الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ملك طبق الممالك عدلا
…
مثل مَا أوسع الْبَريَّة برا)
ثمَّ قَالَ فِي آخرهَا
(فتمل الأعياد صوما وفطرا
…
وتلق الهناء عشرا ونحرا)
(يامسر الطَّاعَات لله إِن أضحى
…
مليك على الهناة مصرا)
(نلْت مَا تبتغي من الدّين وَالدُّنْيَا
…
فتيها على الْمُلُوك وفخرا)
(قد جمعت المجدين أصلا وفرعا
…
وملكت الدَّاريْنِ دنيا وَأُخْرَى)
فصل فِي ذكر أُمُور جرت فِي هَذِه السّنة من وفيات وَغَيرهَا
قَالَ الْعِمَاد فِي شهر ربيع الآخر توفّي القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُوسَى الْمَعْرُوف بِابْن الْفراش من أهل دمشق قَاضِي الْعَسْكَر وَكَانَت وَفَاته بملطية وَهُوَ عَائِد من الرسَالَة إِلَى أَوْلَاد قليج أرسلان بالروم
وَكَانَ هَذَا القَاضِي من أصدق الأصدقاء وَأكْرم الكرماء وَمَا فارقني من أَيَّام الْملك الْعَادِل نور الدّين رحمه الله فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَكنت بأحواله شَدِيد الاعتناء وتوصلت لَهُ عِنْد السُّلْطَان فِي تَخْصِيصه بالمواصلة الموصلية والمراسلة فِي المهام الْخفية والجلية ثمَّ تولى نِيَابَة عَن السُّلْطَان فِي الْولَايَة الشهرزورية وَالْحكم
على المقطعين بهَا وإنصاف الرّعية فَلَمَّا فوضت إِلَى مظفر الدّين صَاحب إربل رَجَعَ شمس الدّين ودامت غيبته عَن الحضرة مُدَّة سبع سِنِين
وَكَانَ تولى قَضَاء الْعَسْكَر مَوْضِعه بهاء الدّين بن شَدَّاد وَكَانَ خطب أَوْلَاد السُّلْطَان قليج أرسلان مهما عِنْد السُّلْطَان فاعتمد على القَاضِي شمس الدّين فِي الْوُصُول إِلَيْهِم وَالْحكم بتأليف ذَات بَينهم عَلَيْهِم فَمضى وَعَاد وأدركته الْمنية بِمَدِينَة ملطية
قَالَ وَفِي يَوْم الْخَمِيس السَّادِس وَالْعِشْرين من شَوَّال توفّي الْأَمِير سيف الدّين عَليّ بن أَحْمد الهكاري الْمَعْرُوف بالمشطوب بنابلس وَقد سبق ذكر هَذَا الْأَمِير وبأسه وبسالته وإصابته وأصالته وإقدامه فِي الحروب وتقدمه فِي الخطوب
وَقد حضر مَعَ أَسد الدّين شيركوه النوب الثَّلَاث الَّتِي فتح فِي آخرهَا مصر ولازم صَلَاح الدّين إِلَى مُنْتَهى الْعُمر وَلما احْتِيجَ إِلَى الْبَدَل فِي عكا لما ضجر من أَقَامَ بِهِ وتشكى أجَاب إِلَى دُخُوله وقابل الْأَمر بقبوله وَحصل بِقَضَاء الله فِي الْأسر واحتوت عَلَيْهِ قَبْضَة الْكفْر وفدى نَفسه بِخَمْسِينَ ألف دِينَار وَنَجَا وآتاه الله من نعمه خلاصه مَا رجا وأنعم السُّلْطَان عَلَيْهِ بنابلس وأعمالها وَخص بأموالها وغلالها وَحين جزنا بِهِ وَدعنَا عِنْد جينين وداع الْأَبَد إِلَى جنَّة عليين
وَإِنَّمَا سمي مشطوبا لشطبة فِي وَجهه من أثر طعنة فِي غزَاة حضرها وَله مَوَاقِف فِي الْجِهَاد كَثِيرَة موفورة ومقامات مَشْهُودَة مَشْهُورَة ووقف السُّلْطَان بعده ثلث نابلس وأعمالها على مصَالح الْقُدس وأقطع وَلَده وأميرين مَعَه الثُّلثَيْنِ مُحَافظَة على حَقه الَّذِي الْتَزمهُ الْتِزَام الدّين
وَقَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد وَكَانَ السُّلْطَان خلف المشطوب بالقدس من جملَة الْعَسْكَر المقيمين بِهِ وَلم يكن واليه وَإِنَّمَا كَانَ واليه عز الدّين جرديك وَتُوفِّي المشطوب رحمه الله بالقدس يَوْم الْأَحَد الثَّالِث وَالْعِشْرين من شَوَّال وَدفن فِي دَاره بعد أَن صلي عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى
قَالَ الْعِمَاد وَفِي منتصف شعْبَان توفّي سُلْطَان بِلَاد الرّوم عز الدّين قليج أرسلان بن مَسْعُود بن قليج أرسلان بقونية وَكَانَ أَوْلَاده لما كبروا تجبروا وَتفرد كل مِنْهُم باقليم فضعف بقوتهم وَعجز بقدرتهم وانخفض برفعتهم فانه فرق بِلَاده على جَمَاعَتهمْ طَمَعا فِي طاعتهم وَاخْتَارَ لتدبير ملكه اخْتِيَار الدّين حسن بن
غفراس فحالفه عَلَيْهِ من أَوْلَاده قطب الدّين ملكشاه صَاحب سيواس فجَاء وَغلب على وَالِده وَأخذ عَلَيْهِ الأنفاس وَقَالَ لَهُ أَنا بَين يَديك عوض الأختيار ثمَّ أخلى مِنْهُ الديار ثمَّ أبعد عَن خدمَة وَالِده خواصه وأولياءه وأفنى بِالْقَتْلِ والاغتيال أمراءه وكبراءه واستخلصه لنَفسِهِ وَأَجْلسهُ على سَرِير ملكه وَهُوَ فِي حَبسه
ثمَّ جَاءَ بِهِ إِلَى قيصرية ليأخذها من أَخِيه وَأظْهر أَنه بِأَمْر أَبِيه فَوجدَ قليج أرسلان فرْصَة فِي خلاصه فساق وَحده وَدخل الْبَلَد وَنَجَا من الْوَلَد إِلَى الْوَلَد فَعَاد ملكشاه إِلَى قونية وأقصرا دَاري ملك أَبِيه فتملكهما وَلم يزل قليج أرسلان يتَحَوَّل من ولد إِلَى ولد وَمن بلد إِلَى بلد يتَرَدَّد فِي بِلَاده فِي ضِيَافَة أَوْلَاده وَكلهمْ يضجر مِنْهُ ويعرض عَنهُ حَتَّى حصل عِنْد وَلَده غياث الدّين كيخسرو صَاحب برغلو فَلَمَّا حَضَره وأبصره آواه وَنَصره وَجَاء بِهِ إِلَى قونية فَدَخلَهَا وحلى عطلها وَمَات بهَا فَجَلَسَ مَكَان وَالِده وَقَوي على أَخِيه
قَالَ وَجَاء الرّبيع فِي شهر ربيع الأول فَكتب إِلَيّ نشو الدولة أَحْمد بن نفاذة أبياتا يدعوني إِلَى دمشق فِي خَامِس جُمَادَى الأولى وَقد دخل أَوَان المشمش وَهُوَ موسم دمشق الْمَشْهُود أَولهَا
(دَعَا النَّاس للذات مشمش جلق
…
فقد أَسْرعُوا من كل غرب ومشرق)
(فَقُمْ يَا عماد الدّين تحظ بِأَكْلِهِ
…
وَلَا تثن عَنهُ عَزمَة السّير تسبق)
(وَقل حِين يَبْدُو أصفر اللَّوْن مشرقا
…
وَيَا حسنه من أصفر اللَّوْن مشرق)
(لأكلك مَا يلقى الْفُؤَاد وَمَا لَقِي
…
وللتوت مَا لم يبْق مني وَمَا بَقِي)
(فَلَيْسَ سوى الْحَلْوَاء فِي الْقُدس مأكل
…
وَمَا جلبوه من زبيب وفستق)
قَالَ فعرضت أبياته على السُّلْطَان فَتَبَسَّمَ وَقَالَ مَا قلت فِي جَوَابه فَأَنْشَدته
(هلموا نسابق نَحْو مشمش جلق
…
وَثمّ كَمَا نهوى على الْأكل نَلْتَقِي)
(تصفر شوقا لانتظار قدومنا
…
وَمن يتعشق ذَا الْفَضَائِل يشتق)
(إِذا حضرت أطباقه غَابَ رشدنا
…
لما يتلاقى من مشوق وشيق)
(حكى جمرات بالأضا قد تعلّقت
…
فيا عجبي من جمره الْمُتَعَلّق)
(كَأَن نُجُوم الأَرْض فَوق غصونه
…
فيا حيرتي من نجمه المتألق)
(وحباتها محمرة وجناتها
…
فَمن يرهَا مثلي يحب ويعشق)
(بَدَت بَين أوراق الغصون كَأَنَّهَا
…
كرات نضار فِي لجين مطرق)
قَالَ فَلَمَّا أنشدت السُّلْطَان هَذَا الْبَيْت قَالَ تَشْبِيه الْوَرق باللجين غير مُوَافق فَإِن الْوَرق أَخْضَر فَقلت
(كرات نضار بالزمرد محدق
…
)
(تساقطها أشجارها فَكَأَنَّهَا
…
دَنَانِير فِي أَيدي الصيارف ترتقي)
(ومشمش بُسْتَان الزكي بشهده
…
شَهَادَته تقضي فزك وَصدق)
(يَقُول رفيقي فِي دمشق تَعَجبا
…
أما لَك بُسْتَان مقَالَة مُشفق)
(فَقلت إِلَى بَاب الْبَرِيد وسوقه
…
لأمثالنا تجبى بساتين جلق)
(وَلَو كَانَ لي بِالسَّهْمِ سهم وجدت لي
…
منالي بأيام الثِّمَار ومرفقي)
(إِذا كنت مبتاعا من السُّوق مشمشي
…
فَمَا لي إِلَّا لَذَّة المتسوق)
(وَمَا لي بأرباب الْبَسَاتِين خلْطَة
…
فَيُصْبِح فِي حيطانها متسلقي)
(كرام وثوقي فِي الشتَاء بودهم
…
وَلَكنهُمْ فِي الصَّيف ينسون موثقي)
(وَمَا ثمَّ من يقري ويجدي ويقتني
…
ثنائي سوى المحيي الْكَرِيم الْمُوفق)
(وَذَلِكَ يَوْم وَاحِد لَيْسَ غَيره
…
أَمن أجل يَوْم وَاحِد قلت لي اسبق)
(على أنني لَو قيل بالصين دَعْوَة
…
أثرت إِلَيْهَا لوعة المتحرق)
(فَإِن جِئْت قبلي جلقا فارم منعما
…
حَدِيثي بنادي المنعمين وَحلق)
(لَعَلَّ كَرِيمًا ينتخي لضيافتي
…
بمشمشة عِنْد الْقدوم وينتقي)
(فَلَا تنس نشو الدّين نشوة خاطري
…
وَقل عَن صبوحي كَيفَ شِئْت ورقق)
(وهات وساعدني وَخذ من قريحتي
…
لطيمة دَاري من الْحَمد واعبق)
قَالَ فَقَالَ لي السُّلْطَان عَن صبوح ترقق كَأَنَّك تُرِيدُ تمْضِي إِلَى دمشق وتسبق فَقلت الْأَهْل وَالْولد وَقد عيل عَنْهُم الْجلد وَلَكِن مغيبي عَن الْخدمَة لَا يَدُور بِهِ الْخلد فظلك هُوَ السكن والبلد
قَالَ وكتبت أَيْضا فِي جَوَابه وَصفَة المشمش وَذكرت تشبيهاته وَقد أذن لي السُّلْطَان لمهم لَهُ أَيْضا اتّفق
(قد صَحَّ عزمي على الْمسير فَلَا
…
أبغي مقَامي وَالْقلب قد رحلا)
(أمضي إِلَى دمية مقبلها
…
أرشف مِنْهُ المدام والعسلا)
(مُصَور بل مدور عجب
…
ترى بِهِ وَهُوَ جامد شعلا)
(فَفِي قُلُوب الْأَشْجَار مِنْهُ جذى
…
وَفِي ظُهُور الغصون مِنْهُ كلا)
(طلوا بِمَاء النضار ظَاهره
…
لباطن فِي حشاه نَار طلا)
(يخفى إِذا مَا بدا لعينك فِي
…
فِيك وَفِيه النَّوَى إِذا وصلا)
(حلي تبر على عرائس أَغْصَان
…
تشكت من قبلهَا عطلا)
(حمر حسان الْوُجُوه قد لبست
…
من خضر أوراقها لَهَا حللا)
(عرائس من خدورها برزت
…
تحسب أشجارها لَهَا كللا)
(حلاوة لَا يمل آكلها
…
إِذا الحلاوات أحدثت مللا)
(زهر كشهب السَّمَاء راجمة
…
جن جناة بقطفها كفلا)
(عيونها الرمد فِي ترقبنا
…
جاحظة أبرزت لنا مقلا)
(مَاذَا التواني وَذَا التَّأَخُّر والابطاء
…
قدم مسيرنا عجلا)
(نغدو خفافا إِلَى مواسمها
…
من قبل نبلى بِصُحْبَة الثقلا)
(قد انتظرنا من الخزانة مَا
…
نعطى فأكدى نوابها البخلا)
(فَإِن عدمنا من عِنْدهم ذَهَبا
…
فَمَا عدمنا عَنهُ بِهِ بَدَلا)
(وكلنَا فِي عوارف الْملك النَّاصِر
…
نرعى ونسلك السبلا)
قَالَ وَقلت فِيهِ ربَاعِية
(المشمش لانتظارنا مصفر
…
وَالرَّوْض إِلَى لقائنا مفتر)
(قُم نغتنم الْوَقْت فَهَذَا الْعُمر
…
لَا لبث لَهُ فَمن بِهِ يغتر)
قَالَ وَفِي هَذِه السّنة نصرت الأساطيل فِي الْبَحْر مرَارًا وأنفذ السُّلْطَان فِي استدعائها استظهارا
قَالَ مُحَمَّد بن القادسي وَفِي مستهل رَجَب وكل بأميرالحاج طاشتكين يَعْنِي الَّذِي قتل أَمِير حَاج الشَّام شمس الدّين ابْن الْمُقدم بِعَرَفَات سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَسَببه أَنه اتهمَ بمكاتبة السُّلْطَان صَلَاح الدّين رحمه الله فِيمَا يتَعَلَّق بقلب الدولة وَأظْهر عَلَيْهِ أستاذ الدَّار أَبُو الظفر بن يُونُس كتابا قيل إِنَّه خطه وَفِيه الْمصلحَة مهادنة الفرنج والمجيء إِلَى الْبِلَاد فَمَا يقف بَين أَيْدِيكُم والبلاد لكم إِذا ملكتم الْعرَاق وَهَذَا وقتكم إِن كَانَ لكم نِيَّة وَأَنا مشدود الْوسط فِي الْخدمَة
ثمَّ ذكر ابْن القادسي أَن ذَلِك مستبعد فِي حق طاشتكين وزور وبهتان وَنسب ذَلِك إِلَى افتعال ابْن يُونُس عَلَيْهِ وَكَانَ طاشتكين أَمِير الْحَاج عشْرين سنة يخْطب لَهُ بِمَكَّة بعد الْخطْبَة لأمير الْمُؤمنِينَ وَله إقطاع بمئة ألف دِينَار
قَالَ وفيهَا فِي ربيع الآخر توفّي أَبُو المرهف نصر بن مَنْصُور النميري الشَّاعِر الأديب الزَّاهِد سمع قَاضِي البيمارستان
اتهمَ بمكاتبة السُّلْطَان صَلَاح الدّين رحمه الله فِيمَا يتَعَلَّق بقلب الدولة وَأظْهر عَلَيْهِ أستاذ الدَّار أَبُو المظفر بن يُونُس كتابا قيل إِنَّه خطه وَفِيه الْمصلحَة مهادنة الفرنج والمجيء إِلَى الْبِلَاد فَمَا يقف بَين أَيْدِيكُم والبلاد لكم إِذا ملكتم الْعرَاق وَهَذَا وقتكم إِن كَانَ لكم نِيَّة وَأَنا مشدود الْوسط فِي الْخدمَة
ثمَّ ذكر ابْن القادسي أَن ذَلِك مستبعد فِي حق طاشتكين وزور وبهتان وَنسب ذَلِك إِلَى افتعال ابْن يُونُس عَلَيْهِ وَكَانَ طاشتكين أَمِير الْحَاج عشْرين سنة يخْطب لَهُ بِمَكَّة بعد الْخطْبَة لأمير الْمُؤمنِينَ وَله إقطاع بمئة ألف دِينَار
قَالَ وفيهَا فِي ربيع الآخر توفّي أَبُو المرهف نصر بن مَنْصُور النميري الشَّاعِر الأديب الزَّاهِد سمع قَاضِي البيمارستان