الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْخمر وَقد تمكنت النَّار من أضلاعها ثمَّ خسفها المنجنيق وَخرج من بالثغر فَقطعُوا رَأس الْكَبْش وَاسْتَخْرَجُوا مَا تَحت الرماد من الْعدَد بالنبش وَقدر مَا نهب من الْحَدِيد بمئة قِنْطَار وَعلم الفرنج أَن أَعْمَالهم حبطت وآمالهم هَبَطت وَكَانَ ذَلِك فِي ثَالِث عشر رَمَضَان
وَفِيه قدم الظَّاهِر صَاحب حلب والأمجد صَاحب بعلبك وسابق الدّين عُثْمَان صَاحب شيزر وَعز الدّين ابْن الْمُقدم والأمير حسام الدّين حُسَيْن بن باريك وَجَمَاعَة من الْأُمَرَاء والخواص والمماليك
فصل فِي حوادث أخر مُتَفَرِّقَة فِي هَذِه السّنة
قَالَ الْعِمَاد وَوصل الْخَبَر فِي سادس عشر رَمَضَان من حلب أَن صَاحب أنطاكية أغار على غرَّة بشرة وشرة فرتب أَصْحَابنَا لَهُ كمينا ثمَّ خَرجُوا عَلَيْهِ شمالا ويمينا فَقتلُوا أَكثر رِجَاله وأفلت وباله فِي وباله
قَالَ القَاضِي خرج عَلَيْهِ نواب الْملك الظَّاهِر فَقتل من عسكره خَمْسَة وَسَبْعُونَ نَفرا وَأسر مِنْهُم خلق عَظِيم واستعصم
بِنَفسِهِ فِي مَوضِع يُسمى شيح حَتَّى انْدَفَعُوا وَسَار إِلَى بَلَده
قَالَ وَفِي أثْنَاء الْعشْر الْأَوْسَط أَلْقَت الرّيح بطستين فيهمَا رجال وصبيان وَنسَاء وميرة عَظِيمَة وغنم كَثِيرَة قَاصِدين نَحْو الْعَدو فغنمها الْمُسلمُونَ وَكَانَ الْعَدو قد ظفر لنا ببركوس فِيهِ نَفَقَة وَرِجَال أَرَادَ الدُّخُول إِلَى الْبَلَد فَأَخَذُوهُ فَوَقع الظفر بِهَاتَيْنِ البطستين ماحيا لذَلِك وجابرا لَهُ
قَالَ الْعِمَاد وَفِي هَذَا التَّارِيخ أَلْقَت الرّيح إِلَى سَاحل زيب بطستين خرجتا من عكا بِجَمَاعَة من الرِّجَال وَالصبيان وَالنِّسَاء وفيهَا امْرَأَة محتشمة غنية مُحْتَرمَة فأخذتا وَأخذُوا وَأخذت وجد الفرنج فِي استنقاذها فَمَا استنقذت
قَالَ وَفِي تَاسِع عشر الشَّهْر رحلنا إِلَى منزلَة تعرف بشفر عَم وَسَببه أَنه كثر المستأمنون من الفرنج وأخبروا أَنهم فِي عزم الْخُرُوج إِلَى المرج هائجين للثأر ثائرين إِلَى الهيجاء فَاسْتَشَارَ السُّلْطَان أمراءه فَقَالُوا الصَّوَاب أَن نفسح لَهُم عَن هَذِه المروج حَتَّى يكون دُخُولهمْ إِلَيْهَا يَوْم الْخُرُوج فنصبحهم فِي الْيَوْم الآخر وَلَا يتَعَذَّر بهم إحداق العساكر
فخيمنا هُنَاكَ ورحبت الْمنَازل وعذبت المناهل وعادت معالم تِلْكَ المجاهل وحللنا التلاع والآكام وركزنا بِتِلْكَ الْأَعْلَام الْأَعْلَام ونزلنا لمقام الشتَاء مستعدين ولأسباب التوقي من الأمطار مستنجدين
قَالَ وَمرض زين الدّين صَاحب إربل فِي شهر رَمَضَان وَتُوفِّي فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين مِنْهُ
قَالَ القَاضِي وَكَانَ اسْتَأْذن فِي الرواح فَلم يُؤذن لَهُ فَاسْتَأْذن فِي الِانْتِقَال إِلَى الناصرة فَأذن لَهُ فَأَقَامَ بهَا أَيَّامًا يمرض نَفسه ثمَّ توفّي وَعِنْده أَخُوهُ مظفر الدّين يُشَاهِدهُ وحزن النَّاس عَلَيْهِ لمَكَان شبابه وغربته
قَالَ الْعِمَاد وَكَانَ كَرِيمًا أريحيا نحيا سخيا وبكرنا إِلَى مظفر الدّين نعزيه فِي أَخِيه وظننا بِهِ الْحزن فَقُلْنَا نعظه ونسليه فَإِذا هُوَ فِي شغل شاغل عَن العزاء مهتم بِالِاحْتِيَاطِ على مَا خَلفه وَتَركه من الأشياع والأشياء وهوجالس فِي مخيم أَخِيه الْمُتَوفَّى وَقد أشرف على حفظه وأوفى وَقد قبض على جمَاعَة من أمرائه واعتقلهم وَعجل عَلَيْهِم وَمَا أغفلهم مِنْهُم صارم الدّين بن بلداجي
مُتَوَلِّي خفتيان كَانَ ليتسلم مِنْهُ الْمَكَان وَكَذَلِكَ كل حَاضر لَهُ حصن ليحصل لَهُ من طَاعَته أَمن
وخاطب فِي أَسبَاب ولَايَة إربل وأعمالها وَأَن يسْتَقلّ ببلادها وأموالها وَرغب فِي شهرزور واستضافتها لاستنارة وجاهته بهَا واستفاضتها وَأَنه ينزل على حران والرها وسميساط والموزر وَيجْعَل كل مَا فِي يَده من الْأَعْمَال فِي الموفر ويخدم بِخَمْسِينَ ألف دِينَار ويحضرها نَقْدا ويلتزم بهَا على الْمِيثَاق عقدا
فأجيبت رغبته وَأُصِيبَتْ طلبته وَعقد لِوَاؤُهُ ونجح رجاؤه وَأَرَادَ سرعَة الرحيل فاستمهل إِلَى حِين وُصُول الْملك المظفر تَقِيّ الدّين لينزل فِي مَنْزِلَته بجنده وَصَحبه الميامين فوصل يَوْم الْأَحَد ثَالِث شَوَّال وأضيف إِلَيْهِ مَا استعيد من مظفر الدّين من الْأَعْمَال وَكتب منشور إربل وَكتاب إِلَى صَاحب الْموصل فِيهِ لَا شكّ فِي إحاطة الْعلم بانتقال زين الدّين إِلَى جوَار الله ومقر رَحمته مُجَاهدًا
فِي سَبِيل الله شاكرا لنعمته وَهُوَ من السُّعَدَاء الَّذين أنزل الله تَعَالَى فيهم {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجراً إِلَى اللهِ وَرَسُولهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْت فَقْد وَقَع أجْرُه على الله} فَمَا أفجع الْقُلُوب بمصابه وَمَا أنكى فِي النُّفُوس فلول شبا شبابه
وَلَقَد كَانَت الهمة متوفرة على تَرْبِيَته واعلاء دَرَجَته وَلَكِن الله تَعَالَى اسْتَأْثر بِهِ قبل ظُهُور حسن الْآثَار فِي ايثاره وبلي بدره التم بسراره وَأصْبح فِي ضمير البلى من أسراره
وَهَذِه إربل من إنعام الْبَيْت الْكَرِيم الأتابكي على الْبَيْت الزيني مذ سبعين عَاما لم يحلوا لعقد أنعامهم بهَا نظاما وَلم يزِيدُوا أَحْكَامه إِلَّا إحكاما وإبراما وَمَا أرى أَن يخرج هَذَا الْموضع مِنْهُم وَأَن يصدف بِهِ عَنْهُم والأمير الْأَجَل مظفر الدّين كَبِير الْبَيْت وحاميه والمقدم فِي الْولَايَة بِمُقْتَضى وَصِيَّة أَبِيه وَقد أنهض ليسد مسد أَخِيه
قَالَ وَكَانَ الْملك المظفر تَقِيّ الدّين مُتَوَلِّيًا مذ سِنِين أَعمال ميافارقين فَطلب من عَمه تَفْوِيض كل مَا وَرَاء الْفُرَات إِلَيْهِ والاعتماد فِيهِ عَلَيْهِ فأنعم عَلَيْهِ بذلك فَأَقَامَ عندنَا بالمنزلة المظفرية إِلَى أَن يُؤذن لَهُ فِي الْمُضِيّ إِلَى تِلْكَ الْولَايَة وسير نوابه إِلَيْهَا لابقاء رعاياها على شِيمَة الرِّعَايَة
قَالَ وَلما أحس الْعَسْكَر الشَّرْقِي بالشتاء أبدوا خلق السَّآمَة وضجروا من الاقامة فَأَما عماد الدّين صَاحب سنجار فانه عرف كَرَاهِيَة السُّلْطَان لفراقه فَلم يجر إِلَّا على وفاقه وَأما صَاحب الجزيرة سنجر شاه فَإِنَّهُ استطال الْمقَام وأباه وَدخل يَوْم عيد الْفطر على السُّلْطَان فَقبل يَده وودعه من غير سَابِقَة الاسْتِئْذَان فأغضبه انْفِصَاله وساءه ارتحاله وَكَانَ تَقِيّ الدّين واصلا فلقي صَاحب الجزيرة عَنَّا فاصلا فَرده عَن طَرِيقه وجد فِي تعويقه وَرجع بِهِ إِلَى الرِّضَا وَعَفا الله عَمَّا مضى
وَقَالَ القَاضِي ترددت رسله ورقاعه إِلَى السُّلْطَان فِي طلب الدستور وَالسُّلْطَان يعْتَذر بِأَن رسل الْعَدو متكررة فِي معنى الصُّلْح وَلَا يجوز أَن تنفض العساكر حَتَّى نتبين على مَاذَا ينْفَصل الْحَال من سلم أَو حَرْب
فَلَمَّا كَانَ يَوْم عيد الْفطر دخل على السُّلْطَان وَهُوَ ملتاث الْجِسْم فَقبل يَده وَخرج وسارمن سَاعَته وَمَعَهُ أَصْحَابه فَلَمَّا بلغ السُّلْطَان صَنِيعه كتب إِلَيْهِ إِنَّك أَنْت قصدت الانتماء إِلَيّ ابْتِدَاء وراجعتني فِي ذَلِك مرَارًا وأظهرت الخيفة على نَفسك وبلدك من أهلك فقبلتك وآويتك ونصرتك فبسطت يدك فِي أَمْوَال النَّاس وَدِمَائِهِمْ وأعراضهم فنفذت إِلَيْك ونهيتك عَن ذَلِك مرَارًا فَلم تَنْتَهِ فاتفق وُقُوع هَذِه الْوَاقِعَة للاسلام فدعوناك فَأتيت بعسكر قد عَرفته وعرفه النَّاس وأقمت هَذِه المديدة وقلقت هَذَا القلق وتحركت بِهَذِهِ الْحَرَكَة وانصرفت عَن غير طيب نفس وَغير فصل حَال مَعَ
الْعَدو فَانْظُر لنَفسك وَأبْصر من تنتمي إِلَيْهِ غَيْرِي واحفظ نَفسك مِمَّن يقصدك فَمَا بَقِي لي إِلَى جَانِبك الْتِفَات
وَسلم الْكتاب إِلَى نجاب فَلحقه قَرِيبا من طبرية فَقَرَأَ الْكتاب وَلم يلْتَفت وَسَار فَلَقِيَهُ تَقِيّ الدّين عِنْد عقبَة فيق فَأخْبرهُ بأَمْره وتعتب على السُّلْطَان كَيفَ لم يخلع عَلَيْهِ وَلم يَأْذَن لَهُ فِي الرواح ففهم تَقِيّ الدّين انْفِصَاله عَن غير دستور من السُّلْطَان فَأمره بِالرُّجُوعِ وَقَالَ أَنْت صبي وَلَا تعلم غائلة هَذَا الْأَمر فَقَالَ مَا يمكنني الرُّجُوع فَقَالَ ترجع من كل بُد من غير اختيارك
وَكَانَ تَقِيّ الدّين شَدِيد الْبَأْس مقداما على الْأُمُور لَيْسَ فِي عينه من أحد شَيْء فَلَمَّا علم أَنه قابضه إِن لم يرجع رَجَعَ مَعَه وَسَأَلَ السُّلْطَان الصفح عَنهُ فَفعل وَطلب أَن يُقيم فِي جوَار تَقِيّ الدّين خشيَة على نَفسه فَأذن لَهُ فَأَقَامَ فِي جواره إِلَى حِين ذَهَابه
قَالَ الْعِمَاد فِي الْفَتْح وَطَالَ على الْملك عماد الدّين صَاحب سنجار الْمقَام وجد فِي الاسْتِئْذَان فِي الرحيل مِنْهُ الاهتمام وتقرر ملاله وتكرر سُؤَاله فَكتب إِلَيْهِ السُّلْطَان
(من ضَاعَ مثلي من يَدَيْهِ
…
فليت شعري مَا استفادا)
فَلَمَّا قَرَأَ هَذَا الْبَيْت مَا راوح فِي الْخطاب وَلَا غادى