الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب: ما يكون يمينا وما لا يكون
قوله: (واليمين بالله تعالى أو باسم من أسمائه كالرحمن والرحيم، أو بصفة من صفاته التي يحلف بها عرفًا كعزة الله وجلاله وكبريائه لأن الحلف بها متعارف).
في التعليل -بأن الحلف بها متعارف -نظر، سواء كان الضمير في قوله: لأن الحلف بها متعارف. يعود إلى الأسماء والصفات أو إلى الصفات وحدها، لأن الأسماء التي لا يسمى بها غير الله تعالى كالله، والرحمن، ورب العالمين، ومالك يوم الدين، والذي لا إله إلا هو، والأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، ورب السماوات والأرض، ونحو ذلك.
يكون الحلف بها يمينا بكل حال، وكذلك الصفات التي لا يحتمل أن تكون غير صفاته كعزة الله وعظمته وجلاله وكبريائه وكلامه، فإنها تنعقد بها اليمين بكل حال، ولا يحتاج في شيء من ذلك إلى العرف، بخلاف ما قد سمي به غير الله كالحي والمؤمن والكريم فمثل هذا إذا قيل: يعتبر في اليمين به العرف أو نية الحالف ساغ التعليل، وكذلك ما يعبر به من صفات الله عن غيرها كعلم الله وقدرته فإنه قد يستعمل في المعلوم والمقدور اتساعًا كما يقال: اللهم اغفر علمك فينا، ويقال انظر إلى قدرة الله، وكذلك صفات الفعل كخلق الله ورزقه ففي مثل ذلك يجري التعليل بالتعارف وعدمه.
قوله: (إلا قوله: وعلم الله، فإنه لا يكون يمينًا، لأنه غير متعارف، ولأنه يذكر ويراد به المعلوم).
يرد على تعليله -بأنه يذكر ويراد به المعلوم -أن القدرة تذكر ويراد بها المقدور، فإن سلم له أن العرف فرق بينهما، فاعتبر الحلف بالقدرة يمينًا دون العلم، لم يسلم له التعليل بأنه يذكر ويراد به المعلوم.
قوله: (وكذا إذا حلف بالقرآن لأنه غير متعارف).
ينبغي أن يكون الحلف بالقرآن يمينًا لأنه قد صار متعارفًا في هذا الزمان، كما هو مذهب الأئمة الثلاثة وغيرهم، ولا يلتفت إلى من علل كونه ليس يمينًا بأنه غير الله على طريقة المعتزلة وقولهم بخلقه فإن
ذلك لازمه الكفر على ما عرف أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق.
قوله: (وكذا إذا قال: لله، في المختار، لأن الباء تبدل بها/ قال الله تعالى {آمنتم له} أي آمنتم به).
فيه نظر من وجهين:
أحدهما: أن اللام في قولهم: لله. في القسم ليس بمنزلة الباء من كل وجه، قال ابن مالك في شرح الشافية الكافية: وجروا المحلوف به في التعجب باللام كقولهم: لله لا يؤخر الأجل. بمعنى تالله.
ومنه قول الشاعر:
لله يبقى على الأيام مبتقل
…
جون السراة رباع سنه غرد
ويروى: تالله. انتهى.
الثاني: أن معنى اللام في قوله تعالى {آمنتم له} ليس هو بمعنى الباء في قوله {آمنتم به} .
بل معنى قوله {آمنتم له} : أي أصدقتموه؟ والضمير يعود إلى موسى قولاً واحدًا، وأما {آمنتم به} فالضمير في (به) يعود إلى رب العالمين، فإن السحرة لما قالوا {آمنا برب العالمين * رب موسى وهرون} قال فرعون {آمنتم به} أي آمنتم برب العالمين، وقيل إن الضمير في: به، يعود إلى موسى كما في قوله {آمنتم له} .
ولكن ليس معناها واحدًا بل في الإيمان به معنى زائد على الإيمان له وهو الطاعة والانقياد والإقرار، وكلا المعنيين يصح هنا، لأن موسى عليه السلام -ادعى الرسالة لنفسه وهو صادق في دعواه فصح أن يقال: أصدقتموه في قوله؟ وأن يقال: أصدقتموه وأطعتموه وأقررتم به؟ بخلاف من يدعي الرسالة لغيره، كمن قال: موسى رسول الله! صح أي يقال: آمنت لمن قال هذا، ولا يقال: آمنت بمن قال هذا من المؤمنين، ففرق بين المعدى بالباء والمعدى باللام، فالأول يقال للمخبر به، والثاني للمخبر، ولهذا قال تعالى:{يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين} وقال تعالى عن إخوة يوسف: {وما أنت بمؤمنٍ لنا} وفي هاتين الآيتين لا يصح دخول الباء عوضًا عن اللام، فلا يقال: ويؤمن
بالمؤمنين، ولا بمؤمن لنا، لأنه لا يصح أن يكون فيه معنى زائد على التصديق من الطاعة والانقياد والإقرار، والأصل أن مل حرف من حروف الجر يستعمل بمعنى يخصه.
قوله: (ولهما أنه يراد به طاعة الله، إذ الطاعات حقوقه، فيكون حلفًا بغير الله).
يعني قوله: حق الله، وقول أبي يوسف رحمه الله -أنه يكون يمينًا أقوى فإن الضابط قد تقدم ذكره في أول الباب أن ما كان من صفات الله تعالى يعبر به عن غيرها، يعتبر فيه العرف، ولهذا حل الفرق بين علم الله وقدرة الله، وإذا كان الحلف بقدرة الله، يكون يمينًا للتعارف فكذلك الحلف بحق الله، ولا فرق بينهما إذ كل منهما قد يطلق على غير صفة الله، ولكن جرى العرف بالحلف بها فيكون يمينًا.
قوله: (والصحيح أنه لا يكفر فيهما إن كان يعلم أنه يمين).
يعني إذا حلف بملة غير الإسلام غموسًا أو منعقدة وفي تصحيحه في الغموس نظر الحديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال: "من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبًا فهو كما قال" أخرجاه في الصحيحين.
قوله: (وكذا إذا قال: إن فعلت كذا فأنا زان أو سارق أو شارب خمر أو آكل ربا لأن حرمة هذه الأشياء تحتمل النسخ والتبديل، فلم يكن في معنى حرمة الاسم، ولأنه ليس بمتعارف).
في تعليله الأول نظر فإن حرمة الزنا والسرقة لا تحتمل النسخ، وقد اعتذر السنغاقي عن هذا: بأن الفعل المقصود بالزنا والعين المقصودة بالسرقة جاز أن يكون حلالاً له بوجه النكاح وملك اليمين، فسمى احتمال انقلابها من الحرمة إلى الحل بالسبب الشرعي نسخًا وتبديلاً.