الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاصْفَحْ عَنْهُم فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان قد أمرنَا الله بتمهيد الأَرْض وَنحن قائمون فِي طَاعَته بِالْفَرْضِ وعلينا الِاجْتِهَاد فِي الْجِهَاد وَهُوَ الَّذِي يقدرنا على فتح الْبِلَاد وَلَو اجْتمع أهل الأَرْض ذَات الطول وَالْعرض لتوكلنا على الله فِي اللِّقَاء وَلم نبال بأعداد الْأَعْدَاء فصلب على وَجهه وَركب بكربه وَلم يغن خطابه عَن خطبه
فصل فِي فتح صهيون وَغَيرهَا
قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد رَحل السُّلْطَان عَن اللاذقية ظهيرة الْأَحَد السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى طَالب صهيون فَنزل عَلَيْهَا يَوْم الثُّلَاثَاء التَّاسِع وَالْعِشْرين فَاسْتَدَارَ الْعَسْكَر بهَا من جَمِيع نَوَاحِيهَا بكرَة الْأَرْبَعَاء وَنصب عَلَيْهَا سِتَّة مناجيق وَهِي قلعة حَصِينَة منيعة فِي طرف جبل خنادقها أَوديَة هائلة وَاسِعَة عميقة وَلَيْسَ لَهَا خَنْدَق محفور إِلَّا من جَانب وَاحِد مِقْدَار طوله سِتُّونَ ذِرَاعا وَلَا يبلغ وَهُوَ نقر فِي حجر وَلها ثَلَاثَة أسوار سوران دون ربضها وسور دون الْقلَّة وسور الْقلَّة وَكَانَ على قلتهَا علم طَوِيل مَنْصُوب فحين أقبل الْعَسْكَر الإسلامي شاهدته وَقد وَقع فَاسْتَبْشَرَ بذلك الْمُسلمُونَ وَعَلمُوا أَنه النَّصْر وَالْفَتْح وَاشْتَدَّ الْقِتَال عَلَيْهَا من
سَائِر الجوانب فضربها منجنيق وَلَده الْملك الظَّاهِر وَكَانَ نَصبه قبالة قرينَة من سورها قَاطع الْوَادي وَكَانَ صائب الْحجر فَلم يزل يضْربهَا حَتَّى هدم من السُّور قِطْعَة جَيِّدَة عَظِيمَة تمكن الصاعد فِي السُّور من الترقي إِلَيْهِ مِنْهَا
وَلما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة عزم السُّلْطَان على الزَّحْف وَركب وَتقدم وتواترت المنجنيقات بِالضَّرْبِ وَارْتَفَعت الْأَصْوَات وَعظم الضجيج بِالتَّكْبِيرِ والتهليل وَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَة حَتَّى رقي الْمُسلمُونَ على أسوار الربض وَاشْتَدَّ الزَّحْف وَعظم الْأَمر وهجم الْمُسلمُونَ الربض
وَلَقَد كنت أشاهد النَّاس وهم يَأْخُذُونَ الْقدر وَقد اسْتَوَى فِيهَا الطَّعَام فيأكلونها وهم يُقَاتلُون القلعة وانضم من كَانَ فِي الربض إِلَى القلعة بِمَا أمكنهم أَن يحملوه من أَمْوَالهم وَنهب الْبَاقِي واستدار الْمُقَاتلَة حول أسوار القلعة فَلَمَّا عاينوا الْهَلَاك اسْتَغَاثُوا بِطَلَب الْأمان فَأَمنَهُمْ السُّلْطَان على أَن يسلمُوا بِأَنْفسِهِم وَأَمْوَالهمْ وَيُؤْخَذ من الرجل مِنْهُم عشرَة دَنَانِير وَعَن الْمَرْأَة خَمْسَة دَنَانِير وَعَن الصَّغِير دِينَارَانِ فَسلمت القلعة وَأقَام السُّلْطَان حَتَّى تسلم عدَّة قلاع كالعيذو وبلاطنس وَغَيرهمَا من القلاع والحصون فتسلمها النواب فانها كَانَت تتَعَلَّق بصهيون
وَقَالَ الْعِمَاد كَانَ الطَّرِيق إِلَى صهيون فِي أَوديَة وشعاب
ومنافذ صعاب وأوعاث وأوعار وأنجاد وأغوار فقطعنا تِلْكَ الطَّرِيق فِي يَوْمَيْنِ ووصلنا لَيْلَة الثُّلَاثَاء بليلة الأثنين وخيمنا على صهيون يَوْم الثُّلَاثَاء وَهِي قلعة على ذرْوَة جبل بَين واديين عميقيين يَلْتَقِيَانِ عَلَيْهَا ويدوران حواليها والجانب الْجبلي مَقْطُوع مِنْهُ بخندق عَظِيم عميق وسور وثيق مَا إِلَيْهِ سوى للْقَضَاء وَالْقدر من طَرِيق والقلعة ذَات أسوار خَمْسَة كَأَنَّهَا خمس هضاب ممتلئة بذئاب سغاب وَأسد غضاب وأحاط الْعَسْكَر بهَا يَوْم الْأَرْبَعَاء من نَوَاحِيهَا الْأَرْبَع وَهِي ممتنعة علينا بالركن الأمنع والسمو الأمتع
وَنقل السُّلْطَان خيمته إِلَى جَانب الْجَبَل وَأقَام الْملك الظَّاهِر غَازِي صَاحب حلب منجنيقين ونهج بهما من جَانب الْوَادي إِلَى ردى الأعادي طَرِيقين وَكَانَ لَهُ فِي فتح هَذِه القلعة الْجد العالي وَالْجد الْوَالِي فانه اتَّصل بِنَا قبل الْوُصُول إِلَى جبلة من طَرِيق حماة وَقد استصحب الكماة الحماة وَمَعَهُ الرِّجَال الحلبية والمنجنيقية والجرخية والجاندارية والخراسانية واستصحب الحدادين والحجارين والنجارين فأظهر على صهيون الْيَد الْبَيْضَاء وأنار فِي فضاء الْفَضَائِل وأضاء وَكَانَ نازلا على جَانب الْوَادي مُقَابل الْحصن وَشرع الْجِدَار فِي الأنقضاض واصبحنا يَوْم الْخَمِيس وللجلاميد وُقُوع وللسور سُجُود وركوع وَمَا زَالَت المجانيق من جَانِبه وجانبنا ترمي والحنايا بسهام المنايا تصمي
حَتَّى قتل وجرح أَكثر مقاتلة الْحصن وَهَان بِمَا دب فِيهِ من الوهن
وأصبحنا يَوْم الْجُمُعَة ثَانِي جُمَادَى الْآخِرَة وبحر الْحَرْب فِي أمواجه الزاخرة وتطرق اصحابنا من قرنة خفيت عَلَيْهِم من الخَنْدَق لم تحكم عمارتها كَأَن الله أعماهم عَنْهَا حَتَّى يسْلك الحتف إِلَيْهِم مِنْهَا فتعلقوا فِي الصخور وتسلقوا السُّور وملكوا عَلَيْهِم ثَلَاثَة أسوار واحتووا على كل مَا فِيهَا من ذخائر وغلال ودواب وأبقار وازدحم الفرنج فِي الْقلَّة وتفادوا من الْخَوْف لَا من الْقلَّة وصاحوا الْأمان وبذلوا الاذعان وَنَادَوْا مكنونا من السَّلامَة وتسلموا الْمَكَان
فَمَا أمنُوا على المَال وَالنَّفس حَتَّى قَررنَا عَلَيْهِم مثل قطيعة الْقُدس وأغلقت دونهم الْأَبْوَاب وسيرت إِلَيْهِم النواب وَمَا اسْتَقر خُرُوجهمْ حَتَّى استخرج الْقَرار وجبي الدِّرْهَم وَالدِّينَار وَعم الصغار الْكِبَار وَالصغَار وَتَوَلَّى ذَلِك شُجَاع الدّين طغرل الجاندار ثمَّ سلم حصن صهيون بِجَمِيعِ أَعماله وَسَائِر مَا حواه من ذخائره وأمواله إِلَى الْأَمِير نَاصِر الدّين منكورس بن خمارتكين صَاحب بوقبيس فأحكمه وحصنه وَحفظه وَحسنه وتسلم يَوْم السبت قلعة العيذو وَيَوْم الْأَحَد قلعة الجماهريين وَيَوْم الِاثْنَيْنِ حصن بلاطنس وَندب إِلَى كل حُصَيْن من تسلمه وسلكه فِي سلك الْفتُوح ونظمه
قَالَ وبفتح صهيون حصل الْأَمْن على اللاذقية وَقَوي الأمل