الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصارفه من غير تقدير سهم معين، ومن استقرأ سيرته تبين له هذا، وبهذا يتبين رجحان قول الإمام مالك رحمه الله في هذه المسألة كما تقدم التنبيه عليه.
قوله: (والإجماع انعقد على سقوط حق الأغنياء).
يعني من ذوي القربى، وفي دعواه الإجماع نظر، فإنه مرتب على ما ذكره من أن الخلفاء الراشدين قسموا الخمس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أسهم، ولم يثبت ذلك، وقد قال الشافعي وأحمد ومكحول وأبو ثور أنه يصرف إلى الفقير والغني، لأنهم أعطوا باسم القرابة، وجعل مالك والثوري رحمهما الله الأمر فيه إلى رأي الإمام واجتهاده، ولم يقولا بحرمان الغني فأين الإجماع.
فصل في التنفيل:
قوله: (ولا ينفل بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام، لأن حق الغير قد تأكد فيه بالإحراز، قال: إلا من الخمس، لأنه لا حق للغانمين في الخمس).
فيه إشكال، فإنه إن لم يكن فيه حق للغانمين فهو لليتامى والمساكين وابن السبيل على قول أبي حنيفة وأصحابه يقسم عندهم بينهم أثلاثًا، فكيف يصرف إلى غيرهم، ولهذا لما ذكر هذا الإشكال السغناقي في شرحه لم يقدر على
الجواب عنه، ولكنه التزمه، وخرجه على رواية التحفة أنه يجوز صرف الخمس إلى أحد الأصناف الثلاثة، ونقل عن المبسوط والذخيرة ما يدل على اعتبار الحاجة في من ينفله الإمام بعد إحراز الغنيمة بدار الإسلام.
قوله: (وقال عليه الصلاة والسلام لحبيب بن أبي سلمة "ليس لك من سلب قتيلك إلا ما طابت به نفس إمامك").
في معجم الطبراني عن جنادة بن أبي أمية قال: "نزلنا دابقًا وعلينا
أبو عبيدة بن الجراح، فبلغ حبيب بن مسلمة أن بيه صاحب قبرص خرج يريد طريق أذربيجان ومعه زمرد وياقوت ولؤلؤ وغيرها، فقتله وجاء بما معه، فأراد أبو عبيدة أن يخمسه، فقال: لا تحرمني رزقًا رزقينه الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"السلب للقاتل" فقال معاذ: يا حبيب إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه" وفي سنده عمرو بن واقد ضعيف، ففي كلام المصنف نظر من جوه:
أحدها: قوله الحبيب بن أبي سلمة، وإنما هو حبيب بن مسلمة.
الثاني: نسبته إليه أنه راوي قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لك من سلب قتيلك
…
" الحديث، وإنما هو القائل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "السلب للقاتل" عكس ما قال المصنف.
الثالث: أن هذا اللفظ وهو "ليس لك من سلب قتيلك إلا ما طابت به نفس إمامك" غير محفوظ، وإنما قال معاذ في الحديث المذكور -على ضعفه- "إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه" استدل معاذ بعموم قوله صلى الله عليه وسلم "إنما للمرء ما طابت به نفس إمامه" ولم يقل "ليس لك من سلب قتيلك إلا ما طابت به
نفس إمامك" وإن كان عمومه شاملاً للسلب، ولكن حكم السلب قد خص منه على ما يأتي بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى.
قوله: (وما رواه يحتمل نصب الشرع، ويحتمل التنفيل فيحمل على الثاني لما روينا).
تقدم التنبيه على ضعف الحديث الذي رواه، وما فيه من الكلام فلا يصلح لمعارضة ما رواه الشافعي من قوله صلى الله عليه وسلم:"من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه" فإنه متفق على صحته، ويشهد لأنه نصب شرع ما رواه البخاري في صحيحه "أن معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء الأنصاريين
-رضي الله عنهما ضربا أبا جهل بن هشام يوم بدر بسيفيهما حتى قتلاه، فانصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه، فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، قال: هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا. فنظر إلى السيفين فقال: كلاكما قتله، وسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح" وهذا يدل على أن كون السلب للقاتل أمر معلوم من أول الأمر، وإنما تجدد يوم حنين الإعلام العام والمناداة به، وأنه محتاج إلى بينة، لا شرعيته يومئذ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى السلب للقاتل يوم بدر، ولم ينقل إنه كان قد قال قبل الوقعة ذلك اليوم "من قتل قتيلاً فله سلبه" وأيضًا فإنما قال "من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه" بعد انقضاء الحرب يوم حنين كذا في حديث أبي قتادة الذي في الصحيحين، وهذا ينافي أنه كان على سبيل التحريض، لأنه لو كان للتحريض لكان قبل القتال، وأيضًا فعن عوف بن مالك "أنه قال لخالد بن الوليد في وقعة مؤتة قبل حنين: أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى" رواه مسلم.
وعن عوف وخالد أيضًا "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخمس السلب" رواه أحمد وأبو داود، وأيضًا فهذا على أصل أبي حنيفة ألزم فإن جعل الآبق عنده
يستحقه الراد من غير شرط، وروي في ذلك أخبار ضعيفه، فكان استحقاق القاتل للسلب أولى من استحقاق راد الآبق للجعل، وقد ثبت أن السلب للقاتل بفعله وقوله صلى الله عليه وسلم، وممن قال إن السلب للقاتل -قاله الإمام أو لم يقله- الشافعي وأحمد والليث والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وزفر.