المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في مرض السلطان ووفاته أحله الله بحبوحة جناته - الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية - جـ ٤

[أبو شامة المقدسي]

فهرس الكتاب

- ‌ثمَّ دخلت سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي دُخُول السُّلْطَان رحمه الله السَّاحِل الآخر وَفتح مَا يسر الله تَعَالَى من بِلَاده

- ‌فصل فِي فتح أنطرطوس

- ‌فصل فِي فتح جبلة وَغَيرهَا

- ‌فصل فِي فتح اللاذقية

- ‌فصل فِي فتح صهيون وَغَيرهَا

- ‌فصل فِي فتح بكاس والشغر وسرمانية

- ‌فصل فِي فتح حصن برزيه

- ‌فصل فِي فتح حصن دربساك

- ‌فصل فِي فتح بغراس

- ‌فصل فِي عقد الْهُدْنَة مَعَ صَاحب أنطاكية وعود السُّلْطَان

- ‌فصل فِي فتح الكرك وحصونه

- ‌فصل فِي فتح صفد

- ‌فصل فِي فتح حصن كَوْكَب

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة خمس وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي فتح شقيف أرنون

- ‌فصل

- ‌فصل فِي نزُول الفرنج - خذلهم الله - على عكا

- ‌فصل فِي المصاف الْأَعْظَم على عكا وَهِي الْوَقْعَة الْكُبْرَى الَّتِي بدأت بالسوأى وختمت بِالْحُسْنَى

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة بمرج عكا وَغَيره

- ‌فصل

- ‌فصل فِي وُرُود خبر خُرُوج ملك الألمان

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي قدوم الْمُلُوك وحريق الأبراج

- ‌فصل فِيمَا كَانَ من أَمر ملك الألمان

- ‌فصل فِي الْوَقْعَة العادلية على عكا ظهر يَوْم الْأَرْبَعَاء الْعشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة

- ‌فصل

- ‌فصل فِي إِدْخَال البطس إِلَى عكا

- ‌فصل

- ‌فصل فِي إحراق مَا حوصر بِهِ برج الذبان وتحريق الْكَبْش

- ‌فصل فِي حوادث أخر مُتَفَرِّقَة فِي هَذِه السّنة

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي نُسْخَة الْكتاب إِلَى ملك الْمغرب والهدية

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل فِي ذكر خُرُوج الفرنج - خذلهم الله - على عزم اللِّقَاء ووصولهم إِلَى رَأس المَاء

- ‌فصل فِي وقْعَة الكمين وَغَيرهَا وَدخُول الْبَدَل إِلَى عكا

- ‌فصل فِي بَاقِي حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي مضايقة الْعَدو - خذله الله - لعكا - يسر الله فتحهَا - واستيلائهم عَلَيْهَا

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد انْفِصَال أَمر عكا

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد خراب عسقلان

- ‌فصل فِي بقايا حوادث هَذِه السّنة

- ‌ثمَّ دخلت سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي عزم الفرنج على قصد الْقُدس وَسَببه

- ‌فصل فِي تردد رسل الإنكلتير فِي معنى الصُّلْح وَمَا جرى فِي أثْنَاء ذَلِك إِلَى أَن تمّ وَللَّه الْحَمد

- ‌فصل فِيمَا جرى بعد الْهُدْنَة

- ‌فصل فِي مسير السُّلْطَان رحمه الله من الْقُدس إِلَى دمشق

- ‌فصل فِي ذكر أُمُور جرت فِي هَذِه السّنة من وفيات وَغَيرهَا

- ‌ثمَّ دخلت سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة

- ‌فصل فِي مرض السُّلْطَان ووفاته أحله الله بحبوحة جناته

- ‌فصل فِي تَرِكَة السُّلْطَان وَوصف أخلاقه رحمه الله

- ‌فصل

- ‌فصل فِي انقسام ممالكه بَين أَوْلَاده وَإِخْوَته وَبَعض مَا جرى بعد وَفَاته

- ‌فصل فِي وَفَاة صَاحب الْموصل وتتمة أَخْبَار هَذِه الْفِتْنَة بِبِلَاد الشرق

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌وَدخلت سنة أَربع وَتِسْعين وَخمْس مئة

- ‌وَدخلت سنة خمس وَتِسْعين وَخمْس مئة

- ‌ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَتِسْعين وَخمْس مئة

- ‌فَصل

- ‌فصل فِي وَفَاة جمَاعَة من الْأَعْيَان فِي هَذِه السّنة أَعنِي سنة سِتّ وَتِسْعين

- ‌فصل فِي وَفَاة القَاضِي الْفَاضِل رحمه الله

- ‌ثمَّ دخلت سنة سبع وَتِسْعين وَخمْس مئة

الفصل: ‌فصل في مرض السلطان ووفاته أحله الله بحبوحة جناته

ثمَّ بكر فِي يَوْم الْجُمُعَة فَركب ثمَّ لحقته وَقد لَقِي الْحَاج وَلم أجد عَلَيْهِ كزاغنده وَمَا كَانَ لَهُ عَادَة يركب بِدُونِهِ وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما قد اجْتمع فِيهِ للقاء الْحَاج والتفرج على السُّلْطَان مُعظم من فِي الْبَلَد فأذكرته ذَلِك فَكَأَنَّهُ اسْتَيْقَظَ فَطلب الكزاغند فَلم يُوجد وأوقع الله فِي قلبِي تطيرا بذلك

ثمَّ سَار رحمه الله بَين الْبَسَاتِين يطْلب جِهَة المنيبع حَتَّى أَتَى القلعة فَعبر على الجسر إِلَيْهَا وَهُوَ طَرِيقه الْمُعْتَاد وَكَانَت آخر ركباته رحمه الله

‌فصل فِي مرض السُّلْطَان ووفاته أحله الله بحبوحة جناته

قَالَ القَاضِي لما كَانَت لَيْلَة السبت وجد كسلا عَظِيما فَمَا انتصف اللَّيْل حَتَّى غَشيته حمى صفراوية كَانَت فِي بَاطِنه أَكثر مِنْهَا فِي ظَاهره وَأصْبح يَوْم السبت سادس عشر صفر عَلَيْهِ أثر الْحمى وَلم يظْهر ذَلِك للنَّاس لَكِن حضرت عِنْده أَنا وَالْقَاضِي الْفَاضِل وَدخل وَلَده الْأَفْضَل وَطَالَ جلوسنا عِنْده وَأخذ يشكو من قلقه بِاللَّيْلِ وطاب لَهُ الحَدِيث إِلَى قريب الظّهْر ثمَّ انصرفنا والقلوب عِنْده فَتقدم إِلَيْنَا بالحضور على الطَّعَام فِي خدمَة وَلَده الْأَفْضَل وَلم يكن للْقَاضِي عَادَة بذلك فَانْصَرف

ص: 359

وَدخلت إِلَى الايوان القبلي وَقد مد الطَّعَام وَولده الْأَفْضَل قد جلس فِي مَوْضِعه فَانْصَرَفت وَمَا كَانَ لي قُوَّة للجلوس استيحاشا

وَبكى فِي ذَلِك الْيَوْم جمَاعَة تفاؤلا بجلوس وَلَده فِي مَوْضِعه ثمَّ أَخذ الْمَرَض فِي تزايد من حِينَئِذٍ وَنحن نلازم التَّرَدُّد فِي طرفِي النَّهَار وَأدْخل إِلَيْهِ أَنا وَالْقَاضِي الْفَاضِل فِي النَّهَار مرَارًا وَيُعْطى الطَّرِيق فِي بعض الْأَيَّام الَّتِي يجد فِيهَا خفَّة وَكَانَ مَرضه فِي رَأسه وَكَانَ من أَمَارَات انْتِهَاء الْعُمر غيبَة طبيبه الَّذِي كَانَ قد ألف مزاجه سفرا وحضرا وَرَأى الْأَطِبَّاء فصده ففصدوه فِي الرَّابِع فَاشْتَدَّ مَرضه وَقلت رطوبات بدنه وَكَانَ يغلبه النَّفس غَلَبَة عَظِيمَة وَلم يزل الْمَرَض فِي تزايد حَتَّى انْتهى إِلَى غَايَة الضعْف

وَلَقَد أجلسناه فِي السَّادِس من مَرضه وأسندنا ظَهره إِلَى مخدة وأحضر مَاء فاتر يشربه عقيب شراب يلين الطَّبْع فشربه فَوَجَدَهُ شَدِيد الْحَرَارَة فَشَكا من شدَّة حره فَغير وَعرض عَلَيْهِ ثَانِيًا فَشَكا من برده وَلم يغْضب وَلم يصخب رحمه الله وَلم يقل سوى هَذِه الْكَلِمَات سُبْحَانَ الله لَا يُمكن أحدا تَعْدِيل المَاء

فَخرجت أَنا وَالْقَاضِي من عِنْده وَقد اشْتَدَّ منا الْبكاء وَالْقَاضِي الْفَاضِل يَقُول لي أبْصر هَذِه الْأَخْلَاق الَّتِي قد أشرف الْمُسلمُونَ على مفارقتها وَالله لَو أَن هَذَا بعض النَّاس كَانَ قد ضرب بالقدح رَأس من أحضرهُ

ص: 360

وَاشْتَدَّ مَرضه فِي السَّادِس وَالسَّابِع وَالثَّامِن وَلم يزل متزايدا وتغيب ذهنه وَلما كَانَ التَّاسِع حدثت ربه رعشة وَامْتنع من تنَاول المشروب وَاشْتَدَّ الارجاف فِي الْبَلَد وَخَافَ النَّاس ونقلوا الأقمشة من الْأَسْوَاق وَغشيَ النَّاس من الكآبة والحزن مَا لَا يُمكن حكايته

وَلَقَد كنت أَنا وَالْقَاضِي الْفَاضِل نقعد كل لَيْلَة إِلَى أَن يمْضِي من اللَّيْل ثلثه اَوْ قريب مِنْهُ ثمَّ نحضر فِي بَاب الدَّار فَإِن وجدنَا طَرِيقا دَخَلنَا وشاهدناه وانصرفنا وَإِلَّا تعرفنا أَحْوَاله وانصرفنا وَكُنَّا نجد النَّاس يرتقبون خروجنا إِلَى بُيُوتنَا حَتَّى يقرؤوا أَحْوَاله من صفحات وُجُوهنَا

وَلما كَانَ الْعَاشِر من يَوْم مَرضه حقن دفعتين وَحصل من الحقنة رَاحَة وَحصل بعض الْخُف وَتَنَاول من مَاء الشّعير مِقْدَارًا صَالحا وَفَرح النَّاس فَرحا شَدِيدا فَأَقَمْنَا على الْعَادة إِلَى أَن مضى من اللَّيْل هزيع ثمَّ أَتَيْنَا بَاب الدَّار فَوَجَدنَا جمال الدولة إقبالا فالتمسنا مِنْهُ تَعْرِيف الْحَال المتجدد فَدخل ثمَّ أنفذ إِلَيْنَا مَعَ الْملك الْمُعظم تورانشاه يَقُول إِن الْعرق قد أَخذ فِي سَاقيه فشكرنا الله تَعَالَى على ذَلِك وانصرفنا طيبَة قُلُوبنَا ثمَّ أَصْبَحْنَا فَأخْبرنَا أَن الْعرق أفرط حَتَّى نفذ فِي الْفرش وتأثرت بِهِ الأَرْض وَأَن اليبس قد تزايد بِهِ تزايدا عَظِيما وخارت الْقُوَّة واستشعر الْأَطِبَّاء

ص: 361

وَلما رأى الْملك الْأَفْضَل مَا حل بوالده وَتحقّق الْيَأْس مِنْهُ شرع فِي تَحْلِيف النَّاس وَجلسَ فِي دَار رضوَان الْمَعْرُوفَة بسكنه واستحضر الْقُضَاة وَعمل لَهُ نُسْخَة يَمِين مختصرة محصلة للمقاصد تَتَضَمَّن الْحلف للسُّلْطَان مُدَّة حَيَاته وَله من بعد وَفَاته وَاعْتذر إِلَى النَّاس بِأَن الْمَرَض قد اشْتَدَّ وَمَا نعلم مَا يكون وَمَا نَفْعل هَذَا إِلَّا احْتِيَاطًا على جاري عَادَة الْمُلُوك

ثمَّ سمى القَاضِي مِمَّن حلف لَهُ جمَاعَة مِنْهُم سعد الدّين مَسْعُود أَخُو بدر الدّين مودود الشّحْنَة وناصر الدّين صَاحب صهيون وسابق الدّين صَاحب شيزر وخشترين الهكاري ونوشروان الزرزاري وعلكان ومنكلان ثمَّ مد الخوان وأكلوا

وَلما كَانَ الْعَصْر أُعِيد مجْلِس التَّحْلِيف وأحضر مَيْمُون القصري وشمس الدّين سنقر الْكَبِير وسامة وسنقر المشطوب واليكي الْفَارِس وأيبك الْأَفْطَس وأخو الْأَمِير سياروخ وحسام الدّين بِشَارَة وَبَعْضهمْ اشْترط فِي يَمِينه وَبَعْضهمْ لم يشْتَرط وَلم يحضر أحد من الْأُمَرَاء المصريين وَلم يتَعَرَّض لَهُم

وَلما كَانَت لَيْلَة الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من صفر وَهِي لَيْلَة الثَّانِي عشر من مَرضه اشْتَدَّ مَرضه وضعفت قوته وَوَقع فِي أَوَائِل

ص: 362

الْأَمر من أَوَائِل اللَّيْل وَحَال بَيْننَا وَبَينه النِّسَاء واستحضرت أَنا وَالْقَاضِي الْفَاضِل فِي تِلْكَ اللَّيْلَة وَابْن الزكي وَلم تكن عَادَته الْحُضُور فِي ذَلِك الْوَقْت

وَعرض علينا الْملك الْأَفْضَل أَن نبيت عِنْده فَلم ير الْفَاضِل ذَلِك رَأيا فَإِن النَّاس كَانُوا فِي كل لَيْلَة ينتظرون نزولنا من القلعة فخاف أَن لَا ننزل فَيَقَع الصَّوْت فِي الْبَلَد وَرُبمَا نهب النَّاس بَعضهم بَعْضًا فَرَأى الْمصلحَة فِي نزولنا واستحضار الشَّيْخ أبي جَعْفَر إِمَام الكلاسة وَهُوَ رجل صَالح يبيت بالقلعة حَتَّى إِن احْتضرَ بِاللَّيْلِ حضر عِنْده وَحَال بَينه وَبَين النِّسَاء وَذكره بِالشَّهَادَةِ وَذكر الله تَعَالَى فَفعل ذَلِك فنزلنا وكل منا يود لَو فدَاه بِنَفسِهِ وَبَات فِي تِلْكَ اللَّيْلَة على حَال المنتقلين إِلَى الله تَعَالَى وَالشَّيْخ أَبُو جَعْفَر يقْرَأ عِنْده الْقُرْآن ويذكره بِاللَّه تَعَالَى وَكَانَ ذهنه غَائِبا من لَيْلَة التَّاسِع لَا يكَاد يفِيق إِلَّا فِي الأحيان

وَذكر الشَّيْخ أَبُو جَعْفَر أَنه لما انْتهى إِلَى قَوْله تَعَالَى {هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} سَمعه وَهُوَ يَقُول صَحِيح وَهَذِه يقظة فِي وَقت الْحَاجة وعناية من الله تَعَالَى بِهِ فَللَّه الْحَمد على ذَلِك

ص: 363

وَكَانَت وَفَاته رحمه الله عَلَيْهِ بعد صَلَاة الصُّبْح من يَوْم الْأَرْبَعَاء السَّابِع وَالْعِشْرين من صفر سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخمْس مئة وبادر القَاضِي الْفَاضِل بعد طُلُوع الصُّبْح فَحَضَرَ وَفَاته ووصلت أَنا وَقد مَاتَ وانتقل إِلَى رضوَان الله وَمحل كرامته

وَلَقَد حُكيَ لي أَنه لما بلغ الشَّيْخ أَبُو جَعْفَر إِلَى قَوْله تَعَالَى {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت} تَبَسم وتهلل وَجهه وَسلمهَا إِلَى ربه وَكَانَ يَوْمًا لم يصب الْإِسْلَام والمسلمون بِمثلِهِ مُنْذُ فقد الْخُلَفَاء الراشدون وَغشيَ القلعة والبلد وَالدُّنْيَا من الوحشة مَالا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى

وتالله لقد كنت أسمع من بعض النَّاس أَنهم يتمنون فدَاء من يعز عَلَيْهِم بنفوسهم فَكنت أحمل ذَلِك على ضرب من التَّجَوُّز والترخص إِلَى ذَلِك الْيَوْم فَإِنِّي علمت من نَفسِي وَمن غَيْرِي أَنه لَو قبل الْفِدَاء لفدي بِالنَّفسِ

ثمَّ جلس وَلَده الْأَفْضَل للعزاء فِي الإيوان الشمالي وَحفظ بَاب القلعة إِلَّا عَن الْخَواص من الْأُمَرَاء والمعممين وَكَانَ يَوْمًا عَظِيما قد شغل كل إِنْسَان مَا عِنْده من الْحزن والأسف والبكاء والاستغاثة عَن أَن ينظر إِلَى غَيره وَحفظ الْمجْلس عَن أَن ينشد فِيهِ شَاعِر أَو يتَكَلَّم فِيهِ فصَال أَو وعاظ

وَكَانَ أَوْلَاده يخرجُون مستغيثين بَين النَّاس فتكاد النُّفُوس

ص: 364

تزهق لهول منظرهم ودام الْحَال على ذَلِك إِلَى بعد صَلَاة الظّهْر ثمَّ اشْتغل بتغسيله وتكفينه فَمَا مكنا أَن ندخل فِي تَجْهِيزه مَا قِيمَته حَبَّة وَاحِدَة إِلَّا بالقرض حَتَّى فِي ثمن التِّبْن الَّذِي يلت بِهِ الطين وغسله الدولعي الْفَقِيه وندبت إِلَى الْوُقُوف على غسله فَلم يكن لي قُوَّة تحمل ذَلِك المنظروأخرج بعد صَلَاة الظّهْر فِي تَابُوت مسجى بِثَوْب فوط وَكَانَ ذَلِك وَجَمِيع مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ من الثِّيَاب فِي تكفينه قد أحضرهُ الْفَاضِل من وَجه حل عرفه

وَارْتَفَعت الْأَصْوَات عِنْد مشاهدته وَعظم الضجيج حَتَّى إِن الْعَاقِل يتخيل أَن الدُّنْيَا كلهَا تصيح صَوتا وَاحِدًا وَغشيَ النَّاس من الْبكاء والعويل مَا شغلهمْ عَن الصَّلَاة وَصلى عَلَيْهِ النَّاس أَرْسَالًا وَكَانَ أول من أم بِالنَّاسِ القَاضِي محيي الدّين بن الزكي ثمَّ أُعِيد رحمه الله عَلَيْهِ إِلَى الدَّار الَّتِي فِي الْبُسْتَان الَّتِي كَانَ متمرضا بهَا وَدفن فِي الصّفة الغربية مِنْهَا وَكَانَ نُزُوله فِي حفرته قَرِيبا من صَلَاة الْعَصْر ثمَّ نزل فِي أثْنَاء النَّهَار وَلَده الظافر وعزى النَّاس فِيهِ وَسكن قُلُوب النَّاس

وَكَانَ النَّاس قد شغلهمْ الْحزن والبكاء عَن الِاشْتِغَال بالنهب وَالْفساد فَمَا يُوجد قلب إِلَّا حَزِين وَلَا عين إِلَّا باكية إِلَّا من شَاءَ الله ثمَّ رَجَعَ النَّاس إِلَى بُيُوتهم أقبح رُجُوع وَلم يعد منا أحد

ص: 365

فِي تِلْكَ اللَّيْلَة إِلَّا أَنا حَضَرنَا وقرأنا وجددنا حَالا من الْحزن واشتغل ذَلِك الْيَوْم الْملك الْأَفْضَل بكتب الْكتب إِلَى إخْوَته وَعَمه يُخْبِرهُمْ بِهَذَا الْحَادِث

وَفِي الْيَوْم الثَّانِي جلس للعزاء جُلُوسًا عَاما وَأطلق بَاب القلعة للفقهاء وَالْعُلَمَاء وَتكلم المتكلمون وَلم ينشد شَاعِر ثمَّ انفض الْمجْلس فِي ظهيرة ذَلِك الْيَوْم وَاسْتمرّ الْحَال فِي حُضُور النَّاس بكرَة وَعَشِيَّة لقِرَاءَة الْقُرْآن وَالدُّعَاء لَهُ رحمه الله

وَقَالَ الْعِمَاد جلس السُّلْطَان لَيْلَة السبت سادس عشر صفر وَنحن عِنْده حَتَّى مضى من اللَّيْل ثلثه وَهُوَ يحدثنا وَنحن نحدثه ثمَّ صلى بِهِ وبنا إِمَامه وحان قِيَامه وانفصلنا بإحسانه مغتبطين وبامتنانه مرتبطين وأصبحنا يَوْم السبت وَجَلَسْنَا فِي الإيوان نَنْتَظِر خُرُوجه لوضع الخوان ووجدناه وَقد أغلق بإغلاق بَابه رَهنه وَلم نشعر بِمَا قَضَاهُ الْقدر وأجنه وَخرج من خدمه من أخبر بسقمه وَدخُول الْخَوْف إِلَى حرمه

وَأمر الْملك الْأَفْضَل بِأَن يجلس فِي الإيوان لبسط الخوان فَجَلَسَ فِي مَكَان وَالِده متربعا وَكَانَ من شَرط الْأَدَب أَن يخلي لَهُ

ص: 366

موضعا فتطيرنا من تِلْكَ الْحَالة وتكرهنا مِنْهَا سوء الدّلَالَة فتلاعبت فِيهِ الْعُيُون وتراجمت الظنون ودخلنا إِلَيْهِ لَيْلَة الْأَحَد للعيادة ومرضه فِي الزِّيَادَة وَفِي كل يَوْم تضعف الْقُلُوب وتتضاعف الكروب وانتقل من دَار الفناء إِلَى دَار الْبَقَاء فِي سحرة يَوْم الْأَرْبَعَاء ونابت الظلماء عَن الضياء وَدخل قمره لَيْلَة السَّابِع وَالْعِشْرين فِي السرَار ودجت مطالع الْأَنْوَار وَمَات لمَوْته رَجَاء الرِّجَال وأظلم بغروب شمسه فضاء الأفضال وغاضت الأيادي وفاضت الأعادي وَدفن بقلعة دمشق فِي مَسْكَنه وَدفن جماع الْكَرم وَالْفضل وَالدّين بمدفنه ثمَّ بنى الْملك الْأَفْضَل قبَّة شمَالي الْجَامِع بجواره بشباك إِلَى الْجَامِع لزواره وَنَقله إِلَيْهَا يَوْم عَاشُورَاء سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين واسترجعنا وَقُلْنَا مَا لنا إِلَّا أَن نستعيذ بِاللَّه ونستعين

قَالَ وَمِمَّا قلته ربَاعِية فِي المرثية

(قَالَ الْملك النَّاصِر من كلفني

فِي الْجُود بشيمتي فَمَا أنصفني)

(مَا يعلم أَن ذَا الْملك فني

لم يبْق من الْجُود إِلَّا كفني)

وَقَالَ الْعِمَاد أَيْضا فِي رسَالَته الموسومة بعتبى الزَّمَان وَكَانَ السُّلْطَان رحمه الله لما توفّي دفن بالقلعة فِي منزله وَمَا

ص: 367

زَالَ الْأَفْضَل يتروى فِي مَوضِع يَنْقُلهُ إِلَيْهِ وَاسْتَشَارَ فِي ذَلِك فأشير عَلَيْهِ فِي سنة وَتِسْعين بِأَن تبنى تربته عِنْد مَسْجِد الْقدَم ويبنى عِنْدهَا مدرسة للشَّافِعِيَّة وَقَالُوا إِذا وصل الْملك الْعَزِيز اسْتغنى بزيارتها عَن الدُّخُول إِلَى دمشق لأَجلهَا

وَقَالُوا إِن السُّلْطَان رحمه الله لما مرض سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ بحران وصّى أَن يدْفن بِدِمَشْق قبلي ميدان الْحَصَى وَيكون قَبره على النهج السابل وَطَرِيق القوافل ليدعو لَهُ الْوَارِد والصادر والبادي والحاضر وَتجوز عَلَيْهِ فِي الْغَزَوَات العساكر

قَالُوا وَإِن تناءت هَذِه الأَرْض عَن مَكَان الْوَصِيَّة فَهِيَ مِنْهُ قريبَة فَأمر الْأَفْضَل بِبِنَاء التربة عِنْد مَسْجِد الْقدَم وَتَوَلَّى عمارتها بدر الدّين مودود وَالِي دمشق فاتفق وُصُول الْعَزِيز تِلْكَ السّنة للحصار وهم قد شرعوا فِي عمارتها فخرب مَا كَانَ قد ارْتَفع من الْبناء ثمَّ استقرى الْأَفْضَل حُدُود الْجَامِع ليجعل التربة فِيهَا فوفق لداركانت لبَعض الصَّالِحين وَهِي فِي حد الْمَكَان الَّذِي زَاده الْأَجَل الْفَاضِل فِي الْمَسْجِد فاشتراها مِنْهُ وَأمر بعمارتها فِيهِ فعمرت وَنقل إِلَيْهَا السُّلْطَان يَوْم عَاشُورَاء من سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين بكرَة الْخَمِيس وَمَشى الْأَفْضَل بَين يَدي تابوته

وَأَرَادَ الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء حمله على أَعْنَاقهم الَّتِي فِيهَا منته فَقَالَ الْأَفْضَل كفته أدعيتكم الصالحه الَّتِي هِيَ فِي الْمعَاد جنته وَحمله مماليكه وخدمه وأولياؤه وحشمه وَأخرج من بَاب القلعة فِي الْبَلَد

ص: 368

على دَار الحَدِيث إِلَى بَاب الْبَرِيد وَأدْخل مِنْهُ إِلَى الْجَامِع وَوضع قُدَّام بَاب النسْر وَصلى عَلَيْهِ القَاضِي محيي الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْقرشِي بِإِذن الْأَفْضَل ثمَّ حمل مِنْهُ على الرؤوس إِلَى بطن ملحده ثمَّ جَاءَ الْأَفْضَل وَحده وَدخل لحده وأودعه وَخرج وسد الْبَاب على أَبِيه وَجلسَ هُنَاكَ فِي الْجَامِع ثَلَاثَة أَيَّام للعزاء وأنفقت سِتّ الشَّام أُخْت السُّلْطَان فِي هَذِه النّوبَة أَمْوَالًا كَثِيرَة

قَالَ مُحَمَّد بن القادسي وَفِي يَوْم السبت ثَالِث عشر ربيع الأول شاعت الْأَخْبَار يَعْنِي بِبَغْدَاد بوفاة صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب وَذكر أَنه دفن مَعَه سَيْفه الَّذِي كَانَ مَعَه فِي الْجِهَاد وَكَانَ ذَلِك بِرَأْي الْفَاضِل وَقيل عَنهُ هَذَا يتَوَكَّأ عَلَيْهِ إِلَى الْجنَّة وَأَن الْفَاضِل كَفنه من مَاله وَتَوَلَّى غسله الْفَاضِل وخطيب دمشق

قلت وَحكي لي أَنه رُؤِيَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي جمَاعَة من الصَّحَابَة رضي الله عنهم زاروا قبر صَلَاح الدّين رحمه الله وَأَنَّهُمْ لما صَارُوا عِنْد الشباك سجدوا وَوجدت فِي بعض الْكتب الْفَاضِلِيَّةِ أَن رجلا رأى لَيْلَة وَفَاة السُّلْطَان كَأَن قَائِلا يَقُول لَهُ قد خرج اللَّيْلَة يُوسُف من السجْن وَهُوَ من الْأَثر النَّبَوِيّ الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن وجنة الْكَافِر

ص: 369

قَالَ وَمَا كَانَ يوسفنا رَحْمَة الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بالاضافة إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة إِلَّا فِي سجن رَضِي الله عَن تِلْكَ الرّوح وَفتح لَهُ بَاب الْجنَّة فَهُوَ آخر مَا كَانَ يَرْجُو من الْفتُوح

وَمن كَلَام غَيره فِي وَفَاة السُّلْطَان رَحمَه الله تَعَالَى أفلت الشَّمْس عِنْد الصَّباح وَذَهَبت روح الدُّنْيَا الَّذِي ذهب بذهابها كثيرمن الْأَرْوَاح وَتلك سَاعَة ظلت لَهَا الْأَلْبَاب حائرة وتمثلت فِيهَا السَّمَاء مائرة وَالْجِبَال سائرة وأغمد سيف الله الَّذِي كَانَ على أعدائه دَائِم التَّجْرِيد وَخفت الأَرْض من جبلها الَّذِي كَانَ يمْنَعهَا أَن تميد وَأصْبح الْإِسْلَام وَقد فقد ناصره فَهُوَ أعظم فَاقِد لأعظم فقيد وَلَيْسَ أحد من النَّاس إِلَّا وَقد صم عَن الْخَبَر وَأُصِيب فِي سَواد الْقلب وَالْبَصَر وَقَالَ وَقد توفّي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بقول عمر

وَختم الْعِمَاد كِتَابه الْبَرْق الشَّامي بقصيدة رثى بهَا السُّلْطَان رحمه الله عَددهَا فِي ديوانه بِخَطِّهِ مئتان وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ بَيْتا أَولهَا

(شَمل الْهدى وَالْملك عَم شتاته

والدهر سَاءَ وأقلعت حَسَنَاته)

(أَيْن الَّذِي مذ لم يزل مخشية

مرجوة هباته وهباته)

(أَيْن الَّذِي كَانَت لَهُ طاعاتنا

مبذولة ولربه طاعاته)

(بِاللَّه أَيْن النَّاصِر الْملك الَّذِي

لله خَالِصَة صفت نياته)

(أَيْن الَّذِي مَا زَالَ سُلْطَانا لنا

يُرْجَى نداه وتتقى سطواته)

ص: 370

(أَيْن الَّذِي شرف الزَّمَان بفضله

وسمت على الْفُضَلَاء تشريفاته)

(أَيْن الَّذِي عنت الفرنج لِبَأْسِهِ

ذلا وَمِنْهَا أدْركْت ثاراته)

(أغلال أَعْنَاق العدى أسيافه

أطواق أجياد الورى مناته)

(لم يجد تَدْبِير الطَّبِيب وَكم وَكم

أَجدت لطب الدَّهْر تدبيراته)

(من فِي الْجِهَاد صفاحه مَا أغمدت

بالنصر حَتَّى أغمدت صفحاته)

(من فِي صُدُور الْكفْر صدر قناته

حَتَّى تَوَارَتْ بالصفيح قناته)

(لذا المتاعب فِي الْجِهَاد وَلم تكن

مذ عَاشَ قطّ لذاته لذاته)

(مسعودة غدواته محمودة

روحاته مَيْمُونَة ضحواته)

(فِي نصْرَة الْإِسْلَام يسهر دَائِما

ليطول فِي روض الْجنان سباته)

(لَا تحسبوه مَاتَ شخص وَاحِد

فممات كل الْعَالمين مماته)

(ملك عَن الْإِسْلَام كَانَ محاميا

أبدا لماذا أسلمته حماته)

(قد أظلمت مذ غَابَ عَنْهَا دوره

لما خلت من بدره داراته)

(دفن السماح فَلَيْسَ تنشر بَعْدَمَا

أودى إِلَى يَوْم النشور رفاته)

(الدّين بعد أبي المظفر يُوسُف

أقوت قواه وأقفرت ساحاته)

(جبل تضعضع من تضعضع رُكْنه

أركاننا وتهدنا هداته)

(مَا كنت أعلم أَن طودا شامخا

يهوي وَلَا تهوي بِنَا مهواته)

(مَا كنت أعلم أَن بحرا طاميا

فِينَا يطم وتنتهي زخراته)

ص: 371

(بَحر خلا من وارديه وَلم تزل

محفوفة بوفوده حَافَّاته)

(من لِلْيَتَامَى والأرامل رَاحِم

متعطف مفضوضة صدقاته)

(لَو كَانَ فِي عصر النَّبِي لأنزلت

فِي ذكره من ذكره آيَاته)

(فعلى صَلَاح الدّين يُوسُف دَائِما

رضوَان رب الْعَرْش بل صلواته)

(لضريحه سقيا السَّحَاب فَإِن يغب

تحضر لرحمة ربه سقياته)

(وكعادة الْبَيْت الْمُقَدّس يحزن الْبَيْت

الْحَرَام عَلَيْهِ بل عرفاته)

(من للثغور وَقد عَداهَا حفظه

من للْجِهَاد وَلم تعد عاداته)

(بَكت الصوارم والصواهل إِذْ خلت

من سلها وركوبها غَزَوَاته)

(وبسيفه صدأ لحزن مصابه

إِذْ لَيْسَ يشفى بعده صدياته)

(يَا وحشتا للبيض فِي أغمادها

لَا تنتضيها للوغى عزماته)

(يَا وَحْشَة الْإِسْلَام يَوْم تمكنت

فِي كل قلب مُؤمن روعاته)

(يَا حسرتا من يأس راجيه الَّذِي

يقْضى الزَّمَان وَمَا انْقَضتْ حسراته)

(مَلَأت مهابته الْبِلَاد فَإِنَّهُ

أَسد وَإِن بِلَاده غاباته)

(مَا كَانَ أسْرع عصره لما انْقَضى

فَكَأَنَّمَا سنواته ساعاته)

(لم أنس يَوْم السبت وَهُوَ لما بِهِ

يُبْدِي السبات وَقد بَدَت غشياته)

(والبشر مِنْهُ تبلجت أنواره

وَالْوَجْه مِنْهُ تلألأت سبحاته)

(وَيَقُول لله الْمُهَيْمِن حكمه

فِي مَرضه حصلت بهَا مرضاته)

(وقف الْمُلُوك على انْتِظَار ركُوبه

لَهُم فَفِيمَ تَأَخَّرت ركباته)

ص: 372

(كَانُوا وقوفا أمس تَحت ركابه

وَالْيَوْم هم حول السرير مشاته)

(وممالك الْآفَاق ساعية لَهُ

فَمَتَى تَجِيء بفتحهن سعاته)

(هذي مناشير الممالك تَقْتَضِي

توقيعه فِيهَا فَأَيْنَ دواته)

(هذي الجيوش من الْبِلَاد تواصلت

فعلام لَا تسمو لَهَا راياته)

(قد كَانَ وَعدك فِي الرّبيع بجمعها

هَذَا الرّبيع وَقد دنا مِيقَاته)

(والجند فِي الدِّيوَان جدد عرضه

وَإِذا أمرت تَجَدَّدَتْ نفقاته)

(والقدس طامحة إِلَيْك عيونه

عجل فقد طمحت إِلَيْهِ عداته)

(والغرب منتظر طلوعك نَحوه

حَتَّى تفيء إِلَى هداك بغاته)

(والشرق يَرْجُو غرب عزمك مَاضِيا

فِي ملكه حَتَّى تطيع عصاته)

(مغرى بإسداء الْجَمِيل كَأَنَّمَا

فرضت عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ صلَاته)

(هَل للملوك مضاؤه فِي موقف

شدت على أعدائه شداته)

(وَإِذا الْمُلُوك سعوا وَقصر سَعْيهمْ

رجحت وَقد نجحت بِهِ مسعاته)

(كم جَاءَهُ التَّوْفِيق فِي وقعاته

من كَانَ بالتوفيق توقيعاته)

قَالَ بِخَط الْعِمَاد فِي حَاشِيَة ديوانه كَانَت علامته الْحَمد لله وَبِه توفيقي

(يَا رَاعيا للدّين حِين تمكنت

مِنْهُ الذئاب وأسلمته رعاته)

(مَا كَانَ ضرك لَو أَقمت مراعيا

دينا تولى مذ رحلت ولاته)

(أضجرت منا أم أنفت فَلم تكن

مِمَّن تصاب لشدَّة ضجراته)

(أرضيت تَحت الأَرْض يَا من لم تزل

فَوق السَّمَاء علية درجاته)

(فَارَقت ملكا غير بَاقٍ متعبا

ووصلت ملكا بَاقِيا راحاته)

ص: 373

(أعزز على عَيْني بِرُؤْيَة بهجة الدُّنْيَا

ووجهك لَا ترى بهجاته)

(أبني صَلَاح الدّين إِن أَبَاكُم

مَا زَالَ يَأْبَى مَا الْكِرَام أباته)

(لَا تقتدوا إِلَّا بِسنة فَضله

لتطيب فِي مهد النَّعيم سناته)

(وردوا موارد عدله وسماحه

لِترد عَن نهج الشمات شماته)

(وَلَئِن هوى جبل لقد بنيت لنا

ببنيه من هضباته ذرواته)

(وبفضل أفضله وَعز عزيزه

وَظُهُور ظَاهره لنا سرواته)

(الْأَفْضَل الْملك الَّذِي ظَهرت على الدُّنْيَا

بزهر جَلَاله جلواته)

(وَالدّين بِالْملكِ الْعَزِيز عماده

عُثْمَان حَالية لنا حالاته)

(وَالْملك غَازِي الظَّاهِر العالي الَّذِي

صحت لاظهار العلى مغزاته)

(وَلنَا بِسيف الدّين أظهر نصْرَة

بالعادل الْملك المطهر ذَاته)

وللعماد فِيهِ من قصيدة أُخْرَى

(من للعلا من للذرى من للهدى

يحميه من للبأس من للنائل)

(طلب الْبَقَاء لملكه فِي آجل

إِذْ لم يَثِق بِبَقَاء ملك العاجل)

(بَحر أعَاد الْبر بحرا بره

وبسيفه فتحت بِلَاد السَّاحِل)

(من كَانَ أهل الْحق فِي أَيَّامه

وبعزه يردون أهل الْبَاطِل)

(وفتوحه والقدس من أبكارها

أبقت لَهُ فضلا بِغَيْر مساجل)

(مَا كنت أستسقي لقبرك وابلا

وَرَأَيْت جودك مخجلا للوابل)

(فسقاك رضوَان الْإِلَه لإنني

لَا أرتضي سقيا الْغَمَام الهاطل)

ص: 374