الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالْحجرِ النحيت وَقد اجْتمع من كَانَ فِيهَا من الخيالة والمقاتلة فِيهِ وخندقه فِيهِ المَاء وَفِيه جروخ كَثِيرَة تجرح النَّاس عَن بعد فَرَأى السُّلْطَان تَأْخِير أمره والاشتغال بِمَا هُوَ أهم مِنْهُ فَاشْتَدَّ فِي خراب السُّور حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ وَخرب الْبيعَة وَهِي بيعَة عَظِيمَة عِنْدهم محجوج إِلَيْهَا من أقطار بِلَادهمْ وَأمر بِوَضْع النَّار فِي الْبَلَد فَأحرق جَمِيعه والأصوات مُرْتَفعَة بالتهليل وَالتَّكْبِير وَأقَام عَلَيْهَا يخربها إِلَى رَابِع عشر الشَّهْر وَسَار يُرِيد جبلة وَعرض لَهُ وَلَده الظَّاهِر فِي أثْنَاء طَرِيق جبلة وَمَعَهُ العساكر الَّتِي كَانَت بتيزين
فصل فِي فتح جبلة وَغَيرهَا
قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَكَانَ وُصُول السُّلْطَان إِلَى جبلة يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر الشَّهْر وَمَا استتم نزُول الْعَسْكَر حَتَّى أَخذ الْبَلَد وَكَانَ فِيهِ مُسلمُونَ مقيمون فِيهِ وقاض يحكم بَينهم وَكَانَ قد عمل على الْبَلَد فَلم يمْتَنع وَبقيت القلعة ممتنعة وَنزل الْعَسْكَر محدقا بِالْبَلَدِ وَقد دخله الْمُسلمُونَ واشتغل بِقِتَال القلعة فقوتلت قتلا يُقيم عذرا لمن كَانَ فِيهَا وسلمت بالأمان يَوْم السبت تَاسِع عشر الشَّهْر وَأقَام عَلَيْهَا إِلَى الثَّالِث وَالْعِشْرين وَسَار عَنْهَا يطْلب اللاذقية
وَقَالَ الْعِمَاد بعد فتح أنطرطوس وصل إِلَيْنَا رجال حماة
فَرَحل السُّلْطَان يَوْم الِاثْنَيْنِ رَابِع عشر الشَّهْر وَنزل على مرقية وَقد أخلاها سكانها فخيم فِيهَا أهل الْإِسْلَام وطاب لَهُم فِيهَا الْمقَام وَكَانَت الطَّرِيق إِلَى جبلة على السَّاحِل ضيقَة المسالك صعبة المراحل وَهُنَاكَ للفرنج الاسبتارحصن يُقَال لَهُ المرقب مأهول معمور وَلَا طَرِيق إِلَّا تَحت تله
وَاتفقَ أَن طاغية صقلية لما شجاه مَا تمّ على الفرنج فِي السَّاحِل جهز أسطولا يشْتَمل من الشواني على سِتِّينَ قِطْعَة تحسب كل وَاحِدَة مِنْهَا قلعة أَو تلعة وَقدم عَلَيْهَا طاغية يُقَال لَهُ المرغريط فوصل وَمَا ضرّ وَلَا نفع فَإِن فرنج السَّاحِل مَا رفعوا بِهِ رَأْسا وتضجروا مِنْهُ وَكَانَ فِي عشرَة آلَاف رجل يَحْتَاجُونَ إِلَى ميرة وكلف كَبِيرَة فَصَارَ إِلَى صور ثمَّ رَجَعَ إِلَى طرابلس وَتردد فِي الْبَحْر وتلدد وأبلس واضطرب أشهرا لَا يظْهر لَهُ رَأْي وَلَا يرى لَهُ مظْهرا فَلَمَّا سمع بعبور عَسَاكِر الْمُسلمين على السَّاحِل إِلَى جبلة جَاءَ بالشواني وصفهَا على موازاة الطَّرِيق ومباراة الْمضيق وفيهَا الرُّمَاة فَأمر السُّلْطَان بِنَقْل الجفاتي إِلَى هُنَاكَ وتصفيفها وتكثير ستائرها وأجلس الرُّمَاة من وَرَائِهَا فَمَا زَالَ الْأَمر على ذَلِك وَالرُّمَاة ترمي وتصمي وَعَامة الْمُسلمين فِي سلوك ذَلِك الْمضيق حَتَّى خفت الأثقال وعبرت الْأَحْمَال
وخلص الْمُسلمُونَ من ذَلِك الشق بِغَيْر مشقة وجازوا على مَدِينَة يُقَال لَهَا بلنياس وَقد انجلى عَنْهَا النَّاس فخيم الْمُسلمُونَ فِيهَا ثمَّ اصبحوا على الرحيل فاعترضهم نهر عريض عميق مَا فِيهِ طَرِيق وَهُوَ مطرد من الْجَبَل إِلَى الْبَحْر وَفِيه قنطرة وَاحِدَة فتنكبها السُّلْطَان بالجحفل وَمضى يَمِينا إِلَى الْجَبَل وَأبْعد حَتَّى عبر فَوق رَأس الْعين واحتاطت العساكر بالنهر من الْجَانِبَيْنِ وتزاحمت الأثقال على القنطرة فَمَا خلصوا تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَى آخرهَا وَنزل السُّلْطَان قبل وُصُول الأثقال على بَلْدَة وَهِي بَلْدَة كاسمها بَلْدَة وَهِي بليدَة من غربي النَّهر وعَلى شاطئ الْبَحْر وجانباها الْآخرَانِ خَنْدَق يلتقي فِيهِ البحران وَقد أخلاها أَيْضا أَهلهَا وتفرق شملها
وَأصْبح السُّلْطَان يَوْم الْجُمُعَة ثامن عشر جُمَادَى الأولى على جبلة فتسلمها الْمُسلمُونَ فِي الْوَقْت وَذَلِكَ أَن قاضيها كَانَ قد سبق ودخلها وَقرن بالنجح للْمُسلمين أملهَا فَلَمَّا وصلوا أَعلَى الْأَعْلَام الناصرية على سورها وخلص الْمُسلمُونَ بهَا من مساكنة الْكَفَرَة وتحصن الفرنج بحصنيها واحتموا بقلعتيها فَمَا زَالَ قَاضِي جبلة يخوفهم ويرغبهم حَتَّى اسْتَنْزَلَهُمْ بِشَرْط أَن يسترهنهم إِلَى أَن يردوا من أنطاكية رهائن جبلة من الْمُسلمين فضبط عِنْده جمَاعَة من رُؤُوس الفرنج والمقدمين حَتَّى أعَاد