الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصرف
قوله: (لقول عمر رضي الله عنه: "وإن وثب من سطح فثب معه").
لا يعرف صحة هذا عن عمر رضي الله عنه، وإنما هو مذكور في كتب الفقه.
قوله: (ولو استحق بعض الإناء فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ الباقي بحصته، وإن شاء رد لأن الشركة عيب في الإناء).
ينبغي أن لا يكون له الخيار؛ لأن إناء الذهب أو الفضة لا يجوز استعماله
ويجب كسره وإفساده، فإذا كان تعييه من حيث الصورة متعين فتعييبه من حث المعنى لا يضر فلا فرق بينه وبين قطعة نقرة، ولو اشترى قطعة نقرة ثم استحق بعضها أخذ الباقي بحصته ولا خيار له فكذلك الإناء، ولو صور المسألة في مصوغ مباح الاستعمال كحلي النساء وخاتم الفضة للرجال لكان أولى.
قوله: (بخلاف المرابحة لأنه يصير تولية في القلب بصرف الربح كله إلا الثوب، والطريق في المسألة الثانية غير متعين؛ لأنه [يمكن] صرف الزيادة على الألف إلى المشتري، وفي الثالثة أضيف البيع إلى المنكر وهو ليس بمحل للبيع، والمعين ضده، وفي الأخيرة انعقد
العقد صحيحاً، والفساد في حالة البقاء وكلامنا في الابتداء).
هذه المسائل الأربع ألزم بها الشافعي في المسألة المعروفة بـ: مد عجوة.
وأجاب عنها المصنف بما ذكره وفي كل من الأجوبة نظر، أما المسألة الأولى: وصورتها: اشترى قلب فضة بعشرة دراهم وثوباً بعشرة دراهم ثم باعهما مرابحة لا يجوز وإن أمكن صرف الربح إلى الثوب وحده، وأجاب المصنف عن ذلك بأن البيع وقع مرابحة، وإذا صرف الربح إلى الثوب وحده يبقى البيع في القلب تولية وذلك خلاف ما عقداه.
يمكن أن يقول المخالف: إن البيع لا يخرج بذلك عن أن يكون مرابحة؛ لأن المرابحة إذا كانت في احدهما صدق على البيع أنه مرابحة، ولو أضيفت المرابحة إليهما لصدق عليه أنه مرابحة فيهما.
وإن كانت المرابحة في أحدهما، كما تقدم له في مسألة بيع الجارية المحلاة والسيف المحلي إذا نقد بعض الثمن عنهما وهو بقدر الحلية حتى أنه لو قال: خذ هذا من ثمنهما جعل ثمناً للحلية وصح العقد، وقال المصنف هناك: لأن الاثنين قد يراد بذكرهما الواحد، قال الله تعالى:{يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} والمراد أحدهما، فيحمل على أحدهما لظاهر حاله، فهنا بطريق الأولى، فإن البيع إذا كان فيه مرابحة صدق عليه أنه بيع مرابحة وإن كانت المرابحة في أحد المبيعين لوجود المرابحة فيه.
وأما المسألة الثانية: وصورتها: اشترى عبداً بألف ثم باعه قبل نقد الثمن من البائع من عبد آخر بألف وخمسمائة، لا يجوز في المشتري بألف وإن أمكن تصحيحه بصرف الألف إليه، وأجاب المصنف عن ذلك بأن طريق التصحيح غير متعين لأنه يمكن صرف الزيادة على الألف إلى المشتري
ويمكن أن يقول المخالف: قد تعددت أيضاً طرق التصحيح في مسألة الخلاف فإنه يصح إذا قوبل ديناران بدرهمين، ودينار بدرهم على ما قلتم، ويصح أيضاً إذا قوبل درهم بدرهم، ودينار بدرهم، ودينار بدينار، وقد أجيب عن هذا: بأن التقدير الأول متعين لقلة وقوع التغيير فيه بخلاف مسألة العبدين فإنه يمكن أن يقال المشتري بألف، بألف ودرهم أو درهمين أو وثلاثة إلى أن يبقى من الثمن أقل ما يمكن تقديره، ويمكن أن يجاب عن هذا الجواب بأن هذه التقديرات ليس بعضها أولى من بعض فسقطت وكان تقدير نظير الثمن الأول أولى، وهذا الترجيح نظير ذلك الترجيح الذي قلتم في مسألة الخلاف.
وأما المسألة الثالثة، وصورتها: إذا جمع بين عبده وعبد غيره وقال: بعتك أحدهما، لا يجوز وإن أمكن تصحيحه بصرف إلى عبده، وأجاب المصنف عن ذلك بأنه أضيف البيع إلى المنكر، وهو ليس بمحل للبيع والمعين ضده، ويمكن أن يقول المخالف: قد اعتبرتم صرف المنكر إلى محله فيما عللتم به لأبي حنيفة فيمن قال: عبدي أو حماري حر أنه يعتق العبد
لأن: أو، لأحد الشيئين أو الأشياء فلا فرق بين أن يفصل أو يقول: أحدهما حر لتساويهما في المعنى، ولو قال كذلك وجب صرفه إلى العبد لقبول المحل، ولذلك لو جمع بين حي وميت أو جماد فقال: أعتقت أحد هذين عتق العبد بخلاف: عبدي حر أو لا/ فإن قيل: عبد الغير يصح بيعه، ويتوقف على الإجازة، فكان كل من العبدين محلاً للبيع بهذا الاعتبار، قيل: الأصل أن الإنسان يتصرف لنفسه وأنتم قلتم مثل ذلك فيمن التقط شيئاً، ولم يُشهد أنه يأخذه ليرده إذا هلك ثم ادعى المالك أن الملتقط أخذه لنفسه أنه يضمن عند أبي حنيفة ومحمد لأن الظاهر أن يكون المتصرف عاملاً لنفسه، ولم تجعلوا هناك ظاهر حال المسلم أن يكون أخذه أخذ أمانة لا أخذ ضمان مخالفاً لهذا الظاهر فكيف تخالفون ذلك هنا.
وأما المسألة الرابعة، وصورتها: إذا باع درهماً وثوباً بدرهم وثوب وافترقا من غير قبض فسد العقد في الدرهمين، ولا يصرف الدرهم إلى الثوب.
وأجاب المصنف عن ذلك بأن العقد انعقد صحيحاً والفساد في حالة البقاء وكلامنا في الابتداء، ويمكن أن يقول المخالف: إن تحيلتم لتصحيح أصل العقد بصرف كل جنس إلى خلافه، فهلا تحيلتم بهذه الحيلة على بقائه على الصحة والبقاء أسهل من الابتداء، فإنه هذه الحيلة إذا كانت تقوى على
تصحيح أصل العقد فلأن تقوى على بقائه على الصحة أولى وأحرى، وقد استدل للشافعي في أصل مسألة مد عجوة بحديث فضالة بن عبيد قال:"اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر ديناراً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا تباع حتى تفصل" رواه مسلم، ولا شك في المنع في الصورة التي جاء فيها الحديث وما شابهها من الصور أعني فيما إذا كان فيها من الذهب أكثر من الذهب الذي هو الثمن أو من الفضة أكثر من الفضة التي هي الثمن، أما إذا كان الثمن أكثر فالفاضل في مقابلة الخرز ونحوه، وهذا هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
قوله: (لأنها لا تنطبع إلا مع الغش).
يعني النقود -ممنوع، بل تنطبع خالصة أحسن منها مغشوشة بلا ريب، وبعض أنواع الدراهم فضة خالصة، وكذلك أكثر الدنانير.
قوله: (وقول محمد أنظر، وقول أبي يوسف أيسر).
يعني فيمن اقترض فلوساً ثم كسدت، فإن أبا حنيفة رحمه الله يقول: يرد مثلها، وأبا يوسف يقول: يرد قيمتها يوم القبض، ومحمداً يقول: يرد قيمتها يوم الكساد، وفي قول المصنف أن قول محمد أنظر نظر، بل قول أبي يوسف أنظر وأيسر، أما كونه أيسر فظاهر لأن حال رواجها لا يخفي معرفة قدر قيمتها على أحد، بل كل أحد يعرف العدد الذي تروج به خلاف يوم كسادها الذي هو آخر يوم التعامل بها، فإنها ذلك اليوم تباع بأسعار مختلفة قد يعسر ضبطها.
وأما كونه أنظر وذلك من حيث النظر في الدليل، ومن حيث النظر للمقرض والمقترض -فلأن المراد من القرض الانتفاع بما يقترض بما ينتفع فيه عادة، والانتفاع بالفلوس الرائجة إنما هو بماليتها لأنه أعلى أنواع الانتفاع بها، وإذا كان الدرهم يوم القبض تعد به من تلك الفلوس ثمانية وأربعون فلساً مثلاً حتى أخذ منه أربعمائة وثمانين فلساً، فقد انتفع بها كما ينتفع بعشرة دراهم فإذا صارت قيمة ذلك المقدار يوم الكساد ستة دراهم كان في الإلزام بعشرة دراهم أعدل وأقرب إلى الدليل المعقول وأنظر للمقرض لوصوله إلى جميع
حقه، وأنظر للمقترض لتخليصه مما عساه يبقى في ذمته بل لو تركه لبقي في ذمته ولطالبه صاحبه يوم القيامة والله أعلم، وبهذا يظهر رجحان قول أبي يوسف فيما إذا باع بالفلوس النافقة ثم كسدت، وفيما إذا باع بدراهم مغشوشة نافقة ثم كسدت فإن المراد من هذه المواضع كلها المالية، وكذلك ترجح قوله فيما إذا اشترى بدرهم فلوس أو درهمين أنه يجوز وعليه [ما] يباع بذلك المقدار من الفلوس، وكذلك ينبغي أن يجوز بأكثر من ذلك لجريان التعامل بذلك من الفلوس، ولا مانع منه في الشرع، وينبغي أن لا يكون في المسألة خلاف، وإنما هو اختلاف عصر وزمان.
* * *