الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "من اشترى أرضًا فيها نخل فالثمر للبائع إلا أن يشترط المبتاع".
لفظ الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع" أخرجاه في الصحيحين، وأخرجه أهل السنن والمساند أيضًا، ومعنى قوله:"حتى تؤبر" حتى تلقح، والمراد ظهور الثمرة من أكمامها، وهو يدل بمفهومه على أنه قبل التأبير للمشتري، وهو قول الأئمة الثلاثة،
وغيرهم، وإلا يخلو قوله:"بعد أن تؤبر" عن فائدة؛ لأنه جعل التأبير حدًا، لملك البائع للثمرة، ويكون ما قبله للمشتري وإلا لم يكن حدًا وهي من فروع مسألة مفهوم الشرط؛ ولأنه نماء كامن، لظهوره غاية فكان تابعًا لأصله قبل ظهوره، وغير تابع له بعد ظهوره، كالحمل في الحيوان، والقول بأنه لا فرق بينهما - إذا كان الثمر بحال له قيمة أو لم يكن أنه يلزم البائع قطعه، وتسليم النخل إلى المشتري- فيه نظر لما فيه من تضييع المال، وقياسه على تفريغ البيت من المتاع لا يصح لوجود الفارق بينهما، وهو إفساد المال بغير منفعة.
قوله: (وقال الشافعي: يترك حتى يظهر صلاح الثمر ويستحصد الزرع، لأن الواجب إنما هو التسليم المعتاد، وفي العادة أن لا يقطع كذلك، وصار كما إذا انقضت مدة الإجارة وفي الأرض زرع، قلنا: هناك التسليم واجب أيضًا حتى يترك بأجر، وتسليم العوض كتسليم المعوض).
وبقول الشافعي قال مالك وأحمد، وفي القول بوجوب التسليم في الحال نظر لأنه إما أن يكون بإيجاب الشرع أو بإيجاب المتعاقدين أو بالعرف، ولم يوجد شيء من ذلك، والتسليم بعد صلاح الثمرة هو التسليم في مثله، كما لو كان في الدار المبيعة متاع لا يتمكن من تحويله إلا في أيام كثيرة لا يلزمه أن يجمع دواب البلد لنقله، بل ينقله نهارًا شيئًا بعد شيء، كما جرت العادة في ذلك فكذا هذا، يفرغ النخل من الثمرة في أوان تفريغها، ولا شيء عليه، كما لو انقضت مدة المساقاة والخارج ليس أخضر، فإن العامل يقوم على الثمرة إلى أن تنتهي والخارج بينهما على ما شرطاه من غير زيادة ولا أجرة.
قوله: (وأما إذا بيعت الأرض وقد بذر فيها صاحبها ولم ينبت بعد مل يدخل فيه لأنه مودع فيها كالمتاع).
في عدم دخول البذر في البيع نظر، فإنه بمنزلة الجنين في البطن، والأرض بمنزلة الأم، والحمل يدخل في بيع الأم تبعًا، ولا يشبه المتاع في البيت؛ لأن المتاع يمكن الوصول إليه، وجمعه ونقله بخلاف البذر، فإنه مستهلك في الأرض كما أن ماء الفحل مستهلك في رحم الأنثى، ولهذا لا يكون في هذه الحالة متقومًا، ولا يصح إفراده بالبيع لعدم إمكان تسليمه ولهذا لم يجعل
الشارع الزرع لمن رزعه في أرض قوم بغير إذنهم، بل قال:"إنه لا شيء له من الزرع وله نفقته" كذا رواه أهل السنن من حديث رافع بن خديج، ويؤيد هذا قوله بعد ذلك: ولو نبت ولم تصر له قيمة، فقد قيل: لا تدخل فيه، وقد قيل: تدخل، وكأن هذا بناءً على الاختلاف في جواز بيعه قبل أن تناله المشافر والمناجل. انتهى.
يعني أنه عند من قال: لا يجوز بيعه يدخل، وعند من قال: يجوز بيعه لا يدخل، كذا ذكره حافظ الدين النسفي في الكافي، فإذا كان علة دخوله في البيع بعد نباته -قبل أن يصير له قيمة- أنه لا يجوز بيعه أي إفراده بالبيع فما لم ينبت بعد أولى أن يدخل في البيع، فإنه لا يصح إفراده بالبيع رواية واحدة لعدم إمكان تسليمه.
قوله: (وعلى المشتري قطعها في الحال تفريغًا لملك البائع، وهذا إذا اشتراها مطلقًا أو بشرط القطع).
القول بصحة البيع وإلزام المشتري القطع في الحال إذا شرط القطع ظاهر، وأما عند الإطلاق فظاهر النص يقتضي عدم جوازه، كما إذا شرط البقاء، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع" متفق عليه، وبظاهره أخذ الأئمة الثلاثة، وقال صاحب الهداية: وقد قيل: لا يجوز قبل أن يبدو صلاحها، والأول أصح. انتهى.
والقول بعدم الجواز على ما قال جمهور العلماء وهو ظاهر النص أولى، وتأويل معنى النهي أن يبيعها مدركة قبل إدراكها، صرف للحديث عن مدلوله من غير ضرورة.