه التصور. إن أراد به التصور اللغوي فمسلم، وإن أراد به التصور الشرعي فممنوع لقوله صلى الله عليه وسلم:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وهو حديث مشهور تلقته الأمة
بالقبول والعمل. والإشكال الخاص هنا أنه قد ورد النهي عن أنواع من البيوع، وقلتم أنها من قسم الباطل فبطل التفريق بأن النهي يقتضي التصور شرعاً، وأن ما فيه ذلك يكون فاسداً، منها ما في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة؟ فإنها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: لا هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك: قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم الشحوم جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه" رواه الجماعة، فلو كان النهي يقرر المشروعية لاقتضائه التصور، للزم أن يكون بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام مقرراً في الشرع متصوراً، تنال به نعمة الملك، وقد فرقتم بين البيع الخمر والبيع بها.
ومنها ما في حديث أبي جحيفة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي، ولعن الواشمة والمستوشمة، وآكل
الربا وموكله، ولعن المصورين" متفق عليه، فتحريم ثمن الدم، لا يدل على أن بيع الدم مقرر في الشرع، متصور، تنال به عمة الملك، وفي الحديث أيضاً دلالة على تحريم بيع الكلب وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
وقوله: إنما المحظور فيما يجاوره كما في البيع وقت النداء. قد فرق المخالف بينه وبين مجاوزة المحظور في البيع وقت النداء بأن الفاسد في البيع الفاسد في صلب العقد.
والكراهية في البيع وقت النداء للاشتغال عن السعي إلى الجمعة وذلك أمر خارج عن العقد، ولهذا كان في هذا الفساد عندكم، وفي الآخر الكراهة.
واعتباركم المعنى الجامع بينهما وهو مجاورة المحظور مع إلغائكم المعنى الفارق وهو أن الفساد هنا في صلب العقد، وهناك باعتبار أمر خارج، وتنزيلكم لهذا البيع الفاسد منزلة بين منزلتين لا نظير له في الشرع وإذا تبين أن البيع الفاسد غير مشروع اصلاً لا يترتب عليه الملك الذي هو من أعظم نعم الله على عباده.
قوله: (إنما لا يثبت الملك قبل القبض كيلا يؤدي إلى تقرير الفساد المجاور إذ هو واجب الرفع بالاسترداد).
ينبغي على مقتضي هذا التعليل أن لا يثبت الملك بعد القبض أيضاً لأن القبض عدوان ومعصية أخرى فإذا لم يثبت الملك قبله فأولى أن لا يثبت بعده.
قوله: (فيشترط اعتضاده بالقبض في إفادة الحكم بمنزلة الهبة).
كيف يعتبر هذا القبض المحرم بالقبض في الهبة الشرعية في إفادة الحكم، واعتضاد المعصية بالمعصية لا ينتج إفادة الحكم الشرعي وجميع الفروع المذكورة إلى آخر الفصل مترتبة على هذا الأصل المزلزل.
* * *