الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ دخلت سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة
وفيهَا وصل إِلَى الفرنج ملك إفرنسيس وَملك إنكلتير وَغَيرهمَا وَأخذت عكا يسر الله فتحهَا
قَالَ الْعِمَاد والغيم فِي هطلانه وَالْبَحْر فِي هيجانه وَالسُّلْطَان مُقيم بمخيمه على شفرعم ولطف الله بِهِ قد خص وَعم والعادل مخيم قَاطع نهر حيفا على الرمل وسفن الْبَدَل إِلَى عكا مُتَّصِلَة السبل والفرنج مستمرون على الْحصار متحرزون من الاصحار ونوب اليزك راتبة ووظائف الْجِهَاد مواظبة
وَوصل من الدِّيوَان الْعَزِيز مِثَال وَمَعَهُ مُكَاتبَة للْملك الْأَفْضَل وفيهَا إكرام وإجلال وَفضل وإفضال
وَفِي ثَالِث صفر رَحل تَقِيّ الدّين لتسلم الْبِلَاد الَّتِي أضيفت إِلَيْهِ شَرْقي الْفُرَات وَكَانَ لَهُ بِالشَّام المعرة وحماة وسلمية وجبلة واللاذقية وبالجزيرة وديار بكر حران والرها والموزر وسميساط وضياعها وميافارقين وحصونها وأعمالها وقلاعها
وَسَار على أَنه يرجع عَن قريب فَأَبْطَأَ وتشوف إِلَى افْتِتَاح مَا يجاوره من الْبِلَاد وَسَار إِلَى ميافارقين فَكَانَ السُّلْطَان ينْسب مَا جرى من اسْتِيلَاء الْكفَّار على عكا بعد قَضَاء الله تَعَالَى إِلَى غيبته فَإِنَّهُ تَأَخَّرت عَسَاكِر تِلْكَ الْبِلَاد الشرقية لخوف مضرته وجور مجاورته وَسَيَأْتِي ذكر وَفَاته فِي آخر السّنة
وَوصل كتاب الْمُجَاهِد أَسد الدّين شيركوه أَنه أغار على جشير للفرنج بطرابلس فاستاقه وَلم يطق الْكفَّار لحاقه واقتطع لخاصته مِنْهُ أَربع مئة رَأس تلف فِي الطَّرِيق مِنْهَا أَرْبَعُونَ وغنم أبقارا وَغنما وأنفذ للعماد مِنْهَا بغلة وَذَلِكَ رَابِع صفر
وَفِي لَيْلَة هَذَا الْيَوْم أَلْقَت الرّيح مركبا لِلْعَدو على الزيب فَكَسرته وَكَانَ فِيهِ خلق عَظِيم مِنْهُم فغرق بَعضهم وَأسر بعض وَفِيهِمْ امْرَأَتَانِ سبيتا
وَفِي لَيْلَة أول ربيع الأول خرج أَصْحَابنَا من الْبَلَد وهجموا على الْعَدو وَقتلُوا مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة وَأخذُوا مِنْهُم من خيمهم جمعا عَظِيما مِنْهُم اثْنَتَا عشرَة امْرَأَة
وَفِي ثَالِث ربيع الأول كَانَ اليزك للحلقة السُّلْطَانِيَّة وَخرج إِلَيْهِم من الْعَدو خلق عَظِيم وَجرى بَينهم وقْعَة شنيعة وَقتل فِيهَا لِلْعَدو جمَاعَة مِنْهُم مقدم كَبِير وَلم يفقد من الْمُسلمين إِلَّا خَادِم رومي صَغِير عثر بِهِ فِي الحملة فرسه يُسمى قراقوش وَكَانَ شجاعا لَهُ وقعات
وَفِي تَاسِع ربيع الأول بلغ السُّلْطَان أَن الْعَدو يخرج مِنْهُ طَائِفَة للآحتشاش فَأمر الْعَادِل أَن يكمن بالعسكر خلف التل الَّذِي كَانَت فِيهِ الْوَقْعَة الْمَعْرُوفَة بِهِ وَسَار هُوَ فكمن وَرَاء تل العياضية وَمَعَهُ من أَوْلَاده الصغار وَالْقَاضِي الْفَاضِل وَنذر الفرنج فَلم يخرج مِنْهُم أحد
وَوصل فِي أثْنَاء ذَلِك الْيَوْم خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ أَسِيرًا من الفرنج أخذُوا فِي بيروت فيهم شيخ كَبِير هرم لم يبْق فِي فَمه ضرس وَلم يبْق فِيهِ قُوَّة إِلَّا مِقْدَار مَا يَتَحَرَّك فَسَأَلَهُ عَن مَجِيئه فَقَالَ لِلْحَجِّ إِلَى قمامة وبيني وَبَين بلادي مسيرَة أشهر فرق لَهُ وَأطْلقهُ وَأَعَادَهُ إِلَى الْعَدو رَاكِبًا على فرس وَطلب أَوْلَاده الصغار أَن يَأْذَن لَهُم فِي قتل أَسِير فَلم يَأْذَن وَسُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ لِئَلَّا يعتادوا من الصغر سفك الدَّم ويهون عَلَيْهِم وهم الْآن لَا يفرقون بَين الْمُسلم وَالْكَافِر
ثمَّ لما أقبل الرّبيع توافت العساكر وَفَاء بموعدها فوصلت فِي شهر ربيع الأول فَأول من قدم الْأَمِير علم الدّين سُلَيْمَان بن جندر صَاحب قلعتي عزاز وبغراس وَهُوَ شيخ لَهُ رَأْي وتجربة ومنزلة كَبِيرَة ومرتبة وَالْملك الأمجد صَاحب بعلبك وَبدر الدّين مودود وَالِي دمشق فِي رِجَالهمْ وأبطالهم وَفِي كل يَوْم يقدم أَمِير بعد أَمِير وَالله يتَوَلَّى التَّدْبِير
وَكَانَ قد شاع الْخَبَر بِأَن مُلُوك الفرنج واصلون وهم حاشدون حافلون فوصل ملك إفرنسيس فيليب فِي عدَّة من عَبدة الصَّلِيب ثَانِي عشر ربيع الأول فِي سِتّ بطس عِظَام مَمْلُوءَة بفوارس ذَوي إقدام فَقُلْنَا مَا أحمل المَاء لأهل النَّار وَمَا أجلبه للدوائر إِلَى الديار وَكَانَ عَظِيما عِنْدهم من كبار مُلُوكهمْ ينقادون لَهُ بِحَيْثُ إِذا حضر حكم على الْجَمِيع وَمَا زَالُوا يتواعدونا بِهِ حَتَّى قدم وَصَحبه من بِلَاده باز عَظِيم عِنْده هائل الْخلق أَبيض اللَّوْن نَادِر
الْجِنْس وَكَانَ يعزه وَيُحِبهُ حبا عَظِيما فطار من يَده حَتَّى سقط على سور عكا فاصطاده أَصْحَابنَا وأنفذوه إِلَى السُّلْطَان وبذل الفرنج فِيهِ ألف دِينَار فَلم يجابوا
قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَلَقَد رَأَيْته وَهُوَ يضْرب إِلَى الْبيَاض مشرق اللَّوْن مَا رَأَيْت بازيا أحسن مِنْهُ
قَالَ الْعِمَاد وَكَانَ مَعَ هَذَا الْملك بازي أَشهب كَأَنَّهُ عِنْد إرْسَاله نَار تتلهب ففارقه يَوْم وُصُوله بِحَيْثُ عجز عَن حُصُوله وَكَانَ فِي ظن الفرنج أَنه يقدم فِي جمع جم فَلَمَّا رَأَوْا جمعه قليلاسقط فِي أَيْديهم فَوَعَدَهُمْ بالمدد خَلفه
قَالَ القَاضِي وَقدم بعده كند فرير وَكَانَ مقدما عَظِيما عِنْدهم مَذْكُورا كَانَ حاصر حماة وحارم عَام الرملة
وَفِي ثَانِي عشر ربيع الآخر وصل كتاب من اللاذقية أَن جمَاعَة من المستأمنين نزلُوا نَاحيَة من جَزِيرَة قبرس فِي عيد لَهُم وَقد اجْتمع جمع كثير فِي بيعَة قريبَة من الْبَحْر وَأَنَّهُمْ صلوا مَعَهم صَلَاة الْعِيد فَلَمَّا فرغوا من الصَّلَاة ضربوا على كل مَا كَانَ فِي الْبيعَة من الرِّجَال وَالنِّسَاء عَن آخِرهم حَتَّى القسيس وحملوهم إِلَى مراكبهم وَسَارُوا بهم إِلَى اللاذقية وَكَانَ فيهم سبع وَعِشْرُونَ امْرَأَة وَكَانُوا أغلقوا بَاب الْكَنِيسَة عَلَيْهِم ليأمنوا إفلاتهم وَأسرُوهُمْ بأسرهم
وكسبوا جَمِيع مَا فِي الْكَنِيسَة من الْأَمْتِعَة والأعلاق النفيسة واقتسموها فوصل إِلَى كل واحدعلى مَا قيل أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم من الْفضة النقرة كَذَا فِي كتاب القَاضِي
وَقَالَ الْعِمَاد فِي الْفَتْح وَقيل حصل لكل وَاحِد مِنْهُم على كثرتهم أَربع مئة دِرْهَم وهجم جمَاعَة من العسكرية على غنم لِلْعَدو فَأَخَذُوهَا وَكَانَ عَددهَا مئة وَعشْرين رَأْسا وركبوا فِي طلبَهَا بأسرهم بخيلهم ورجلهم فِي إثرهم فَلم يظفروا بطائل وَلم يرجِعوا بحاصل
قَالَ الْعِمَاد كَانَ عز الدّين سامة مُتَوَلِّي بيروت وَلم يكن لمراكب الْعَدو بُد من الْجَوَاز بهَا أَو بقربها وَإِذا عبرت أخذت وَإِن كَانَت مستعدة لحربها فغنم هُوَ وَرِجَاله مَغَانِم خلدت لَهُ ادخار الْغنى وَكَثُرت فِي الْبَحْر غَزَوَاته وَوصل ملك الإنكلتير إِلَى قبرس فِي السَّادِس وَالْعِشْرين من ربيع الآخر واشتغل بهَا عَن الْوُصُول إِلَى عكا حَتَّى أَخذهَا عنْوَة من صَاحبهَا وَكَانَت مُقَدمَات سفنه قد وصلت فاستولى سامة على خمس مِنْهَا مَمْلُوءَة رجَالًا وَنسَاء وأموالا وخيلا وَكَانَ فِي الزيب وَهُوَ شمَالي عكا طَائِفَة من الْمُسلمين يجهزون السفن الدَّاخِلَة إِلَى عكا ويقطعون الطَّرِيق على الفرنج
قَالَ القَاضِي وَكَانَ للْمُسلمين لصوص يدْخلُونَ إِلَى خيام الْعَدو فيسرقون مِنْهُم حَتَّى الرِّجَال وَيخرجُونَ فَأخذُوا ذَات لَيْلَة طفْلا رضيعا لَهُ ثَلَاثَة أشهر فَلَمَّا فقدته أمه باتت مستغيثة بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور فِي طول تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى وصل خَبَرهَا إِلَى مُلُوكهمْ فَقَالُوا لَهَا إِنَّه رَحِيم الْقلب وَقد أذنا لَك فِي الْخُرُوج إِلَيْهِ فاخرجي واطلبيه مِنْهُ فانه يردهُ عَلَيْك
فَخرجت تستغيث لليزك الإسلامي وَأَخْبَرتهمْ بواقعتها فأطلقوها وأنفذوها إِلَى السُّلْطَان فَأَتَتْهُ وَهُوَ رَاكب على تل الخروبة وَأَنا فِي خدمته وَفِي خدمته خلق عَظِيم فَبَكَتْ بكاء شَدِيدا ومرغت وَجههَا فِي التُّرَاب فَسَأَلَ عَن قصَّتهَا فأخبروه فرق لَهَا ودمعت عينه وَأمر باحضار الرَّضِيع فَمَضَوْا فوجدوه قد بيع فِي السُّوق فَأمر بِدفع ثمنه إِلَى المُشْتَرِي وَأَخذه مِنْهُ وَلم يزل وَاقِفًا رحمه الله حَتَّى أحضر الطِّفْل وَسلم إِلَيْهَا فَأَخَذته وبكت بكاء شَدِيدا وضمته إِلَى صدرها وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهَا ويبكون وَأَنا وَاقِف فِي جُمْلَتهمْ فأرضعته سَاعَة ثمَّ أَمر بهَا فَحملت على فرس وألحقت بمعسكرهم مَعَ طفلها
قَالَ فَانْظُر إِلَى هَذِه الرَّحْمَة الشاملة لجنس الانس اللَّهُمَّ إِنَّك خلقته رحِيما فارحمه رَحْمَة وَاسِعَة آمين
قَالَ وَفِي ذَلِك الْيَوْم وصل ظهير الدّين بن البلكنكري وَكَانَ مقدما من أُمَرَاء الْموصل وصل مفارقا لَهُم طَالبا خدمَة السُّلْطَان
قَالَ القَاضِي وَكَانَ للْمُسلمين لصوص يدْخلُونَ إِلَى خيام الْعَدو فيسرقون مِنْهُم حَتَّى الرِّجَال وَيخرجُونَ فَأخذُوا ذَات لَيْلَة طفْلا رضيعا لَهُ ثَلَاثَة أشهر فَلَمَّا فقدته أمه باتت مستغيثة بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور فِي طول تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى وصل خَبَرهَا إِلَى مُلُوكهمْ فَقَالُوا لَهَا إِنَّه رَحِيم الْقلب وَقد أذنا لَك فِي الْخُرُوج إِلَيْهِ فاخرجي واطلبيه مِنْهُ فانه يردهُ عَلَيْك
فَخرجت تستغيث لليزك الإسلامي وَأَخْبَرتهمْ بواقعتها فأطلقوها وأنفذوها إِلَى السُّلْطَان فَأَتَتْهُ وَهُوَ رَاكب على تل الخروبة وَأَنا فِي خدمته وَفِي خدمته خلق عَظِيم فَبَكَتْ بكاء شَدِيدا ومرغت وَجههَا فِي التُّرَاب فَسَأَلَ عَن قصَّتهَا فأخبروه فرق لَهَا ودمعت عينه وَأمر باحضار الرَّضِيع فَمَضَوْا فوجدوه قد بيع فِي السُّوق فَأمر بِدفع ثمنه إِلَى المُشْتَرِي وَأَخذه مِنْهُ وَلم يزل وَاقِفًا رحمه الله حَتَّى أحضر الطِّفْل وَسلم إِلَيْهَا فَأَخَذته وبكت بكاء شَدِيدا وضمته إِلَى صدرها وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهَا ويبكون وَأَنا وَاقِف فِي جُمْلَتهمْ فأرضعته سَاعَة ثمَّ أَمر بهَا فَحملت على فرس وألحقت بمعسكرهم مَعَ طفلها
قَالَ فَانْظُر إِلَى هَذِه الرَّحْمَة الشاملة لجنس الانس اللَّهُمَّ إِنَّك خلقته رحِيما فارحمه رَحْمَة وَاسِعَة آمين
قَالَ وَفِي ذَلِك الْيَوْم وصل ظهير الدّين بن البلنكري وَكَانَ مقدما من أُمَرَاء الْموصل وصل مفارقا لَهُم طَالبا خدمَة السُّلْطَان