الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يُرِيد بذلك أنني قد رضيت بِأَن أتلف أَنا إِذا تلف أَعدَاء الله وَحدث بذلك قُوَّة عَظِيمَة فِي نفوس العساكر الإسلامية
وَكَانَ مرض السُّلْطَان هُوَ أحد الْأَسْبَاب الحاملة للفرنج على هَذِه الْحَرَكَة مُنْضَمًّا إِلَى كثرتهم وَشدَّة الغلاء والجدب عَلَيْهِم
فصل فِي وقْعَة الكمين وَغَيرهَا وَدخُول الْبَدَل إِلَى عكا
قَالَ الْعِمَاد لما كَانَ يَوْم الْجُمُعَة الثَّانِي وَالْعشْرُونَ من شَوَّال انتخب السُّلْطَان من أجناده عدَّة وَكثر لَهُم الْعدة وَأمرهمْ أَن يكمنوا فِي سفح تل هُوَ شمَالي عكا بعيد من عَسْكَر الْعَدو بِقرب الْمنزلَة العادلية الْقَدِيمَة عِنْد السَّاحِل فكمنوا تِلْكَ اللَّيْلَة فَلَمَّا أصبح الصَّباح ركب مِنْهُم عدَّة يسيرَة وَسَارُوا نَحْو الفرنج وصالوا عَلَيْهِم وأغاروا فَاسْتَقْبَلَهُمْ الفرنج فَخرج إِلَيْهِم زهاء أَربع مئة فَارس هَكَذَا قَالَ الْعِمَاد فِي الْبَرْق وَقَالَ فِي الْفَتْح مئتا قنطاري وَكَذَا قَالَ ابْن شَدَّاد مئتا فَارس وطمعوا فِي الْمُسلمين فتأخروا قدامهم قَلِيلا قَلِيلا حَتَّى أوصلوهم إِلَى الكمين فَخرج عَلَيْهِم أَسد العرين وَقتلُوا وأسروا واستولوا عَلَيْهِم بأسرهم فَلم ينج مِنْهُم نَاجٍ
وَوَقع فِي الْأسر مقدمون أكَابِر مِنْهُم خَازِن الْملك وَجَمَاعَة من الإفرنسيسية وَركب السُّلْطَان فَرحا بِهَذِهِ الْبشَارَة ووقف على تل كيسَان وَقد توافت إِلَيْهِ الأسرى والأسلاب فَترك الأسلاب والخيول لآخذيها وَكَانَت بأموال عَظِيمَة فَمَا أعارها طرفا وَلَا تردد أمره فِيهَا وَجلسَ وأحضر الأسرى وباسطهم وأطعمهم وكساهم وَأذن لَهُم فِي أَن يَسِيرُوا غلمانهم لاحضار مَا يُرِيدُونَ احضاره ثمَّ نقلهم إِلَى دمشق للاعتقال وحفظهم بالقيود الثقال
قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَلما هجم الشتَاء وهاج الْبَحْر وَأمن الْعَدو من أَن يضْرب مصَاف وَأَن يُبَالغ فِي طلب الْبَلَد وحصاره من شدَّة الأمطار وتواترها أذن السُّلْطَان للعساكر فِي الْعود إِلَى بلادها ليأخذوا نَصِيبا من الرَّاحَة فَسَار عماد الدّين صَاحب سنجار خَامِس عشري شَوَّال وعقيبه ابْن أَخِيه صَاحب الجزيرة بعد أَن أفيض عَلَيْهِمَا من التشريف والانعام والتحف مَا لم ينعم بِهِ على غَيرهمَا
وَسَار عَلَاء الدّين ابْن صَاحب الْموصل فِي أول ذِي الْقعدَة مشرفا مكرما وَسَار الظَّاهِر فِي الْمحرم من سنة سبع وتقي الدّين فِي صفر مِنْهَا وَلم يبْق عِنْد السُّلْطَان إِلَّا نفر يسير من الْأُمَرَاء وَالْحَلقَة الْخَاص
قَالَ واشتغل السُّلْطَان بِإِدْخَال الْبَدَل إِلَى عكا وَحمل المير
والذخائر واخراج من كَانَ بهَا من الْأُمَرَاء لعظم شكايتهم من طول الْمقَام بهَا ومعاناة التَّعَب والسهر وملازمة الْقِتَال لَيْلًا وَنَهَارًا وَكَانَ مقدم الْبَدَل الدَّاخِل من الْأُمَرَاء سيف الدّين المشطوب دخل فِي سادس عشر الْمحرم سنة سبع وَفِي ذَلِك الْيَوْم خرج الْمُقدم الَّذِي كَانَ بهَا وَهُوَ الْأَمِير حسام الدّين أبوالهيجاء وَأَصْحَابه وَمن كَانَ بهَا من الْأُمَرَاء وَدخل مَعَ المشطوب خلق من الْأُمَرَاء وأعيان من الْخلق وَتقدم إِلَى كل من دخل أَن يصحب مَعَه ميرة سنة كَامِلَة
وانتقل الْعَادِل بعسكره إِلَى حيفا على شاطئ النَّهر وَهُوَ الْموضع الَّذِي تحمل مِنْهُ المراكب وَتدْخل إِلَى الْبَلَد وَإِذا خرجت تخرج إِلَيْهِ فَأَقَامَ ثمَّ يحث النَّاس على الدُّخُول ويحرس المير والذخائر لِئَلَّا يتَطَرَّق إِلَيْهَا من الْعَدو من يتعرضها
وَكَانَ مِمَّا دخل إِلَيْهَا سبع بطس مَمْلُوءَة ميرة وذخائر ونفقات كَانَت وصلت من مصر وَكَانَ دُخُولهَا يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي ذِي الْحجَّة فانكسر مِنْهَا مركب على الصخر الَّذِي هُوَ قريب الميناء فَانْقَلَبَ كل من فِي الْبَلَد من الْمُقَاتلَة إِلَى جَانب الْبَحْر لتلقي البطس وَأخذ مَا فِيهَا
وَلما علم الْعَدو انقلاب الْمُقَاتلَة إِلَى جَانب الْبَحْر اجْتَمعُوا فِي خلق عَظِيم وزحفوا على الْبَلَد من جَانب الْبر زحفة عَظِيمَة
وقاربوا الأسوار وصعدوا فِي سلم وَاحِد فاندق بهم السّلم كَمَا شَاءَ الله تَعَالَى وأدركهم أهل الْبَلَد فَقتلُوا مِنْهُم خلقا عَظِيما وعادوا خائبين خاسرين
وَأما البطس فَإِن الْبَحْر هاج هيجانا عَظِيما وَضرب بَعْضهَا بِبَعْض على الصخر فَهَلَكت وَهلك جَمِيع مَا كَانَ فِيهَا وَهلك فِيهَا خلق عَظِيم قيل كَانَ عَددهمْ سِتِّينَ نَفرا وَكَانَ فِيهَا ميرة عَظِيمَة لَو سلمت لكفت الْبَلَد سنة كَامِلَة وَدخل على الْمُسلمين من ذَلِك وَهن عَظِيم وحرج السُّلْطَان لذَلِك حرجا شَدِيدا وَكَانَ ذَلِك أول علائم أَخذ الْبَلَد
وَقَالَ الْعِمَاد لما دخل الشتَاء وعصفت الْأَهْوَاء وهاج الْبَحْر وَوَقع فِي سفن الفرنج الْكسر أنفذوها إِلَى الجزائر للِاحْتِيَاط وخافوا عَلَيْهَا من اختباط الْبَحْر
وَقَالَ فِي الْفَتْح نقل الفرنج سفنهم خوفًا عَلَيْهَا إِلَى صور فربطوها بهَا فَخَلا وَجه الْبَحْر من مراكبهم وَحصل الْأَمْن فِيهِ من جانبهم
وَكَانَ أَصْحَابنَا فِي الْبَلَد قد ملوا فشكوا ضررهم وضجرهم وَكَانُوا زهاء عشْرين ألف رجل من أَمِير ومقدم وجندي وأسطولي وبحري ومتعيش وتاجر وبطال وغلمان ونواب
وعمال وَقد تعذر عَلَيْهِم الْخُرُوج فَرَأى السُّلْطَان أَن يفسح لَهُم فِيهِ رفقا بهم ورأفة وَمَا أفكر أَن فِي ذَلِك مَخَافَة وَآفَة
وأشير على السُّلْطَان بترتيب الْبَدَل وكفل الْعَادِل بذلك وانتقل بمخيمه إِلَى سفح جبل حيفا قَاطع النَّهر وَتقدم بِجمع السفن للنَّقْل وَاجْتمعَ المنتقلون بالسَّاحل على الرمل فَمن نجز أمره انْتقل
وَكَانَ الرَّأْي إزاحة عِلّة المقيمين فَإِنَّهُم قد جربوا وصبروا وخبروا وهم كَنَفس وَاحِدَة وَكَانُوا فِي ثروة وكرم ونخوة وَفِيهِمْ أَبُو الهيجاء السمين وَله أَتبَاع وأشياع وَله فِي شرع السماحة اقْتِدَاء بالسلطان أوضاع وَلَعَلَّه أنْفق من مَاله فِي تِلْكَ السّنة خمسين ألف دِينَار فَلَمَّا فسح لَهُم فِي الِانْتِقَال لأجل الِاسْتِبْدَال انْتَشَر ذَلِك الضَّم وانتثر ذَلِك النّظم وَدخل إِلَى عكا من لم يجرب حصارها وَلم يخبر مَنَافِعهَا ومضارها وَمَا ثَبت مِمَّن كَانَ مُقيما بهَا إِلَّا الْأَمِير بهاء الدّين قراقوش
وَدخل عشرُون مقدما وأميرا شبه المكرهين عوض سِتِّينَ واستخدمت الرِّجَال وأنفقت الْأَمْوَال وتفاوت الداخلون والخارجون فَلَا جرم وَقع الوهن وَقضي الْأَمر وتكفل بالداخلين المشطوب وطاب الزَّمَان وَتعذر الامكان بِعُود مراكب الْعَدو فَلم يستتم الْبَلَد مَا كَانَ يحْتَاج إِلَيْهِ من الرِّجَال وَالْأَمْوَال فَإِن كل من