الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محبته مُنْذُ رَأَيْته وَحب الْجِهَاد فأجبته إِلَى ذَلِك وخدمته من تَارِيخ مستهل جُمَادَى الأولى وَهُوَ يَوْم دُخُوله السَّاحِل الْأَعْلَى وَجَمِيع مَا حكيته من قبل إِنَّمَا هُوَ روايتي عَمَّن أَثِق بِهِ مِمَّن شاهدوه وَمن هَذَا التَّارِيخ مَا أسطر إِلَّا مَا شاهدته أَو أَخْبرنِي بِهِ من أَثِق بِهِ خَبرا يُقَارب العيان وَالله الْمُوفق
فصل
قَالَ الْعِمَاد وَكَانَ جمَاعَة من أهل الحزم وأولي الْعَزْم قد أشاروا على السُّلْطَان لما فتح عكا بتخريبها وتعفية آثارها وَأَن يبْقى المرابطون المحامون مَكَانهَا فَلَا نَأْمَن عود الفرنج إِلَيْهَا وتملكها وَأَن تبنى قلعة القيمون فكاد يُجيب فَقيل لَهُ هَذِه مَدِينَة كَبِيرَة وَعمارَة كَثِيرَة فأشير عَلَيْهِ بتبقيتها وَأَن تعمر وتحصن فولى أَمر عمارتها وتدبيرها الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش وَهُوَ الَّذِي أدَار السُّور على مصر والقاهرة فاستدعاه من مصر وَأمره أَن يَسْتَنِيب فِي تِلْكَ الْعِمَارَة فَقدم عَلَيْهِ وَهُوَ بكوكب ففوض إِلَيْهِ عمَارَة عكا فشرع فِي تَجْدِيد سورها وتعلية أبراجها وَكَانَ قدم من مصر وَمَعَهُ أُسَارَى الْعَمَل وأنفاره وآلاته ودوابه وأبقاره
قَالَ وَلما رتب السُّلْطَان الْأُمُور على كَوْكَب رَحل مستهل ربيع الأول وَدخل دمشق فِي سادسه وَكَانَ الْعَسْكَر الْغَائِب على
مواعدة المعاودة فِي الرّبيع وَأَنه يجْتَمع على حمص بِالْجَمِيعِ وَكَانَت طَرِيق السُّلْطَان على بحيرة طبرية من شرقيها وتجنب عقبَة فيق لاستصعاب رقيها وَلما قَارب السُّلْطَان دمشق تَلقاهُ النَّاس أحسن لِقَاء فقد كَانُوا متعطشين إِلَى رُؤْيَته ومتشوقين إِلَى طلعته لِأَنَّهُ غَابَ عَنْهُم سنة وشهرين وَخَمْسَة أَيَّام فَكسر فِيهَا الْكفْر ونصرالإسلام وَفتح فِيهَا الأَرْض المقدسة وأشباهها من الْبِلَاد الَّتِي كَانَت بأوضار الْكفْر نَجِسَة فَأَصْبَحت بالايمان مؤسسة
فَلَمَّا اسْتَقر قراره أَمر بإنشاء الْكتب لاستدعاء الأجناد من الْجِهَات للْجِهَاد من سَائِر الْبِلَاد وابتدأ بِالْجُلُوسِ فِي دَار الْعدْل وبحضرته الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء من أهل الْفضل
قَالَ وَكَانَ السُّلْطَان قد ولى دمشق بدر الدّين مودودا الْمَعْرُوف بالشحنة وَهُوَ أَخُو عز الدّين فرخشاه لأمه وفوض إِلَيْهِ فِي هَذِه الْأَيَّام ولَايَة الدِّيوَان وَكَانَ مَعَ الصفي بن الْقَابِض مبقيت مَعَه الخزانة وَحدهَا وَكَانَ الصفي قد بنى للسُّلْطَان دَارا مطلة على الشرفين بالقلعة وَأنْفق عَلَيْهَا أَمْوَالًا كَثِيرَة وَبَالغ فِي تحبيرها وتحسينها وَظن أَنَّهَا تقع من السُّلْطَان بمَكَان فَمَا أعارها طرفا
وَلَا استحسنها وَكَانَت من جملَة ذنُوبه عِنْد السُّلْطَان الَّتِي أوجبت عَزله عَن الدِّيوَان وَقَالَ مَا يصنع بِالدَّار من يتَوَقَّع الْمَوْت وَمَا خلقنَا إِلَّا لِلْعِبَادَةِ وَالسَّعْي للسعادة وَمَا جِئْنَا دمشق لنقيم وَمَا نروم أَن لَا نريم
قَالَ ثمَّ هم بالغزاة فَبَدَأَ بزيارة القَاضِي الْفَاضِل وَكَانَ مُقيما بجوسق ابْن الْفراش بالشرف الْأَعْلَى فِي بستانه فاستضاء بِرَأْيهِ فِيمَا يُرِيد فعله وَكَانَ لَا يَأْتِي أمرا إِلَّا من بَابه فَأَقَامَ عِنْده إِلَى الظّهْر ثمَّ ودعه ورحل
قلت وَمَا أحسن مَا قَالَ ابْن الذروي فِي الآراء الْفَاضِلِيَّةِ من قصيدة مدحه بهَا
(لرأيك هَذَا النَّصْر للدّين ينتمي
…
فَلَا يَنْتَحِلهُ كل عضب ولهذم)
(وَإِن كَانَ فِيهِ للأسنة والظبى
…
مساعدة فالفضل للمتقدم)
(تُشِير على الْإِسْلَام مِنْك فراسة
…
لَهَا حزم طب واحتراز منجم)
(وتحميه أَلْفَاظ لديك كَأَنَّهَا
…
قواطع بتر أَو نوافذ أسْهم)
(أَلا حبذا فتح نشرت لِوَاءُهُ
…
وَقلت لخيل ألله يَا خيل أقدمي)
(وَقمت وَقد نَام الْأَنَام مناجيا
…
لمولاي نج الْمُسلمين وَسلم)