الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَأْس مَا يشْرَح صَدْرِي وأتيقن مَعَه نصْرَة الْإِسْلَام وَأَهله
فصل فِي إِدْخَال البطس إِلَى عكا
قَالَ القَاضِي ابْن شَدَّاد كَانَ رحمه الله قد أعد ببيروت بطسة وعمرها وأودعها أَربع مئة غرارة من الْقَمْح وَوضع فِيهَا من الْجُبْن والبصل وَالْغنم وَغير ذَلِك من الْميرَة وَكَانَ الفرنج قد أداروا مراكبهم حول عكا حراسة لَهَا عَن أَن يدخلهَا مركب للْمُسلمين وَكَانَ قد اشتدت حَاجَة من فِيهَا إِلَى الطَّعَام والميرة فَركب فِي بطسة بيروت جمَاعَة من الْمُسلمين وتزيوا بزِي الفرنج حَتَّى حَلقُوا لحاهم وَوَضَعُوا الْخَنَازِير على سطح البطسة بِحَيْثُ ترى من بعد وعلقوا الصلبان وجاؤوا قاصدي الْبَلَد من الْبعد حَتَّى خالطوا مراكب الْعَدو فَخَرجُوا إِلَيْهِم واعترضوهم فِي الحراقات والشواني وَقَالُوا لَهُم نَرَاكُمْ قَاصِدين الْبَلَد واعتقدوا أَنهم مِنْهُم فَقَالُوا أَو لم تَكُونُوا أَخَذْتُم الْبَلَد فَقَالُوا لَا لم نَأْخُذ الْبَلَد بعد فَقَالُوا نَحن نرد القلوع إِلَى الْعَسْكَر ووراءنا بطسة أُخْرَى فِي هوائها فأنذروهم حَتَّى لَا يدخلُوا الْبَلَد
وَكَانَ وَرَاءَهُمْ بطسة فرنجية قد اتّفقت مَعَهم فِي الْبَحْر قَاصِدين الْعَسْكَر فنظروا فرأوها فقصدوها لينذروها فاشتدت البطسة
الإسلامية فِي السّير واستقامت لَهَا الرّيح حَتَّى دخلت ميناء الْبَلَد وسلمت وَللَّه الْحَمد وَكَانَ فرجا عَظِيما فان الْحَاجة كَانَت قد أخذت من أهل الْبَلَد وَكَانَ ذَلِك فِي الْعشْر الآخر من رَجَب
قَالَ وَفِي الْعشْر الْأَوْسَط من شعْبَان كتب بهاء الدّين قراقوش وَهُوَ وَالِي الْبَلَد والمقدم على الأسطول وَهُوَ الْحَاجِب لُؤْلُؤ يذكران للسُّلْطَان أَنه لم يبْق بِالْبَلَدِ ميرة إِلَّا قدر يَكْفِي الْبَلَد إِلَى لَيْلَة النّصْف من شعْبَان لَا غير فأسرها يُوسُف فِي نَفسه وَلم يبدها لخاص وَلَا عَام خشيَة الشُّيُوع وَالْبُلُوغ إِلَى الْعَدو وتضعف بِهِ قُلُوب الْمُسلمين
وَكَانَ قد كتب إِلَى مصر بتجهيز ثَلَاث بطس مشحونة بالأقوات والادام والمير وَجَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْحصار بِحَيْثُ يكفيهم ذَلِك طول الشتَاء
فأقلعت البطس الثَّلَاث من الديار المصرية ولججت فِي الْبَحْر تتوخى النوتية بهَا الرّيح الَّتِي تحملهَا إِلَى عكا فطابت لَهُم الرّيح حَتَّى سَارُوا ووصلوا إِلَى عكا لَيْلَة النّصْف من شعْبَان وَقد فنيت الأزواد وَلم يبْق عِنْدهم مَا يطْعمُون النَّاس فِي ذَلِك الْيَوْم
وَخرج عَلَيْهَا أسطول الْعَدو يقاتلها والعساكر الإسلامية تشاهد ذَلِك من السَّاحِل وَالنَّاس فِي تهليل وتكبير وَقد كشف الْمُسلمُونَ رؤوسهم يبتهلون إِلَى الله تَعَالَى فِي الْقَضَاء بسلامتها إِلَى الْبَلَد وَالسُّلْطَان على السَّاحِل كالوالدة الثكلى يُشَاهد الْقِتَال وَيَدْعُو إِلَى ربه
بنصره وَقد علم من شدَّة الْقَوْم مَا لم يُعلمهُ غَيره وَفِي قلبه مَا فِي قلبه وَالله يُثبتهُ وَلم يزل الْقِتَال يعْمل حول البطس من كل جَانب وَالله يدْفع عَنْهَا وَالرِّيح تشتد والأصوات قد ارْتَفَعت من الطَّائِفَتَيْنِ وَالدُّعَاء يخرق الْحجب حَتَّى وصلوا بِحَمْد الله سَالِمين إِلَى ميناء الْبَلَد وتلقاهم أهل عكا تلقي الأمطار عَن جذب وأمتاروا بِمَا فِيهَا وَكَانَت لَيْلَة بِليَال وَكَانَ دُخُولهَا الْعَصْر رَابِع عشر شعْبَان
وَقَالَ الْعِمَاد كَانَ السُّلْطَان قد أَمر نواب الاسكندرية بتجهيز بطس كبار وتعميرها من كل ميرة وغلة وتسييرها إِلَى عكا فأبطأت عَن الْمِيقَات وأضر بالمقيمين بِالْبَلَدِ إعواز الأقوات فأفكر فِيمَا يتعجل بِهِ الْغَرَض فَكتب إِلَى مُتَوَلِّي بيروت عز الدّين سامة فَجهز بطسة كَبِيرَة قد ملأها ميرة وغلة كَثِيرَة وأركبها جمَاعَة على زِيّ الفرنج ممسوحي اللحى ممسوخي الحلى وأصحبهم صلبانا وخيل بهم رهبانا
وَكَانَت هَذِه البطسة من الفرنج مَأْخُوذَة وَهِي بساحل بيروت منبوذة فَأمر السُّلْطَان بترميمها وتتميمها فملئت بالشحوم واللحوم وَأَرْبع مئة غرارة غلَّة وأحمال من النشاب والنفط ورتب فِيهَا